الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ أَنْ يَفْسَخَ وَيَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ إِنْ عَلِمَ الْحَالَ، وَإِنْ جَهِلَ .. فَلَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ التَّعَلُّقُ بِهَا .. لَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ بالثَّمَنِ.
فصلٌ [فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما]
يُبَادِرُ الْقَاضِي بَعْدَ الْحَجْرِ بِبَيع مَالِهِ وَقَسْمِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ،
===
نفسه في العين المرهونة لا يتعدى إلى غيرها.
(وأنه ليس لبائعه أن يفسخ ويتعلقَ بعين متاعه إن علم الحالَ، وإن جهل .. فله ذلك) لأن الإفلاس كالعيب فيفرق فيه بين العلم والجهل، والثاني: له ذلك مطلقًا؛ لتعذر الوصول إلى الثمن، والثالث: ليس له ذلك مطلقا؛ لتقصيره بترك البحث مع سهولة الاطلاع؛ فإن الحاكم يشهر أمر المفلس.
(وأنه إذا لم يكن التعلق بها (1) .. لا يزاحم الغرماءَ بالثمن) (2) لأنه دين حادث بعد الحجر برضا مستحقه، والديون التي هذا شأنها لا يزاحم مستحقها الغرماء الأولين؛ كدين الصداق والضمان، وعلى هذا: فإن فضل شيء عن دينهم .. أخذه، وإلا .. انتظر وِجْدان شيء آخر، والثاني: يزاحمهم؛ لأن الغرماء ملكوا المبيع في مقابلة مزاحمته، بخلاف الصداق ونحوه.
* * *
(فصل: يبادر القاضي بعد الحجر ببيع ماله وقسمه بين الغرماء) على نسبة ديونهم؛ لأن المفلس يتضرر بطول الحجر، والغريم بتأخر الحقِّ، لكن لا يفرط في الاستعجال بحيث يقلُّ الثمن، بل يتبع العرف في ذلك، وهذه المبادرة مستحبة.
(1) في (ب) و (د): (إذا لم يمكن التعلق بها).
(2)
قال: (وأنه إذا لم يكن التعلق بها) أي: إذا قلنا: ليس له التعلق بعين ماله، فـ (كان) في عبارته تامة بمعنى: يثبت، وعبارة "المحرر" [ص 174]:(إذا لم يكن له)، فحذف المصنف (له) اختصارًا، فالتبس على بعض النساخ فكتب:(إذا لم يمكن)، وفي كلٍّ منهما نقص وإيهام. اهـ دميري [4/ 364]، إذ التعبير:(يمكنه أو يكن له) اهـ أذْرَعي، وشرح الشيخ شهاب الدين ابن حجر على (يكن)، وساق قول الدميري. (وفي كلٍّ
…
) إلخ، ثم قال [5/ 127]:(ولا يحتاج إلى دعوى النقص في "يكن" كما هو واضح). اهـ هامش (د).
وَيُقَدِّمُ مَا يُخَافُ فَسَادُهُ، ثُمَّ الْحَيَوَانَ، ثُمَّ الْمَنْقُولَ، ثُمَّ الْعَقَارَ. وَلْيَبِعْ بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ، بِثَمَنِ مِثْلِهِ، حَالًّا، مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ
===
(ويقدم ما يخاف فساده) كالفواكه والبقول؛ صيانة له، (ثم الحيوان) لأنه متعرض للتلف، وله مؤنة، (ثم المنقول) لأنه يخشى ضياعه، (ثم العقار) لأنه لا يخشى هلاكه، ويؤمن سرقته، ويقدم الملبوس على النحاس ونحوه، والبناء على الأراضي، قاله الماوردي (1).
ومحل هذا الترتيب: إذا لم يكن في ماله ما تعلق الحقُّ بعينه؛ كالمرهون، والجاني، ومال القراض، فإن كان .. قدم بيعه بعد ما يخاف فساده، فإن فضل منه شيء .. قسم، أو بقي شيء منه للمرتهن، أو للمجني عليه، أو للمقارض .. ضارب به.
(وليبع بحضرة المفلس وغرمائه) ندبًا؛ لأنه أنفى للتهمة، ولأن الغرماء قد يزيدون في السلعة، والمفلس يُبيِّن ما في ماله من العيب فلا يُردُّ، والصفاتِ المطلوبة فتكون الرغبةُ فيه أكثر، قال الماوردي: والأولى: أن يتولى المفلس أو وكيله البيعَ بإذن الحاكم؛ ليقع الإشهاد عليه، وتطيب نفسُ المشتري (2).
(كلَّ شيء في سوقه) ندبًا؛ لأن طالبه فيه أكثر، هذا إذا لم يكن في نقله مؤنة كثيرة، فإن كان ورأى الحاكم أن المصلحة استدعاءُ أهل السوق إليه .. فعل، حكاه في "الكفاية" عن الماوردي، وأقره (3)، ولو باع في غير سوقه بثمن مثله .. جاز.
(بثمن مثله، حالًّا، من نقد البلد) وجوبًا؛ كما صرح به في "المحرر"(4)؛ لأن التصرف لغيره فوجب فيه رعايةُ المصلحة، والمصلحةُ ما ذكر.
نعم؛ ذكر الشيخان في (كتاب الوكالة): أنه لو رأى الحاكم المصلحةَ في البيع
(1) الحاوي الكبير (7/ 449).
(2)
الحاوي الكبير (7/ 444).
(3)
كفاية النبيه (9/ 497).
(4)
المحرر (ص 174).
ثُمَّ إِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ جنْسِ النَّقْدِ وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ إِلَّا بِجِنْسِ حَقِّهِ .. اشْتُرِيَ، وَإِنْ رَضِيَ .. جَازَ صَرْفُ النَّقْدِ إِلَيْهِ إِلَّا فِي السَّلَمِ. وَلَا يُسَلِّمُ مَبيعًا قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ. وَمَا قَبَضَ .. قَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ لِقِلَّتِهِ فَيُؤَخِّرَ لِيَجْتَمِعَ. وَلَا يُكَلَّفُونَ بَيِّنَةً بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ، فَلَوْ قَسَمَ فَظَهَرَ غَرِيمٌ .. شَارَكَ بالْحِصَّةِ، وَقِيلَ: تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ. وَلَوْ خَرَجَ شَيْءٌ بَاعَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مُسْتَحَقًّا وَالثَّمَنُ تَالِفٌ .. فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ،
===
بمثل حقوق الغرماء .. جاز (1)، وقال المتولي: إذا رضي المفلس والغرماءُ بالبيع مؤجلًا، أو بغير نقد البلد .. جاز، قال السبكي: وفيه نظر؛ لاحتمال غريم آخر (2).
(ثم إن كان الدين غير جنس النقد، ولم يرض الغريم إلا بجنس حقِّه .. اشتُري) لأنه واجبه.
(وإن رضي .. جاز صرفُ النقد إليه إلا في السلم) لأنه اعتياض، وهو ممتنع فيه؛ كما مرّ في بابه، وفي معناه: المنفعة في إجارة الذمة على الأصح.
(ولا يسلم مبيعًا قبل قبض ثمنه) لأنه ينصرف لغيره فيحتاط، فإن سلم .. ضمن قيمة المبيع.
(وما قبض .. قسمه بين الغرماء) ندبًا؛ لتبرأ الذمة ويصل الحقُّ إلى مستحقه، (إلا أن يعسر؛ لقلته فيؤخر ليجتمع) ندبًا، ويودعه أمينًا إن لم يجد موسرًا أمينًا يقرضه، ولا يتركه القاضي بيده؛ للتُّهَمة، نصّ عليه.
(ولا يكلفون بينةً بأن لا غريم غيرُهم) لأن الحجر يشتهر، فلو كان له غريم .. لظهر.
(فلو قسم فظهر غريم .. شارك بالحصة) لحصول المقصود بذلك، (وقيل: تُنقض القسمة) لأنها وقعت على غير الوجه السائغ شرعًا.
(ولو خرج شيء باعه قبل الحجر مستحقًا والثمنُ تالف .. فكدين ظهر) وحكمُه: ما تقدم، وسواء تلف قبل الحجر أو بعده؛ لثبوته قبل الحجر.
(1) الشرح الكبير (5/ 225)، لم أجده في (كتاب الوكالة) من "روضة الطالبين"، والمسألة موجودة في (كتاب الرهن) منه (4/ 92).
(2)
وليس للنظر وجه؛ لأن لفظ الغرماء عام. اهـ هامش (أ).
وَإِنِ اسْتُحِقَّ شَيْءٌ لا بَاعَهُ الْحَاكِمُ. . قُدِّمَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَفِي قَوْلٍ: يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ. وَيُنْفِقُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَتَّى يُقَسِّمَ مَالَهُ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِكَسْبٍ. وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ فِي الأَصَحِّ وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى خَادِمٍ لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ. وَيُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ،
===
واحترز بقوله: (قبل الحجر) عما إذا وقع فيه. . فإنه لا أثر له؛ لأنه دين حادث لم يتقدم له سبب، وبقوله:(والثمن تالف) عما إذا كان باقيًا. . فإنه يرده.
وقوله: (فكدين) لا معنى للكاف، بل هو دين ظهر حقيقة.
(وإن استُحق شيء باعه الحاكم. . قُدم المشتري بالثمن) لئلا يرغب الناس عن شراء مال المفلس، فكان التقديم من مصالح الحجر؛ كأجرة الكَيَّال ونحوها من المُؤَن، (وفي قول: يُحاصُّ الغرماء) كسائر الديون؛ لأنه دين في ذمة المفلس، ولا يطالب الحاكم وكذا أمينه على الأصح في "زيادة الروضة"(1).
(وينفق على من عليه نفقته حتى يقسم ماله) لأنه موسر ما لم يزل ملكُه.
وكان ينبغي أن يقول: (ويَمُون) ليشمل النفقة، والكسوة، والإسكان، والإخدام، وتكفين من مات منهم قبل القسمة.
نعم؛ لا تلزمه مؤنة الزوجة المتجددة بعد الحجر، بخلاف الولد؛ كما قالاه في (النكاح)، وفرق بينهما بعدم الاختيار في الولد، بخلاف الزوجة، ويُنفق على الزوجة نفقةَ المعسرين على المرجح في "زيادة الروضة" تبعًا للإمام (2).
(إلا أن يستغني بكسب) لائق به؛ فإنه لا ينفق عليه من ماله، بل من الكسب، فإن فضل شيء منه. . ردَّ إلى المال، وإن نقص. . كمل منه.
(ويباع مسكنه وخادمه في الأصحِّ وإن احتاج إلى خادم لزمانته ومنصبه) لأن تحصيلهما بالكراء أسهل، فإن تعذر. . فعلى المسلمين، والثاني: يبقيان للمحتاج إذا كانا لائقين به، وهو مُخرَّج من نصِّه في الكفارات.
والفرق على الأول: أن حقوق الآدميين أضيق، ولا بدل لها أيضًا.
(ويُترك له دَستُ ثوب يليق به) قال الإمام أي: يليق به في إفلاسه، قال
(1) روضة الطالبين (4/ 144).
(2)
روضة الطالبين (4/ 145)، نهاية المطلب (6/ 409).
وَهُوَ: قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَعِمَامَةٌ وَمُكَعَّبٌ، وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً. وَيُتْرَكُ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ.
===
الشيخان: لكن المفهوم من كلام الأصحاب أنهم لا يوافقونه (1).
(وهو) في حقّ الرجل (قميص، وسراويل، وعمامة، ومُكعَّب) وهو المَدَاس.
(ويزاد في الشتاء جبةً) لاحتياجه إلى ذلك، ومثله لا يؤجر غالبًا، ويترك له أيضًا المنديل والخف والطيلسان إن كان تركهما يزري به، والدُّرَّاعة، وهي: ما يلبسها فوق القميص إن كانت تليق به، ويسامح باللبد والحصير القليل القيمة.
قال العبادي في "الزيادات": ويترك للعالم كتب العلم؛ لأنه يحتاج الناس إلى علمه، وأقره عليه في "شرح المهذب" في (قسم الصدقات)(2).
قال الأَذْرَعي: وذكره غير العبادي، وقال الإسنوي: لم أر ما يخالفه، وفي "الشرح"، و"الروضة" في (قسم الصدقات) عن الغزالي ما يوافقه، فإنه شبهها بثياب بدنه، فيترك له منها ما يحتاج إليه (3).
أما المرأة: فتزاد على القميص والسراويل والمُكعَّب والجبة. . المقنعة والإزار وغيرهما مما يليق بحالها.
وقول المصنف: (ويترك له) أي: يخلى إن كان في ماله، ويشترى إن لم يكن.
(ويترك قوتُ يوم القسمة لمن عليه نفقته) لأنه موسر في أوله، وفي "الوجيز": أنه يبقى له سكنى ذلك اليوم أيضًا، قال الرافعي: وهو قياس الباب، وإن لم يتعرض له غيره، وجزم به الرافعي في (العتق) في الكلام على السراية (4).
وجميع ما تقدم فيما إذا كان بعضُ ماله خاليًا عن تعلق حقٍّ لمعين، فإن تعلق بجميع ماله حقٌّ لمعين؛ كالمرهون. . فلا ينفق عليه ولا على عياله منه.
(1) نهاية المطلب (6/ 409)، روضة الطالبين (4/ 145)، الشرح الكبير (5/ 22).
(2)
المجموع (6/ 180).
(3)
روضة الطالبين (2/ 312).
(4)
الوجيز (ص 197)، الشرح الكبير (5/ 23، 13/ 315).
وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ أَوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ، وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ إِجَارَةِ أُمِّ وَلَدِهِ وَالأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ. وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ أَوْ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوهُ؛ فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ. . فَعَلَيْهِ الْبيِّنَةُ، وَإِلَّا. . فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الأَصَحِّ.
===
(وليس عليه بعد القسمة أن يكتسب، أو يؤجر نفسه لبقية الدين) لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} .
نعم؛ إن وجب الدين بسبب هو عاص به؛ كالإتلاف عمدًا. . وجب عليه الاكتساب؛ كما نقله ابن الصلاح في "فوائد رحلته" عن أبي عبد الله الفَزَاري؛ لأن التوبة منه واجبة، وأداؤه من جملة شروطها؛ لكونه حق آدمي.
وما جزموا به هنا من عدم الاكتساب يخالف ما صححوه من وجوب الاكتساب في نفقة القريب، مع أن الدين أقوى من نفقة القريب؛ فإنها تسقط بمضي الزمان.
وقد يفرق بينهما: بأن نفقة القريب فيها إحياء بعضه، فلزمه الاكتساب لها؛ كما يلزمه الاكتساب لإحياء نفسه، بخلاف الدين.
(والأصحُّ: وجوب إجارة أم ولده والأرض الموقوفة عليه) لأن منافعها كالأعيان، فيصرف بدلهما إلى الدين، والثاني: لا؛ لأنهما لا يعدان أموالًا حاضرة، ولهذا لا تجب إجارةُ نفسه.
ولو قال: (والموقوف عليه). . لكان أخصر وأشمل. ويُؤجَّرُ الموقوفُ مدةً لا يظهر تفاوت بسبب تعجيل الأجرة إلى حدٍّ لا يتغابن به الناس في غرض قضاء الدين، والتخلص من المطالبة، فإن انقضت. . أُجِّر مرة بعد أخرى إلى فناء الدين.
(وإذا ادعى أنه معسر، أو قسم ماله بين غرمائه، وزعم أنه لا يملك غيره وأنكروه؛ فإن لزمه الدين في معاملة مال؛ كشراء أو قرض. . فعليه البينة) لأن الأصل بقاءُ ما وقعت عليه المعاملة، (وإلا) أي: وإن لزمه لا في معاملة مال؛ كالصداق، والضمان، والإتلاف (. . فيصدق بيمينه في الأصحِّ) لأنه خُلِق ولا مال له، والأصلُ بقاء ذلك، والثاني: لا بدّ من البينة؛ لأنه خلافُ الظاهر من أحوال الحرِّ.
ومحلُّ ما ذكره المصنف من التفصيل: إذا لم يَسبق إقرارُه بالمَلاءة، فلو أقر بها ثم
وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الإِعْسَارِ فِي الْحَالِ، وَشَرْطُ شَاهِدِهِ: خِبْرَةُ بَاطِنِهِ، وَلْيَقُلْ: هُوَ مُعْسِرٌ، وَلَا يُمَحِّضُ النَّفْيَ كَقَوْلهِ:(لَا يَمْلِكُ شَيْئًا). وَإِذَا ثبًتَ إِعْسَارُهُ. . لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ، بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ. وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الإِعْسَارِ. . يُوَكِّلُ الْقَاضِي بِهِ مَنْ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إِعْسَارُهُ. . شَهِدَ بِهِ.
===
ادعى الإعسار. . ففي "فتاوي القفال": أنه لا يُقبل قوله، إلا أن يقيم بينةً على ذهاب ماله الذي أقر أنه مليء به.
(وتقبل بينة الإعسار) وإن تعلقت بالنفي، لمكان الحاجة؛ كالبينة على أن لا وارث سوى هؤلاء (في الحال) كغيرها.
(وشرط شاهده: خبرة باطنه) بطول جوار، وكثرة مخالطة؛ لأن الأموال تخفى.
(وليقل: "هو معسر"، ولا يُمحِّضُ النفي؛ كقوله: "لا يملك شيئًا") بل يجمع بين نفي وإثبات، فيقول:(هو معسر لا يملك إلا قوت يومه، وثياب بدنه)، كما في "الروضة"، و"أصلها"(1).
وإذا شهدوا على المفلس بالغنى. . فلا بدَّ من بيان سببه؛ لأن الإعدام لمَّا لم يثبت إلا من أهل الخبرة. . كذلك الغنى، قاله القفال في "فتاويه".
(وإذا ثبت إعساره. . لم يجز حبسه ولا ملازمته، بل يمهل حتى يوسر) للآية المارة.
وأفهم: أن المَديون يُحبس إلى ثبوت إعساره، ويستثنى: الآباء والأجداد؛ فإنهم لا يُحبسون بديون أبناءهم على الأصح.
وإذا جاز حبس المَديون. . فللغريم ملازمتُه، لأنها أخفُّ، إلا أن يقول المديون للقاضي: إنه تشُقُّ عليه الطهارة والصلاة بسبب ملازمته فاحبسني فإنه يجاب (2).
(والغريب العاجز عن بينة الإعسار. . يوكل القاضي به من يبحث عن حاله، فإذا غلب على ظنه إعسارهُ. . شهد به) لئلا يتخلد الحبس عليه.
(1) روضة الطالبين (4/ 138)، الشرح الكبير (5/ 28).
(2)
قال ابن حزم في "المُحلى"[9/ 17]: وللشافعي قولٌ لا يعرفه إلّا حُذّاق أصحابه: أن الحرَّ يُباع في دينه؛ كمذهب عمر، انتهى، وحُكي أن فتيان المالكي ناظر الشافعي في بيع الحرِّ في الدين، فكان الشافعي يقول: يباع، وهو يقول: غريب لا يُعرف. اهـ هامش (أ).