الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ (1) ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيَنْتَقِل طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تُخَزِّنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَاشِيَتِهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَاّ بِإِذْنِهِ (2)
قَال الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَصْل الْمَأْكُول وَالْمَشْرُوبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِمَالِكٍ مِنَ الآْدَمِيِّينَ، أَوْ أَحَلَّهُ مَالِكُهُ، أَنَّهُ حَلَالٌ إِلَاّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَزِمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُحَرَّمَ. وَيَحْرُمُ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِي تَحْرِيمِهِ، وَكَانَ فِي مَعْنَى كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، فَإِنْ قَال قَائِلٌ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ كُل مَا كَانَ مُبَاحَ الأَْصْل يَحْرُمُ بِمَالِكِهِ، حَتَّى يَأْذَنَ فِيهِ مَالِكُهُ فَالْحُجَّةُ فِيهِ: أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَال: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلَاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (3) . وَقَال تبارك وتعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (4) وَقَال: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} (5) ، مَعَ آيٍ كَثِيرَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل حَظَرَ فِيهَا أَمْوَال النَّاسِ إِلَاّ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ (6) .
وَمِمَّا رُوِيَ فِي تَحْرِيمِ مَال الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ مَا وَرَدَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى أَبِي اللَّحْمِ قَال: أَقْبَلْتُ مَعَ سَادَتِي نُرِيدُ الْهِجْرَةَ، حَتَّى أَنْ دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، قَال:
(1) المشربة بضم الراء وفتحها: الغرفة (المصباح) .
(2)
حديث: " لا يحلبن أحدكم ماشية أحد. . . " أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا. (فتح الباري 5 / 88 ط السلفية) .
(3)
سورة النساء / 29.
(4)
سورة النساء / 4.
(5)
سورة النساء / 2.
(6)
الأم 2 / 213.
فَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ، وَخَلَّفُونِي فِي ظَهْرِهِمْ، قَال: فَأَصَابَنِي مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ، قَال: فَمَرَّ بِي بَعْضُ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا لِي: لَوْ دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ فَأَصَبْتَ مِنْ تَمْرِ حَوَائِطِهَا، فَدَخَلْتُ حَائِطًا، فَقَطَعْتُ مِنْهُ قِنْوَيْنِ، فَأَتَانِي صَاحِبُ الْحَائِطِ، فَأَتَى بِي إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخْبَرَهُ خَبَرِي، وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ، فَقَال لِي: أَيُّهُمَا أَفْضَل؟ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَقَال: خُذْهُ، وَأَعْطَى صَاحِبَ الْحَائِطِ الآْخَرَ، وَأَخْلَى سَبِيلِي (1) وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تُبِيحُ الإِْقْدَامَ عَلَى مَال الْغَيْرِ مَعَ وُجُودِ مَا يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا تَدْعُو حَاجَةُ الإِْنْسَانِ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ هُنَا أَخَذَ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ، وَدَفَعَهُ إِلَى صَاحِبِ النَّخْل (2) .
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَاعِدَةِ تَحَرِّي الْحَلَال فِي الأَْكْل:
أ -
حُكْمُ الْمُضْطَرِّ:
26 -
مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ هَلَاكُ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَجِدْ إِلَاّ مَيْتَةً أَوْ نَحْوَهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ مَال الْغَيْرِ، لَزِمَهُ الأَْكْل مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُحْيِي نَفْسَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (3) . وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ} أَيْ عَلَى مُضْطَرٍّ آخَرَ {وَلَا
(1) حديث عمير قال " أقبلت مع سادتي. . . " أخرجه أحمد بن حنبل بهذا اللفظ من حديث عمير مولى أبي اللحم: وفي إسناده عبد الرحمن بن إسحاق تكلم فيه جماعة، وقال النسائي وابن خزيمة ليس به بأس ونقل الشوكاني قول الهيثمي: إن حديث عمير هذا أخرجه أحمد بإسنادين وأحدهما ابن لهيعة، وفي الآخر أبو بكر بن زيد بن المهاجر، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه حرجا ولا تعديلا: وبقية رجاله ثقات. مسند أحمد 55 / 223 ط الميمنية، ونيل الأوطار 8 / 153 ط المطبعة العثمانية المصرية) .
(2)
نيل الأوطار 9 / 132.
(3)
سورة البقرة / 195.