الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كُتِبَ أَوْ لَمْ يُكْتَبْ. (1)
وَيَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْكِتَابَةَ الْمَرْسُومَةَ الْمُعَنْوَنَةَ كَالنُّطْقِ بِالإِْقْرَارِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْكِتَابَةُ بِطَلَبٍ مِنَ الدَّائِنِ أَوْ بِلَا طَلَبِهِ. وَنَقَل عَنِ الأَْشْبَاهِ لاِبْنِ نُجَيْمٍ أَنَّهُ إِذَا كَتَبَ وَلَمْ يَقُل شَيْئًا لَا تَحِل الشَّهَادَةُ، لأَِنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ. وَلَوْ كَتَبَ أَمَامَ الشُّهُودِ وَقَال: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، كَانَ إِقْرَارًا إِنْ عَلِمُوا بِمَا فِيهِ وَإِلَاّ فَلَا. (2)
وَالإِْيمَاءُ بِالرَّأْسِ مِنَ النَّاطِقِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ إِلَاّ فِي النَّسَبِ وَالإِْسْلَامِ وَالْكُفْرِ وَالإِْفْتَاءِ. (3)
وَأَمَّا الصِّيغَةُ الَّتِي تُفِيدُ الإِْقْرَارَ دَلَالَةً فَهِيَ أَنْ يَقُول لَهُ رَجُلٌ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ، فَيَقُول: قَدْ قَبَضْتُهَا، لأَِنَّ الْقَضَاءَ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ مِثْل الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ، فَيَقْتَضِي مَا يُعَيِّنُ الْوُجُوبَ، فَكَانَ الإِْقْرَارُ بِالْقَضَاءِ إِقْرَارًا بِالْوُجُوبِ، ثُمَّ يَدَّعِي الْخُرُوجَ عَنْهُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَصِحُّ إِلَاّ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَذَا إِذَا قَال: أَجِّلْنِي بِهَا. لأَِنَّ التَّأْجِيل تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ مَعَ قِيَامِ أَصْل الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ. (4)
الصِّيغَةُ مِنْ حَيْثُ الإِْطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ:
الصِّيغَةُ قَدْ تَكُونُ مُطْلَقَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ تَكُونُ مُقْتَرِنَةً. وَالْقَرِينَةُ فِي الأَْصْل نَوْعَانِ:
41 -
أ - قَرِينَةٌ مُبَيِّنَةٌ (عَلَى الإِْطْلَاقِ) ، وَهِيَ الْمُعَيِّنَةُ لِبَعْضِ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ يَحْتَمِل الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ صَحَّ بَيَانُهُ مُتَّصِلاً كَانَ الْبَيَانُ أَوْ
(1) رد المحتار على الدر المختار 4 / 455.
(2)
رد المحتار 4 / 456.
(3)
رد المحتار 4 / 452.
(4)
البدائع 7 / 208.
مُنْفَصِلاً، وَإِنْ كَانَ لأَِحَدِ الاِحْتِمَالَيْنِ رُجْحَانٌ تَسْبِقُ إِلَيْهِ الأَْفْهَامُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ لَا يَصِحُّ إِنْ كَانَ الْبَيَانُ مُنْفَصِلاً، وَيَصِحُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَّصِل إِذَا لَمْ يَتَضَمَّنِ الرُّجُوعَ. (1)
وَبِصِفَةٍ عَامَّةٍ إِذَا كَانَتِ الْقَرِينَةُ مُنْفَصِلَةً عَنِ الإِْقْرَارِ بِأَنْ قَال: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَسَكَتَ، ثُمَّ قَال: إِلَاّ دِرْهَمًا، لَا يَصِحُّ الاِسْتِثْنَاءُ عِنْدَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ، إِلَاّ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ يَصِحُّ، لأَِنَّ الاِسْتِثْنَاءَ بَيَانٌ فَيَصِحُّ مُتَّصِلاً وَمُنْفَصِلاً.
وَوَجْهُ قَوْل الْعَامَّةِ أَنَّ صِيغَةَ الاِسْتِثْنَاءِ إِذَا انْفَصَلَتْ عَنِ الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ لَا تَكُونُ كَلَامَ اسْتِثْنَاءٍ لُغَةً، وَقَالُوا: إِنَّ الرِّوَايَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَكَادُ تَصِحُّ. (2) وَبَيَانُ ذَلِكَ تَفْصِيلاً سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِثْنَاء) .
42 -
ب - قَرِينَةٌ مُغَيِّرَةٌ (مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ) مُبَيِّنَةٌ (حَقِيقَةً) ، وَهَذِهِ يَتَغَيَّرُ بِهَا الاِسْمُ لَكِنْ يَتَبَيَّنُ بِهَا الْمُرَادُ، فَكَانَ تَغْيِيرًا صُورَةً، تَبْيِينًا مَعْنًى، وَمِنْهُ مَا يَلِي:
أ -
تَعْلِيقُ الإِْقْرَارِ عَلَى الْمَشِيئَةِ:
43 -
الْقَرِينَةُ الْمُغَيِّرَةُ قَدْ تَدْخُل عَلَى أَصْل الإِْقْرَارِ، وَتَكُونُ مُتَّصِلَةً بِهِ، كَتَعْلِيقِ الإِْقْرَارِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ مَشِيئَةِ فُلَانٍ. وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الإِْقْرَارِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى الْمَشِيئَةِ يَجْعَل الأَْمْرَ مُحْتَمَلاً. وَالإِْقْرَارُ إِخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ، وَالْكَائِنُ لَا يَحْتَمِل التَّعْلِيقَ. وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِذْ قَالَا: لَوْ عَلَّقَ الإِْقْرَارَ عَلَى
(1) البدائع 7 / 214.
(2)
البدائع 7 / 212.