الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي الأَصَحِّ، وَهُوَ: أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلًا لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ، أَوْ رَجُلَيْن لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّامًا وَذَا أَيَّامًا وَيُبيِّنَ الْبَعْضَيْنِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ.
فَصْلٌ [في بقية شروط المنفعة وما تقدر به]
يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً، ثُمَّ تَارَةً تُقَدَّرُ بِزَمَانٍ كَدَارٍ سَنَةً،
===
(ويجوز كراء العُقَبِ في الأصحِّ، وهو: أن يؤجر دابةً رجلًا ليركبها بعضَ الطريق، أو رجلين ليركب هذا أيامًا وذا أيامًا، ويبين البعضين ثم يقتسمان) أي: المكري والمكتري، أو المكتريان سواء في إجارة العين والذمة؛ لثبوت الاستحقاق حالًا، فإن الملك واقع لهما دفعةً واحدة، والتأخير الواقع من ضرورة القسمة لا يؤثر؛ كالدار المشتركة، بخلاف ما لو أجرها ليركبها زمانًا، ثم المستأجر بعده زمانًا؛ لتأخر حقِّه وتعلقها بالمستقبل، والثاني: المنع فيهما، فإنه إجارة إلى آجال متفرقة وأزمنة منقطعة، والثالث: يصحُّ في الصورة الثانية؛ لاتصال زمن الإجارة فيها دون الأولى، والرابع: يصحُّ فيهما إن كانت في الذمة، ولا يصحُّ إن كانت معينة.
* * *
(فصل: يشترط: كون المنفعة معلومة) عينًا وقدرًا وصفة؛ كالبيع، فلا تصحُّ إجارةُ أحد عبديه، ولا إجارةُ الغائب على الأصحِّ، ولا إجارة مدة غير مقدرة، وإذا استأجر عقارًا اشترط تحديده بالجهات؛ كما يفعل في البيع، حكاه في "الكفاية" عن القاضي أبي الطيب (1).
ويستثنى من اشتراط القدر: دخول الحمام مع اختلاف أحوال الداخلين في المكث، واستعمال الماء، وحكى في "شرح المهذب" في (باب بيع الغرر) الإجماع عليه (2).
(ثم تارة تُقدَّر) المنفعة (بزمان) فقط (كدار سنةً) معينةً متصلةً بالعقد، وفي معنى الدار: كلُّ ما لا ينضبط بالعمل لاختلافه؛ كالأواني، والثياب، والتطيين،
(1) كفاية النبيه (11/ 219).
(2)
المجموع (9/ 246).
وَتَارَةً بعَمَلٍ؛ كَدَابَّةٍ إِلَى مَكَّةَ، وَكَخِيَاطَةِ ذَا الثَّوْب، فَلَوْ جَمَعَهُمَا فَاسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَهُ بَيَاضَ النَّهَارِ .. لَمْ يَصِحَّ فِي الأَصَحِّ. وَيُقَدَّرُ تَعْلِيمُ القُرْآنِ بِمُدَّةٍ،
===
والرضاع، فإنه لا سبيل للضبط في هذه إلا بالزمان.
(وتارة بعمل؛ كدابة) معينة أو موصوفة (إلى مكة، وكخياطة ذا الثوبِ) من غير تقدير مدة؛ لأن هذه المنافعَ معلومةٌ في أنفسها فلم تفتقر إلى تقدير المدة.
وكلامه قد يوهم: تعين التقدير بالعمل في ذلك، وليس كذلك، بل يجوز تقديره بالزمان أيضًا على الانفراد، فيقول:(أجرني هذه الدابة لأركبها شهرًا، وأجرني عبدك ليخيط لي هذا الثوب)، أو (يخيط لي شهرًا).
(فلو جمعهما) أي: التقدير بالعمل والزمان (فاستأجره ليَخيطه بياضَ النهار .. لم يصحَّ في الأصحِّ) للغرر، فقد يتقدم العمل أو يتأخر، والثاني: يصحُّ؛ إذ المدة مذكورة للتعجيل، فلا تؤثر في الفساد، والثالث: إن أمكن حصولُه في تلك المدة .. صحَّ، وإلا .. فلا، وفي "البحر" عن البويطي إن أمكن .. كان ذكرُه أفضل (1).
(ويُقدّر تعليم القرآن بمدة) كشهر مثلًا؛ كما لو استأجر خَيَّاطًا ليخيط له شهرًا، وهذا هو الأصحُّ في "زيادة الروضة" والمجزوم به في "الشرحين" في (الصداق)(2)، لكن الأشبه في "الشرح الصغير" و"التذنيب" هنا: أنه لا يجوز؛ لتفاوت السور والآت في سهولة الحفظ وصعوبته.
واعترض: بأن في ثبوت المنع وجهًا نظرًا، فإنه لا يكاد يوجد التصريح به لأحد، فضلًا عن ترجيحه.
وصورة المسألة: إذا لم يرد القرآن جميعه، بل ما يُسمَّى قرآنًا، أما إذا أريد جميعه .. فلا يصحُّ على الأصحِّ؛ لأن فيه جمعًا بين الزمان والعمل.
وحينئذ كان ينبغي للمصنف أن يقول: تعليم قرآن بالتنكير، فإن الشافعي رضي الله عنه نصَّ في (باب التدبير) على أن القرآن بالألف واللام لا يطلق إلا على جميعه (3).
(1) بحر المذهب (8/ 307).
(2)
روضة الطالبين (5/ 190)، والشرح الكبير (8/ 309).
(3)
الأم (9/ 323).
أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ. وَفِي الْبنَاءِ يُبيِّنُ الْمَوْضِعَ، وَالطُّولَ، وَالْعَرْضَ، وَالسَّمْكَ، وَمَا يُبْنَى بهِ إِنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ. وإِذَا صَلَحَتِ الأَرْضُ لِبنَاءٍ وَزِرَاعَةٍ وَغِرَاسٍ .. اشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ، وَيَكْفِي تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ عَنْ ذِكْرِ مَا يُزْرَعُ فَي الأَصَحِّ،
===
(أو تعيينِ سور) إن كانت كاملة، أو تعيين آيات؛ كعشر آيات من سورة كذا من أولها، أو من آخرها؛ للتفاوت بينهما في سهولة الحفظ، وصعوبته.
وأفهم: أنه لا يشترط تعيين القراءة؛ كقراءة أبي عمرو، وهو الأصح؛ إذ الأمر فيها قريب، فإن عين شيئًا .. تعين.
وأفهم أيضًا: أنه لا يشترط اختبار حفظ المتعلم، وهو كذلك، قال ابن الرفعة: ولو خرج ذهنه عن عادة أمثاله في البلادة
…
فله الفسخ فيما يظهر.
ويشترط: علم المتعاقدين بما يقع العقد على تعليمه، فإن لم يعلماه .. وَكَّلا، ويكفي أن يفتحا المصحف ويقول:(تُعلِّمني من هنا إلى هنا)، قاله أبو الفرج الزاز، وتوقف فيه الرافعي، لأنه لا يفيد معرفة المشار إليه سهولة وصعوبة، قال في "الروضة" في (الصداق): وهو الصواب، فيتعين التوكيل (1).
(وفي البناء يبين الموضعَ) أي: موضع الجدار، (والطولَ) أي: طول البناء (والعرض، والسَّمْك، وما يُبنَى به) من طين وآجرٍّ، وغير ذلك (إن قُدِّر بالعمل) لاختلاف الأغراض به، فإن قدر بالزمان .. لم يحتج إلى بيان شيء من ذلك، وقد مرَّ تفسير الطول والعرض والسمك في (الصلح) فليراجع.
(وإذا صلحت الأرض لبناء وزراعة وغِراس .. اشترط تعيين المنفعة) لاختلاف الضرر اللاحق باختلاف منافع هذه الجهات" كما لو أجر بهيمة .. لا يجوز الإطلاق.
(ويكفي تعيين الزراعة عن ذكر ما يزرع في الأصحِّ) لقلة التفاوت بين أنواع الزرع، ويزرع ما شاء، قال الرافعي: وكان يحتمل أن ينزل على أقلِّ الدرجات (2).
انتهى، وما بحثه حكاه الخوارزمي وجهًا، والثاني: لا يكفي، لاختلاف ضرر الزرع.
(1) روضة الطالبين (7/ 305).
(2)
الشرح الكبير (6/ 115).
وَلَوْ قَالَ: (لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْتَ) .. صَحَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ:(إِنْ شِئْتَ فَازْرَعْ وَإِنْ شِئْتَ فَاغْرِسْ) فِي الأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ فِي إِجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشَاهَدَتِهِ أَوْ وَصْفٍ تَامٍّ، وَقِيلَ: لَا يَكْفِي الْوَصْفُ،
===
ويجري الخلاف في قوله: (لتغرس)، و (لتبني)، قاله الرافعي (1)، وتوقف فيه السبكي؛ لأن البناء والغراس تتفاوت كثيرًا، بخلاف الزرع.
(ولو قال: "لتنتفع بها بما شئت" .. صحَّ) ويصنع ما شاء؛ لرضاه به.
(وكذا لو قال: "إن شئت .. فازرع، وإن شئت .. فاغرس" في الأصحِّ) لرضاه بأعظمهما ضررًا، والثاني: المنع، للإيهام (2)؛ كما لو قال:(بعتك بألف مكسَّرة إن شئت، وصحيحة إن شئت).
(ويشترط في إجارة دابة لركوب: معرفة الراكب بمشاهدة أو وصفٍ تام) لينتفي الغرر، وسواء إجارة العين والذمة.
ولم يبين المراد بالتام، وفي "الروضة" و"أصلها": واختلف في الوصف، فقيل: يذكر صفته في الضخامة والنحافة؛ ليعرف وزنه تخمينًا، وقيل: يصفه بالوزن، ولم يرجحا شيئًا (3)، ورجح شيخنا قاضي القضاة جلال الدين البُلْقيني الثاني.
(وقيل: لا يكفي الوصف)، وتتعين المشاهدة؛ لأن الخبر ليس كالمعاينة، وهذا ما نقلاه في "الشرح" و"الروضة" عن الأكثرين (4)، وحكاه في "المطلب" عن نصِّ "الأم"، لكن الرافعي قال: إن إلحاق الوصف التام بالمشاهدة أشبه في المعنى؛ [لأنه يفيد التخمين؛ كالمشاهدة](5)، قال السبكي: وهذا ليس وجهًا منقولًا، لكن الرافعي جعله في معنى المشاهدة؛ يعني: بحثًا، فعُلِمَ أن التخيير بينهما؛ كما في "الكتاب" ليس وجهًا بالكلية، فضلًا عن أن يكون هو المرجَّحَ.
(1) الشرح الكبير (6/ 115).
(2)
في (ب): (للإبهام).
(3)
روضة الطالبين (5/ 201)، والشرح الكبير (6/ 116).
(4)
الشرح الكبير (6/ 116)، وروضة الطالبين (5/ 200 - 201).
(5)
الشرح الكبير (6/ 116)، ما بين المعقوفين زيادة من (ب) و (د).
وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمِلٍ وَغَيْرِهِ إِنْ كَانَ لَهُ. وَلَوْ شَرَطَ حَمْلَ الْمَعَالِيقِ مُطْلَقًا .. فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ .. لَمْ يَسْتَحِقَّ
===
(وكذا الحكم فيما يُركب عليه من مَحمِل وغيره) كعمارية وسرج وإكاف (إن كان له) أي: إن كان المُحضِرُ له هو المكتري، حيث اقتضى الشرط الركوب عليه، ولا بدَّ هنا عند عدم المشاهدة من الوزن مع الوصف على الأصحِّ، وقيل: يكفي الوزن أو الوصف.
ومحلُّ الخلاف: إذا تفاوتت المحامل تفاوتًا فاحشًا، وإلا .. كفى الإطلاق، ويحمل على معهودهم قطعًا.
واحترز بقوله: (إن كان له) عما إذا كان مجردًا ليس معه ما يركب عليه، فإنه لا حاجة إلى ذكر ما يركب عليه، ويركبه المؤجر على ما شاء على ما يليق بالدابة.
ولا يختص ما ذكر المصنف بما يركب عليه، بل ما كان معه من زاملة ونحوها كذلك، وقد صرح به في "المحرر"(1)، فلا وجه لإهماله.
(ولو شرط حملَ المعاليق مطلقًا) أي: من غير رؤية، ولا وصف ووزن (
…
فسد العقد في الأصحِّ) لاختلاف الناس فيها، فربما قلَّتْ، وربما كَثُرَتْ، والثاني: يصحُّ، ويحمل على الوسط المعتاد.
وكان ينبغي التعبير بالأظهر؛ لأن في المسألة قولين.
والمعاليق: السُّفْرة والإداوة والقُمْقُمة والقِدْر، قال الماوردي: وكذا المِفْحربة والمِخَدة، ونحو ذلك (2).
والخلاف في السفرة والإداوة إذا كانتا فارغتين، فإن كان فيهما طعام وماء فلا بدَّ من رؤيته، أو معرفته بالوزن على المشهور.
(وإن لم يشرطه) أي: حمل المعاليق (لم يستحق) حملهما؛ لاختلاف الناس فيها، وقد لا يكون للراكب فيها معاليق أيضًا.
(1) المحرر (ص 231).
(2)
الحاوي الكبير (9/ 234).
وَيُشْتَرَطُ فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ تَعْيِينُ الدَّابَّةِ - وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ - وَفِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالذُّكُورَةِ أَوِ الأُنُوثَةِ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا بَيَانُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَضبُوطَةٌ
…
فَيُنَزَّل عَلَيْهَا. وَيَجِبُ فِي الإِيجَارِ لِلْحَمْلِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَحْمُولَ - فَإِنْ حَضَرَ .. رَآهُ وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إِنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ، وَإِنْ غَابَ .. قُدِّرَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ -
===
(ويشترط في إجارة العين: تعيين الدابة) فلا يصحُّ أن يؤجره إحدى هاتين الدابتين.
(وفي اشتراط رؤيتها الخلاف في بيع الغائب) والأظهر: اشتراطه، كما مرَّ في بابه.
(وفي إجارة الذمة: ذكرُ الجنس) كالإبل أو الخيل أو الحمير، (والنوع) كالبَخَاتي أو العِراب، (والذكورة أو الأنوثة) لاختلاف الغرض، فإن الأنثى أسهل سيرًا، والذكر أقوى، ويشترط أيضًا: أن يقول كـ: (مهملج)، أو (بحر)، أو (قطوف) على الأصحِّ (1)؛ لأن معظم الغرض يتعلق بكيفية السير.
(ويشترط فيهما) أي: في إجارة العين والذمة (بيان قدر السير كلَّ يوم) لتفاوت الغرض فيه، (إلا أن يكون بالطريق منازلُ مضبوطة فيُنزَّل) إطلاق العقد (عليها) كما يصرف إطلاق النقد إلى غالب نقد البلد.
فإن شرطا خلافه .. اتُّبع إن أطاقته البهيمة، فإن لم تكن منازل مضبوطة، أو كانت واختلفت العادة .. لم يصحَّ حتى يبينا، أو يقدِّرا بالزمان، كالثمن في موضع لا نقد فيه.
(ويجب في الإيجار للحمل أن يَعرف المحمولَ) لاختلاف تأثيره وضرره.
(فإن حضر .. رآه وامتحنه بيده إن كان في ظرف) ليعرف وزنه تخمينًا.
(وإن غاب .. قُدِّرَ بكيل) إن كان مكيلًا، (أو وزن) إن كان موزونًا، أو مكيلًا قالا: والوزن في كلِّ شيء أولى وأحصر (2).
(1) المُهَمْلج: حسن السير في سرعة، البَحْر: الواسع المشي، القَطُوف: البطيء السير.
(2)
الشرح الكبير (6/ 120)، وروضة الطالبين (5/ 204).