الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلٌ [في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه وتوابع ذلك]
إِذَا لَمْ يُقِرَّ اللَّقِيطُ بِرِقٍّ .. فَهُوَ حُرٌّ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ أَحَدٌ بيِّنَةً بِرِقِّهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِشَخْصٍ فَصَدَّقَهُ .. قُبِلَ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ إِقْرَارُهُ بِحُرِّيَّةٍ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَلَّا يَسْبقَ تَصَرُّف يَقْتَضي نُفُوذُهُ حُرِّيَّةً كَبَيعٍ وَنكَاحٍ، بَلْ يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الرِّقِّ وَأَحْكَامِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا الْمَاضِيَةِ الْمُضِرَّةِ بِغَيْرِهِ فِي الأَظْهَرِ،
===
(فصل: إذا لم يقر اللقيط برق .. فهو حر) بالإجماع؛ كما حكاه ابن المنذر (1)؛ لأن الغالب في الناس الحرية، (إلا أن يقيم أحد بينة برقه) فيعمل بها؛ كما سيأتي.
(وإن أقر به) أي: بالرقّ (لشخص فصدقه .. قبل إن لم يَسبق إقراره بحرية) كسائر الأقارير، وفي قول: لا يقبل؛ للحكم بحريته بالدار، فلو كذبه .. لم يثبت الرقُّ، ولو صدقه بعد ذلك؛ فإن سبق إقراره بالحرية بعد البلوغ .. لم يقبل إقراره بعده على الأصحِّ؛ لأنه بالإقرار الأول التزم أحكام الأحرار، فلم يملك إسقاطها.
(والمذهب: أنه لا يشترط) في صحة إقراره بالرقِّ (ألا يسبق تصرف يقتضي نفوذه حريه؛ كبيع ونكاح، بل يقبل إقراره في أصل الرق وأحكامه المستقبلة) فيما له وعليه، أما فيما عليه .. فلأنه أقرّ بحقٍّ عليه فيؤاخذ به؛ كسائر الأقارير، وأما فيما له .. فقياسًا على إقرار المرأة بالنكاح؛ فإنه يصحُّ على الجديد وإن تَضَمَّن ثبوت حقٍّ لها.
وأشار بالتعبير بـ (المذهب): إلى طريقين: أحدهما: القطع بثبوت أحكام الأرقاء في المستقبل، وثانيهما: فيه قولان؛ ثانيهما: أنه يبقى على أحكام الحرية مطلقًا.
(لا الماضيةِ المضرة بغيره في الأظهر) كما لا يقبل الإقرار على الغير بدين ونحوه، والثاني: يقبل؛ لأن الإقرار لا يتجزأ، ويصير إقراره كقيام البينة.
ولو قامت بينة برقه .. قبلت مطلقًا، أما المضرة به .. فتقبل قطعًا.
(1) الإجماع (ص 148).
فَلَوْ لَزِمَهُ دَينٌ فَأَقَرَّ بِرِقٍّ وَفِي يَدِهِ مَالٌ .. قُضِيَ مِنْهُ، وَلَوِ ادَّعَى رِقَّهُ مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ بِلَا بيِّنَةٍ .. لَمْ يُقْبَلْ، وَكَذَا إِنِ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ رَأَيْنَا صَغِيرًا مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ وَلَمْ يُعْرَفِ اسْتِنَادُهَا إِلَى الْتِقَاطٍ .. حُكِمَ لَهُ بِالرِّقِّ، فَإِنْ بَلَغَ وَقَالَ:(أَنَا حُرٌّ) .. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الأَصَحِّ إلَّا بِبيِّنَةٍ. وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ .. عُمِلَ بِهَا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تتعَرَّض الْبيِّنَةُ
===
(فلو لزمه دين فأقر برق وفي يده مال .. قضي منه) ولا يجعل للمقر له بالرقِّ إلا ما فضل عن الدين، فإن بقي من الدين شيء .. اتبع به إذا عتق، وهذا تفريع على عدم القبول فيما يضر غيره، أما إذا قبلناه مطلقًا .. فالمال لمن أقر له بالرقِّ والدينُ في ذمته.
(ولو ادعى رقه من ليس في يده بلا بينة .. لم يقبل) إذ الظاهر الحرية، فلا تترك إلا بحجة، بخلاف النسب؛ فإن قبوله مصلحة للصبي وثبوت حقٍّ له.
(وكذا إن ادعاه الملتقط في الأظهر) لأن الأصل الحريةُ، فلا يزال بمجرد الدعوى، والثاني: يقبل؛ كما لو التقط مالًا وادّعاه ولا منازعَ له.
وفرق الأول: بأن المال مملوك وليس في دعواه تغييرُ صفة له، واللقيط حرٌّ ظاهرًا وفي دعواه تغيير صفته.
(ولو رأينا صغيرًا مميزًا أو غيره في يد من يسترقه) أي: يدعي رقَّه، (ولم يعرف استنادها إلى التقاط .. حكم له بالرق) على الأصحِّ؛ عملًا باليد والتصرف، وقيل: لا؛ كاللقيط، فعلى الأول: لا يؤثر تكذيب المميز على الأصحِّ.
نعم؛ يحلف المدعي وجوبًا، وقيل: ندبًا.
(فإن بلغ وقال: "أنا حر" .. لم يقبل قوله في الأصحِّ إلا ببينة) لأنا قد حكمنا برقه في صغره فلا نرفعه إلا بحجة، لكن له تحليف السيد؛ كما نقلاه عن البغوي وأقراه، وقاله الماوردي أيضًا (1)، والثاني: يقبل؛ لأنه الآن من أهل القول، ولا نظر إلى ما حكمنا به من قبلُ.
(ومن أقام بينة برقه .. عُمل بها) لظهور فائدتها، (ويشترط أن تتعوض البينة
(1) الشرح الكبير (6/ 422)، روضة الطالبين (5/ 444)، الحاوي الكبير (21/ 402 - 403).
لِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَفِي قَوْلٍ: يَكْفِي مُطْلَقُ الْمِلْكِ. وَلَوِ اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ حُرٌّ مُسْلِمٌ .. لَحِقَهُ وَصَارَ أَوْلَى بِتَرْبِيَتِهِ، وَإِنِ اسْتَلْحَقَهُ عَبْدٌ .. لَحِقَهُ، وَفِي قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ، وَإِنِ اسْتَلْحَقَتْهُ امْرَأَةٌ .. لَمْ يَلْحَقْهَا فِي الأَصَحِّ،
===
لسبب الملك) من إرث وشراء وغيرهما؛ لئلا يعتمد ظاهر يده وتكون عن التقاط، (وفي قول: يكفي مطلق الملك) كسائر الأموال.
(ولو استلحق اللقيطَ حرٌّ مسلم) ذكر ( .. لحقه) أي: بالشروط السابقة في الإقرار؛ لأنه أقر له بحقٍّ لا ضرر فيه على غيره، فأشبه ما لو أقر له بمال، وحكى الإمام فيه الإجماع (1).
وقوله: (مسلم): لا مفهوم له، فإن للكافر استلحاقَه، ولا يتبعه في كفره؛ كما سبق.
(وصار أولى بتربيته) من اللاقط؛ لأن كفالة الأجنبي للضياع، وقد زالت بوجود الأب.
(وإن استلحقه عبد .. لحقه) لأنه كالحرِّ في أمر النسب؛ لإمكان حصوله منه بنكاح أو وطء شبهة، لكن لا يسلم اللقيط إليه، لأنه لا يتفرغ، ولا نفقة عليه؛ إذ لا مال، فيقر بيد الملتقط وينفق عليه من بيت المال، (وفي قول: يشترط تصديق سيده) لما فيه من قطع الإرث المتوهم على تقدير عتقه.
وأجاب الأول: بأنه لا عبرة بهذا؛ لأن من استلحق ابنًا وكان له أخ .. يقبل استلحاقه.
(وإن استلحقته امرأة .. لم يلحقها في الأصحِّ) لإمكان إقامة البينة بالولادة من طريق المشاهدة، بخلاف الرجل، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع (2)، والثاني: يلحقه؛ لأنها أحد الأبوين، فصارت كالرجل، والثالث: يلحق بالخليّة دون المزوَّجة؛ لتعذر الإلحاق بها دونه، وإذا لحقها ولها زوج .. لم يلحقه على المذهب.
(1) نهاية المطلب (8/ 547).
(2)
الإجماع (ص 149).
أَوِ اثنانِ .. لَمْ يُقَدَّمْ مُسْلِمٌ وَحُرٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ .. عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ، أَوْ تَحَيَّرَ، أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا، أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا .. أُمِرَ بِالانْتِسَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إِلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَيْهِ مِنْهُمَا، وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ .. سَقَطَتَا في الأَظْهَرِ
===
(أو) استلحقه (اثنان .. لم يقدم مسلم وحر على ذمي وعبد) لأن كلَّ واحد منهما لو انفرد .. كان أهلًا، فأشبه المسلمَين أو الحرَّين.
وكان الأحسن أن يقول: (كافر) لئلا يوهم قصر الحكم على الذمي.
(فإن لم تكن) لواحد منهما (بينة) أو كان لكلِّ واحد منهما بينة ( .. عرض على القائف فيلحق من ألحقه به) لأن لها أثرًا في الأنساب عند الاشتباه؛ كما سيأتي بيانه، حيث ذكره المصنف في آخر (الدعوى والبينات) إن شاء الله تعالى، فإن كان لأحدهما بينة .. قضى بها.
(فإن لم يكن قائف) في البلد أو دون مسافة القصر؛ كما نقله الرافعي في (العدد) عن الروياني وأقره، وسبقه إليه الماوردي (1)، وفسره الفوراني بألا يوجد في الدنيا (2)، (أو) وجد ولكن (تحيّر، أو نفاه عنهما، أو ألحقه بهما .. أمر بالانتساب بعد بلوغه إلى من يميل طبعه إليه منهما) بحكم الجبلة لا بمجرد التشهي؛ لأن طباع الولد تميل إلى والده وتَجذِبُه.
وقوله: (بعد بلوغه): هو الصحيح، وقيل: بعد تمييزه ولا يعتبر البلوغ؛ كالحضانة، وهو ظاهر إطلاق "المحرر"، وهو من زيادة الكتاب على "المحرر"، وكذا قوله:(أو ألحقه بهما)(3).
(ولو أقاما بينتين متعارضتين .. سقطتا في الأظهر) لما سيأتي في (باب الدعوى والبينات).
(1) الشرح الكبير (9/ 467)، الحاوي الكبير (14/ 352).
(2)
نقل ابن الملقن [2/ 1018] هذا عن الماوردي، وغلطه الأَذْرَعي وقال: إن الصواب: الفوراني. اهـ هامش (أ).
(3)
المحرر (ص 255).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وتعبيره بـ (الأظهر): لا يستقيم؛ فإن مقابل التساقط في غير هذا الباب: تستعملان، وفيه أقوال الوقف، القسمة، القرعة، ولا مجيء للأولين هنا قطعًا، ولا للثالث على الأصحِّ؛ لأن القائف أولى من القرعة.
وعبارة "الروضة": (أقام كلُّ واحد بينة بنسبه وتعارضتا، ففي التعارض في الأموال قولان؛ أظهرهما: التساقط، فعلى هذا: تسقطان أيضًا هنا على الصحيح، ويرجع إلى قول القائف، وقيل: لا تسقطان وترجح إحداهما بقول القائف، ولا يختلف المقصود على الوجهين)(1).
* * *
(1) روضة الطالبين (5/ 440).