الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِغَيْرِهِ بِهِ قَبْل رَدِّهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَيَصِحُّ رَدُّهُ. أَمَّا الإِْقْرَارُ لِلْغَائِبِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا إِلَاّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى عَدَمِ الرَّدِّ، وَلِعَدَمِ لُزُومِهِ لِلْمُقِرِّ صَحَّ إِقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ، كَمَا لَا يَلْزَمُ الْمُقَرَّ لَهُ فَيَصِحُّ لَهُ رَدُّهُ. (1) وَكُل مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِمِلْكٍ فَكَذَّبَهُ بِهِ بَطَل إِقْرَارُهُ، لأَِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلإِْنْسَانِ مِلْكٌ لَا يَعْتَرِفُ بِهِ، وَالإِْقْرَارُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ، وَفِي الْمَال وَجْهَانِ: يُتْرَكُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ لأَِنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا لَهُ بِهِ فَإِذَا بَطَل إِقْرَارُهُ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَقِيل: يُؤْخَذُ إِلَى بَيْتِ الْمَال لأَِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مَالِكٌ. وَقِيل: يُؤْخَذُ فَيُحْفَظُ حَتَّى يَظْهَرَ مَالِكُهُ، لأَِنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ. فَإِنْ عَادَ أَحَدُهُمَا فَكَذَّبَ نَفْسَهُ دُفِعَ إِلَيْهِ، لأَِنَّهُ يَدَّعِيهِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ. (2)
الصُّورِيَّةُ فِي الإِْقْرَارِ:
52 -
لَمَّا كَانَ الإِْقْرَارُ إِخْبَارًا يَحْتَمِل الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ جَازَ تَخَلُّفُ مَدْلُولِهِ الْوَضْعِيِّ، (3) بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ كَاذِبًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ لُزُومًا. فَإِذَا ادَّعَى أَنَّ مُورَثَهُ أَقَرَّ تَلْجِئَةً، قَال بَعْضُهُمْ: لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَوِ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا لَا يُقْبَل. وَوَجْهُ الْفَرْقِ: أَنَّ فِي التَّلْجِئَةِ يَدَّعِي الْوَارِثُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فِعْلاً لَهُ، وَهُوَ تَوَاطُؤُهُ مَعَ الْمُقِرِّ فِي السِّرِّ، فَلِذَا يَحْلِفُ بِخِلَافِ دَعْوَى الإِْقْرَارِ كَاذِبًا كَمَا لَا يَخْفَى. (4)
(1) رد المحتار على الدر المختار 4 / 450، والهداية والتكملة 6 / 280.
(2)
المغني 5 / 166 - 167، والمهذب 2 / 347، وحاشية الدسوقي 3 / 398.
(3)
رد المحتار على الدر المختار 4 / 448.
(4)
حاشية ابن عابدين 4 / 458.
وَنَقَل الْمَوَّاقُ عَنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ لَوْ سَأَل شَخْصٌ ابْنَ عَمِّهِ أَنْ يُسْكِنَهُ مَنْزِلاً فَقَال: هُوَ لِزَوْجَتِي، ثُمَّ قَال لِثَانٍ وَلِثَالِثٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ طَلَبَتْ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ فَقَال: إِنَّمَا قُلْتُهُ اعْتِذَارًا لِنَمْنَعَهُ، فَلَا شَيْءَ لَهَا بِذَلِكَ الإِْقْرَارِ. (1) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ كَلَامُهُ إِقْرَارًا.
وَيَقُول الشَّيْخُ مَنْصُورُ الْبُهُوتِيُّ الْحَنْبَلِيُّ: إِذَا خَافَ شَخْصٌ أَنْ يَأْخُذَ آخَرُ مَالَهُ ظُلْمًا جَازَ لَهُ الإِْقْرَارُ - صُورَةً - بِمَا يَدْفَعُ هَذَا الظُّلْمَ، وَيَحْفَظُ الْمَال لِصَاحِبِهِ، مِثْل أَنْ يُقِرَّ بِحَاضِرٍ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ أَوْ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا دَيْنًا، وَيَتَأَوَّل فِي إِقْرَارِهِ، بِأَنْ يَعْنِيَ بِكَوْنِهِ ابْنَهُ صِغَرَهُ، أَوْ بِقَوْلِهِ أَخِي أُخُوَّةَ الإِْسْلَامِ. وَالاِحْتِيَاطُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّ هَذَا الإِْقْرَارَ تَلْجِئَةٌ، تَفْسِيرُهُ كَذَا وَكَذَا. وَعَلَى هَذَا فَالإِْقْرَارُ لَا يُعْتَبَرُ مَا دَامَ قَدْ ثَبَتَتْ صُورِيَّتُهُ، وَقَوَاعِدُ الشَّافِعِيَّةِ لَا تَأْبَى ذَلِكَ. (2)
التَّوْكِيل فِي الإِْقْرَارِ:
53 -
الأَْصْل أَنَّ التَّوْكِيل يَجُوزُ فِي كُل مَا يَقْبَل النِّيَابَةَ، وَمِنْ ذَلِكَ الإِْقْرَارُ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِذِ الإِْخْبَارُ مِنَ الْمُوَكِّل حَقِيقَةً، وَمِنَ الْوَكِيل حُكْمًا، لأَِنَّ فِعْل الْوَكِيل كَفِعْل الْمُوَكِّل، فَكَأَنَّ الإِْقْرَارَ صَدَرَ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ. (3) وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ إِقْرَارَ الْوَكِيل
(1) التاج والإكليل 5 / 227، وتبصرة الحكام 2 / 40 ط مصطفى محمد التجارية.
(2)
كشاف القناع 6 / 455، وتحفة المحتاج 5 / 359 - 360، ومغني المحتاج 2 / 240، والأشباه للسيوطي ص 222 - 223.
(3)
الدر المختار 4 / 453، والصاوي على الشرح الصغير 3 / 525، وكشاف القناع 6 / 453، ونهاية المحتاج 5 / 25، 65.