الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شُرُوطُ أَهْل الاِخْتِيَارِ
14 -
يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ لأَِهْل الاِخْتِيَارِ أُمُورًا، هِيَ: الْعَدَالَةُ بِشُرُوطِهَا، وَالْعِلْمُ بِشُرُوطِ الإِْمَامَةِ، وَالرَّأْيُ وَالْحِكْمَةُ وَالتَّدْبِيرُ. (1)
وَيَزِيدُ الشَّافِعِيَّةُ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي أَحْكَامِ الإِْمَامَةِ إِنْ كَانَ الاِخْتِيَارُ مِنْ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُجْتَهِدٌ إِنْ كَانَ أَهْل الاِخْتِيَارِ جَمَاعَةً. (2)
15 -
ثَانِيًا: وِلَايَةُ الْعَهْدِ (الاِسْتِخْلَافُ) :
وَهِيَ: عَهْدُ الإِْمَامِ بِالْخِلَافَةِ إِلَى مَنْ يَصِحُّ إِلَيْهِ الْعَهْدُ لِيَكُونَ إِمَامًا بَعْدَهُ (3) . قَال الْمَاوَرْدِيُّ: انْعِقَادُ الإِْمَامَةِ بِعَهْدِ مَنْ قَبْلَهُ مِمَّا انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ، وَوَقَعَ الاِتِّفَاقُ عَلَى صِحَّتِهِ، لأَِمْرَيْنِ عَمِل الْمُسْلِمُونَ بِهِمَا وَلَمْ يَتَنَاكَرُوهُمَا.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه عَهِدَ بِهَا إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَأَثْبَتَ الْمُسْلِمُونَ إِمَامَتَهُ بِعَهْدِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه عَهِدَ بِهَا إِلَى أَهْل الشُّورَى، فَقَبِلَتِ الْجَمَاعَةُ دُخُولَهُمْ فِيهَا، وَهُمْ أَعْيَانُ الْعَصْرِ اعْتِقَادًا لِصِحَّةِ الْعَهْدِ بِهَا وَخَرَجَ بَاقِي الصَّحَابَةِ مِنْهَا، وَقَال عَلِيٌّ لِلْعَبَّاسِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا حِينَ عَاتَبَهُ عَلَى الدُّخُول فِي الشُّورَى: كَانَ
(1) حاشية الدسوقي 4 / 298، والأحكام للماوردي ص 3 - 4، وأسنى المطالب 4 / 108
(2)
مغني المحتاج 4 / 131، وأسنى المطالب 4 / 109
(3)
نهاية المحتاج 7 / 411
أَمْرًا عَظِيمًا فِي أُمُورِ الإِْسْلَامِ لَمْ أَرَ لِنَفْسِي الْخُرُوجَ مِنْهُ فَصَارَ الْعَهْدُ بِهَا إِجْمَاعًا فِي انْعِقَادِ الإِْمَامَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الإِْمَامُ أَنْ يَعْهَدَ بِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِي الأَْحَقِّ بِهَا وَالأَْقْوَمِ بِشُرُوطِهَا، فَإِذَا تَعَيَّنَ لَهُ الاِجْتِهَادُ فِي وَاحِدٍ نَظَرَ فِيهِ:
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا جَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لَهُ وَبِتَفْوِيضِ الْعَهْدِ إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْ فِيهِ أَحَدًا مِنْ أَهْل الاِخْتِيَارِ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَل يَكُونُ ظُهُورُ الرِّضَا مِنْهُمْ شَرْطًا فِي انْعِقَادِ بَيْعَتِهِ أَوْ لَا؟ فَذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْل الْبَصْرَةِ إِلَى أَنَّ رِضَا أَهْل الاِخْتِيَارِ لِبَيْعَتِهِ شَرْطٌ فِي لُزُومِهَا لِلأُْمَّةِ، لأَِنَّهَا حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ، فَلَمْ تَلْزَمْهُمْ إِلَاّ بِرِضَا أَهْل الاِخْتِيَارِ مِنْهُمْ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ بَيْعَتَهُ مُنْعَقِدَةٌ وَأَنَّ الرِّضَا بِهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، لأَِنَّ بَيْعَةَ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ تَتَوَقَّفْ عَلَى رِضَا الصَّحَابَةِ، وَلأَِنَّ الإِْمَامَ أَحَقُّ بِهَا فَكَانَ اخْتِيَارُهُ فِيهَا أَمْضَى، وَقَوْلُهُ فِيهَا أَنْفَذَ.
وَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الْعَهْدِ وَلَدًا أَوْ وَالِدًا فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ انْفِرَادِهِ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ.
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لِوَلَدٍ وَلَا لِوَالِدٍ، حَتَّى يُشَاوِرَ فِيهِ أَهْل الاِخْتِيَارِ فَيَرَوْنَهُ أَهْلاً لَهَا، فَيَصِحُّ مِنْهُ حِينَئِذٍ عَقْدُ الْبَيْعَةِ لَهُ، لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَزْكِيَةٌ لَهُ تَجْرِي مَجْرَى الشَّهَادَةِ، وَتَقْلِيدُهُ عَلَى الأُْمَّةِ يَجْرِي مَجْرَى الْحُكْمِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لِوَالِدٍ وَلَا لِوَلَدٍ، وَلَا يَحْكُمَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتُّهْمَةِ الْعَائِدَةِ إِلَيْهِ بِمَا جُبِل مِنَ الْمَيْل إِلَيْهِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يُفْرَدَ بِعَقْدِهَا لِوَلَدٍ، وَوَالِدٍ، لأَِنَّهُ أَمِيرُ الأُْمَّةِ نَافِذُ الأَْمْرِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ. فَغَلَبَ حُكْمُ الْمَنْصِبِ عَلَى حُكْمِ النَّسَبِ، وَلَمْ يُجْعَل لِلتُّهْمَةِ طَرِيقًا عَلَى أَمَانَتِهِ وَلَا سَبِيلاً إِلَى مُعَارَضَتِهِ،