الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلٌ [في تملك اللقطة وغرمها وما يتبعها]
إِذَا عَرَّفَ سَنَةً .. لَمْ يَمْلِكْهَا حَتَّى يَخْتَارَهُ بِلَفْظٍ كَتَمَلَّكْتُ، وَقِيلَ: تَكْفِي النّيَّةُ، وَقِيلَ: يَمْلِكُ بِمُضِيِّ السَّنَةِ.
===
وتعبيره يقتضي: أن التعريف في زمن إعراض الفاقد، وليس كذلك، وإنما هو في زمن فقد الإعراض، فإذا جاء زمن الإعراض .. انتهى التعريف.
وعبارة "الشرحين" و"الروضة": مدةً يُظَن في مثلها طلبُ فاقده له، فإذا غلب على الظن إعراضه .. سقط (1)، فكان ينبغي للمصنف أن يقول:(إلى زمن يظن أن فاقده يعرض عنه)، فيجعل ذلك الزمن غايةً ليترك التعريف، لا ظرفًا للتعريف.
ومقابل الأصحِّ: يكفي مرة؛ لأنه يخرج بها عن حدِّ الكتمان، وقيل: ثلاثة أيام، وقيل: لا يجب تعريف القليل أصلًا.
وكلُّ هذا إذا لم يبلغ في القلة إلى حدٍّ لا يتمول، فإن بلغ ذلك؛ كحبة بُرّ وزبينة .. لم يجب تعريفه، ويستبدّ به واجده.
نعم؛ هل يزول ملك صاحبه عنه إذا وقع منه؟ فيه وجهان في "الوافي".
والأصحُّ في ضابط الحقير: أنه لا يتقدر، بل ما غلب على الظن أن صاحبه لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له غالبًا.
* * *
(فصل: إذا عَرّف سنة) أو دونها في الحقير (لم يملكها حتى يختاره بلفظ؛ كـ"تملكت") ونحوه؛ لأنه تمليك مال ببدل، فافتقر إلى ذلك؛ كالشفيع، (وقيل: تكفي النية) أي: تجديدُ قصد التملك؛ إذ اللفظ إنما يعتبر حيث يكون إيجابٌ، (وقيل: يملك بمضي السنة) بعد التعريف؛ لما في "مسلم": "فَإِنْ جَاءَ صاحِبُهَا .. فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ، وَإِلَّا .. فَهِيَ لَكَ"(2).
(1) الشرح الكبير (6/ 365)، روضة الطالبين (5/ 410).
(2)
صحيح مسلم (6/ 1722) وهو عند البخاري برقم (2429) كلاهما عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه.
فَإِنْ تَمَلَّكَ فَظَهَرَ الْمَالِكُ وَاتَّفَقَا عَلَى رَدِّ عَيْنِهَا .. فَذَاكَ، وَإِنْ أَرَادَهَا الْمَالِكُ وَأَرَادَ الْمُلْتَقِطُ الْعُدُولَ إِلَى بَدَلِهَا .. أُجِيبَ الْمَالِكُ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ تَلِفَتْ .. غَرِمَ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّمَلُّكِ، وإِنْ نَقَصَتْ بِعَيْبٍ .. فَلَهُ أَخْذُهَا مَعَ الأَرْشِ فِي الأَصَحِّ. وإِذَا ادَّعَاهَا رَجُلٌ وَلَمْ يَصِفْهَا وَلَا بَيِّنَةَ .. لَمْ تُدْفَعْ إِلَيْهِ،
===
ومحلُّ هذا الوجه: إذا قصد بالأخذ في الابتداء التملك بعد المدة، فإن قصد الحفظ واستمر حتى انقضت المدة .. لم يملك به قطعًا؛ كما صرح به صاحب "التقريب" والماوردي وغيرهما (1)، قال الإمام: ولو أطلق الالتقاط .. احتمل أن يملك إن غلّبنا الكسب (2).
(فإن تملك فظهر المالك واتفقا على رد عينها .. فذاك) إذ الحقُّ لا يعدوهما، (وإن أرادها المالك وأراد الملتقط العدول إلى بدلها .. أجيب المالك في الأصحّ) كالقرض، وفي "الصحيحين":"فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ .. فَأَدِّهَا إِلَيْه"(3)، والثاني: يجاب الملتقط؛ لأنه ملكها؛ كما قيل به في القرض.
(فإن تلفت .. غرم مثلَها)(4) إن كانت مثلية (أو قيمتَها) إن كانت متقومة؛ لأنه تملُّك يتعلق به العوض، فأشبه البيع (يومَ التملك) لأنه وقت دخولها في ضمانه.
(وإن نقصت بعيب) طرأ بعد التملك ( .. فله أخذها مع الأرش في الأصحِّ) للأصل المقرر: أن ما ضُمِن كلُّه بالتلف .. ضُمِن بعضُه عند النقص، والثاني: يقنع بها بلا أرش؛ لأن النقصان حصل في ملكه، فلا يضمنه.
(وإذا ادعاها رجل ولم يصفها ولا بينةَ) يثبت بها المال ولو شاهدًا ويمينًا ( .. لم تُدفَع إليه) لحديث: "لَوْ أعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ
…
" الحديث (5).
نعم؛ لو علم الملتقِط أنها له .. لزمه الدفع إليه.
(1) الحاوي الكبير (9/ 443).
(2)
نهاية المطلب (8/ 447).
(3)
صحيح البخاري (2436)، صحيح مسلم (1722/ 5) عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه.
(4)
في (ب) و (د): (وإن تلفت .. غرم مثلها).
(5)
أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وإِنْ وَصَفَهَا وَظَنَّ صِدْقَهُ .. جَازَ الدَّفْعُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ دَفَعَ فَأَقَامَ آخَرُ بَيَّنَةً بِهَا .. حُوِّلَتْ إِلَيْهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ .. فَلِصاحِبِ الْبيِّنَةِ تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ وَالْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ، وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ. قُلْتُ: لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ الْحَرَمِ لِلتَّمَلُّكِ عَلَى الصَّحِيحِ،
===
(وإن وصفها وظن صدقه .. جاز الدفع) عملًا بظنه.
هذا إذا كان الواصف واحدًا، فإن وصفها جماعة .. قال أبو الطيب: أجمعنا على أنها لا تسلم لهم.
(ولا يجب على المذهب) لأنه مدعٍ فيحتاج إلى بينة، كغيره، وقيل: فيه وجهان؛ أحدهما: هذا، والثاني: يجب؛ لأن إقامة البينة عليها قد تعسر.
واحترز بقوله: (فظن صدقه) عما إذا لم يغلب على الظن صدقه؛ فإنه لا يجب الدفع اتفاقًا، وكذا لا يجوز على المشهور.
(فإن دفع) بالوصف (فأقام آخرُ بها بينة .. حولت إليه) لأن البينة حجة توجب الدفع، فقدمت على الوصف المجرد، (فإن تلفت عنده .. فلصاحب البينة تضمين الملتقط) لأنه سلّم ما لم يكن له تسليمُه، هذا إذا دفعه بنفسه، فإن ألزمه به حاكم يراه .. فلا ضمانَ عليه؛ لعدم تقصيره، (والمدفوعِ إليه) لأنه أخذ ما لم يكن له أخذهُ، (والقرارُ عليه) أي: على المدفوع إليه؛ لتلفه في يده.
نعم؛ لو كان الملتقط قد أَقَرّ للواصف بالملك ثم غرم .. لم يرجع على المدفوع إليه؛ لأنه يزعم أن المدعي ظلمه، فلا يظلم الغير، وتوقف فيه ابن أبي الدم.
(قلت: لا تحل لقطة الحرم للتملك على الصحيح) بل للحفظ أبدًا، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ، لَا تلتَقَطُ لُقَطَتُهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا" متفق عليه (1).
وفي رواية للبخاري: "لَا تَحِلُّ لُقَطَته إِلَّا لِمُنْشِدٍ"(2)، قال الشافعي: أي:
(1) صحيح البخاري (1587)، صحيح مسلم (1353) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
صحيح البخاري (1587) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو عند مسلم برقم (1355) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وَيَجِبُ تَعْرِيفهَا قَطْعًا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
لمعرِّف، ولم يوقت في التعريف سنة كغيرها، فدلَّ على أنه أراد التعريف على الدوام، وإلا .. فلا فائدة في التخصيص، وقد أخرج عليه الصلاة والسلام هذا الكلام في سياق تفضيل الحرم، وبذلك يحصل التمييز بينه وبين سائر البلاد.
والمعنى فيه: أن حرم مكة -شرفها الله تعالى- مثابةٌ للناس يعودون إليه مرةً بعد أخرى، فربما يعود من أضلها أو يبعث في طلبها؛ فكأنه جعل ماله بها محفوظًا عليه؛ كما غلظ الدية فيها.
والثاني: تحلُّ؛ لأنها نوع كسب، فاستوى فيه الحلُّ والحرم؛ كغيرها.
والمراد بالخبر: أنه لا بدَّ من التعريف، كسائر البلاد؛ لئلا يُتَوّهم الاكتفاء بتعريفها في الموسم فقط؛ لكثرة الناس وبعد العود في طلبها من الآفاق.
وعلى الأول: ففي لقطة عرفة ومسجد إبراهيم عليه السلام وجهان في "الحاوي"، أحدهما: أنها كلقطة الحرم؛ لأنها مجمع الحاج، والثاني -وصححه في "الانتصار"-: أنها ليست كلقطة الحرم؛ لأن ذلك من خصائص الحرم (1).
(ويجب تعريفها قطعًا، والله أعلم) ولا يجيء فيها الوجه المارُّ فيمن التقط للحفظ؛ للحديث (2)، ونقل في "الروضة" عن الأصحاب: أنه يلزمه الإقامة للتعريف أو دفعها للحاكم (3).
* * *
(1) الحاوي الكبير (9/ 428).
(2)
سبق تخريجه (ص 507).
(3)
روضة الطالبين (5/ 413).