الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ التّولية والإشراك والمراجعة
اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لِعَالِمٍ بِالثَّمَنِ: (وَلَّيْتُكَ هَذَا الْعَقْدَ)، فَقَبلَ .. لَزِمَهُ مِثْلُ الثَّمَنِ، وَهُوَ بَيْعٌ فِي شَرْطِهِ وَتَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ، لكِنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الثَّمَنِ. وَلَوْ حُطَّ عَنِ المُوَلِّي بَعْضُ الثَّمَنِ .. انْحَطَّ عَنِ الْمُوَلَّى. وَالإِشْرَاكُ فِي بَعْضِهِ كَالتَّوْليَةِ فِي كُلِّهِ إِنْ بيَّنَ الْبَعْضَ، فَلَوْ أَطْلَقَ .. صَحَّ وَكَانَ مُنَاصَفَةً، وَقِيلَ: لَا
===
(باب التولية والإشراك والمرابحة)
التولية: مصدر وَلَّى تولية، والإشراك: مصدر أشركه؛ أي: صيره شريكًا، والمرابحة: من الربح وهو الزيادة.
وذَكَرَ في الباب المُحاطة أيضًا ولم يترجم لها.
(اشترى شيئًا ثم قال لعالم بالثمن: "وليتك هذا العقد") سواء قال: بما اشتريته، أم سكت (فقبل) بأن قال: قبلت أو توليت ( .. لزمه مثلُ الثمن) جنسًا وقدرًا وصفة.
(وهو) أي: هذا العقد (بيع في شرطه) فلا يصحُّ قبل القبض، ويشترط فيه جميع شروط البيع؛ لأن حدَّ البيع صادق عليه، (وترتبِ أحكامه) من تجدد الشفعة، وبقاء الزوائد المنفصلة على ملك المولي، وغير ذلك؛ لأنه ملك جديد (لكن لا يحتاج إلى ذكر الثمن) لأن لفظ التولية مشعر به، [فلو ذكره .. لم يضر](1).
(ولو حُطّ عن المولِّي بعضُ الثمن .. انحطّ عن المولَّى) وإن كان بعد التولية؛ لأنه وإن كان بيعًا جديدًا، فخاصيته وفائدته هي التنزيل على الثمن الأول.
(والإشراك في بعضه كالتولية في كلِّه) في جميع ما مرّ من الشروط والأحكام (إن بيّن البعضَ) بأن يقول: (أشركتك معي مناصفة، أو بالنصف)، فإن ذكر بعضًا ولم يبينه .. لم يصحَّ؛ للجهل.
(فلو أطلق .. صحَّ وكان مناصفةً) كما لو أقر بشيء لزيد ولعمرو، (وقيل: لا) يصحُّ؛ للجهالة؛ كقوله: (بعتك بألف ذهبًا وفضة).
(1) ما بين المعقوفين زيادة من غير (أ).
وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ؛ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بمِئَةٍ ثُمَّ يَقُولَ: (بِعْتُكَ بِمَا اشْتَرَيْتُ وَرِبْحِ دِرْهَمٍ لَكُلِّ عَشَرَةٍ، أَوْ رِبْحِ "دَهْ يَازْدَهْ"). وَالْمُحَاطَّةِ كَـ (بِعْتُ بِمَا اشْتَرَيْتُ وَحَطِّ "دَهْ يَا زْدَهْ")، وَيُحَطُّ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ. وَإِذَا قَالَ: (بِعْتُ بِمَا اشْتَرَيْتُ) .. لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ سِوَى الثَّمَنِ، وَلَوْ قَالَ:(بِمَا قَامَ عَلَيَّ) .. دَخَلَ مَعَ ثَمَنِهِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالدَّلَّالِ وَالْحَارِسِ وَالْقَصَّارِ وَالرَّفَّاءِ وَالصَّبَّاغِ وَقِيمَةُ الصَّبغِ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ الْمُرَادَةِ لِلاِسْتِرْبَاحِ
===
(ويصح بيع المرابحة؛ بأن يشتريه بمئة ثم يقول: "بعتك بما اشتريت) أي: بمثله (وربح درهم لكلِّ عشرة) وكذا ربح درهم في كلِّ عشرة (أو ربح دَهْ يَازْدَهْ") قياسًا على بيع القطيع كلِّ شاة بدرهم، ولأن الثمن معلوم فجاز البيع؛ كما لو قال:(بعتك بمئة وعشرة).
(وده) بالفارسية: عشرة و (يازده): أحد عشر، ومعناه: كلُّ عشرة ربحها درهم، ولا خفاء أن هذا فيما إذا عرفه كلٌّ منهما.
(والمُحاطة: كبعت بما اشتريت وحط "ده يازده") لما سبق من كونه ثمنًا معلومًا.
(ويُحَطُّ من كلِّ أحد عشر واحدٌ) لأن الربح في المرابحة جزء من أحد عشر، فليكن كذلك الحَطُّ أيضًا، (وقيل: من كلِّ عشرة) كما زدنا في المرابحة على كلِّ عشرة واحدًا، فعلى هذا: إذا كان قد اشترى بمئة .. يكون الثمن تسعين، وعلى الأول: تسعين وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءًا من درهم.
(وإذا قال: "بعت بما اشتريت" .. لم يدخل فيه سوى الثمن) الذي لزم به العقد، فلو حُطُّ بعض الثمن في زمن الخيار، أو زيد فيه .. لم يجز إلا بما لزم به العقد؛ لأن الشراء هو العقد، والعقد لم يقع إلا بذلك.
(ولو قال: "بما قام عليّ" .. دخل مع ثمنه أجرةُ الكَيَّال والدلال والحارس والقَصَّار والرَّفَّاء والصَّبَّاغ وقيمة الصبغ وسائرِ المؤن المرادة للاسترباح) كتطيين الدار، وأجرة المكان، وكذا المَكْس الذي يأخذه السلطان، أما المؤن المقصودة للبقاء؛ كنفقة العبد، وعلف الدابة .. فلا تحسب.
وَلَوْ قَصرَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَالَ أَوْ حَمَلَ أَوْ تَطَوَّعَ بِهِ شَخْصٌ .. لَمْ تَدْخُلْ أُجْرَتُهُ. وَلْيَعْلَمَا ثَمَنَهُ أَوْ مَا قَامَ بِهِ، فَلَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا .. بَطَلَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلْيُصَدَّقِ الْبَائِعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَالأَجَلِ، وَالشِّرَاءِ بِالْعَرْضِ، وَبَيَانِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ،
===
ومعنى قوله: (دخل): أنه يضمها إلى الثمن، فيقول:(قام علي بكذا، وقد بعتك بما قام علي وربح كذا)، وليس المراد: أنه بمطلق ذلك تدخل فيه جميع هذه الأشياء مع الجهل بها، وقد قال بعد ذلك:(وَلْيَعْلما ثمنه أو ما قام به).
واستشكل: تصوير أجرة الكَيَّال والدلال؛ فإنهما على البائع، وأجيب: بأن صورة أجرة الكَيَّال على المشتري ما إذا كان الثمن مكيلًا، وأجرة الدلال ما إذا كان الثمن عرضًا فاستأجر من يعرضه للبيع، ثم اشترى السلعة به .. فتضم الأجرة إلى قيمة العرض الذي هو الثمن.
(ولو قَصَّر بنفسه أو كال أو حمل أو تطوع به شخص .. لم تدخل أجرتُه) لأن السلعة لا تُعدُّ قائمة عليه إلا بما بذله، بل طريقه أن يقول:(عملت فيه عملًا يساوي كذا).
(ولْيَعلما ثمنَه أو ما قام به، فلو جهله أحدهما .. بطل على الصحيح) لجهالة الثمن، والثاني: يصحُّ؛ لأن الثمن فيه مبني على الثمن الأول، ومعرفته سهلة، فصار كالشفيع يطلب الشفعة قبل العلم بمبلغ الثمن، والثالث: إن علماه في المجلس .. صحَّ، وإلا .. فلا.
(وليُصدَّق البائع في قدرِ الثمن والأجل) لأن بيع المرابحة مبني على الأمانة؛ لاعتماد المشتري نظر البائع، ورضاه لنفسه ما رضيه البائع مع زيادة أو حطّ، فوجب عليه الصدقُ.
(والشراءِ بالعرض) أي: إن اشترى بعرض ذَكَرَ أنه اشتراه بعرض قيمته كذا، ولا يقتصر على ذكر القيمة؛ لأن البائع بالعرض يشدد فوق ما يشدد البائع بالنقد.
(وبيان العيب الحادث عنده) أي: يبين حدوثه عنده، أما مطلق العيب .. فيجب بيانه، قديمًا كان أو حديثًا، وكذا يجب أيضًا الإخبار بالغبن، والشراء من ابنه الطفل، وكذا إذا اشتراه بدين على البائع وكان مماطلًا.
فَلَوْ قَالَ: (بِمِئَةٍ)، فَبَانَ بِتِسْعِينَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَرِبْحَهَا، وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. وَلَوْ زَعَمَ أَنَّهُ مِئَةٌ وَعَشَرَةٌ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي .. لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: صِحَّتُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَذَّبَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا .. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الأَصَحِّ
===
(فلو قال: "بمئة") وباعه بربح درهم لكلِّ عشرة مثلًا (فبان بتسعين) بإقراره أو ببينة ( .. فالأظهر: أنه يَحطُّ الزيادةَ وربحَها) لأنه تمليك باعتبار الثمن الأول فتُحطُّ الزيادةُ عنه؛ كما في الشفعة، والثاني: لا يُحطُّ شيء؛ لأنه سمى ثمنًا معلومًا وعقد به.
(وأنه لا خيار للمشتري) لأنه رضي بالأكثر، فأولى أن يرضى بالأقل، والثاني: يثبت؛ لأنه قد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ لإبرار قسم أو إنفاذ وصية.
قال السبكي: ومحل القولين: ما إذا قال: (بعتك برأس مالي وهو مئة وربحِ كذا)، أما لو قال:(اشتريته بمئة، وبعتكه بمئة وعشرة) .. فلا حط، ولا خيار؛ لتقصير المشتري بتصديقه، قاله القاضي الحسين. انتهى.
لكن في "الشرح" و"الروضة" في (فصل تحريم النجش): أنه لو قال البائع: (أعطيت بهذه السلعة كذا)، فصدقه واشتراه، فبان خلافه .. قال ابن الصباغ: في ثبوت الخيار الوجهان؛ أي: في مسألة النجش (1).
(ولو زعم أنه مئةٌ وعشرةٌ، وصدقه المشتري .. لم يصحَّ البيع في الأصحِّ) لتعذر إمضائه؛ فإن العقد لا يحتمل الزيادةَ، وأما النقصان .. فهو معهودٌ؛ بدليل الأرش.
(قلت: الأصحُّ: صحته، والله أعلم) كما لو غلط بالزيادة، فعلى هذا الأصح: لا تثبت الزيادة، ويتخير البائع، وقيل: تثبت مع ربحها، ويخير المشتري.
(وإن كذبه ولم يُبين لغلطه وجهًا محتملًا .. لم يقبل قولُه) لأنه رجوع عن إقرار تعلق به حقُّ آدمي (ولا بيِّنته) لأنه مكذب لها بقوله الأول.
(وله تحليف المشتري أنه لا يعرف ذلك في الأصح) لأنه ربما يقر عند عرض
(1) الشرح الكبير (4/ 131)، روضة الطالبين (3/ 416).
وَإِنْ بَيَّنَ .. فَلَهُ التَّحْلِيفُ، وَالأَصَحُّ: سَمَاعُ بَيِّنَتِهِ.
===
اليمين عليه، والثاني: لا؛ كما لا تسمع بينته، فعلى الأول: لو نكل .. قال الرافعي تبعًا للبغوي والقاضي: إن قلنا: اليمين المردودة كالإقرار .. ردت، وإن قلنا: كالبينة .. فلا (1).
وقضيته: تصحيح الرد؛ لأن اليمين المردودة كالإقرار على الأصح.
وحذف من "الروضة" هذا البناء الذي يؤخذ منه تصحيح الرد، ثم صححه من زيادته (2).
(وإن بَيَّن) كأن قال: (ورد كتاب وكيلي بأنه اشتراه بكذا) فبان مزورًا ( .. فله التحليف) لأن ذلك يحرك ظن صدقه.
(والأصحُّ: سماع بينته) قياسًا على التحليف، والجامع بينهما العذر، والثاني: لا؛ لتكذيبه لها، قال في "المطلب": وهذا هو المشهور والمنصوص.
* * *
(1) التهذيب (3/ 487)، الشرح الكبير (4/ 327).
(2)
روضة الطالبين (3/ 537).