الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَثْبُتُ إِلَاّ بِالْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ، وَلَمْ تُوجَدِ الْجِنَايَةُ الْكَامِلَةُ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْحَامِل وَالْمُكْرَهِ.
وَهَذَا الْقَتْل يَقُومُ مَانِعًا مِنَ الإِْرْثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرِهِ (بِالْكَسْرِ) إِذَا كَانَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) مُكَلَّفًا. أَمَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ أَوِ الْمَجْنُونِ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلَا يَحْرُمُ وَلَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ مُكَلَّفًا.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكْرَهِ (بِالْفَتْحِ) فَلَا يَحْرُمُ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ. (1)
وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى الْمُكْرَهِ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ شَخْصًا ثَالِثًا غَيْرَ الْمُكْرَهِ وَلَا الْمُكْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ كَأَنْ قَال لِلَّذِي قَتَلَهُ: اقْتُلْنِي وَإِلَاّ قَتَلْتُكَ، فَقَتَلَهُ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِل، وَتَجِبُ الدِّيَةُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ، وَلأَِنَّ الدِّيَةَ تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لَا مِيرَاثًا عَنِ الْمَقْتُول.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَتْلُهُ هُوَ الْمُكْرَهَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ثَمَّ إِكْرَاهٌ، لأَِنَّ الْمُهَدَّدَ بِهِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْقَتْل، فَلَا يَتَحَقَّقُ الإِْكْرَاهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ آثَارِهِ، فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ فِي هَذَا الْقَتْل، إِلَاّ إِذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلٍ أَشْنَعَ كَمَا لَوْ قَال لَهُ: لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَكَ فِي النَّارِ أَوْ لأََقْتُلَنَّكَ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَخْتَارُ مَا هُوَ الأَْهْوَنُ فِي ظَنِّهِ، وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ: يَصْبِرُ وَلَا يَقْتُل نَفْسَهُ، لأَِنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْل سَعْيٌ فِي إِهْلَاكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ. ثُمَّ إِذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ بِاتِّفَاقِهِمْ، كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ.
وَنَقَل صَاحِبُ مَجْمَعِ الأَْنْهُرِ أَنَّ الْقِصَاصَ إِنَّمَا هُوَ
(1) البدائع 9 / 4490، ورد المحتار 5 / 85.
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِلصَّاحِبَيْنِ (1) .
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا: الزِّنَا، فَإِنَّهُ لَا يُرَخَّصُ فِيهِ مَعَ الإِْكْرَاهِ، كَمَا لَا يُرَخَّصُ فِيهِ حَالَةَ الاِخْتِيَارِ، لأَِنَّ حُرْمَةَ الزِّنَا لَا تَرْتَفِعُ بِحَالٍ مِنَ الأَْحْوَال، فَإِذَا فَعَلَهُ إِنْسَانٌ تَحْتَ تَأْثِيرِ الإِْكْرَاهِ كَانَ آثِمًا، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لأَِنَّ الإِْكْرَاهَ يُعْتَبَرُ شُبْهَةً، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَابَرْتِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ضَابِطًا لأَِثَرِ الإِْكْرَاهِ، نَصُّهُ:
الإِْكْرَاهُ الْمُلْجِئُ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى الْقَوْل أَمِ الْفِعْل. وَالإِْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ إِنْ كَانَ عَلَى فِعْلٍ فَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، وَيُجْعَل كَأَنَّ الْمُكْرَهَ فَعَل ذَلِكَ الْفِعْل بِغَيْرِ إِكْرَاهٍ. وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْلٍ، فَإِنْ كَانَ قَوْلاً يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْل فَكَذَلِكَ، وَإِلَاّ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ. (2)
أَثَرُ الإِْكْرَاهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:
22 -
يَخْتَلِفُ أَثَرُ الإِْكْرَاهِ عِنْدَهُمْ بِاخْتِلَافِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ:
أ - فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ عَقْدًا أَوْ حِلًّا أَوْ إِقْرَارًا أَوْ يَمِينًا لَمْ يَلْزَمِ الْمُكْرَهَ شَيْءٌ، وَيَكُونُ الإِْكْرَاهُ فِي ذَلِكَ بِالتَّخْوِيفِ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ مُؤْلِمٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ عَلَى مَلأٍَ مِنَ النَّاسِ. وَإِنْ أَجَازَ الْمُكْرَهُ (بِالْفَتْحِ) شَيْئًا مِمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ - غَيْرَ النِّكَاحِ - طَائِعًا بَعْدَ زَوَال الإِْكْرَاهِ لَزِمَ عَلَى الأَْحْسَنِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَا تَصِحُّ إِجَازَتُهُ.
ب - وَإِنْ كَانَ الإِْكْرَاهُ عَلَى الْكُفْرِ بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ
(1) تبيين الحقائق 5 / 190، ومجمع الأنهر 2 / 418.
(2)
العناية شرح الهداية 7 / 297، وابن عابدين 5 / 85.