الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُهِدَ فِي الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ جَاءَ شُهُودٌ أَخْبَرُوهُ أَنَّ أَبَاهُ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ بِهَذِهِ الدَّارِ وَحَازَهَا لَهُ، فَإِنَّهُ إِذَا رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ مُعْتَذِرًا بِإِخْبَارِ الْبَيِّنَةِ لَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَعُذْرُهُ، وَيُقِيمُ بَيِّنَتَهُ، وَلَا يَكُونُ إِقْرَارُهُ السَّابِقُ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ وَقَادِحًا فِيهَا، فَيُقْبَل الرُّجُوعُ فِي الإِْقْرَارِ.
وَإِذَا قَال: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إِنْ حَلَفَ - أَوْ مَعَ يَمِينِهِ - فَحَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ، فَرَجَعَ الْمُقِرُّ وَقَال: مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَحْلِفُ، لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ شَيْءٌ، لأَِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ هَذَا الاِشْتِرَاطَ يَقْضِي عَدَمَ اعْتِقَادِ لُزُومِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِقْرَارٍ. (1) وَيَقُول ابْنُ جُزَيٍّ: مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِمَخْلُوقٍ لَمْ يَنْفَعْهُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنْ رَجَعَ إِلَى شُبْهَةٍ قُبِل مِنْهُ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَى غَيْرِ شُبْهَةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: قَوْلٌ يُقْبَل مِنْهُ وِفَاقًا لأَِبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَقِيل: لَا يُقْبَل مِنْهُ وِفَاقًا لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ (2) .
هَل الإِْقْرَارُ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ
؟
61 -
نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ: عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إِقْرَارِهِ، لَا يَحِل لَهُ أَخْذُهُ عَنْ كَرْهٍ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، إِلَاّ أَنْ يُسَلِّمَهُ بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً عَلَى سَبِيل الْهِبَةِ، وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ ابْنِ الْفَضْل: أَنَّ الإِْقْرَارَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلتَّمْلِيكِ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا: وَالْمُقَرُّ لَهُ إِذَا صَدَّقَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَصِحُّ رَدُّهُ.
(1) الفروق 4 / 38، ومواهب الجليل للحطاب 5 / 223.
(2)
القوانين الفقهية ص 208.
وَحُكْمُهُ لُزُومُ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَعَمَلُهُ إِظْهَارُ الْمُخْبَرِ بِهِ لِغَيْرِهِ لَا التَّمْلِيكُ بِهِ ابْتِدَاءً، وَيَدُل عَلَيْهِ مَسَائِل:
أ - أَنَّ الرَّجُل إِذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ لَا يَمْلِكُهَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ، حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا الْمُقِرُّ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إِلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الإِْقْرَارُ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، لأَِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِمُوَافَقَةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي صِحَّةِ الإِْقْرَارِ، لَكِنْ لَمْ نَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُقِرَّ إِذَا مَلَكَ الْعَيْنَ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَمْ نَجِدْ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ذِكْرًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
ب - الإِْقْرَارُ بِالْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ يَصِحُّ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَمْ يَصِحَّ، لَكِنْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ الإِْقْرَارِ بِالْخَمْرِ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الْخَمْرِ إِذَا كَانَ مُحْتَرَمًا أَوْ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ، وَصَحَّحُوا الإِْقْرَارَ بِالْخَمْرِ الْمُحْتَرَمِ.
ج - الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ إِذَا أَقَرَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ لأَِجْنَبِيٍّ صَحَّ إِقْرَارُهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَمْ يَنْفُذْ إِلَاّ بِقَدْرِ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ إِجَازَتِهِمْ، وَبِقَوْلِهِمْ مَال جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ، قِيل: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَقِيل: لَا يَصِحُّ إِلَاّ فِي الثُّلُثِ.
د - الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إِذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ صَحَّ إِقْرَارُهُ، وَلَوْ كَانَ الإِْقْرَارُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ ابْتِدَاءً كَانَ تَبَرُّعًا مِنَ الْعَبْدِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِي الْكَثِيرِ. (1) وَمِثْلُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِلَاّ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ.
(1) الهداية والفتح والعناية 6 / 280 - 281، والدسوقي على الشرح الكبير 3 / 397 - 403، ومغني المحتاج 2 / 239 - 246 ونهاية المحتاج 5 / 75، والمغني 5 / 187، 299، 342.