الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ قَسْم الفيء والغنيمة
الْفَيْءُ: مَالٌ حَصلَ مِنْ كُفَّارٍ بِلَا قِتَالٍ وَإِيجَافِ خَيْلٍ وَرِكَابٍ كَجِزْيَةٍ، وَعُشْرِ تِجَارَةٍ، وَمَا جَلَوْا عَنْهُ خَوْفًا، وَمَالِ مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ، وَذِمِّيٍّ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ
===
(كتاب قَسْم الفيء والغنيمة)
هذا شطر بيت موزون، والقَسْم - بفتح القاف -: مصدر بمعنى: القسمة، والفيء: مصدر فاء يفيء إذا رجع، ثم استعمل في المال الراجع من الكفار إلينا، من استعمال المصدر في الفاعل، أو في المفعول؛ لأنه مردود، والغنيمة: فعيلة من الغنم، وهو الربح، وقيل: الفائدة الحاصلة بلا بدل.
والأصل في الباب: قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} وقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآيتان، وفي حديث وفد عبد القيس وقد فسر لهم الإيمان:"وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ" متفق عليه (1).
وقد اختلف في الفيء والغنيمة، فقيل: اسم الفيء يشملها، واسم الغنيمة خاص بما أخذ بقتال، وقيل: يطلق كلٌّ منهما على الآخر عند الإفراد بالذكر، فإذا ذكرا .. افترقا؛ كالفقير والمسكين، والأصحُّ: تباينهما.
(الفيء: مال حصل من كفار بلا قتال وإيجاف خيل وركاب، كجزية، وعُشْر تجارة، وما جَلَوْا عنه خوفًا، ومال مرتد قتل أو مات، وذمي مات بلا وارث) هذا التعريف ليس بجامع، فإن (المال) يخرج: الاختصاصات مع أن لها حكمَ المال، فلو قال:(ما أخذ) .. لكان أحسن، وليس بمانع، لدخول: من دخل دار الحرب متلصصًا وسرق شيئًا، مع أنه غنيمة مخمسة على الصحيح، وكذا ما أهدوه والحرب قائمة.
و(الواو) في قوله: (خيل وركاب) بمعنى (أو)؛ فإن إيجاف أحدهما كاف في انتفاء حكم الفيء، قاله السبكي، وأما (الواو) التي بين القتال والإيجاف: فمحتملة
(1) صحيح البخاري (53)، صحيح مسلم (17) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
فَيُخَمَّسُ، وَخُمُسُهُ لِخَمْسَةٍ: أَحَدُهَا: مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَالثُّغُورِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ، يُقَدَّمُ الأَهَمُّ
===
لمعنى (أو)(ولمعنى (الواو).
وقول المصنف: (خوفًا) لو حذفه .. لكان أولى؛ ليدخل: المال الذي جلوا عنه لضر أصابهم؛ فإنه فيء وإن لم يكن خوف.
والإيجاف: إسراع السير، والركاب: الإبل خاصة.
(فيخمس) الجميع خمسةَ أسهم متساوية؛ كالغنيمة؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} الآية، فأطلق ههنا وقيّد في الغنيمة، فحمل المطلق على المقيد؛ جمعًا بينهما؛ لاتحاد الحكم واختلاف السبب، فإن الحكم واحد؛ وهو رجوع المال من المشركين للمسلمين، إلا أنه اختلف سببه بالقتال وعدمه؛ كما حملت الرقبة في الظهار على المؤمنة في كفارة القتل.
(وخمسه لخمسة) أي: يؤخذ سهم من السهام الخمسة فيقسم خمسة أجزاء متساوية.
(أحدها: مصالح المسلمبن؛ كالثغور) (وهي مواضع الخوف من أطراف بلاد المسلمين الملاصقة لبلاد المشركين، فتشحن بالعُدّة المقاتلة وعمارة الحصون والقناطر والمساجد.
(والقضاةِ والعلماءِ) لأن بها حفظ المسلمين، فيرزقون منه.
وهذا السهم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وأهله ومصالحه، وما فضل جعله في السلاح عُدّة في سبيل الله وفي سائر المصالح.
والمراد بـ (العلماء): علماء الشرع، وطلبةُ العلم يدخلون فيهم؛ فإنهم إن لم يكفوا .. لم يتمكنوا من الطلب، ونبه بذلك: على ما فيه مصلحة عامة للمسلمين؛ كالأئمة والمؤذنين.
(يقدم الأهم) فالأهم وجوبًا، وأهمها: سد الثغور؛ كما قاله في "التنبيه"(1)؛ لأنه حظ المسلمين.
(1) التنبيه (ص 144).
وَالثَّانِي: بَنُو هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ؛ يَشْتَرِكُ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالنِّسَاءُ، وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ كَالإِرْثِ
===
(والثاني: بنو هاشم و) بنو (المطلب)، ومنهم إمامنا الشافعي، وهم آل النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى:{وَلِذِي الْقُرْبَى} ، وهم من ذكهم المصنف، دون بني عبد شمس ونوفل، وهما ابنا عبد مناف أيضًا؛ لأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك الآخرين، وقال حين سئل عن تركهم:"نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ" رواه البخاري (1).
واعلم: أن هاشمًا والمطلب شقيقان، وذوي قربى النبي صلى الله عليه وسلم حقيقةً: هم بنو هاشم؛ لأنه جده، فأدخل عليه السلام معهم بني المطلب؛ لأنهم لى يفارقوا بني هاشم في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في جاهلية ولا إسلام، دون أولاد شقيقهما عبد شمس جدِّ عثمان بن عفان، وأخيهما لأبيهما نوفل جدِّ جبير بن مطعم، فلم يدخلا في ذوي القربى وإن شملهما اسمها، لأن السنة بينت أن الاستحقاق بالقرابة والنصرة لا القرابةِ المجردة.
والاعتبارُ: بالانتساب إلى الآباء، أما من انتسب منهم إلى الأمهات .. فلا.
(يشرك الغني والفقير) لإطلاق الآية، وإعطاءِ النبي صلى الله عليه وسلم العباسَ منه وكان من أغنى قريش (2)، ) (والنساء) لأن الزبير كان يأخذ منه سهم أمه صفيةَ عمةِ النبي صلى الله عليه وسلم (3)، وكان الصديق يدفع لفاطمة رضي الله عنها منه، ولولا ذلك .. لم يدفع لهن، لأن الآية لا تدل إلا على الصرف للذكور، فإن (ذوي): مختص بهم.
(ويفضل الذكر؛ كالإرث) للذكر مثل حظ الأنثيين؛ فإنه عطية من الله تعالى، فأشبه الإرث.
(1) صحيح البخاري (3140) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه.
(2)
ذكره الشافعي في "الأم" بدون سند (5/ 333)، وانظر "البدر المنير"(7/ 353).
(3)
انظر "البدر المنير"(7/ 354).
وَالثَّالِثُ: الْيَتَامَى، وَهُوَ: صَغِيرٌ لَا أَبَ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ فَقْرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ: الْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبيلِ. وَيَعُمُّ الأَصْنَافَ الأَرْبَعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالْحَاصِلِ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ فِيهَا مِنْهُمْ. وَأَمَّا الأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ
===
(والثالث: اليتامى)(1) للآية، (وهو) أي: اليتيم: (صغير) لم يبلغ الحلم (لا أب له)، سواء كان له جد أم لا على الصحيح.
(ويشترط: فقره على المشهور) لأن لفظ (اليتيم) يشعر بالضعف والحاجة، ولأنه إذا امتنع لاستغنائه بمال أبيه .. فبماله أولى، والثاني: لا يشترط؛ قياسًا على ذوي القربى.
(والرابع والخامس: المساكين، وابن السبيل) للآية، وسيأتي بيانهما في الباب بعده.
وفُهِم من ذكره المساكين: جواز صرفه إلى الفقراء؛ لأنهم أشد حاجة منهم، وإطلاقُه يوهم: عدم اشتراط الفقر في ابن السبيل، وليس كذلك، صرح به الفوراني وغيره.
(ويعم الأصناف الأربعة المتأخرة) غائبَهم عن موضع حصول الفيء وحاضرَهم؛ لظاهر الآية، ويجوز أن يفاوت بين اليتامى وبين المساكين وبين أبناء السبيل؛ لأنهم يستحقون بالحاجة، فتراعى حاجتهم، بخلاف ذوي الفربى؛ فإنهم يستحقون بالقرابة.
(وقيل: يختص بالحاصل في كل ناحيةٍ من فيها منهم) فما حصل من كفار الروم دفع إلى من في الشام، ومن الترك إلى من بخراسان؛ كالزكاة، ولمشقة النقل.
(وأما الأخماس الأربعة) التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته مضمومةً إلى خمس الخمس، فجملة ما كان له صلى الله عليه وسلم أحدٌ وعشرون
(1) واليتم: الانفراد، ومنه: الدرة اليتيمة، قال ابن السِّكيت وغيره: اليتم في الناس من قبل الأب، وفي البهائم من قبل الأم، قال ابن خالويه: وفي الطير بفقد الأب والأم؛ لأنهما يحضنانه ويزقانه.
و(اللطيم): الذي يموت أبواه، و (العجي): الذي تموت أمه. وشملت عبارة المصنف: ولد الزنا؛ فإنه لا أب له، لكن كان من حقه أن يقيده بالمسلم كما تقدم، قاله الدميري [6/ 387]. اهـ هامش (هـ).
فَالأَظْهَرُ: أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ - وَهُمُ: الأَجْنَادُ الْمُرْصَدُونَ لِلْجهَادِ - فَيَضَعُ الإِمَامُ دِيوَانًا، وَيَنْصبُ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ عَرِيفًا، وَيَبْحَثُ عَنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ وَعِيَالِهِ وَمَا يَكْفِيهِمْ، فَيُعْطِيهِ كِفَايَتَهُمْ. وَيُقَدِّمُ فِي إِثْبَاتِ الاسْمِ وَالإِعْطَاءِ قُرَيْشًا - وَهُمْ وَلَدُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ -.
===
سهمًا من خمسة وعشرين سهمًا ( .. فالأظهر: أنها للمرتزقة، وهم: الأجناد المرصدون للجهاد) لأنها كانت للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لحصول النصرة به، فبعده للمرصدين للنصرة، وعملًا بفعل السلف، والثاني: أنها للمصالح؛ كخمس الخمس، وأهمها: المرتزقة، فيبدأ بهم، فما فضل عنهم صرف في باقي المصالح، فهما متفقان على أن الصرف للمرتزقة، وإنما الخلاف في الفاضل عنهم، والثالث: أنها تقسم كما يقسم الخمس.
(فيضع الإمام ديوانًا) تأسيًا بعمر رضي الله عنه (1)، والديوان: الدفتر الذي يُثبت فيه أسماءهم، وقيل: الكتّاب الذين يضبطون أسماءهم.
(ويَنْصِبُ لكل قبيلة أو جماعة عريفًا) ليعرض عليه أحوالهم ويجمعهم عند الحاجة، ونصبه: مستحب.
(ويبحث) الإمام وجوبًا (عن حال كلِّ واحد وعياله وما يكفيهم، فيعطيه كفايتهم) من نفقة وكسوة وسائر مؤنهم؛ ليتفرغ للجهاد، ويراعي الزمان والمكان، والرخص والغلاء، وحالة مروءة وضدها، وعادة البلد في المطاعم والملابس.
والمراد بـ (عياله): من تلزمه نفقتهم، ويزاد كلما زادت الحاجة؛ بكبر ولد وزيادة زوجة ولو لتمام أربع، ويسوّي بينهم في إعطاء كل قدر حاجته، لا في القدر المعطى، ولا يقدم بشرف نسب أو دين، أو سبق في الإسلام أو الهجرة، وسائر الخصال المرضية، بل يستوون؛ كالإرث والغنيمة.
(ويقدم في إثبات الاسم والإعطاء قريشًا) ندبًا؛ لحديث: "قَدِّمُوا قُرَيْشًا، وَلَا تَقَدَّمُوهَا" رواه الشافعي وغيره (2)، ) (وهم ولد النضر بن كنانة) بن خزيمة بن
(1) أخرجه الشافعي في "مسنده"(ص 424).
(2)
مسند الشافعي (ص 372) عن ابن شهاب رحمه الله تعالى بلاغًا، وأخرجه البيهقي (3/ 121)، وابن أبي شيبة (33053) عن ابن أبي حثمة رضي الله عنه.
وَيُقَدِّمُ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ ثُمَّ عَبْدِ شَمْسٍ ثُمَّ نَوْفَلٍ ثُمَّ عَبْدِ الْعُزَّى ثُمَّ سَائِرَ الْبُطُونِ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ الأَنْصَارَ، ثُمَّ سَائِرَ الْعَرَبِ، تُمَّ الْعَجَمَ. وَلَا يُثْبِتُ فِي الدِّيوَانِ أَعْمَى وَلَا زَمِنًا وَلَا مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ
===
مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، قال الأستاذ أبو منصور: هذا قول أكثر النسابين، وهو أصح ما قيل، وأقره الشيخان، لكن البيهقي نسب إلى أكثر أهل العلم: أنهم ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة (1).
وسموا قريشًا: لتقرشهم، أي: تجمعهم، على أحد الأقوال فيه.
(ويُقدِّم منهم بني هاشم) لأن الله شرفهم بكون المصطفى منهم، ونسبُهم إلى هاشم بن عبد مناف؛ لأنه كان يَهشِم الثريد لقومه وغيرهم جودًا، واسمه عمرو، قال الشاعر:[من الكامل]
عَمْرُو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ
…
وَرِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ
(و) بني (المطلب) لأنه صلى الله عليه وسلم قرنهم بهم كما سبق، (ثم) بني (عبد شمس) لأنه أخو هاشم لأبويه، (ثم) بني (نوفل) لأنه أخو هاشم لأبيه، (ثم) بني (عبد العزى) لأنهم أصهار النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن خديجة رضي الله عنها بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، والشافعي رضي الله عنه من بني عبد مناف، (ثم سائر البطون) من قريش (الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لفضيلة القرب، (ثم الأنصار) لآثارهم الحميدة في الإسلام، (ثم سائر العرب) بعد الأنصار، (ثم العجم) لأن العرب أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم وأشرف.
وهذا الترتيب: مستحب لا مستحق؛ كما نقلاه عن الأئمة، قال ابن الرفعة: وفيه نظر، وظاهر فعل عمر رضي الله عنه يدل على الاستحقاق (2).
(ولا يثبت في الديوان أعمى ولا زَمِنًا ولا من لا يصلح للغزو) إذ لا كفاءة فيهم.
هذا في المرتزقة، أما عيالهم .. فهم تبع لهم، فيثبتون ولو كانوا بهذه
(1) الشرح الكبير (7/ 338)، روضة الطالبين (6/ 360 - 361)، السنن الكبرى (6/ 365).
(2)
الشرح الكبير (7/ 340)، روضة الطالبين (6/ 362).
وَلَوْ مَرِضَ بَعْضُهُمْ أَوْ جُنَّ وَرُجِيَ زَوَالُهُ .. أُعْطِيَ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يُعْطَى، وَكَذَا زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ إِذَا مَاتَ
===
الأوصاف، قاله شيخنا قاضي القضاة جلال الدين البُلْقيني.
(ولو مرض بعضهم أو جُنّ ورُجِي زواله) وإن طال، كما قاله ابن الرفعة (1)( .. أعطي) (ويبقى اسمه في الديوان، لأن الإنسان لا يخلو من عارض، وكيلا يرغب الناس عن الجهاد ويقبلوا على الكسب لهذه العوارض.
(فإن لم يرج .. فالأظهر: أنه يعطى) لما ذكرناه، ولأنه إذا بقي على الذرية .. فعليه أولى، لكن يقطع اسمه من الديوان، والثاني: لا يعطى؛ لخروجه منهم بعجزه.
ومحلُّ الخلاف: في إعطائه في المستقبل، أما الماضي .. فقال في "الكفاية": ينبغي أن يكون، كما لو مات، إذا قلنا بسقوطه في المستقبل (2).
(وكذا زوجته وأولاده إذا مات) أي: الذي تجب عليه نفقتهم في حياته؛ لئلا يعرضوا أو يشتغلوا بالكسب إذا علموا ضياع عيالهم بعدهم، والثاني: المنع؛ لأن تبعيتهم زالت بموت المتبوع.
وإفراده (الزوجة)(وجمعه (الأولاد): يوهم: اعتبار الوحدة في الزوجة، والأصحُّ: خلافه.
ولم يبين المصنف قدر ما يعطوه، قال المنكت: والمراد: ما يليق بهم لا ما كان يأخذه المرتزق (3).
واستنبط السبكي من هذه المسألة: أن الفقيه أو المعيد أو المدرس إذا مات .. تعطى زوجته وأولاده مما كان يأخذ ما يقوم بهم، ترغيبًا في العلم كالترغيب هنا في الجهاد، فإن فضل المال عن كفايتهم .. صرف الباقي لمن يقوم بالوظيفة، قال: وليس فيه تعطيل لشرط الواقف، فإنّ قصدَه تلك الصفةُ، وقد حصلت مدةً من أبيهم،
(1) كفاية النيه (16/ 533).
(2)
كفاية النبيه (16/ 533).
(3)
السراج (5/ 214).
فَتُعْطَى الزَّوْجَةُ حَتَّى تَنْكِحَ، وَالأَوْلَادُ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا. فَإِنْ فَضَّلَتِ الأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ عَنْ حَاجَاتِ الْمُرْتَزِقَةِ .. وُزِّعَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصرَفَ بَعْضهُ فِي إِصْلَاحِ الثُّغُورِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ. هَذَا حُكْمُ مَنْقُولِ الْفَيْءِ، فَأَمَّا عَقَارُهُ
…
فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ
===
والصرفُ لهم بعده بطريق التبعية، ومدتهُم مغتفرةٌ في جنب ما مضى؛ كزمن البطالة، قال المنكت: وقد يفرق بينهما: بأن العلمَ محبوب للنفوس لا يصد الناس عنه شيء، فيوكل الناس فيه إلى ميلهم إليه، والجهادَ مكروه للنفوس، فيحتاج الناس في إرصاد أنفسهم له إلى التاليف، وإلا .. فمحبة الزوجة والولد قد تصد عنه (1).
(فتعطى الزوجة حتى تنكح) لاستغنائها بزوجها، فإن كان زوجها الثاني صن المرتزقة .. قرر لها كفايتها تبعًا له، (والأولاد حتى يستقلوا) بالكسب أو القدرة على الجهاد، فلو بلغوا عاجزين لعمى أو زَمانة .. فكمن لم يبلغ.
هذا في الذكور، وأما الإناث .. فيرزقن حتى ينحكن؛ كما نقله الرافعي عن قضية "الوسيط" وأقره (2).
(فإن فضّلت (3) الأخماس الأربعة عن حاجات المرتزقة) (وقلنا بالأظهر: أنها لهم خاصة، ( .. وزع عليهم على قدر مؤنتهم) لأنه حقهم، فإذا كان لواحد نصف ولآخر ثلث .. وزع عليهم كذلك.
(والأصحُّ: أنه يجوز أن يصرف بعضه) أي: الفاضل عن حاجاتهم، والتفريع على الأظهر (في إصلاح الثغور والسلاح والكُراع)(وهو الخيل؛ لأنه معونة لهم، والثاني: المنع، بل يوزع عليهم لاستحقاقهم له؛ كالغنيمة، وصححه في "الكفاية" (4).
(هذا حكم منقول الفيء، فأما عقاره) من بناء وأرض ( .. فالمذهب: أنه
(1) السراج (5/ 215).
(2)
الشرح الكبير (7/ 341).
(3)
ضبط بالتشديد، وكأنه لوقوعه في خطه، وإلا .. فلا وجه لتعيينه. اهـ "تحفة المحتاج"(7/ 139).
(4)
كفاية النبيه (16/ 521).