الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الإقرار
يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَاغٍ، فَإِنِ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالاحْتِلَامِ مَعَ الإِمْكَانِ .. صُدِّقَ
===
(كتاب الإقرار)
هو في اللغة: الإثبات، وفي الشرع: إخبار عن حقٍّ سابق على المخبر.
والأصل فيه: قوله تعالى: {قَالُوا أَقْرَرْنَا} ، وقوله تعالى:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} ، وقوله عليه الصلاة والسلام:"اغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ .. فَارْجُمْهَا"(1)، والإجماع قائم على المؤاخذة به.
(يصح من مطلق التصرف) بالاتفاق.
نعم؛ يشترط فيه: الاختيار، وإلا يكذّبه حسّ ولا شرع كما سيأتي.
(وإقرار الصبي والمجنون لاغ) كتصرفهما، وسواء المراهق وغيره، أذن الولي أو لم يأذن.
ويستثنى: إقرار المميّز بالتدبير والوصية إذا صححنا ذلك منه.
وقضيته: أن يلتحق بهما إقراره بالإسلام إذا صححناه منه؛ كما قاله ابن الرفعة (2).
وفي معنى المجنون: من أغمي عليه، ومن لم يعص بسكره، ومن زال عقله بسبب لا يعذر فيه؛ كالسكران، والأظهر: قبول إقراره.
(فإن ادعى البلوغ بالاحتلام مع الإمكان) بأن يكون في سنٍّ يحتمل البلوغ ( .. صُدّق) لأن ذلك لا يعرف إلا من جهته.
والمراد: الإنزال في يقظة أو منام، ودعوى الجارية الحيضَ كدعوى الاحتلام.
(1) أخرجه البخاري (2314، 2315)، ومسلم (1697، 1698) عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما.
(2)
كفاية النبيه (19/ 320).
وَلَا يُحَلَّفُ، وَإِنِ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ
…
طُولبَ بِبَيِّنَةٍ. وَالسَّفِيهُ وَالْمُفْلِسُ سَبَقَ حُكْمُ إِقْرَارِهِمَا. وَيُقْبَلُ إِقْرَارُ الرَّقِيقِ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ، وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ عُقُوبَةً فَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ .. تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ .. لَمْ يُقْبَلْ عَلَى السَّيِّدِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ،
===
(ولا يُحلّف) لأنه إن كان صادقًا .. فلا حاجة إلى اليمين، وإن كان كاذبًا .. فلا فائدة في يمينه؛ لأن يمين الصبي غيرُ منعقدة.
وما جزم به: من أنه لا يحلف .. كذا في "الروضة" و "أصلها" هنا، وفي (الدعاوى) في (باب اليمين)(1)، لكن صححا في (باب النكول): أن ولد المرتزق إذا ادّعى البلوغ بالاحتلام وطلب إثبات اسمه في الديوان .. أنه يحتاج إلى اليمين إن اتهم.
ومثلُه: إذا حضر المراهق الوقعةَ فادعى الاحتلام وطلب السهم .. فيعطى إن حلف، وإلا .. فوجهان؛ أصحُّهما: لا يعطى (2).
(وإن ادعاه بالسن .. طولب ببينة) لإمكان إقامتها.
(والسفيه والمفلس سبق حكم إقرارهما) في بابهما.
(ويُقبَل إقرارُ الرقيق بموجِب) أي: بكسر الجيم (عقوبة) كالزنا، والقصاص والسرقة بالنسبة إلى القطع لا في المال في الأظهر؛ لبعد التهمة.
(ولو أقرّ بدينِ جناية لا توجب عقوبة) كجناية الخطأ والغصب والإتلاف (فكذبه السيد .. لعلّق بذمته دون رقبته) للتهمة، فيتبع به إذا عتق.
واحترز بقوله: (فكذبه): عما إذا صدّقه السيد ولم يكن مرهونًا ولا جانيًا .. فإنه يتعلق برقبته ويباع، إلا أن يفديه بأقلِّ الأمرين من قيمته وقدر الدين، وإذا بيع فبقي شيء من الدين .. فالأظهر: أنه لا يُتبَع به إذا عَتَق.
(وإن أقرّ بدين معاملة .. لم يُقبل على السيد إن لم يكن مأذونًا له في التجارة)، بل يتعلق بذمته يُتبَع به إذا عَتَق، سواء صدَّقه السيد أم لا؛ لتقصير من عامله، بخلاف الجناية.
(1) روضة الطالبين (4/ 349، 12/ 38)، الشرح الكبير (5/ 275، 13/ 201).
(2)
الشرح الكبير (13/ 216)، روضة الطالبين (12/ 49).
ويُقْبَلُ إِنْ كَانَ، وَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبهِ وَمَا فِي يَدِهِ. وَيَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِأجْنَبِيٍّ، وَكَذَا لِوَارِثٍ عَلَى الْمَذهَبِ. وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ بِدَيْنٍ، وَفِي مَرَضِهِ لآخَرَ .. لَمْ يُقَدَّمِ الأَوَّلُ.
===
(ويُقبل إن كان) مأذونًا له؛ لقدرته على الإنشاء، ومحلُّه: إذا لم يحجر عليه السيد، فإن حجر .. فلا في الأصحِّ، لعجزه عن الإنشاء حينئذ، ومحلُّه أيضًا: إذا كان متعلقًا بالتجارة، فإن كان مما لا يتعلق بها؛ كالقرض .. فلا يقبل الإقرار به على السيد.
(ويؤدي من كسبه وما في يده)(1) لما مرَّ في (باب العبد المأذون).
(ويصحّ إقرار المريض مرضَ الموت لأجنبي) بالمال، عينًا كان أو دينًا بالإجماع؛ كما ذكره الغزالي (2).
قال القفال: ولو أراد الورثة تحليف المقَر له على الاستحقاق .. لم يكن لهم ذلك.
(وكذا لوارث على المذهب) كالأجنبي؛ لأنه انتهى إلى حالة يَصدُق فيها الكاذب ويتوب الفاجر، فالظاهر: أنه لا يُقِرُّ إلا عن تحقيق، ولا يَقصِد حرمانًا، وفي قول: لا يصحُّ؛ لأنه متهم بحرمان بعض الورثة، والطريق الثاني: القطع بالقبول.
واختار الروياني مذهب مالك: وهو أن الحاكم يجتهد فيه؛ فإن كان متهمًا .. لم يقبل إقراره، وإلا .. فيقبل؛ لفساد الزمان (3)، وقوَّاه أبو علي الفارقي.
ولو ادّعى باقي الورثة على المُقَرِّ له: أنه لا حقيقة لذلك، فاحلف أنه أقر لك بحق لازم كان يلزمه الإقرارُ به .. فعليه أن يحلف، فإن نكل .. حلف باقي الورثة وقاسموه، قاله السنجي في "شرح التلخيص".
والاعتبار في كونه وارثًا: بحال الموت لا بحال الإقرار على الأصحِّ.
(ولو أقر في صحته بدين، وفي مرضه لآخر .. لم يُقدَّم الأول)، بل يقسم بينهما؛ كما لو ثبتا بالبينة.
(1) في (ب) و (د): (ومما في يده).
(2)
الوسيط (3/ 320).
(3)
انظر "بحر المذهب"(6/ 117 - 118).
وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَأَقَرَّ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتهِ لآخَرَ .. لَمْ يُقَدَّمِ الأَوَّلُ فِي الأَصحِّ. وَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُ مُكْرَهٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ، فَلَوْ قَالَ:(لِهَذِهِ الدَّابَّةِ عَلَيَّ) كَذَا .. فَلَغْوٌ، فَلَوْ قَالَ:(بِسَبَبِهَا لِمَالِكِهَا) .. وَجَبَ، وَلَوْ قَالَ:(لِحَمْلِ هِنْدٍ كَذَا بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ) .. لَزِمَهُ
===
(ولو أقر في صحته أو مرضه) بدين (وأقر وارثُه بعد موته لآخر .. لم يقدم الأول في الأصحِّ) لأن الوارث خليفةُ المورث، فإقراره كإقراره، والثاني: يقدم؛ لأنه بالموت تعلق بالتركة، فلا يتمكن الوارث من صرفها عنه.
(ولا يصحُّ إقرار مُكرَه) بما أُكرِه عليه؛ كسائر تصرفاته.
وإقرار المرتد في بدنه لازم، وكذا في ماله قبل الحجر عليه، وبعده إن قلنا: حجرُه كحجر المرض، فإن قلنا: كحجر السفه .. ففي صحة إقراره وجهان.
(ويشترط في المُقَر له: أهلية استحقاق المُقَر به) لأن الإقرار بدونه كذب، فلو أقرّ بدين للغير عَقِب ثبوته بحيت لا يحتمل جريان ناقل .. لم يصحَّ.
ولو أعتق عبده ثم أقر هو أو غيره له بمال في الحال .. لم يصحَّ؛ للعلم بأنه لا يملك قبل العتق.
(فلو قال: "لهذه الدابة عليّ كذا" .. فلغو) لأنها لا تملك شيئًا ولا تستحقّه.
(فلو قال: "بسببها)(1) عليّ (لمالكها") كذا ( .. وجب) لأنه إقرار للمالك لا لها، وهي السبب؛ إما بجناية عليها، وإما باستيفاء منافعها بإجارة أو غصب.
وقول المقِر: (لمالكها): محمول على مالكها الآن، لأنه الظاهر وإن احتمل أنه يريد مالكًا آخر قبله.
فلو اقتصر على قوله: (بسببها (ولم يقل: (لمالكها) .. لم يلزم أن يكون المال لمالكها في الحال، ولكن يسال ويحكم بموجب بيانه؛ كما قاله الرافعي (2).
(ولو قال: "لحَمْل هند) عليّ أو عندي (كذا بإرث أو وصية" .. لزمه)
(1) في (ب) و (د): (فإن قال: بسببها).
(2)
الشرح الكبير (5/ 285).
وَإِنْ أَسْنَدَهُ إِلَى جِهَةٍ لَا تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ .. فَلَغْو، وَإِنْ أَطْلَقَ .. صَحَّ فِي الأَظْهَرِ. وَإِذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ .. تُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فِي الأَصَحِّ،
===
لإمكانه، والخصم في ذلك ولي الحمل، كما نصَّ عليه في "الأم"(1).
(وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في حقِّه) كقوله: (له عليّ الفٌ ثمن عين باعها مني)( .. فلغو) للقطع بكذبه فيما قاله.
وما جزم به تبع فيه "المحرر"(2)، وصحح الرافعي في "الشرحين": القطع بالصحة، لأنه عقّبه بما هو غير معقول ولا منتظم، فأشبه ما إذا قال:(لفلان عليّ ألف لا يلزمني)، قال في "زيادة الروضة": الأصح: البطلان، كما في "المحرر"(3).
قال السبكي: وما رجحه الرافعي في "الشرح" أقوى، لكن إطلاق "الأم" يشهد لما في "المحرر" و"المنهاج" انتهى.
وقال في "الأنوار": إسناد الفساد إلى "المحرر" وَهَمٌ، بل معنى كلامه: أن الإسنادَ نفسه لغو والإقرارَ نفسه صحيح. انتهى (4)، وذكر الأَذْرَعي نحوه ثم قال: وأما القطع بإلغاء الإقرار .. فلم أره لأحد ممن يقول بصحة الإقرار المطلق.
(وإن أطلق) الإقرار فلم يسنده إلى شيء ( .. صحَّ في الأظهر) حملًا للكلام على الجهة الممكنة في حقه، لأن كلام المكلف يحمل على الصحة في الأقارير ما أمكن، وهو ممكن هنا؛ لجواز ملكه بطريق صحيح من وصية أو إرث، والثاني: لا يصحُّ؛ لأن المال في الغالب إنما يجب بمعاملة أو جناية، ولا مَسَاغَ للمعاملة مع الحمل ولا للجناية عليه، فيُحمَلُ إطلاقه على الوعد.
(وإذا كذّب المقَر له المقِر .. تُرِك المال في يده في الأصحِّ) لأنا لا نعرف مالكه، فذو اليد أولى الناس بحفظه، ولأن يده تشعر بالملك ظاهرًا، والإقرار الطارئ عَارَضَه إنكارُ المقَر له، فسقط.
(1) الأم (4/ 503).
(2)
المحرر (ص 201).
(3)
الشرح الكبير (5/ 286)، روضة الطالبين (4/ 357).
(4)
الأنوار (1/ 500).
فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي حَالِ تكذِيبِهِ وَقَالَ: (غَلَطٌ) .. قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الأَصَحِّ.
===
وقضية التعليل الأول: أن تكون يدُه يدَ استحفاظ، وهو قضية كلام الإمام والغزالي وغيرهما (1)، وقال في "المطلب": إنه الأشبه.
وقضية التعليل الثاني: أن تكون يدَ ملك، وهو قضية كلام "المهذب"، وصرح به المتولي، وجزم به الشيخان عند رجوع المقَر له عن التكذيب (2).
ومقابل الأصحِّ: وجهان: أحدهما: ينزعه الحاكم ويتولى حفظه إلى أن يظهر مالكه؛ كالمال الضائع، فإن رأى استحفاظ صاحب اليد .. جاز؛ كغيره، والثاني: يُجبَر المقَر له على القبول والقبض، واستبعده الرافعي (3).
والخلاف جارٍ في العين والدين؛ كما صرّحا به بعد هذه بقليل قبيل الركن الثاني (4)، وقولُ ابن الرفعة في "المطلب": إن محلَّ الخلاف: في العين، وأجراه ابن يونس في الدين أيضًا، ولم أره لغيره .. مستغربٌ.
(فإن رجع المقِر في حال تكذيبه وقال: "غلطٌ") أو (تعمدُ الكذب)(5)( .. قبل قوله في الأصحِّ) هذه المسألة مبنية على الخلاف السابق؛ فإن قلنا: بالأصحِّ -وهو أنه يترك المال في يد المقِر - .. فقد أبطلنا حكم الإقرار، وحينئذ يقبل رجوعه في مسألتنا، وإن قلنا: يحفظه القاضي .. فلا يُقبل رجوعه؛ لأنا لم نبطل حكمَ إقراره.
وقوله: (في حال تكذيبه) يعني: تكذيب المقَر له، وهو يوهم: أنه لو رجع المقَر له وصدّقه على الإقرار .. أنه لا يكون كذلك، وليس كذلك؛ فإن الأصحَّ: أن رجوع المقَر له غير مقبول، ولا يُصرفَ إليه إلا بإقرار جديد.
* * *
(1) نهاية المطلب (7/ 78)، الوجيز (ص 224).
(2)
المهذب (2/ 441)، الشرح الكبير (5/ 288)، روضة الطالبين (4/ 358 - 359).
(3)
الشرح الكبير (5/ 288).
(4)
الشرح الكبير (5/ 289)، روضة الطالبين (4/ 359 - 360)، كذا في جميع النسخ، والكلام قبيل الركن الثالث.
(5)
في (ب (و (د): (غلطت أو تعمدت الكذب).