الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الشّركة
هِيَ أَنْوَاعٌ: شَرِكَةُ الأَبْدَانِ؛ كَشَرِكَةِ الْحَمَّالِينَ وَسَائِرِ الْمُحْتَرِفَةِ؛ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ أَوِ اخْتِلَافِهَا. وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ مِنْ غُرْمٍ. وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ؛ بِأَنْ يَشْتَرِكَ الْوَجِيهَانِ لِيَبْتَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمُؤَجَّلٍ لَهُمَا، فَإِذَا بَاعَا .. كَانَ الْفَاضِلُ عَنِ الأَثْمَانِ بَيْنَهُمَا. وَهَذِهِ الأَنْوَاعُ بَاطِلَةٌ.
===
(كتاب الشركة)
هي بكسر الشين وإسكان الراء، وقيل: بفتح الشين وكسر الراء. وهي في اللغة: الاختلاط، وفي الشرع: ثبوت الحقِّ في الشيء الواحد لشخصين فصاعدًا على جهة الشيوع.
والأصل فيها قبل الإجماع: قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية، وقوله صلى الله عليه وسلم:"يَقُولُ الله تَعَالَى: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ .. خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا" رواه أبو داوود والحاكم، وقال: صحيح الإسناد (1).
(هي أنواع) أربعة (شركة الأبدان؛ كشركة الحمالين وسائر المحترفة؛ ليكون بينهما كسبهما متساويًا أو متفاوتًا مع اتفاق الصنعة أو اختلافها)، كنجار وخياط.
(وشركة المفاوضة؛ ليكون بينهما كسبهما) سواء كان بالبدن، أو المال من غير خلط مال، (وعليهما ما يعرض من غرم) بغصب، أو إتلاف، أو بيع فاسد.
(وشركة الوجوه؛ بأن يشترك الوجيهان؛ ليبتاع كلٌّ منهما بمؤجل لهما، فإذا باعا .. كان الفاضل عن الأثمان بينهما، وهذه الأنواع باطلة) أما الأول: فلأن كلَّ واحد منهما متميزٌ ببدنه ومنافعه، فيختصُّ بفوائده؛ كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة؛ ليكون الدَّرُّ والنَّسْل بينهما، وأما الثاني: فلاشتمالها على أنواع من الغرر،
(1) سنن أبي داوود (3383)، المستدرك (2/ 52) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وَشَرِكَةُ الْعِنَانِ صَحِيحَةٌ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا: لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى الإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، فَلَوِ اقْتَصَرَا عَلَى:(اشْتَرَكْنَا) .. لَمْ يَكْفِ فِي الأَصَحِّ، وَفِيهِمَا: أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ
===
ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: لا أعرف في الدنيا شيئًا باطلًا إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة، ولا أعلم القمار إلا هذا، أو أقلّ منه (1)، وأما الثالث: فلأنها شركة من غير مال، وما اشتراه كلُّ واحد منهما .. فهو ملكه، له ربحه وعليه غرمه.
وسميت شركةُ المفاوضة بذلك من قولهم: (تفاوضا في الحديث) إذا شرعا فيه جميعًا.
(وشركة العنان) بكسر العين (صحيحة) بالإجماع، مأخوذة من عنان الدابة، أو من عَنَّ الشيء: إذا ظهر؛ لأن جوازها ظاهر.
(ويشترط فيها) من الناطق (لفظ يدلُّ على الإذن في التصرف) من واحد للآخر في نصيب نفسه؛ لأن المال المشترك لا يجوز لأحد الشريكين التصرف فيه إلا بإذن صاحبه، ولا يعرف الإذن إلا بصيغة تدلُّ عليه، وإشارة الأخرس المفهمة كاللفظ من الناطق على المذهب.
(فلو اقتصرا على: "اشتركنا" .. لم يكف في الأصحِّ) لاحتمال كونه إخبارًا عن حصول الشركة في المال، ولا يلزم من حصول الشركة جوازُ التصرف، بدليل الموروث، والثاني: يكفي؛ لفهم المقصود عرفًا.
(وفيهما) أي: ويشترط في الشريكين (أهلية التوكيل والتوكل) على ما سيأتي؛ لأن كلَّ واحد منهما وكيلٌ عن صاحبه في شيء وموكِّلُه في شيءآخر، هذا إذا أذن كلُّ واحد منهما للآخر في التصرف، فإن كان المتصرف أحدهما فقط .. اشترط فيه أهليةُ التوكل، وفي الآذن .. أهلية التوكيل، حتى يصحَّ أن يكون الثاني أعمى دون الأول، قاله في "المطلب".
وقضية إطلاق المصنف: أنه يجوز للولي عقد الشركة على مال محجوره، قال في "المطلب": وهو قضية كلامهم، وقد يقال: بمنعها؛ لاستلزامها خلطَ ماله قبل العقد بلا مصلحة، بل قد يؤثر نقصًا.
(1) الأم (4/ 487).
وَتَصِحُّ فِي كُلِّ مِثْلِيٍّ دُونَ الْمُتَقَوِّمِ، وَقِيلَ: تَخْتَصُّ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ. وَيُشْتَرَطُ خَلْطُ الْمَالَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ، وَلَا يَكْفِي الْخَلْطُ مَعَ اخْتِلَافِ جِنْسٍ، أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ، هَذَا إِذَا أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَا، فَإِنْ مَلَكَا مُشْتَرَكًا بإِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ لِلآخَرِ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ .. تَمَّتِ الشَّرِكَةُ. وَالْحِيلَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْعُرُوضِ: أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الآخَرِ وَيَأْذَنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ
===
(وتصحُّ في كلِّ مثلي) أما النقدان .. فبالإجماع، وأما غير النقدين؛ كالقمح ونحوه .. فعلى الأظهر؛ لأنه إذا اختلط بجنسه .. ارتفع التمييز، فأشبه النقدين.
(دون المتقوم) بكسر الواو؛ لأنه لا يمكن الخلط في المتقومات، وحينئذ قد يتلف مال أحدهما أو ينقص، فلا يمكن قسمة الآخر بينهما.
وقضية كلامه تبعًا لـ "أصله": أنه لا تصحّ الشركة على النقد المغشوش؛ لأنه من المتقومات (1)، والأصح في "زيادة الروضة": صحتها إذا استمر رواجُها في البلد (2).
(وقيل: تختصُّ بالنقد المضروب) كالقراض (ويشترط خلط المالين) قبل العقد (بحيث لا يتميزان) لما ذكرناه في امتناع المتقوم.
(ولا يكفي الخلط مع اختلاف جنس) كدراهم ودنانير، (أو صفة؛ كصحاح ومكسرة) لإمكان التمييز (هذا إذا أخرجا مالين وعقدا؛ فإن ملكا مشتركًا بإرث وشراء وغيرِهما وأذن كلٌّ للآخر في التجارة فيه .. تمت الشركة)؛ لأن المعنى المقصود بالخلط حاصلٌ.
(والحيلة في الشركة في العروض: أن يبيع كلُّ واحد بعض عَرضه ببعض عرض الآخر ويأذن له في التصرف) بعد التقابض وغيره مما شرط في البيع، وحينئذ فيملكانه بالسوية إن بيع نصفٌ بنصف، فإن بيع ثلث بثلثين، أو ربع بثلاثة أرباع؛ لأجل تفاوتهما في القيمة .. ملكاه على هذه النسبة، وسواء تجانس العرضان أو اختلفا.
وكان ينبغي أن يقول: (والحيلة في المتقومات) لأن الشركة في المثليات جائزةٌ
(1) المحرر (ص 193).
(2)
روضة الطالبين (4/ 276).
وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ. وَيَتَسَلَّطُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِلَا ضَرَرٍ؛ فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا يُسَافِرُ بِهِ وَلَا يُبْضِعُهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ. وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ، وَيَنْعَزِلَانِ عَنِ التَّصَرُّفِ بِفَسْخِهِمَا، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا:(عَزَلْتُكَ)، أَوْ (لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي) .. لَمْ يَنْعَزِل الْعَازِلُ.
===
بالخلط مع أنها من العروض؛ إذ العرض ما عدا النقد.
وقوله: (كلُّ واحد) الأولى حذف لفظة (كلّ) فإنه لو باع أحدهما بعضَ عرضه ببعض عرض الآخر .. حصل الغرض.
(ولا يشترط تساوي قدرِ المالين) بل تثبت الشركة مع التفاوت على نسبة المالين؛ لأنه لا محذور فيه؛ إذ الربح والخسران على قدر المالين؛ كما سيأتي.
(والأصحُّ: أنه لا يشترط العلم بقدرهما) أي: المالين من جهة النسبة؛ بأن يعرفا أن المال بينهما مثالثة أو مناصفة (عند العقد) إذا أمكن معرفته من بعد، بمراجعة حساب أو وكيل، كذا قيده الرافعي (1)؛ لأن الحقَّ لا يعدوهما، وقد تراضيا، والثاني: يشترط، وإلا .. يؤدي إلى جهل كلٍّ منهما بما أَذن فيه، وبما أُذن له فيه.
(ويتسلط كلٌّ منهما على التصرف بلا ضرر؛ فلا يبيع نسيئة، ولا بغير نقد البلد، ولا بغبن فاحش) ولا يشتري، (ولا يسافر به، ولا يُبضعه) بأن يعطيه لمن يتصرف فيه متبرعًا والربح للمالك (بغير إذن) لأن الشركة في الحقيقة توكيل وتوكُّل، وسيأتي في الوكالة أنه ليس للوكيل ذلك.
وقوله: (بغير إذن) قيد في الكلِّ، فإن أذن في شيء منها .. جاز.
(ولكلٍّ فسخه)؛ أي: فسخ عقد الشركة (متى شاء) كالوكالة.
(وينعزلان عن التصرف بفسخهما) أي: بفسخ كلٍّ منهما؛ لزوال العقد.
(فإن قال أحدهما: "عزلتك" أو "لا تتصرف في نصيبي" .. لم ينعزل العازل) بل المخاطب فقط؛ لأن المتكلم لم يمنعه أحد، بخلاف المخاطب.
(1) الشرح الكبير (5/ 190).
وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِهِ وَبِإِغْمَائِهِ. وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا، فَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ .. فَسَدَ الْعَقْدُ، فَيَرْجِعُ كُلٌّ عَلَى الآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي مَالِهِ، وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ، وَالرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ. وَيَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ وَالْخُسْرَانِ وَالتَّلَفِ، فَإِنِ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ .. طُولِبَ بِبيِّنَةٍ بالسَّبَبِ، ثُمَّ يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ:(هُوَ لِي)، وَقَالَ الآخَرُ:(مُشْتَرَكٌ)، أَوْ بِالْعَكْسِ .. صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ،
===
(وتنفسخ بموت أحدهما، وبجنونه، وبإغمائه) كالوكالة، قال في "الكفاية": وكذا بطروء حجر السفه (1).
(والربح والخسران على قدر المالين، تساويا في العمل أو تفاوتا) سواء شرطاه أم لا؛ عملًا بقضية الشركة.
(فإن شرطا خلافه .. فسد العقد) لأنه مخالف لموضوع الشركة، (فيرجع كلٌّ على الآخر بأجرة عمله في ماله) أي: مال الآخر؛ كما في القراض إذا فسد.
نعم؛ لو تساويا في المال وتفاوتا في العمل، وشُرط الأقلُّ للأكثر عملًا .. لم يرجع بالزائد على الأصح؛ لأنه عمل متبرعًا.
(وتنفذ التصرفات) لوجود الإذن (والربح على قدر المالين) لأنه مستفاد منهما.
(ويد الشريك يد أمانة، فيقبل قوله في الردِّ والخسران والتلف) كالمودع والوكيل، (فإن ادعاه)، يعني: التلف (بسبب ظاهر .. طولب ببينةٍ بالسبب، ثم يُصدَّق في التلف به) هذه المسألة قد ذكرها المصنف في آخر (الوديعة) مستوفاة، والمذكور هنا يحتاج إلى تفصيل فيراجع من هناك.
(ولو قال من في يده المال: "هو لي"، وقال الآخر: "مشترك"، أو بالعكس .. صدق صاحب اليد)؛ لأنها تدلُّ على الملك، وقد ادعى صاحبها جميعَ المال في المسألة الأولى، ونصفَه في الثانية.
(1) كفاية النبيه (10/ 197).
وَلَوْ قَال: (اقْتَسَمْنَا وَصارَ لِي) .. صُدِّقَ الْمُنْكِرُ، وَلَوِ اشْتَرَى وَقَالَ:(اشْتَرَيْتُهُ لِلشَّرِكَةِ أَوْ لِنَفْسِي)، وَكَذَّبَهُ الآخَرُ .. صُدِّقَ الْمُشْتَرِي.
===
(ولو قال: "اقتسمنا وصار لي" .. صدق المنكِر)؛ لأن الأصل عدمُ القسمة.
(ولو اشترى وقال: "اشتريته للشركة أو لنفسي"، وكذبه الآخر .. صدق المشتري)؛ لأنه أعرف بقصده، وسواء ادعى أنه صرح بالشراء للشركة أو نواه، والغالب وقوع ذلك في الأولى حالةَ ظهور الخسران، وفي الثانية حالةَ ظهور الربح.
* * *