الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُجْعَلُ وَقْفًا، وَتُقْسَمُ غَلَّتُهُ كَذَلِكَ.
فَصْلٌ [في الغنيمة وما يتبعها]
الْغَنِيمَةُ: مَالٌ حَصَلَ مِنْ كُفَّارٍ بِقِتَالٍ وَإِيجَافٍ
===
يجعل وقفًا، وتقسم غلته كذلك) في كلِّ عام؛ لأنه أنفع لهم.
وتعبيره يقتضي أمورًا:
أحدها: أنها لا تصير وقفًا بنفس الحصول، بل لا بدَّ من إنشاء وقف، وهو الأصحُّ، وقيل: تصير وقفًا بنفس الحصول؛ كرق النساء بنفس الأسر، ثانيها: تحتّم الوقف، وهو خلاف المذكور في "الشرح" و"الروضة"، من تخيير الإمام بين وقفه، أو قسمته، أو بيعه وقسمة ثمنه (1)، لكن قال البُلْقيني: إن هذا لم يصححه أحد من الأصحاب، والذي عليه الأئمة؛ كما في "النهاية": أنه لا يجوز بيع شيء من ذلك وأن الأراضي تبقى موقوفة.
وقال الأَذْرَعي: قد يقال: لا اختلاف بين "المنهاج" و"الشرح" و"الروضة"، بل مذهبنا: ما في "المنهاج"، فإن رأى الإمام المجتهد غيره .. فلا اعتراض عليه، وللمسألة نظائر، وفيه نظر، وإنما تخيير الإمام وجه آخر حكاه الإمام. انتهى.
ثالثها: أن المراد: الوقف الشرعي، وهو الأصحُّ، وقيل: المراد: الوقف عن التصرف بالقسمة لا الوقف الشرعي.
هذا حكم الأخماس الأربعة، وأما الخُمُس الباقي .. ففيه اختلاف، وحاصله عند التأمل: أن المذهب: أنه يجعل وقفًا أيضًا، قاله الرافعي (2).
* * *
(فصل: الغنيمة: مال حصل من كفار) أصليين حربيين (بقتال وإيجاف) خيل أو ركاب.
وخرج بقوله: (مال): الكلاب التي يجوز اقتناؤها؛ فإنها لا تكون غنيمة، وقد
(1) الشرح الكبير (7/ 343)، روضة الطالبين (6/ 365).
(2)
الشرح الكبير (7/ 344).
فَيُقَدَّمُ مِنْهُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ، وَهُوَ: ثِيَابُ الْقَتِيلِ وَالْخُفُّ وَالرَّانُ،
===
ذكر المصنف حكمها في (كتاب السير)(1)، وهل يلتحق جلد الميتة بالكلب أو بالمال؛ فيه احتمالان لابن الرفعة.
وقوله: (حصل): كان ينبغي أن يقول: حصلناه؛ ليخرج ما حصله أهل الذمة من أهل الحرب بقتال، فالنص: أنه ليس بغنيمة (2).
وقوله: (وإيجاف)(الواو) هنا ينبغي أن تكون بمعنى (أو) لئلا يرد المأخوذ بقتال الرجّالة وفي السفن؛ فإنه غنيمة ولا إيجافَ فيه، وما إذا التقى الصفان فانهزم الكفار قبل شهر السلاح وتركوا مالهم .. فإنه غنيمة - كما قاله الإمام (3) - ولا قتال فيه، وكذا لو صالحونا على مال عند القتال .. فإنه غنيمة؛ كما قاله الروياني في "الحلية" وأقراه (4)، وكذا ما أهدوه لنا والحربُ قائمة؛ كما مر.
نعم؛ يرد على طرده: ما تركوه بسبب حصول خيلنا وركابنا في دارهم؛ فإنه ليس غنيمة في أصحِّ الوجهين عند الإمام مع وجود الإيجاف، وعلى عكسه ما أخذ على وجه السرقة؛ فإن الأصحَّ في "الروضة" في (السير): أنه غنيمة مخمسة (5).
(فيقدَّم منه) أي: من أصل المال (السَّلَب للقاتل) المسلم، لحديث:"مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ: بَيِّنَةٌ .. فَلَهُ سَلَبُهُ" متفق عليه (6).
ويشترط في المقتول: ألا يكون منهيًّا عن قتله، فلو قتل صبيًّا أو امرأة لم يقاتلا .. فلا سلب، فإن قاتلا .. استحقه في الأصحِّ، ولو أعرض مستحق السلب عنه .. لم يسقط حقه منه على الأصحِّ؛ لأنه متعين له.
(وهو) أي: السَّلَب بالتحريك (ثياب القتيل) التي عليه، (والخف والران) وهو كالخف لكن لا قدم له، وهو أطول من الخف يلبس للساق، قاله في "شرح
(1) منهاج الطالبين (ص 522).
(2)
الأم (5/ 302).
(3)
نهاية المطلب (11/ 446).
(4)
الشرح الكبير (7/ 328)، روضة الطالبين (6/ 355).
(5)
نهاية المطلب (11/ 446)، روضة الطالبين (10/ 260).
(6)
صحيح البخاري (3142)، صحيح مسلم (1751) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
وَآلَاتُ الْحَرْبِ كَدِرْعٍ وَسِلَاحٍ، وَمَرْكُوبٍ وَسَرْجٍ وَلِجَامٍ، وَكَذَا سِوَارٌ وَمِنْطَقَةٌ وَخَاتَمٌ، وَنَفَقَةٌ مَعَهُ، وَجَنِيبَةٌ تُقَادُ مَعَهُ فِي الأَظْهَرِ، لَا حَقِيبَةٌ مَشْدُودَةٌ عَلَى الْفَرَسِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِرُكُوبِ غَرَرٍ يَكْفِي بِهِ شَرَّ كَافِرٍ فِي حَالِ
===
المهذب" في (الحج)(1)، ) (وآلات الحرب؛ كدرع)(وهو الزَّرَدِيّة، (وسلاح، ومركوب وسَرْج ولِجام)، ومِهْماز وجُلّ ومِقْوَد؛ لثبوت يده على ذلك حسًّا، وسواء في المركوب كان راكبه أم قاتل راجلًا وعِنانُه بيده.
(وكذا سِوار ومِنْطَقَة وخاتم، ونفقة معه، وجَنِيبة تقاد معه في الأظهر) لأن هذه الأشياء متصلة به وتحت يده، والجَنِيبة قد يحتاج إليها، فهي كركوبه الذي أمسكه بِعنانه وهو يقاتل راجلًا، والثاني: لا؛ لأنه ليس مقاتلًا بها، فأشبه ما في خيمته.
ويجري الخلاف أيضًا: في الطوق والهِمْيَان الذي فيه النفقة.
واحترز بقوله: (ونفقة معه): عما إذا كانت في رَحْله، وقوله:(وجنيبة) قد يفهم: أنه لو كان معه جنائب .. لا يستحق إلا واحدة، وهو ما نقله الرافعي عن أبي الفرج الزاز، ثم قال: فعلى هذا: يبقى النظر في أن السلب أيتها هل يعينها الإمام أم يقرع؟ وقال المصنف: تخصيص أبي الفرج بجنيبة فيه نظر، وإذا قيل به .. فينبغي: أن يختار القاتل جنيبة منها؛ لأن كلَّ واحدة جنيبة، هذا هو المختار، بل الصواب، بخلاف ما أبداه. انتهى (2).
(لا حقيبةٌ مشدوده على الفرس على المذهب)(وما فيها من نقد ومتاع؛ إذ ليست من لباسه ولا حليه ولا حلي فرسه، والطريق الثانية: طرد القولين في الجنيبة (3)، واختار السبكي: دخولها في السلب.
والحَقِيبة - بفتح الحاء المهملة وكسر القاف -: وعاء يجمع فيه المتاع يجعل على حقو البعير.
(وإنما يَسْتحِق) السلبَ (بركوب غرر يَكفي به شرَّ كافر) أصلي (في حال
(1) المجموع (7/ 227).
(2)
الشرح الكبير (7/ 362)، روضة الطالبين (6/ 375).
(3)
في (هـ): (طرد القولين في الحقيبة).
الْحَرْبِ، فَلَوْ رَمَى مِنْ حِصْنٍ أَوْ مِنَ الصَّفِّ أَوْ قَتَلَ نَائِمًا أَوْ أَسِيرًا أَوْ قَتَلَهُ وَقَدِ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ .. فَلَا سَلَبَ. وَكِفَايَةُ شَرِّهِ: أَنْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ؛ بِأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ،
===
الحرب)، هذه قيود ثلاثة بيّنها من بعدُ، والضمير في (به): يعود على (ركوب) أو (غرر)، وهما سواء.
(فلو رمى من حصن أو من الصف، أو قتل نائمًا أو أسيرًا، أو قتله وقد انهزم الكفار .. فلا سلب) لأنه في مقابلة ارتكاب الخطر والتغرير بالنفس في القتل ونحوه، وهو منتفٍ ههنا.
والمراد: انهزام الكفار بالكلية، أما لو فروا عن قرب وكان ذلك عن خديعة، أو تحيزوا إلى فئة .. فإن حكم القتال باقٍ وليست هزيمة حقيقية؛ كما أشار إليه الماوردي (1)، وهو ظاهر.
وقوله: (من الصف): عبارة "المحرر"(من وراء الصف)، وكذا كتبها المصنف بخطه في "المنهاج"، ثم ضرب على لفظة (وراء)، والصورتان في "الروضة" و"الشرحين"(2)، فأتى "المنهاج" بما ليس في "أصله"؛ لكونه يفهم منه ما في "أصله" من طريق الأولى، قال السبكي: وهو حسن لمن لا يلتزم في الاختصار معنى الأصل، وإلا .. لم يحسن.
(وكفاية شره: أن يزيل امتناعه؛ بأن يفقأ عينيه، أو يقطع يديه ورجليه) فإنه صلى الله عليه وسلم أعطى سلب أبي جهل لمثخنه دون قاتله (3)، فدل على أن المناط: كفاية الشر.
وعبارة "الروضة": (بأن يعميه)، وهي أحسن من تعبير "المنهاج"، لشمولها مَن بعين واحدة، ومن ضرب رأسه فأذهب ضوء عينيه، وعبارة "المحرر":(أن يقتله، أو يزيل امتناعه)(4)، فاقتصر المصنف على الثاني؛ ليفهم الأولى من باب أولى.
(1) الحاوي الكبير (10/ 440).
(2)
المحرر (ص 283)، روضة الطالبين (6/ 372)، الشرح الكبير (7/ 357 - 358).
(3)
أخرجه البخاري (3141)، ومسلم (1752) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
(4)
روضة الطالبين (6/ 373)، المحرر (ص 283).
وَكَذَا لَوْ أَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ فِي الأَظْهَرِ. وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَبَعْدَ السَّلَبِ تُخْرَجُ مُؤْنَةُ الْحِفْظِ وَالنَّقْلِ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ يُخَمَّسُ الْبَاقِي:
===
(وكذا لو أسره، أو قطع يديه أو رجليه في الأظهر) أما في الأسر .. فلأنه أبلغ من القتل، وأما القطع .. فكما لو فقأ عينيه، والثاني: لا، أما في الأسر .. فلأن شره لم يندفع كله، وأما في الباقي .. فلأنه قد يقاتل راكبًا بعد قطع الرجلين بيديه، وبعد قطع اليدين قد يهرب ويجمع القوم.
ويجري الخلاف: فيما لو قطع يدًا ورجلًا.
وترك بعضهم الخلاف على حالين؛ إن لم يبق فيه قتال .. استحق، وإن بقي .. فلا، وصححه الإمام (1).
وصورة مسألة الأسير: أن يقتله الإمام أو يمن عليه، فيكون سلبه لمن أسره، فلو استرقه أو فاداه بمال .. فهل تكون رقبته أو المال المفادى به لمن أسره؟ قولان، قال الرافعي: ويشبه أن يكون الأظهر هنا: المنع، وأطلق تصحيحه في "الشرح الصغير"(2).
(ولا يخمس السلب على المشهور) لأنه صلى الله عليه وسلم قضى به للقاتل ولم يخمسه، رواه أبو داوود وصححه ابن حبان، وفي "مسلم":"لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ"(3)، والثاني: يخمس؛ لإطلاق الآية كغيره من الغنيمة، فيدفع خمسه إلى أهل الخمس، والباقي للقاتل.
(وبعد السلب تخرج مؤنة الحفظ والنقل وغيرهما) من المؤن اللازمة؛ كأجرة حمّال وراعٍ ونحوه، للحاجة إليها، (ثم يخمس الباقي) فيجعل خمسة أقسام متساوية، ويؤخذ خمس رقاع ويكتب على واحدة: لله أو للمصالح، وعلى أربعة: للغانمين، وتدرج في بنادق من طين أو شمع متساوية، ويجففها، ويخرج لكل سهم
(1) نهاية المطلب (11/ 453).
(2)
الشرح الكبير (7/ 359).
(3)
سنن أبي داوود (2717)، صحيح ابن حبان (4805) عن أبي قتادة رضي الله عنه، صحيح مسلم (1754) عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
فَخُمُسُهُ لِأهْلِ خُمُسِ الْفَيْءِ يُقَسَّمُ كَمَا سَبَقَ. وَالأَصَحُّ: أَنَّ النَّفَلَ يَكُونُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصالِح إِنْ نَفَلَ مِمَّا سَيُغْنَمُ فِي هَذَا الْقِتَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُنَفِّلَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُ،
===
رقعة، فما خرج لله. . جعل بين أهل الخمس على خمسة، ويقسم الباقي على الغانمين؛ كما سيأتي.
ويقسم للغانمين قبل قسمة الخمس على أربابه؛ لأنهم حاضرون ومحصورون، وكلام المصنف: قد يوهم خلافه.
قال الرافعي: ولا يكره قسمتها في دار الحرب، قال المصنف: بل يستحب، بل في "التهذيب" وغيره: يكره التأخير إلى دار الإسلام من غير عذر (1).
(فخمسه لأهل خمس الفيء يقسم كما سبق) في قسم الفيء.
(والأصحُّ: أن النفل) بفتح النون والفاء وإسكانها (يكون من خمس الخمس المرصد للمصالح) لرواية الشافعي عن مالك عن أبي الزناد: أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: (كان الناس يعطون النفل من الخمس)، قال الشافعي: يريد: من خمس النبي صلى الله عليه وسلم (2).
والثاني: من أصل الغنيمة؛ كالسلب، والثالث: من أربعة أخماسها؛ كالمصحح في الرَّضْخ.
(إن نفل مما سيغنم في هذا القتال) أي: هذا الخلاف إذا شرط مما سيغنم في هذا القتال؛ وفاء بالشرط والوعد، ويغتفر الجهل به، فيشترط الربع أو الثلث أو غيرهما.
وقوله: (نفل): قال السبكي: يجوز فيه التشديد إذا عديته إلى اثنين، والتخفيف إذا عديته إلى واحد، وقد كتب المصنف عليه بخطه:(خف) لأن معناه: جعل النفل.
(ويجوز أن ينفل من مال المصالح الحاصل عنده) في بيت المال ومما يتجدد فيه؛
(1) الشرح الكبير (7/ 363)، روضة الطالبين (6/ 376).
(2)
الأم (5/ 312).
وَالنَّفَلُ: زِيَادَةٌ يَشْرِطُهَا الإِمَامُ أَوِ الأَمِيرُ لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ نِكَايَةٌ فِي الْكُفَّارِ، وَيَجْتَهِدُ فِي قَدْرِهِ. وَالأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ عَقَارُهَا وَمَنْقُولُهَا لِلْغَانِمِينَ،
===
لأن ذلك من جملة المصالح، ولا تغتفر الجهالة حينئذٍ، بل لا بدَّ أن يكون معلومًا؛ فإنه جعالة ولا ضرورة إلى احتمال الجهل في الجعل.
وقضية كلامه: التخيير بين خمس الخمس والمصالح، قال الرافعي: والأشبه: أن يجتهد ويراعي المصلحة (1).
(والنفل: زيادة يشرطها الإمام أو الأمير لمن يفعل ما فيه نكاية في الكفار) أي: نكاية زائدة على ما يفعله بقية الجيش، وكذا توقع ظفر ودفع شر؛ كالتقدم على طليعة، أو التهجم على قلعة أو الدلالة عليها، ولحفظ مكمن وتجسيس حال وشبهها، وإنما يفعل ذلك إذا مست الحاجة إليه؛ لكثرة العدو وقلة المسلمين واقتضى الحال بعث السرايا وحفظ المكامن.
وقوله: (يشرطها الإمام أو الأمير) يوهم: أنه لا بدَّ من شرطه له أولًا قبل الإقدام، وهذا أحد قسمي النفل، والقسم الثاني: أن ينفل من ظَهَر منه أثر محمود؛ كمبارزة وحسن إقدام، فيزيده على سهمه ما يليق بالحال، لكن هذا يتعين من سهم المصالح.
(ويجتهد) الإمام (في قدره) بحسب قلة العمل وكثرته وخطره وضده؛ لما روي: أنه صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البداءة الربع، وفي القفول الثلث، صححه الترمذي (2).
و(البداءة): التي تتقدم الجيش، و (القفول): الرجوع، والخطر فيه أعظم. ويجوز الزيادة على الثلث والنقص عن الربع بحسب الاجتهاد.
(والأخماس الأربعة عقارها ومنقولها للغانمين) لإطلاق الآية والأخبار، وعملًا بفعله صلى الله عليه وسلم في أرض خيبر (3).
(1) الشرح الكبير (7/ 350).
(2)
سنن الترمذي (1561)، وأخرجه ابن ماجه (2852) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري (3136)، ومسلم (2502) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
وَهُمْ: مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ بنِيَّةِ الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ. وَلَا شَيْءَ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، وَفِيمَا قَبْلَ حِيَازَةِ اَلْمَالِ وَجْهٌ.
===
(وهم) أي: الغانمون (من حضر الوقعة) ولو في أثنائها قبل الانقضاء ولو عند الإشراف على الفتح (بنية القتال وإن لم يقاتل) لقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: (الغنيمة لمن شهد الوقعة)، رواه الشافعي (1).
وهذا الضابط: يشمل العبد والمرأة والصبي والكافر، فلو قال:(ممن يسهم له) كما فعل في "الروضة". . لخرجوا (2)، قال السبكي: ويحتمل: إبقاء الكلام على عمومه ومن يرضخ لهم من جملة الغانمين، فلا حاجة إلى إخراجهم.
واحترز بقوله: (بنية القتال): عن الغلمان ونحوهم ممن لم ينو القتال ولا قاتل.
وأورد على مفهوم كلام المصنف صور: منها: لو دخل الإمام أو نائبه دار الحرب بجيش فوقعت سرية في ناحية فغنمت. . شاركها جيش الإمام، وبالعكس؛ لاستظهار كلٍّ منهما بالآخر، ومنها: لو بعمث جاسوسًا فغنم الجيش قبل رجوعه. . شاركهم في الأصحِّ، ومنها: لو أمر الإمام بعض العسكر ليحرس من هجوم عدو أو أفرد من الجيش كمينًا. . فإنه يسهم لهم وإن لم يحضروا الوقعة؛ لأنهم في حكمهم.
وعلى منطوقه: المنهزم الغير المتحرف لقتال ولا متحيز إلى فئة ولم يعد؛ فإنه لا يستحق شيئًا مع حضوره، أما إذا أعان قبل انقضاء الوقعة. . استحق من المحرز بعده فقط، قاله البغوي وأقراه (3).
والمخذّل والمرجف والخائن -وهو من يتجسس للكفار ويراسلهم بالعورات-. . فلا يستحقون شيئًا، وفي استثناء المخذل والمرجف نظر؛ لتضاد قصده ونية القتال.
(ولا شيء لمن حضر بعد انقضاء القتال) لما تقدم، (وفيما قبل حيازة المال) وبعد انقضاء الوقعة (وجه): أنه يعطى؛ لأنه لحق قبل تمام الاستيلاء، والأصحُّ: المنع؛ لعدم شهود الوقعة، قال في "الكفاية": والخلاف راجع إلى أن القسمة تملك
(1) الأم (9/ 176)، وأخرجه البيهقي (9/ 50)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(33900).
(2)
روضة الطالبين (6/ 377).
(3)
التهذيب (5/ 174)، الشرح الكبير (7/ 365)، روضة الطالبين (6/ 377).
وَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ انْقِضائِهِ وَالْحِيَازَةِ. . فَحَقُّهُ لِوَارثهِ، وَكَذَا بَعْدَ الانْقِضَاءِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ مَاتَ فِي الْقِتَالِ. . فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّ الأَجِيرَ لِسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ وَحِفْظِ الأَمْتِعَةِ، وَالتَّاجِرَ وَالْمُحْتَرِفَ يُسْهَمُ لَهُمْ إِذَا قَاتلوا
===
بانقضاء الحرب، أو به وبالحيازة (1).
(ولو مات بعضهم بعد انقضائه والحيازةِ. . فحقه لوارثه) كسائر الحقوق، وهذا على قولنا: إنه يملك بالانقضاء أو بالحيازة. . واضحٌ، فإن قلنا: لا يملك إلا بالقسمة أو باختيار التملك على ما هو الصحيح في (السير)(2). . قال ابن الرفعة: فينبغي أن يقال: ينتقل للورثة حق التملك؛ كالأخذ بالشفعة لا الملك. انتهى (3)، وعبارة المصنف مخلصة؛ لشمولها الأمرين.
(وكذا بعد الانقضاء وقبل الحيازة في الأصحِّ) الخلاف مبني: على أن حق التملك يحصل بانقضاء الحرب، أو به مع الحيازة، فعلى الأول: نعم، وعلى الثاني: لا.
(ولو مات في) أثناء (القتال. . فالمذهب: أنه لا شيء له) هذا هو المنصوص، ونص في موت الفرس حينئذ: أنه يستحق سهمها (4)، فقيل: قولان فيهما بالنقل والتخريج، والأصحُّ: تقرير النصين.
والفرق: أن الفارس متبوع، فإذا مات. . فات الأصل، والفرسَ تابع، فإذا مات. . جاز أن يبقى سهمه للمتبوع.
وقيل: إن حصلت حيازة المال بقتال جديد. . لم يستحق فيهما، أو بذلك القتال السابق. . استحق فيهما.
(والأظهر: أن الأجيرَ لسياسة الدواب وحفظ الأمتعة، والتاجرَ والمحترفَ. . يسهم لهم إذا قاتلوا) لشهودهم الوقعة وقتالهم، والثاني: لا؛ لأنهم لم يحضروا للجهاد.
(1) كفاية النبيه (16/ 478 - 480).
(2)
منهاج الطالبين (ص 522).
(3)
كفاية النبيه (16/ 478 - 481).
(4)
مختصر المزني (ص 149 - 150).
وَلِلرَّاجِلٍ سَهْمٌ، وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثةٌ. وَلَا يُعْطَى إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لَا لِبَعِيرٍ وَغيْرِهِ.
===
وقوله: (لسياسة الدواب) أي: شهرًا مثلًا، فيخرج: العمل في الذمة بغير مدة؛ كخياطة؛ فإنه يستحق جزمًا، ويخرج: الأجير للجهاد؛ فإنه إن صححنا الإجارة. . فلا سهم له ولا رَضْخ، وإن لم نصححها -وهو الصحيح-. . ففي استحقاق السهم وجهان؛ أصحهما في "الشرح الصغير": المنع.
واعلم: أن ظاهر كلام "الروضة" و"أصلها": أن الأجير لسياسة الدواب يستحق السهم على الأظهر وإن لم يقاتل، بخلاف التاجر؛ فإنه إنما يستحق إذا قاتل (1)، وهو مخالف لما اقتضاه كلام "الكتاب" من تساويهم في التفصيل.
(وللراجل سهم، وللفارس ثلاثة) لأنه صلى الله عليه وسلم قسم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهمًا، متفق عليه (2)، وسواء في الفارس إذا كان من أهل فرض القتال قاتل على فرسه أم لا إذا كان مهيئًا للقتال، وسواء أكانت الفرس مملوكة له أم مستأجرة أم مستعارة أم مغصوبة، وقيل: إن سهم الفرس المغصوب لمالكها، وصححه السبكي.
(ولا يعطى إلا لفرس واحد) لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعط الزبير إلا لفرس وقد حضر يوم خيبر بأفراس، رواه الشافعي (3)، وقيل: يعطى لفرسين بلا زيادة.
(عربيًّا كان أو غيره) كالبرذون؛ وهو ما أبواه عجميان، و (الهجين) وهو ما أبوه عربي دون أمه، و (المقرف) عكسه؛ لأن الكر والفر يقع منها كلِّها، فلا يضر تفاوتها؛ كالرجال، (لا لبعير وغيره) كالفيل والبغل والحمار؛ لأنها لا تصلح للحرب صلاحيةَ الخيل، ولا يتأتى بها الكر والفر، واستأنسوا له بقوله تعالى:{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} ، فخصّها بالذكر.
(1) روضة الطالبين (6/ 380، 382)، الشرح الكبير (7/ 368 - 370).
(2)
صحيح البخاري (2863)، صحيح مسلم (1762) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه الإمام الشافعي في القديم على ما نقله عنه الإمام البيهقي (6/ 328 - 329)، وانظر "البدر المنير"(7/ 351 - 352).
وَلَا يُعْطَى لِفَرَسٍ أَعْجَفَ وَمَا لَا غَنَاءَ فِيهِ، وَفِي قَوْلٍ: يُعْطَى إِنْ لَمْ يُعْلَمْ نَهْيُ الأَمِيرِ عَنْ إِحْضَارِهِ. وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالذِّمِّيُّ إِذَا حَضَرُوا. . فَلَهُمُ الرَّضْخُ، وَهُوَ: دُونَ سَهْمٍ يَجْتَهِدُ الإِمَامُ فِي قَدْرِهِ
===
نعم؛ يرضخ لهذه الدواب ويفاوت بينها، ولا يبلغ سهم فرس.
(ولا يعطى لفرس أعجفَ) أي: مهزولٍ، (وما لا غَنَاء فيه) لعدم فائدته، (وفي قول: يعطى إن لم يعلم نهي الأمير عن إحضاره) كما يسهم للشيخ الهرم الضعيف إذا حضر.
وفرق الأول: بأن الشيخ ينتفع برأيه ودعائه، بخلافه.
ومحلُّ الخلاف: إذا تأتى ركوبه، وإلا. . لم يعط قطعًا، وأفهم: أنه إذا علم نهي الأمير عن إحضاره. . لا يسهم له قطعًا، وهو كذلك، قال الأَذْرَعي: وكذا أقول إذا علم نهي الشارع عنه.
والمراد بعدم إعطائه: أنه لا يسهم له، وإلا. . فيرضخ له.
(والعبد والصبي والمرأة والذمي إذا حضروا. . فلهم الرّضْخ) لأنه صلى الله عليه وسلم أعطى العبيد، صححه الترمذي (1)، وأعطى النساء والصبيان بخيبر، رواه البيهقي مرسلًا (2)، وأسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه، رواه أبو داوود (3)، وهو محمول على الرضْخ.
والرضخ مستحق، وقيل: مستحب.
وسواء أذن السيد والولي والزوج في الحضور أم لا، والرضْخُ لسيد العبد وإن لم يأذن، والخنثى كالمرأة، والمبعض هل يرضخ له أو يلحق بالحر؟ قال ابن الملقن:(فيه نظر، ولم أره منقولًا)(4).
(وهو: دون سهم يجتهد الإمام في قدره) لأنه لم يرد فيه تحديد، فرجع إلى رأيه.
(1) سنن الترمذي (1557)، وأخرجه البيهقي (9/ 53) عن عُمير مولى آبي اللحم رضي الله عنهما.
(2)
سنن البيهقي (9/ 53) عن مكحول وخالد بن معدان رحمهما الله تعالى.
(3)
في "مراسيله"(270)، وأخرجه الترمذي (1558) مرسلًا عن الزهري رحمه الله تعالى.
(4)
عجالة المحتاج (3/ 1138).
وَمَحَلُّهُ: الأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ فِي الأَظْهَرِ. قُلْتُ: إِنَّمَا يُرْضَخُ لِذِمِّيٍّ حَضَرَ بِلَا أُجْرَةٍ، وَبِإِذْنِ الإِمَامِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
ولا يبلغ برضخ الراجل سهمه، وهل يبلغ برضخ الفارس سهم الراجل؟ وجهان؛ كبلوغ تعزير الحر حدَّ العبد، قاله في "الروضة"، وقضيته: ترجيح إبلاغه، وصححه الماوردي في (السير)؛ كما نقله ابن الرفعة في "الكفاية"، لكن نقل في "أصل الروضة" هنا عن الماوردي: القطع بمنع إبلاغه (1)، فاختلف النقل عن الماوردي، فليحرر، ولعل كلام الماوردي اختلف هنا وفي (السير)(2).
(ومحله: الأخماس الأربعة في الأظهر) لأنه سهم من الغنيمة يستحق بحضور الوقعة إلا أنه ناقص، والثاني: أنه من أصل الغنيمة؛ كالمؤنة، والثالث: من خمس الخمس سهم المصالح.
(قلت: إنما يُرضَخ لذمي حضر بلا أجرة، وبإذن الإمام) أو الأمير (على الصحيح، والله أعلم) فإن حضر بأجرة. . فله الأجرة فقط جزمًا؛ لأنه أخذ عن حضوره بدلًا فلا يقابل ببدل آخر، وإن حضر بلا إذن الإمام أو الأمير. . فلا رضخ، بل يعزره الإمام إن رآه، وهذا محلُّ قول المصنف:(على الصحيح).
ومقابله: أنه يستحق وإن لم يأذن؛ لأنه من سكان دارنا، وقيل: إن قاتل. . استحق، وإلا. . فلا (3).
* * *
(1) روضة الطالبين (6/ 370)، كفاية النبيه (16/ 513).
(2)
قال في "العجالة"[3/ 1138]: (ولا يبلغ به سهم راجل إن كان ممن يرضخ له راجلًا، وإن كان فارسًا. . فكذا على الأصح، قاله الماوردي في "كتاب السير") انتهى، وما نقله عن الماوردي من تصحيح المنع في (كتاب السير). . غلط، وصوابه: ما نقلناه عنه من تصحيح الإبلاع.
نعم؛ نقل الشيخان هنا عن الماوردي: القطع بالمنع؛ كما بيناه. اهـ هامش (أ).
(3)
بلغ مقابلة على خط مؤلفه، عفا الله عنه. اهـ هامش (أ).