الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَيْرِهِمَا مِمَّا يُوجِبُ غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا، وَمِنْهُ تَهْدِيدُ الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا، وَالرَّجُل بِاللِّوَاطِ.
أَمَّا التَّهْدِيدُ بِالإِْجَاعَةِ، فَيَتَرَاوَحُ بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ، فَلَا يَصِيرُ مُلْجِئًا إِلَاّ إِذَا بَلَغَ الْجُوعُ بِالْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) حَدَّ خَوْفِ الْهَلَاكِ. (1)
ثُمَّ الَّذِي يُوجِبُ غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الأَْشْخَاصِ وَالأَْحْوَال: فَلَيْسَ الأَْشْرَافُ كَالأَْرَاذِل، وَلَا الضِّعَافُ كَالأَْقْوِيَاءِ، وَلَا تَفْوِيتُ الْمَال الْيَسِيرِ كَتَفْوِيتِ الْمَال الْكَثِيرِ، وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَى الْحَاكِمِ، يُقَدِّرُ لِكُل وَاقِعَةٍ قَدْرَهَا. (2)
الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ:
10 -
أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ مُمْتَنِعًا عَنِ الْفِعْل الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لَوْلَا الإِْكْرَاهُ، إِمَّا لِحَقِّ نَفْسِهِ - كَمَا فِي إِكْرَاهِهِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ - وَإِمَّا لِحَقِّ شَخْصٍ آخَرَ، وَإِمَّا لِحَقِّ الشَّرْعِ - كَمَا فِي إِكْرَاهِهِ ظُلْمًا عَلَى إِتْلَافِ مَال شَخْصٍ آخَرَ، أَوْ نَفْسِ هَذَا الشَّخْصِ، أَوِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ (3) أَوْ
(1) البدائع 9 / 4481، وأشباه السيوطي ص 209.
(2)
المبسوط 24 / 52، والتلويح 2 / 198، ورد المحتار 5 / 81، والخرشي 3 / 174، والمهذب 2 / 79، والفروع 3 / 176.
(3)
وله - أو عليه - إذا حلفه الحامل، أن يحلف كاذبا، ويحنث، لأنه مخير بين اليمين والدلالة، كما هي القاعدة عند غير الحنفية والمالكية، فيما اعتمدوه. وقيل: لا تنعقد يمينه أصلا، واختاره ابن رجب من الحنابلة (قواعده 37) ومقتضى قواعد الحنفية والمالكية أن هذا التخيير لا ينافي الإكراه، ولكن يمين المكره منعقدة وصحيحة في رأي الحنفية، وباطلة أو قابلة للإجازة عند المالكية، كما سيجيء
عَلَى ارْتِكَابِ مُوجِبِ حَدٍّ فِي خَالِصِ حَقِّ اللَّهِ، كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ (1) .
الشَّرِيطَةُ الْخَامِسَةُ:
11 -
أَنْ يَكُونَ مَحَل الْفِعْل الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنًا. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ عَلَى إِطْلَاقِهِ. وَفِي حُكْمِ الْمُتَعَيِّنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - مَا لَوْ خُيِّرَ بَيْنَ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ. (2)
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا حُكْمُ الْمُصَادَرَةِ الَّذِي سَلَفَ ذِكْرُهُ فِي فِقْرَةِ (4) .
وَمِنْهُ يُسْتَنْبَطُ أَنَّ مَوْقِفَ الْمَالِكِيَّةِ فِي حَالَةِ الإِْبْهَامِ أَدْنَى إِلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، بَل أَوْغَل فِي الاِعْتِدَادِ بِالإِْكْرَاهِ حِينَئِذٍ، لأَِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا أَنْ يَكُونَ مَجَال الإِْبْهَامِ أُمُورًا مُعَيَّنَةً.
أَمَّا الإِْكْرَاهُ عَلَى طَلَاقِ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ، أَوْ قَتْل أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَمِنْ مَسَائِل الْخِلَافِ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ:
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَمَعَهُمْ مُوَافِقُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، يَتَحَقَّقُ الإِْكْرَاهُ بِرَغْمِ هَذَا التَّخْيِيرِ.
وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِلَّةٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - لَا يَتَحَقَّقُ؛ لأَِنَّ لَهُ مَنْدُوحَةً عَنْ طَلَاقِ كُلٍّ بِطَلَاقِ الأُْخْرَى، وَكَذَا فِي الْقَتْل، نَتِيجَةَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَحَل. (3) وَالتَّفْصِيل فِي الْفَصْل الثَّانِي.
(1) رد المحتار 5 / 80، ومغني المحتاج 3 / 239، 290، ونيل المآرب 2 / 73.
(2)
رد المحتار 5 / 88، والمبسوط 24 / 61.
(3)
فتاوى ابن حجر 4 / 176، وأشباه السيوطي ص 210، ومطالب أولي النهى 5 / 326.