الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّاهِقِ، أَمِ انْخَسَفَ بِهِ سَقْفٌ أَمْ خَرَّ فِي بِئْرٍ، أَمْ لَقِيَهُ سَبْعٌ، أَمْ غَرِقَ فِي مَاءٍ، أَمِ احْتَرَقَ بِنَارٍ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَطْلُوبُ صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا، أَعْمَى أَمْ بَصِيرًا، عَاقِلاً أَمْ مَجْنُونًا (1) .
وَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَوْضُوعِ فَقَالُوا: مَنْ أَشَارَ إِلَى رَجُلٍ بِسَيْفٍ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ، فَتَمَادَى بِالإِْشَارَةِ إِلَيْهِ وَهُوَ يَهْرُبُ مِنْهُ، فَطَلَبَهُ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِدُونِ الْقَسَامَةِ إِذَا كَانَ الْمَوْتُ بِدُونِ السُّقُوطِ، وَإِذَا سَقَطَ وَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ مَعَ الْقَسَامَةِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ بِدُونِ عَدَاوَةٍ فَلَا قِصَاصَ، وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ (2)
ثَانِيًا: هُجُومُ الْوَاحِدِ عَلَى صَفِّ الْعَدُوِّ:
11 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ هُجُومِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَحْدَهُ عَلَى جَيْشِ الْعَدُوِّ، مَعَ التَّيَقُّنِ بِأَنَّهُ سَيُقْتَل.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ إِقْدَامِ الرَّجُل الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَثِيرِ مِنَ الْكُفَّارِ، إِنْ كَانَ قَصْدُهُ إِعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَكَانَ فِيهِ قُوَّةٌ وَظَنَّ تَأْثِيرَهُ فِيهِمْ، وَلَوْ عَلِمَ ذَهَابَ نَفْسِهِ، فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ انْتِحَارًا (3) .
وَقِيل: إِذَا طَلَبَ الشَّهَادَةَ، وَخَلَصَتِ النِّيَّةُ فَلْيَحْمِل؛ لأَِنَّ مَقْصُودَهُ وَاحِدٌ مِنَ الأَْعْدَاءِ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} (4)
(1) المغني 9 / 577
(2)
مواهب الجليل 6 / 241، جواهر الإكليل 2 / 257
(3)
الشرح الكبير 2 / 183
(4)
سورة البقرة / 207. وانظر أيضا تفسير القرطبي 2 / 363
وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنْ سَيَقْتُل مَنْ حَمَل عَلَيْهِ وَيَنْجُوَ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَلِمَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُقْتَل، لَكِنْ سَيَنْكِي نِكَايَةً أَوْ سَيُبْلِي أَوْ يُؤَثِّرُ أَثَرًا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ (1) .
وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا إِلْقَاءَ النَّفْسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (2) لأَِنَّ مَعْنَى التَّهْلُكَةِ - كَمَا فَسَّرَهَا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ - هُوَ الإِْقَامَةُ فِي الأَْمْوَال وَإِصْلَاحُهَا وَتَرْكُ الْجِهَادِ. لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ حِكَايَةً عَنْ غَزْوِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أَنَّهُ حَمَل رَجُلٌ مِنَ الْمُسْمَلِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَل فِيهِمْ، فَصَاحَ النَّاسُ، وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ، يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَْنْصَارِيُّ فَقَال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآْيَةَ هَذَا التَّأْوِيل، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ فِينَا مَعَاشِرَ الأَْنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِْسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَقَال بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِْسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَل عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَى مَا قُلْنَا {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الإِْقَامَةَ عَلَى الأَْمْوَال وَإِصْلَاحَهَا وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ (3)
(1) تفسير القرطبي 2 / 363
(2)
سورة البقرة / 195
(3)
الأثر عن أسلم أبي عمران أخرجه الترمذي (تحفة الأحوذي 8 / 311 - 312 ط السلفية) والحاكم (المستدرك 2 / 275 ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه، ووافقه الذهبي