الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدُّنْيَوِيَّةَ وَالأُْخْرَوِيَّةَ، إِذِ الْعُقُوبَةُ وَاجِبَةٌ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِل عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ (1) فَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ، وَعِرْضُهُ أَنْ يَحِل الْقَوْل فِي عِرْضِهِ بِالإِْغْلَاظِ. وَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَطْل الْغَنِيِّ ظُلْمٌ. (2)
وَلِذَلِكَ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَنِ الْوَفَاءِ بِالضَّرْبِ أَوِ الْحَبْسِ أَوِ الْحَجْرِ وَمَنْعِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَال، أَوْ بَيْعِ مَال الْمُلْتَزَمِ وَالْوَفَاءِ مِنْهُ. إِلَاّ إِذَا كَانَ الْمُلْتَزِمُ مُعْسِرًا فَيَجِبُ إِنْظَارُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} . (3)
41 -
وَمَا سَبَقَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْجُمْلَةِ، إِذْ لِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلَاتٌ وَتَفْرِيعَاتٌ، وَمِنْ ذَلِكَ مَثَلاً:
(1) حديث: " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته. . . " أخرجه أبو داود (سنن أبي داود 4 / 45 ط إستنبول) والنسائي (7 / 316 ط المطبعة المصرية) وابن ماجه (2 / 811 ط مصطفى الحلبي) . وقال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن (فتح الباري 5 / 62 ط السلفية) .
(2)
حديث: " مطل الغني ظلم. . . " أخرجه البخاري ومسلم مرفوعا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (فتح الباري 5 / 61 ط السلفية، وصحيح مسلم 3 / 1197 ط مصطفى الحلبي) .
(3)
سورة البقرة / 280. وانظر الهداية 3 / 104، 285، 286، والبدائع 5 / 90، 171 و 6 / 10 و 7 / 148، 164، 173، 217، وابن عابدين 1 / 458 و 2 / 635، والتكملة لابن عابدين 2 / 351، والفروق للقرافي الفرق 236، والتبصرة لابن فرحون 2 / 318 - 330، والقوانين الفقهية لابن جزي 208، 209، وبداية المجتهد 1 / 422 و 2 / 285، والقواعد لابن رجب ص 31، 33، 53، 54، 87، 145، 245، والمغني 4 / 219، 447 - 502 و 591 و 9 / 1، والمنثور في القواعد 1 / 101 و3 / 109، 110، 323، ومغني المحتاج 2 / 74، ونهاية المحتاج 4 / 100، 101، وقليوبي 2 / 286، وفتح العلي المالك 1 / 212، 251، 252 ط دار المعرفة.
اخْتِلَافُهُمْ فِي الإِْجْبَارِ عَلَى الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ الْمَشْرُوعِ عِنْدَ الاِمْتِنَاعِ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُقْضَى بِالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ إِذَا كَانَ لِمُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ يُؤْمَرُ بِالْوَفَاءِ وَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيل يُقْضَى بِهِ، وَفِيهِ الْخِلَافُ أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْحَجْرَ فِي الدَّيْنِ، لأَِنَّ فِي الْحَجْرِ إِهْدَارَ آدَمِيَّةِ الْمَدِينِ، بَل لَا يُجِيزُ لِلْحَاكِمِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ، وَإِنَّمَا يُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ (1) . وَهَكَذَا.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ.
2 - الْتِزَامَاتٌ يُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِهَا وَلَا يَجِبُ:
42 -
أ - الاِلْتِزَامَاتُ الَّتِي تَنْشَأُ مِنْ عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ كَالْقَرْضِ وَالْهِبَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ.
ب - الاِلْتِزَامُ النَّاشِئُ بِالْوَعْدِ، فَهَذِهِ الاِلْتِزَامَاتُ يُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِهَا، لأَِنَّهَا مِنَ الْمَعْرُوفِ الَّذِي نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّارِعُ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (2) وَيَقُول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةٍ مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ (3) وَيَقُول: تَهَادَوا تَحَابُّوا (4) .
(1) الهداية 3 / 285، وفتح العلي المالك 1 / 251، 252 نشر دار المعرفة، والمنثور في القواعد 3 / 109.
(2)
سورة المائدة / 2.
(3)
حديث: " من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. . . ". أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا. (صحيح مسلم 4 / 2074 ط عيسى الحلبي) .
(4)
حديث: " تهادوا تحابوا. . . " أخرجه مالك مرسلا من حديث عطاء بن أبي مسلم عبد الله الخراساني وإسناده معضل. قال ابن المبارك: حديث مالك جيد. وقال ابن عبد البر: هذا يتصل من وجوه شتى، حسان كلها. (الموطأ للإمام مالك 2 / 908 ط مصطفى الحلبي، وجامع الأصول في أحاديث الرسول 6 / 618، 619) .
لَكِنْ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا، فَفِي الْوَصِيَّةِ يَجُوزُ بِالاِتِّفَاقِ الرُّجُوعُ فِيهَا مَا دَامَ الْمُوصِي حَيًّا.
وَفِي الْعَارِيَّةِ وَالْقَرْضِ يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِطَلَبِ الْمُسْتَعَارِ وَبَدَل الْقَرْضِ فِي الْحَال بَعْدَ الْقَبْضِ، وَهَذَا عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ، بَل قَال الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْمُقْرِضَ إِذَا أَجَّل الْقَرْضَ لَا يَلْزَمُهُ التَّأْجِيل، لأَِنَّهُ لَوْ لَزِمَ فِيهِ الأَْجَل لَمْ يَبْقَ تَبَرُّعًا.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ وَالْقَرْضَ إِذَا كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ فَذَلِكَ لَازِمٌ إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ الأَْجَل، وَإِنْ كَانَا مُطْلَقَيْنِ لَزِمَ الْبَقَاءُ فَتْرَةً يُنْتَفَعُ بِمِثْلِهِ فِيهَا، وَاسْتَنَدُوا إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً سَأَل بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (1) . وَقَال ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ: إِذَا أَجَّلَهُ فِي الْقَرْضِ جَازَ.
وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ قَبْل الْقَبْضِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَإِذَا تَمَّ الْقَبْضُ فَلَا رُجُوعَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَاّ فِيمَا وَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ الرُّجُوعُ إِنْ كَانَتْ لأَِجْنَبِيٍّ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَا رُجُوعَ عِنْدَهُمْ فِي الْهِبَةِ قَبْل الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ فِي الْجُمْلَةِ، إِلَاّ فِيمَا يَهَبُهُ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ. (2)
(1) حديث: " أنه صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا سأل بعض بني إسرائيل. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 352، 353 ط السلفية) .
(2)
البدائع 5 / 234 و 6 / 216 و218 و 7 / 378، 396، والهداية 3 / 222، 227، 231 و 4 / 235، ومنح الجليل 3 / 50، 51، وجواهر الإكليل 2 / 212، 318، والمهذب 1 / 310، 370، 454، 468، ومنتهى الإرادات 2 / 227، 520، 525، 545، والمغني 4 / 349 و5 / 229، والقواعد لابن رجب ص 110، 111.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ.
43 -
وَالْوَعْدُ كَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِهِ بِاتِّفَاقٍ.
يَقُول الْقَرَافِيُّ: مِنْ أَدَبِ الْعَبْدِ مَعَ رَبِّهِ إِذَا وَعَدَ رَبَّهُ بِشَيْءٍ لَا يُخْلِفُهُ إِيَّاهُ، لَا سِيَّمَا إِذَا الْتَزَمَهُ وَصَمَّمَ عَلَيْهِ، فَأَدَبُ الْعَبْدِ مَعَ اللَّهِ سبحانه وتعالى بِحُسْنِ الْوَفَاءِ وَتَلَقِّي هَذِهِ الاِلْتِزَامَاتِ بِالْقَبُول.
لَكِنَّ الْوَفَاءَ بِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي الْبَدَائِعِ: الْوَعْدُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، وَفِي مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ: لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ نَصًّا، وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَوْ قَال: أُؤَدِّي الْمَال أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ، فَهُوَ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، لأَِنَّ الصِّيغَةَ غَيْرُ مُشْعِرَةٍ بِالاِلْتِزَامِ. (1)
إِلَاّ أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ تَسْتَدْعِي الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ. فَقَدْ نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ ذَكَرَ الْبَيْعَ بِلَا شَرْطٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الشَّرْطَ عَلَى وَجْهِ الْعِدَةِ، جَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، إِذِ الْمَوَاعِيدُ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً فَيُجْعَل لَازِمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْوَعْدَ يَلْزَمُ وَيُقْضَى بِهِ إِذَا دَخَل الْمَوْعُودُ بِسَبَبِ الْوَعْدِ فِي شَيْءٍ، قَال سَحْنُونٌ: الَّذِي يَلْزَمُ مِنَ الْوَعْدِ إِذَا قَال: اهْدِمْ دَارَكَ وَأَنَا أُسْلِفُكَ مَا تَبْنِي بِهِ، أَوِ اخْرُجْ إِلَى الْحَجِّ أَوِ اشْتَرِ سِلْعَةً أَوْ تَزَوَّجْ وَأَنَا أُسْلِفُكَ، لأَِنَّكَ أَدْخَلْتَهُ بِوَعْدِكَ فِي ذَلِكَ، أَمَّا مُجَرَّدُ الْوَعْدِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، بَل الْوَفَاءُ بِهِ مِنْ مَكَارِمِ الأَْخْلَاقِ.
(1) الفروق للقرافي 3 / 95، والبدائع 7 / 84، 85، ومنتهى الإرادات 3 / 456، ونهاية المحتاج 4 / 441.