الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ؛ لأَِنَّ الْمَنَافِعَ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْمَعَاصِي. (1)
كَذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ الاِنْتِفَاعَ بِالْمُبَاحِ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ. وَالاِنْتِفَاعُ بِالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الإِْضْرَارِ بِالْغَيْرِ. وَالْجُلُوسُ عَلَى الطُّرُقِ الْعَامَّةِ لِلاِسْتِرَاحَةِ أَوِ الْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَوَضْعُ الْمِظَلَاّتِ - إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ. (2)
وَكَذَلِكَ الاِنْتِفَاعُ بِالْمُحَرَّمِ حَال الاِضْطِرَارِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ. فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ يَجُوزُ لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِالْمُحَرَّمَاتِ بِمِقْدَارِ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ وَيَأْمَنُ مَعَهُ الْمَوْتَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ يَأْكُل مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا؛ لأَِنَّ مَا جَازَ سَدُّ الرَّمَقِ مِنْهُ جَازَ الشِّبَعُ مِنْهُ كَالْمُبَاحِ. بَل الْمَالِكِيَّةُ جَوَّزُوا التَّزَوُّدَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ احْتِيَاطًا خَشْيَةَ اسْتِمْرَارِ حَالَةِ الاِضْطِرَارِ، كَمَا تَدُل عَلَيْهِ نُصُوصُهُمْ. (3)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ الاِنْتِفَاعُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَدْفَعُ الْهَلَاكَ وَيَسُدُّ الرَّمَقَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُل إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّدَ؛ لأَِنَّ الضَّرُورَةَ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. (4)
(1) الزيلعي 5 / 125، ونهاية المحتاج 5 / 119، 267، 354، وبلغة السالك 3 / 572، والمغني 5 / 359، 6 / 129.
(2)
ابن عابدين 5 / 282، ونهاية المحتاج 5 / 339.
(3)
ابن عابدين 5 / 215، والشرح الصغير للدردير 2 / 183، والقليوبي 4 / 263، والمغني 11 / 73، والتاج والإكليل 3 / 233.
(4)
ابن عابدين 5 / 7215 ونهاية المحتاج 8 / 152، والمغني 11 / 73.
26 -
ثَانِيًا:
يَلْزَمُ الْمُنْتَفِعَ أَنْ يُرَاعِيَ حُدُودَ إِذْنِ الْمَالِكِ، إِذَا ثَبَتَ الاِنْتِفَاعُ بِإِذْنٍ مِنْ مَالِكٍ خَاصٍّ، كَإِبَاحَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الضِّيَافَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَرْضَى بِإِطْعَامِ الْغَيْرِ، فَلَا يَحِل لَهُ أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَكَذَلِكَ الإِْذْنُ بِسُكْنَى الدَّارِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِلشَّخْصِ، فَإِنَّ الاِنْتِفَاعَ بِهَا مَحْدُودٌ بِشُرُوطِ الْمُبِيحِ. (1)
27 -
ثَالِثًا:
يَلْزَمُ الْمُنْتَفِعَ التَّقَيُّدُ بِالْقُيُودِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا فِي الْعَقْدِ، إِذَا كَانَ مُسَبِّبُ الاِنْتِفَاعِ عَقْدًا. لأَِنَّ الأَْصْل مُرَاعَاةُ الشُّرُوطِ بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ. فَإِذَا حُدِّدَ الاِنْتِفَاعُ فِي الإِْجَارَةِ أَوِ الْعَارِيَّةِ أَوِ الْوَصِيَّةِ بِوَقْتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَتَجَاوَزُهَا مَا لَمْ تَكُنِ الشُّرُوطُ مُخَالِفَةً لِلشَّرْعِ. (2)
28 -
رَابِعًا:
يَلْزَمُ الْمُنْتَفِعَ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الْحَدَّ الْمُعْتَادَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الاِنْتِفَاعُ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ أَوْ شَرْطٍ؛ لأَِنَّ الْمُطْلَقَ يُقَيَّدُ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَالْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا كَمَا جَرَى عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ. فَلَوْ أَعَارَهُ وَأَطْلَقَ فَلِلْمُسْتَعِيرِ الاِنْتِفَاعُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فِي كُل مَا هُوَ مُهَيَّأٌ لَهُ. وَمَا هُوَ غَيْرُ مُهَيَّأٍ لَهُ يُعَيِّنُهُ الْعُرْفُ وَلَوْ قَال: آجَرْتُكَهَا لِمَا شِئْتَ صَحَّ، وَيَفْعَل مَا يَشَاءُ لِرِضَاهُ بِهِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ كَالْعَارِيَّةِ. (3)
(1) الفتاوى الهندية 3 / 344، والبجيرمي على الخطيب 3 / 391، والمغني 7 / 288.
(2)
الزيلعي 5 / 86، ونهاية المحتاج 5 / 127، وبلغة السالك 3 / 575.
(3)
البدائع 4 / 216، وانظر أيضا نهاية المحتاج 5 / 283، والمغني 5 / 359