الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ البيع
شَرْطُهُ: الإِيجَابُ؛ كَبِعْتُكَ وَمَلَّكْتُكَ، وَالْقَبُولُ؛ كَاشْتَرَيْتُ وَتَمَلَّكْتُ وَقَبِلْتُ،
===
(كتاب البيع)
البيع لغة: مقابلة شيء بشيء، وشرعًا: مقابلة مال بمال تمليكًا؛ كما قاله في "شرح المهذب"(1).
والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} مع السنة الشهيرة في الباب.
(شرطه: الإيجاب؛ كبعتك وملَّكتك) لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ، ولقوله عليه السلام:"إِنَّمَا الْبَيع عَنْ تَرَاضٍ" صححه ابن حبان (2).
والرضا: أمر خفي لا يطلع عليه، فأنيط الحكم بسبب ظاهر يدلّ عليه، وهو الصيغة، فلا تكفي المعاطاة على المذهب، وقيل: يكتفى بها في المحقرات؛ كرطل خبز، وباقة بقل، وقيل: في كلّ ما يعدّه الناس بيعًا، واختاره المصنف (3).
(والقبول؛ كاشتريت وتملَّكت وقبلت) لدلالتها على الرضا، وهذا في غير البيع الضمني؛ أما البيع الضمني؛ كـ (أعتق عبدك عني على كذا) .. فيكفي فيه السؤال والجواب.
وجَعْلُ المصنف الإيجاب والقبول شرطين هو ما اقتضاه كلام "الشرح" و"الروضة"، لكن جزم في "شرح المهذب" تبعًا للغزالي بأن العاقد والمعقود عليه والصيغة أركان للعقد، فعلى هذا: يكون المراد بالشرط: ما لا بدّ منه، فإنهم يطلقونه بهذا الاعتبار على الركن (4).
(1) المجموع (9/ 140).
(2)
صحيح ابن حبان (4967)، وأخرجه ابن ماجه (2185) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
المجموع (9/ 154).
(4)
الشرح الكبير (4/ 9)، روضة الطالبين (3/ 338)، المجموع (9/ 140).
وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ قَالَ:(بِعْنِي)، فَقَالَ:(بِعْتكَ) .. انْعَقَدَ فِي الأَظْهَرِ. وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ كـ (جَعَلْتُهُ لَكَ بِكَذَا) فِي الأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ أَلَّا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا،
===
(ويجوز تقدم لفظ المشتري) على لفظ البائع؛ لحصول المقصود تقدم أو تأخر، وهذا في غير:(قبلت) كما صرح به القفال والإمام، واقتضاه كلام الشيخين؛ إذ لا يصحّ الابتداء بها، ومثلها:(نعم)(1).
(فلو قال: "بعني"، فقال: "بعتك" .. انعقد في الأظهر) وإن لم يقل ثانيًا: (ابتعت) لدلالته على الرضا، والثاني: لا؛ لأنه قد يقول: (بعني) لاستبانة الرغبة، وقول البائع:(اشترِ مني) .. كقول المشتري: (بعني) على الأصحّ في "شرح المهذب"(2).
(وينعقد بالكناية) مع النية (كـ"جعلته لك بكذا" في الأصح) كالخلع والكتابة، والثاني: لا؛ لأن المخاطب لا يدري بم خوطب.
ومحلّ الخلاف: إذا عدمت القرائن، فإن حصلت وأفادت التفاهم .. فيجب القطع بالصحة، قاله الإمام وأقرّاه (3).
ويستثنى: البيع المشروط فيه الإشهاد، فلا ينعقد بها قطعًا؛ لعدم اطلاع الشهود على النية.
نعم؛ إن توفرت القرائن، وأفادت التفاهم .. فالظاهر: انعقاده؛ كذا نقلاه عن "الوسيط" وأقرّاه، لكن في "المطلب": أنه مخالف لكلام الأئمة (4).
وقوله: (في الأصح) متعلق بقوله: (وينعقد)، فلو قدمه كما فعل في "المحرر" .. لكان أولى؛ لئلا يوهم عوده إلى المثال (5).
(ويشترط: ألا يطول الفصل بين لفظيهما) فإن طال بحيث يشعر بإعراضه عن
(1) الشرح الكبير (4/ 9)، روضة الطالبين (3/ 338).
(2)
المجموع (9/ 160).
(3)
نهاية المطلب (5/ 393)، الشرح الكبير (4/ 13)، روضة الطالبين (3/ 341).
(4)
الشرح الكبير (4/ 13)، روضة الطالبين (3/ 341).
(5)
المحرر (ص 136).
وَأَنْ يَقْبَلَ عَلَى وَفْقِ الإِيجَابِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ، فَقَالَ: قَبلْتُ بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ .. لَمْ يَصِحَّ. وَإِشَارَةُ الأَخْرَسِ بِالْعَقْدِ كَالنُّطْقِ
===
القبول .. ضَرَّ؛ لخروجه عن أن يكون جوابًا عن الأول، ولو تخلل كلام أجنبي .. ضَرَّ وإن قصر، قال في "شرح المهذب": ولو بكلمة (1).
ولو عبر بقوله: (بين الإيجاب والقبول) بدل: (بين لفظيهما) كـ "الروضة"، و"شرح المهذب" .. لكان أولى؛ ليدخل الخطّ والإشارة من الأخرس، والمعاطاةُ إذا جوزناها (2).
(وأن يقبل على وَفْق الإيجاب، فلو قال: "بعتك بألف مُكسَّرة"، فقال: "قبلت بألف صحيحة " .. لم يصحّ) لأنه قَبِل غير ما أوجبه البائع، وكذا لا يصحّ عكسه من طريق أولى، ولو قال:(بعتك هذا العبد بألف، وهذه الجارية بمئة)، فقبل أحدهما وعيّنه .. ففيه احتمالان في "فتاوى القفال".
والمراد بـ (وفق الإيجاب): المعنى لا اللفظ، فلو قال:(بعتك)، فقال:(تملكت) .. صحّ.
ويشترط: أن يقع القبول ممن وقع معه الخطاب، فلو خاطب بالبيع شخصًا فمات، ووارثه في المجلس فقبل .. لم يصحّ على الصحيح.
ويشترط أيضًا: بقاء الأهلية إلى تمام القبول، فلو جنّ أحدهما، أو حجر عليه بسفه قبل وجود الشقّ الآخر .. بطل الإيجاب، قاله في "شرح المهذب"(3).
(وإشارة الأخرس) المفهمة (بالعقد كالنطق) للضرورة، وكذا كتابته على الأصح.
وقوله: (بالعقد) من زياداته على "المحرر"، واحترز بها: عن إشارته في الصلاة، وبالشهادة فليس لها حكم النطق فيهما على الأصحِّ، كذا قاله في "الدقائق"(4)، وأهمل
(1) المجموع (9/ 160).
(2)
روضة الطالبين (3/ 342)، المجموع (9/ 160).
(3)
المجموع (9/ 284).
(4)
دقائق المنهاج (ص 59).
وَشَرْطُ الْعَاقِدِ: الرُّشْدُ. قُلْتُ: وَعَدَمُ الإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ،
===
ثالثة، وهي عدم الحنث بها عند الحلف على الكلام؛ كما صححاه في موضعه سواء حلف الأخرس أو حلف عليه (1).
وهذه الزيادة وإن أخرجت ذلك لكنها تضر من جهة أن إشارته أيضًا في الدعاوى والأقارير والإجازات والفسوخ قائمة مقام نطقه، وقد خرجت بالزيادة المذكورة، وقد أعاد المصنف المسألة في الطلاق، وضمّ الحلّ إلى العقد.
(وشرط العاقد: الرشد) فلا يصحّ من صبي وسفيه؛ لما سيأتي في (باب الحجر).
نعم؛ لو نذر بعد بلوغه رشيدًا، ولم يُعد الحكام الحجرَ عليه فباع .. صحّ وإن كان غير رشيد.
قال في "الدقائق": (وتعبير "المنهاج" بالرشد أصوب من تعبير "المحرر" بقوله: "ويعتبر في العاقدين التكليف"؛ لأنه يرد عليه السكران؛ فإنه يصحّ بيعه على المذهب مع أنه غير مكلف؛ كما تقرر في كتب الأصول، وكذا المحجور عليه بسفه؛ فإنه لا يصحّ بيعه مع كونه مُكلَّفًا، وكذلك المكره بغير حقّ؛ فإنه مُكلَّف لا يصحّ بيعه، ولا يرد واحد منها على "المنهاج") انتهى، وفيه بحث للإسنوي (2).
(قلت: وعدم الإكراه بغير حقّ) لحديث: "إِنَّمَا الْبَيع عَنْ تَرَاضٍ"(3)، فإن أكره بحقّ؛ كأن توجه عليه دين، وامتنع من بيع ماله والوفاء، فأكرهه الحاكم حتى باع .. صحّ، ومثله: ما لو أذن أجنبي لعبد في بيع ماله، وأذن له السيد أيضًا فيه فامتنع، فأكرهه السيد حتى باع .. فإنه يصحّ؛ لأنه إكراه بحقّ؛ لأن للسيد غرضًا صحيحًا في ذلك، إما لتقليد مؤنه، أو أخذ أجرة، وكذا لو أسلم عبد لكافر محجور عليه، فأجبر الحاكم وليه على بيعه، فباع .. صحّ.
ويستثنى من الإكراه بغير حقّ: ما لو أكره المالك رجلًا على بيع مال نفسه، فباع ..
(1) الشرح الكبير (12/ 328)، روضة الطالبين (11/ 63).
(2)
دقائق المنهاج (ص 59).
(3)
أخرجه ابن حبان (4967)، وابن ماجه (2185) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْمُصْحَفَ وَالْمُسْلِمَ فِي الأَظْهَرِ، إِلَّا أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ فِي الأَصَحَّ، وَلَا الْحَرْبِيِّ سِلَاحًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلِلْمَبِيعِ شُرُوط: طَهَارَةُ عَيْنهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيع الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ
===
فإنه يصحّ على الأصحِّ؛ لأنه أبلغ من الإذن.
(ولا يصحّ شراء الكافر المصحفَ والمسلمَ في الأظهر) لما فيه من العار؛ لامتهانه المصحف، وإذلاله المسلم، والثاني: يصحّ؛ كالإرث، ويؤمر بازالة الملك عنه.
وأخبار الرسول كالمصحف، وكذلك آثار السلف وكتبُ الفقه التي فيها قرآن أو حديث أو آثار كالمصحف، ولا يصحّ شراؤه العبدَ المرتد على الأصحِّ؛ لبقاء عِلْق الإسلام.
(إلا أن يَعتق عليه) كأبيه وابنه (فيصح) الشراء (في الأصح) لانتفاء الإذلال؛ لعدم استقرار الملك، والثاني: لا؛ لما فيه من ثبوت الملك على المسلم.
(ولا الحربيِّ سلاحًا، والله أعلم) لأنه مستعدّ لقتالنا، فتسليمه إليه معصية، وحينئذ فيكون معجوزًا عن تسليمه شرعًا فلا يصحّ.
وخرج بـ (الحربي): الذمي؛ لأنه في قبضتنا، وبـ (السلاح): الحديد؛ إذ لا يتيقن جعلُه سلاحًا.
(وللمبيع شروط) خمسة؛ كما قاله في "الروضة"(1) وسيذكرها المصنف، وذكر السبكي أنها ترجع إلى شرطين فقط، وهما: كونه مملوكًا، منتفعًا به؛ لأن القدرة على التسليم، والعلمَ به، وكونَ الملك لمن له العقد .. شروط في العاقد، وشرط الطهارة مستغنىً عنه بالملك؛ لأن النجس غير مملوك.
(طهارة عينه) لأنه عليه السلام حرم بيع الخمر والميتة مع ما فيهما من المنافع (2)؛ فإن الخمر تُطفأ بها النار، والميتة تُطعَم للجوارح ويُستصبَح بشحمها، فدلّ على أن العلة النجاسةُ.
(فلا يصحّ بيع الكلب) ولو معلّمًا (والخمر) ولو محترمة؛ لأنه عليه السلام
(1) روضة الطالبين (3/ 350 - 360).
(2)
أخرجه البخاري (2236)، ومسلم (1581) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
وَالْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ، وَكَذَا الدُّهْنُ فِي الأَصَحِّ. الثَّانِي: النَّفْعُ، فَلَا يَصِحُّ بَيع الْحَشَرَاتِ، وَكُلِّ سَبُعٍ لَا يَنْفَعُ، وَلَا حَبَّتَيِ الْحِنْطَةِ، وَآلَةِ اللَّهْوِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ الآلَةُ إِنْ عُدَّ رُضَاضُهَا مَالًا
===
(نهى عن ثمن الكلب)، و (حرم بيع الخمر) متفق عليه (1).
(والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره؛ كالخلّ واللبن) بالإجماع فإن أمكن تطهيره؛ كالثوب .. صحّ إلا أن تستره النجاسة.
(وكذا الدهن في الأصحّ) لعدم إمكان تطهيره، وهذا معطوف على (الخلّ واللبن) مما لا يمكن تطهيره لا (على المتنجس).
وقضيته: جواز بيعه إذا قيل بإمكان تطهيره، والأصحُّ: المنع، واستشكله الإسنوي بصحة بيع الثوب المتنجس، وهو عجب منه؛ فقد فرق في "المطلب" بينهما بأن معظم منافع الدهن الأكل، وهو ممتنع مع النجاسة، بخلاف الثوب؛ فإن معظم منافعه موجودة مع النجاسة.
(الثاني: النفع) به ولو مآلًا؛ كالجحش الصغير؛ لأن بذل المال فيما لا منفعة فيه سفةٌ.
(فلا يصحّ بيع الحشرات) كعقارب وخَنافس؛ لعدم النفع، ويستثنى: العلق فإنه يجوز بيعه على الأصح؛ لمنفعة امتصاص الدم، وكذا النحل ودود القزّ وما يحلّ أكله من الحشرات؛ كاليربوع والضبّ.
(وكلِّ سَبُع لا ينفع) كالأسد ونحوه، فإن صلح للأكل؛ كالضبع، أو للاصطياد؛ كالفهد، أو للقتال، كالفيل، أو للتعلم؛ كالقرد .. جاز البيع.
(ولا حَبَّتي الحنطة) لسقوط منفعتهما؛ لقلتهما.
(وآلةِ اللهو) المحرم؛ كالطنبور؛ لسقوط منفعتها شرعًا (وقيل: تصحّ الآلة إن عُدَّ رُضاضها)(2) أي: مكسّرها (مالًا) لأن فيها نفعًا مُتوقَّعًا، فأشبه الجحش
(1) أما النهي عن ثمن الكلب .. فهو عند البخاري (2237)، ومسلم (1567) عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، وأما تحريم بيع الخمر .. فهو الحديث السابق.
(2)
في (د): (وقيل: يصح في الآلة).
وَيَصِحُّ بَيع الْمَاءِ عَلَى الشَّطِّ، وَالتُّرَابِ بِالصَّحْرَاءِ فِي الأَصَحِّ. الثَّالِثُ: إِمْكَانُ تسلِيمِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الضَّالِّ وَالآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ. فَإِنْ بَاعَهُ لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ .. صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ
===
الصغير، وردّ بأنها على هيئتها آلة المعصية، فلا يقصد منها غيره ما دام التركيب باقيًا، أما ما لا يعدّ رُضاضه مالًا؛ كالمزمار الصغير من القصب .. فلا يصحّ إلا على وجه شاذّ حكاه في "شرح المهذب"(1).
(ويصحّ بيع الماء على الشَّطِّ، والترابِ بالصحراء في الأصحّ) لوجود المنفعة، والكثرة لا تمنع الماليةَ، ووجه مقابله: أن بذل المال فيه مع وِجْدان مثله بلا منة ولا مؤنة .. سفه، والخلاف: إذا لم يكن في المبيع وصفٌ مقصود؛ كبرد الماء وكزَبْلَةِ التراب، فإن كان .. صحّ قطعًا.
ويصحّ بيع نصف دار شائع بنصفها الآخر على الأصحِّ، وفائدته: عدم رجوع الوالد فيما وهبه لولده، وعدم رجوع البائع في عين ماله عند فَلَس المشتري.
(الثالث: إمكان تسليمه) حسًّا أو شرعًا؛ لأن الانتفاع به يتوقف على التسليم، وكان الأولى التعبير بالتسلُّم - بضمّ اللام - ليشمل بيع المغصوب ممن يقدر على انتزاعه وتسلمه؛ فإن التسليم فعل البائع، وهو منتف هنا، ذكره في "المطلب".
(فلا يصحّ بيع الضالِّ والآبق) وإن عرف موضعهما (والمغصوبِ) من غير غاصبه؛ لعدم القدرة على التسليم في الحال، ويصحّ بيع المغصوب من الغاصب قطعًا، (فإن باعه لقادر على انتزاعه) مع عجز المالك عنه ( .. صحّ على الصحيح) إذ المقصود وصوله إليه، وهو متيسر.
نعم؛ لو كانت قدرتُه تحتاج إلى مؤنة .. لم يصحّ؛ كما أشار إليه في "المطلب".
والثاني: لا يصحّ؛ لأن التسليم واجب على البائع، وهو عاجز عنه.
ولو كان البائع وحده قادرًا على الانتزاع .. صحّ قطعًا، قال في "المطلب": إلا إذا كان فيه تعب شديد .. فينبغي أن يكون فيه ما في بيع السمك في البِرْكة، والأصحُّ:
(1) المجموع (9/ 243).
وَلَا يَصحُّ بَيع نِصْفٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الإِنَاءِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا، وَيَصحُّ فِي الثوْبِ الَّذِي لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ فِي الأَصَحِّ، وَلَا الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إِذْنِ مُرْتَهِنِهِ، وَلَا الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ فِي الأَظْهَرِ، وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُهُ بِذِمَّتِهِ،
===
عدم الصحة، قال: وهذا عندي لا مدفع له، ولو باع الآبق ممن يسهل عليه ردُّه .. ففيه الوجهان في المغصوب.
(ولا يصحّ بيعُ نصفٍ) مثلًا (معين من الإناء والسيف ونحوهما) مما تنقص قيمته بقطعه أو كسره؛ كالنَّصْل والثوب النفيس؛ لمنع الشرع عن إضاعة المال، ولا يتأتى بدونها، وفي الثوب وجه: أنه يصحّ، وكلام الرافعي آخر المسألة يميل إليه (1)، واختاره السبكي.
والفرق بين الثوب وغيره من الإناء ونحوه: أن الثوب نُسِج لِيُقطع، بخلاف الإناء ونحوه.
(ويصحّ في الثوب الذي لا يَنقُص بقطعه) كغليظ الكِرْباس (في الأصحّ) لزوال المحذور، والثاني: المنع؛ لأن القطع لا يخلو عن تغيير لعينِ المبيع.
(ولا المرهونِ) بعد قبضه (بغير إذن مرتهنه) لعجزه عن تسليمه شرعًا؛ لما فيه من تفويت حقّ المرتهن، ويلتحق بالمرهون كلُّ عين استحق حبسها؛ كالقصّار ونحوه.
(ولا الجاني المتعلِّقِ برقبته مالٌ في الأظهر) كالمرهون، وأولى؛ لتقدُّم حقّ الجناية على حقّ الرهن، والثاني: يصحّ؛ لأن السيد لم يحجر على نفسه، بخلاف الراهن، والثالث: أنه موقوف إن فدى .. نفذ، وإلّا .. فلا.
والخلاف: إذا باعه لغير حقّ الجناية وكان موسرًا، وكان البيع قبل اختيار الفداء، فإن كان لحقّ الجناية .. صحّ قطعًا، وإن كان لغيرها وهو معسر .. بطل، وقيل: على الخلاف.
وإن كان بعد اختيار الفداء .. فقد أطلق في "التهذيب" أنه يصحّ، وأقرّاه (2).
(ولا يضر تعلقه بذمته) كأن اشترى شيئًا بغير إذن سيده وأتلفه؛ لأن البيع يَرِدُ على
(1) الشرح الكبير (4/ 37).
(2)
التهذيب (7/ 173، 174)، الشرح الكبير (4/ 38)، روضة الطالبين (3/ 359).
وَكَذَا تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ فِي الأَظْهَرِ. الرَّابِعُ: الْمِلْكُ لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ، فَبَيع الْفُضُوليِّ بَاطِلٌ، وَفِي الْقَدِيمِ: مَوْقُوفٌ؛ إِنْ أَجَازَ مَالِكُهُ .. نَفَذَ، وَإِلَّا .. فَلَا ..
===
الرقبة، ولا تعلق لرب الدين بها، ولا يضرُّ أيضًا تعلقه بكسبه، كما إذا زوّجه فإن مؤنة زوجته في كسبه.
(وكذا تعلق القصاص) برقبته (في الأظهر) لأنه ترُجى سلامتُه بالعفو، ويخاف تلفه بالقصاص، فصحّ بيعه؛ كالمريض، والثاني: لا يصحّ؛ لاحتمال العفو على مال، وتعلق المال بالرقبة مانع.
وكان ينبغي أن يعبر بالمذهب؛ فإن المذهب في "الشرح"، و"الروضة": القطع بالصحة، وطريقة القولين ضعيفة (1).
(الرابع: المِلك لمن له العقد) لحديث: "لَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ" رواه أبو داوود (2)، ولا بدّ من تقييد الملك بالتامّ؛ ليخرج بيع المبيع قبل القبض؛ فإنه لا يصحّ كما سيأتي.
وكان الأولى أن يقول: (أن يكون للعاقد عليه ولاية) لئلا يَرِد بيع الفضولي؛ فإن العقد يقع للمالك موقوفًا على إجازته عند من يقول بصحته، والمقصودُ إخراجه.
(فبيع الفضولي باطل) للحديث المارّ (وفي القديم: موقوف إن أجاز مالكه .. نفذ، وإلا .. فلا) لحديث عروة البارقي في ذلك (3)، وهذا القول نصّ عليه في الجديد؛ كما قاله الشيخ أبو محمد وغيره، قال في "الروضة": وهو قوي في الدليل، ونصّ عليه في "البويطي"(4)، قال الإسنوي: ونصّ عليه في "الأم" أيضًا في (كتاب الغصب)(5) والخلاف جار في كلّ عقد يقبل النيابة؛ كتزويج أمة غيره ونحوه.
(1) الشرح الكبير (4/ 39)، روضة الطالبين (3/ 360).
(2)
سنن أبي داوود (2190) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه البخاري (3642)، وأبو داوود (3384)، والترمذي (1258)، وابن ماجه (2402)، واختلف في اتصاله، قال الحافظ في "التلخيص" (4/ 1728 - 1729):(قلت: والصواب: أنه متصل في إسناده مبهم).
(4)
روضة الطالبين (3/ 356).
(5)
المهمات (5/ 50).
وَلَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ وَكَانَ مَيْتًا .. صَحَّ فِي الأَظْهَرِ. الْخَامِسُ: الْعِلْمُ بهِ، فَبَيْعُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ بَاطِلٌ، وَيَصِحُّ بَيع صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ تُعْلَمُ صِيعَانُهَا، وَكَذَا إِنْ جُهِلَتْ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ بَاعَ بِمِلْءِ ذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً، أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ ذَهَبًا، أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَان فَرَسَهُ،
===
فلو عبر بعقد الفضولي .. لكان أشمل.
(ولو باع مال مُورِّثه) ظاهرًا (ظانًّا حياته وكان ميتًا .. صحّ في الأظهر) لصدوره من مالكه، والثاني: لا؛ لأنه متلاعب.
قالا: ويجري الخلاف فيما لو زوج أمة مُورِّثه، واستشكل (1).
(الخامس: العلم به) عينًا وقدرًا وصفة؛ لصحة النهي عن بيع الغرر (2).
واستثني منه مسائل: منها: إذا اختلط حَمام البُرْجين، وباع أحدهما ما له لصاحبه .. فإنه يصحّ على الأصحِّ، ومنها: لو باع المال الزكوي بعد الوجوب .. فإن الأصحّ: البطلان في قدر الزكاة، والصحة في غيره، وهو مجهول العين، ومنها: شراء الفُقَّاع، وما القصدُ لُبُّه، ومنها: بيع الصاع من الصبرة المجهولة فإنه مبهم؛ كما سيأتي.
(فبيع أحد الثوبين باطل) لما فيه من الغرر.
(ويصحّ بيع صاع من صُبْرة) وهي الكُومة من الطعام (تُعلَم صيعانها) للمتعاقدين؛ لعدم الغرر، وينزل على الإشاعة على الأصحِّ، فلو كانت الصبرة عشرة آصع .. فالمبيع العشرُ، ويستثنى: ما لو قال: (بعتك صاعًا من باطن هذه الصبرة) .. فإنه لا يصحّ؛ كبيع الغائب، قاله الإمام (3).
(وكذا إن جهلت في الأصح) لتساوي أجزائها، فتغتفر جهالةُ العين، والمبيع هنا صاع مبهم؛ لتعذر الإشاعة، والثاني: لا يصحّ؛ كما لو فرقها ثم باع واحدًا منها.
وفرق الأول: بأن الصيعان المفرقة ربما تتفاوت في الكيل، فيختلف الغرض.
(ولو باع بملء ذا البيت حنطةً، أو بِزِنة هذه الحصاة ذهبًا، أو بما باع به فلان فرسه) أي: بمثل ما باع به فلان فرسَه، ولم يعلم أحدهما المقدار قبل العقد،
(1) الشرح الكبير (4/ 33، 34)، روضة الطالبين (3/ 357).
(2)
أخرجه مسلم (1513) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
نهاية المطلب (5/ 12).
أَوْ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ .. لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ .. تَعَيَّنَ، أَوْ نَقْدَانِ وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا .. اشْتُرِطَ التَّعْيِينُ. وَيَصِحُّ بَيع الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَلَوْ بَاعَهَا بِمِئَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاع بدِرْهَمٍ .. صَحَّ إِنْ خَرَجَتْ مِئَةً، وَإِلَّا .. فَلَا عَلَى الصَّحِيح. وَمَتَى كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا. . كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ،
===
(أو بألف دراهم ودنانير .. لم يصحّ) للجهل بأصل المقدار في الثلاثة الأول، وبمقدار الذهب من الفضة في الرابعة.
(ولو باع بنقد وفي البلد نقد غالب .. تعيّن) ولو كان دراهم عددية ناقصة الوزن أو زائدة على الأصح؛ لأن الظاهر إرادتهما له، (أو نقدان ولم يغلب أحدهما .. اشتُرط التعيين) باللفظ؛ لعدم أولوية أحدهما.
(ويصحّ بيع الصُّبْرة المجهولة الصيعان كلَّ صاع بدرهم) لأنه لما عرف الجملة بالتخمين، وقابل كلّ فرد منها بشيء معين .. انتفى الغرر والغبن، (ولو باعها بمئة درهم كلَّ صاع بدرهم .. صحّ إن خرجت مئةً) لحصول الغرضين وهما: بيع الجملة بالمئة (1)، ومقابلة كلّ واحد بواحد، ولا يضرّ الجهل بمبلغ الثمن؛ لأن تفصيله معلوم، والغرر يرتفع به.
(وإلا) أي: وإن لم يخرج مئة ( .. فلا على الصحيح) لتعذر الجمع بين الأمرين المذكورين، والثاني: يصحّ؛ تغليبًا للإشارة إلى الصبرة.
فإن خرجت ناقصة .. خيّر، فإن أجاز .. فهل يخير بالجميع أم بالقسط؟ فيه وجهان: أصحهما في "شرح المهذب": الثاني (2)، أو زائدةً .. فالزيادة للمشتري على الأصحِّ، ولا خيار للبائع على الأصحِّ.
(ومتى كان العِوض معينًا .. كفت معاينتُه) ثمنًا كان أو مثمنًا، ولا تشترط معرفة قدره بالكيل والوزن؛ اعتمادًا على التخمين.
(والأظهر: أنه لا يصحّ بيع الغائب) لأنه غرر وقد نُهي عنه (والثاني: يصحّ،
(1) في (ب) و (د): (الجملة بالجملة).
(2)
المجموع (9/ 297، 298).
ويثْبُتُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ. وَتَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إِلَى وَقْتِ الْعَقْدِ،
===
ويثبت الخيار عند الرؤية) لحديث: "مَنِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ .. فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ" لكنه حديث ضعيف؛ كما قاله البيهقي، وقال الدارقطني: إنه باطل (1).
وهذا ما نقله الماوردي عن جمهور الأصحاب (2).
وإذا قلنا به .. فلا بدّ من ذكر جنس المبيع ونوعه على الأصحِّ، فيقول:(بعتك عبدي التركي أو فَرسي العربي)، والأصحُّ: طرد القولين فيما لم يره المتعاقدان أو أحدهما، وقيل: إن لم يره البائع لم يصحّ جزمًا. والخلاف: فيما لم يره المشتري، ويجري القولان في بيع الغائب في الشراء به، وإجارته، والصلح عليه، وجعله رأس مال سَلَم إذا سلّم في المجلس، قال في "شرح المهذب": ويجريان في وقفه أيضًا، لكن صحح في "زيادة الروضة" تبعًا لابن الصلاح في (كتاب الوقف) صحته، وأنه لا خيار له عند الرؤية، قال في "العجالة":(لكن جزم القفال في "فتاويه" بالمنع، فقال: إذا اشترى عبدًا أو دارًا فعتق العبد، أو وقف الدار .. لم يصحّ؛ لأنه لو صحّ .. لأدى إلى انبرام العقد، ولا ينبرم قبل الرؤية) انتهى (3).
وليس بين كلام القفال وكلام المصنف وابن الصلاح اختلاف كما قال؛ إذ لم يتواردا على محلّ واحد؛ فإن كلام ابن الصلاح والمصنف في وقف ما استقر ملكه عليه ولم يره؛ كما لو ورثه أو اشتراه له وكيله، وكلام القفال فيما لم يستقر ملكه عليه.
(وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا يتغير غالبًا إلى وقت العقد) كالأراضي ونحوها وإن منعنا بيع الغائب؛ لأنه قد عرفه بتلك الرؤية، والغالب بقاؤه على ما شاهده عليه، ولا بدّ أن يكون ذاكرًا لأوصافه حالَ البيع، فإن نسيها .. فهو بيع غائب، كذا جزم به في "الكفاية"، ونقله في "المطلب عن الماوردي وأقره، ونقله في "شرح
(1) سنن البيهقي (5/ 268)، وسنن الدارقطني (3/ 4، 5).
(2)
الحاوي الكبير (6/ 20).
(3)
المجموع (9/ 276)، روضة الطالبين (5/ 316)، عجالة المحتاج (2/ 679).
دُونَ مَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا. وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ إِنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيهِ؛ كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ، وَأُنْمُوذَجِ الْمُتَمَاثِلِ، أَوْ كَانَ صُوَانًا لِلْبَاقِي خِلْقَةً؛ كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ، وَالْقِشْرَةِ السُّفْلَى لِلْجَوْزِ وَاللَّوْزِ
===
المهذب" عنه ثم قال: وما قاله غريب لم يتعرض له الجمهور. انتهى (1)، لكن المتأخرون كالنَّشَائي وتاج الدين السبكي والأَذْرَعي قالوا: إنّ ما ذكره الماوردي تقييد لمن أطلق.
(دون ما يتغير غالبًا) كالأطعمة؛ لأن الرؤية السابقة لم تفد معرفته حال العقد، والأصح فيما احتمل التغير وعدمه؛ كالحيوان .. الصحة.
(وتكفي رؤية بعض المبيع إن دلَّ على باقيه؛ كظاهر الصُّبْرة) لأن الغالب استواء ظاهرها وباطنها، فإن خالف الظاهر الباطن .. ثبت الخيار.
وقوله: (إن دل على باقيه) دخل فيه الحنطة والجوز ونحوهما، والمائعات في أوعيتها.
وخرج صبرة البطيخ والسَّفَرجل ونحوهما مما يختلف؛ فإنه لا بدّ من رؤية كلّ واحدة منها.
(وأُنْمُوذج المتماثل) أي: المتساوي الأجزاء؛ كعين القمح بشرط إدخاله في البيع بعد إلقائه في الصبرة، فإن لم يُدخله في البيع .. لم يصحّ؛ لأن المبيع غير مرئي، وإن أدخله في البيع من غير ردّ .. كان كمن باع عينين رأى إحداهما؛ لأن المرئي مميز عن غيره، قاله البغوي في "فتاويه". قال الإسنوي:(وهو متعين لا شك فيه)(2).
و(أنموذج): معطوف على قوله: (ظاهر) لا على قوله: (بعض) فإنه من أمثلة رؤبة البعض؛ لما تقدم من أنه لا بدّ من إدخاله في البيع.
(أو كان صِوانًا للباقي خِلقةً؛ كقشر الرمان والبيض، والقشرة السفلى للجوز واللوز) لأن بقاءه فيه من صلاحه.
(1) كفاية النبيه (9/ 56)، المجموع (9/ 282).
(2)
المهمات (5/ 81).
وَتُعْتبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ. وَالأَصَحُّ: أَنَّ وَصْفَهُ بِصفَةِ السَّلَمِ لَا يَكْفِي. وَيَصِحُّ سَلَمُ الأَعْمَى،
===
واحترز بالخلفي: عن جلد الكتاب؛ فإن رؤيته لا تكفي، بل لا بدّ من تقليب كلّ ورقة، لكن أورد على طرده: الدرّ في صدفه، والمسك في فأرته .. فإنه لا يصحّ البيع فيهما مع أن الصِّوان خلقي، وعلى عكسه: الخُشْكَنان، والجُبَّة المحشوة قطنًا، والفُقَّاع .. فإنه يصحّ بيعهم مع أن الصِّوان غير خلقي.
واحترز بـ (السفلى)، وهي التي تكسر حال الأكل: عن العليا؛ فإنه لا يصحّ البيع قبل إزالتها.
(وتعتبر رؤية كلِّ شيء على ما يليق به) فلا بدّ في الدار من رؤية البيوت والسقوف والجدران داخلًا وخارجًا، والمستحم، والبالوعة، وكذا السطوح.
وفي البستان من رؤية الأشجار والجدران ومسايل الماء.
وفي العبد من رؤية الوجه والأطراف، وكذا باقي البدن غير العورة على الأصح، ولا تشترط رؤية اللسان، والأسنان على الأصح في "شرح المهذب"، والجارية كالعبد على الأصح (1).
ولا بدّ في الدواب من رؤية مقدمها ومؤخرها وقوائمها، ورفع ما على ظهرها.
ولا بدّ في الثوب من نشره على الأصحِّ.
(والأصح: أن وصفه بصفة السلم لا يكفي) عن الرؤية، وكذا سماع وصفه بطريق التواتر؛ لأن الرؤية تفيد أمورًا تقصر عنها العبارة، وفي الخبر:"لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ"(2). والثاني: يكفي؛ لأن ثمرة الرؤية: المعرفةُ، والوصفُ يفيدها.
(ويصحّ سلم الأعمى) سواء أسلم في شيء، أو أسلم إليه فيه؛ لأن السلم يعتمد الوصف لا الرؤية، فعلى هذا: يشترط أن يكون رأس المال موصوفًا، ثم يعينه في المجلس، فإن كان معينًا في العقد .. كان كمن باع عينًا، وإذا صحّ سلمه .. لم يصحّ قبضه في الأصح، بل يوكل؛ لأنه لا يميز بين حقه وغيره.
(1) المجموع (9/ 277).
(2)
أخرجه ابن حبان (6213)، والحاكم (2/ 321) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وَقِيلَ: إِنْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ .. فَلَا.
===
(وقيل: إن عمي قبل تمييزه) أو خلق أعمى ( .. فلا)؛ لأنه لا يعرف الألوان، ولا يميز بينها، وأجاب الأول: بأنه يعرفها بالسماع، ويتخيل فرقًا بينها.
وقد يُفهم أنه لا يصحّ من الأعمى من العقود غيرُ السلم، وليس كذلك؛ بل يصحّ أن يشتري نفسه، وأن يقبل الكتابة على نفسه، وأن يؤجر نفسه، وأن يبيع ما شاهده قبل العمى إذا لم يتغير، وأن يزوج ابنته ونحوها، ويؤجرهما إذا شاهدهما قبل العمى. ذكرها في "الخصال"، وفي "الروضة" بعضها (1).
* * *
(1) روضة الطالبين (3/ 371).