المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الرَّهْن لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ. فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مُقْتَضَاهُ - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ البيع

- ‌بابُ الرِّبا

- ‌بابٌ [البيوع المنهي عنها]

- ‌فصلٌ [في المنهيات التي لا يقتضي النهي فسادها]

- ‌فصلٌ [في تفريق الصفقة]

- ‌بابُ الخيار

- ‌فصلٌ [في خيار الشرط وما يتبعه]

- ‌فصلٌ [في خيار النقيصة]

- ‌فرعٌ [في عدم تفريق الصفقة بالعيب]

- ‌فصلٌ [في التصرية]

- ‌بابٌ [في حكم المبيع قبل قبضه وبعده والتصرف فيه]

- ‌فَرعٌ [في تتمة أحكام الباب]

- ‌فَرعٌ [في تتمة الباب أيضًا]

- ‌بابُ التّولية والإشراك والمراجعة

- ‌بابُ الأصول والثّمار

- ‌فَرعٌ [في دخول ما يتبع المبيع في البيع]

- ‌فصَلٌ [في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما]

- ‌بابُ اختلاف المتبايعين

- ‌بابٌ [معاملة الرّقيق)

- ‌كتابُ السَّلَم

- ‌فصَلٌ [في بقية الشروط السبعة]

- ‌فَرعٌ [في محل السلم وشروطه]

- ‌فصلٌ [في بيان أخذ غير المسلم فيه عنه ووقت أدائه ومكانه]

- ‌فصلٌ [في القرض]

- ‌كتابُ الرَّهْن

- ‌فصَلٌ [في شروط المرهون به ولزوم الرهن]

- ‌فصلٌ [فيما يترتب على لزوم الرهن]

- ‌فصلٌ [في جناية المرهون]

- ‌فصلٌ [في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به]

- ‌فصلٌ [في تعلق الدين بالتركة]

- ‌كتاب التفليس

- ‌فصلٌ [فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما]

- ‌فَصْلٌ [في رجوع المعامل للمفلس عليه بما عامله به ولم يقبض عوضه]

- ‌بابُ الحَجْر

- ‌فَصْلٌ [فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله]

- ‌بابُ الصُّلْح

- ‌فَصْلٌ [في التزاحم على الحقوق المشتركة]

- ‌بابُ الحَوالة

- ‌بابُ الضَّمان

- ‌فصلٌ [في كفالة البدن]

- ‌فصلٌ [في صيغتي الضمان والكفالة]

- ‌كتابُ الشّركة

- ‌كتابُ الوكالة

- ‌فصَلٌ [في أحكام الوكالة بعد صحتها]

- ‌فصَلٌ [فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة]

- ‌فصَلٌ [في بيان جواز الوكالة وما تنفسخ به]

- ‌كتابُ الإقرار

- ‌فَصْلٌ [في الصيغة]

- ‌فَصْلٌ [في شروط المُقَرِّ به]

- ‌فَصْلٌ [في بيان أنواع من الإقرار وفي بيان الاستثناء]

- ‌فَصْلٌ [في الإقرار بالنسب]

- ‌كتابُ العاريَّة

- ‌فَصْلٌ [في رد العارية]

- ‌كتابُ الغَصْب

- ‌فَصلٌ [في بيان حكم الغصب]

- ‌فَصلٌ [في اختلاف المالك والغاصب]

- ‌فَصلٌ [فيما يطرأ على المغصوب من زيادة ووطء وانتقال]

- ‌كتابُ الشُّفْعة

- ‌فَصلٌ [في بيان بدل الشقص الذي يؤخذ به والاختلاف في قدر الثمن]

- ‌كتابُ القِراض

- ‌فَصْلٌ [في بيان الصيغة وما يشترط في العاقدين]

- ‌فَصْلٌ [في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين]

- ‌كتابُ المساقاة

- ‌فَصْلٌ [فيما يشترط في عقد المساقاة]

- ‌كتابُ الإِجَارة

- ‌فَصْلٌ [في بقية شروط المنفعة وما تقدر به]

- ‌فَصْلٌ [في منافع يمتنع الاستئجار لها ومنافع يخفى الجواز فيها وما يعتبر فيها]

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم المكري أو المكتري لعقار أو دابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان غاية المدة التي تقدر بها المنفعة تقريبًا]

- ‌فَصْلٌ [فيما يقتضي انفساخ الإجارة والتخيير في فسخها وما لا يقتضيهما]

- ‌كتابُ إحياء المَوات

- ‌فَصْلٌ [في حكم المنافع المشتركة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض]

- ‌كتابُ الوَقْف

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الوقف اللفظية]

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الوقف المعنوية]

- ‌فصلٌ [في بيان النظر على الوقف وشرطه ووظيفة الناظر]

- ‌كتابُ الهِبَة

- ‌كتابُ اللُّقَطة

- ‌فصلٌ [في بيان لقط الحيوان وغيره وتعريفها]

- ‌فصلٌ [في تملك اللقطة وغرمها وما يتبعها]

- ‌كتابُ اللَّقيط

- ‌فصلٌ [في الحكم بإسلام اللقيط]

- ‌فصلٌ [في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه وتوابع ذلك]

- ‌كتابُ الجعالة

- ‌كتابُ الفرائض

- ‌فصلٌ [في بيان الفروض التي في القرآن الكريم وذويها]

- ‌فصلٌ [في الحجب]

- ‌فصلٌ [في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادًا واجتماعًا]

- ‌فصلٌ [في كيفية إرث الأصول]

- ‌فصلٌ [في إرث الحواشي]

- ‌فصلٌ [في الإرث بالولاء]

- ‌فصلٌ [في حكم الجد مع الإخوة]

- ‌فصلٌ [في موانع الإرث]

- ‌فصلٌ [في أصول المسائل وما يعول منها]

- ‌فَرْعٌ [في تصحيح المسائل]

- ‌فَرْعٌ [في المناسخات]

- ‌كتابُ الوصايا

- ‌فصَلٌ [في الوصية لغير الوارث وحكم التبرعات في المرض]

- ‌فصلٌ [في بيان المرض المخوف ونحوه]

- ‌فصلٌ [في أحكام الوصية الصحيحة ولفظها]

- ‌فصلٌ [في أحكام معنوية للموصى به]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الوصية]

- ‌فَصْلٌ [في الإيصاء وما يتبعه]

- ‌كتابُ الوَدِيعة

- ‌كتابُ قَسْم الفيء والغنيمة

- ‌فَصْلٌ [في الغنيمة وما يتبعها]

- ‌كتابُ قَسْم الصّدقات

- ‌فَصْلٌ [في بيان مستند الإعطاء وقدر المعطى]

- ‌فَصْلٌ [في القسمة بين الأصناف وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في صدقة التطوع]

الفصل: ‌ ‌كتابُ الرَّهْن لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ. فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مُقْتَضَاهُ

‌كتابُ الرَّهْن

لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ. فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهَنِ بِهِ، أَوْ مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ كَالإِشْهَادِ، أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ .. صَحَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ .. بَطَلَ الرَّهْنُ. وَإِنْ نَفَعَ الْمُرْتَهِنَ وَضَرَّ الرَّاهِنَ؛ كَشَرْطِ مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ .. بَطَلَ الشَّرْطُ، وَكَذَا الرَّهْنُ فِي الأَظْهَرِ

===

(كتاب الرهن)

هو لغةً: الثبوت، وشرعًا: جعل عين مال وثيقةً بدينٍ يُستوفى منها (1).

والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} ورهن صلى الله عليه وسلم درعًا له عند يهودي على شعير لأهله، متفق عليه (2).

(لا يصحُّ إلا بإيجاب وقبول) لأنه عقدٌ ماليٌّ فافتقر إليهما؛ كالبيع.

(فإن شرط فيه مقتضاه؛ كتقدم المرتهن به، أو مصلحة للعقد؛ كالإشهاد، أو ما لا غرض فيه .. صحَّ العقد) كالبيع.

(وإن شرط ما يضرُّ المرتهن) كشرط عدم بيعه عند المحلِّ ( .. بطل الرهن) لمنافاته المقصود.

(وإن نفع المرتهن وضرَّ الراهن؛ كشرط منفعته للمرتهن .. بطل الشرط) لحديث: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ الله فَهُوَ بَاطِلٌ"(3).

(وكذا الرهن في الأظهر) لمخالفته مقتضى العقد؛ كالشرط الذي يضرُّ بالمرتهن، والثاني: لا يبطل، بل يلغو الشرط ويصحُّ العقد؛ لأنه تبرع فلم يؤثر ذلك فيه كالقرض.

ومحل البطلان: إذا أطلق المنفعة، فلو قيدها وكان الرهن مشروطًا في بيع؛ كقوله:(وتكون منفعة لي سنةً) .. فهذا جمع بين بيع وإجارة في صفقة، والأظهر: الصحة.

(1) زاد في "الكفاية"[9/ 394]: (عند تعذر الاستيفاء). اهـ هامش (أ).

(2)

صحيح البخاري (2069)، صحيح مسلم (1603) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري (2735)، ومسلم (1504/ 6) عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 131

وَلَوْ شَرَطَ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ مَرْهُونَةً .. فَالأَظْهَرُ: فَسَادُ الشَّرْطِ، وَأَنَّهُ مَتَى فَسَدَ .. فَسَدَ الْعَقْدُ. وَشَرْطُ الْعَاقِدِ: كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَرْهَنُ الْوَليُّ مَالَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ

===

(ولو شرط أن تَحدُث زوائدُه مرهونةً .. فالأظهر: فساد الشرط)(1) لأنها معدومة ومجهولة، والثاني: لا؛ لأن الرهن عند الإطلاق إنما لا يتعدى للزوائد؛ لضعفه، فإذا قوي بالشرط .. سرى وتبع.

واحترز بـ (الزوائد) كالثمرة، والنِّتاج عن الأكساب؛ فإن اشتراطها باطل على القولين؛ لأنها ليست من أجزاء الأصل، قال الماوردي: ولو شرط أن تكون المنافع مرهونةً .. بطل قطعًا (2).

(وأنه متى فسد) الشرط ( .. فسد العقد) القولان هنا هما القولان في فساد الرهن بفساد الشرط النافع للمرتهن، وقد مرَّ توجيههما.

(وشرط العاقد) راهنًا كان أو مرتهنًا (كونه مطلق التصرف) كالبيع (فلا يرهن الولي مالَ الصبي والمجنون، ولا يرتهن لهما) أما الرهن .. فلأنه يمنع من التصرف، وأما الارتهان .. فلأن الولي في حال الاختيار لا يبيع إلا بحالٍّ مقبوض قبل التسليم؛ فلا ارتهان.

ولو قال: (ولا يرهن الولي مال محجوره) .. لكان أحسن؛ ليعم السفيه، أو يقول:(الولي)، ويُطلق.

(إلا لضرورة) تحوج إلى إقراضه ماله أو بيعه مؤجلًا، كخوف نهب، أو كان دينه مؤجلًا بسبب إرث أو غيره؛ فيجوز له الارتهان، أو إلى الاقتراض؛ كحاجة النفقة وغيرها، ويحتاج إلى الرهن.

(أو غبطةٍ ظاهرة) في الرهن؛ كأن يشتري ما يساوي مئتين بمئة نسيئة، ويرهن به ما يساوي مئة من ماله؛ لأن المرهون إن سلم .. فلا كلام، وإن تلف .. كان في المشترى ما يجبره.

(1) في (ب) و (د): (ولو شرط أن ما يحدث من زوائده مرهونة).

(2)

الحاوي الكبير (7/ 365).

ص: 132

وشَرْطُ الرَّهْنِ: كَوْنُهُ عَيْنًا فِي الأَصَحِّ، وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَالأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَعَكْسُهُ، وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُبَاعَانِ، وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ تُقَوَّمُ الأُمُّ وَحْدَهَا ثُمَّ مَعَ الْوَلَدِ فالزَّائِدُ قِيمَتُهُ

===

(وشرط الرهن) أي: المرهون (كونه عينًا في الأصحِّ) فلا يصحُّ رهن الدين؛ لتعذر تسليمه، والثاني: يصحُّ إذا كان على مقرٍّ؛ تنزيلًا لما في الذمة منزلةَ العين.

ومحل المنع: في الابتداء؛ أما لو جنى على المرهون جانٍ .. فإنا نحكم على الأرش وهو في ذمته بأنه مرهون على الأرجح في "زيادة الروضة"(1)؛ لامتناع الإبراء منه، ولا يصحُّ رهن المنفعة جزمًا؛ لأنها تتلف شيئًا فشيئًا.

(ويصحُّ رهن المُشاع) ولا يحتاج إلى إذن الشريك، وقبضه بقبض الجميع؛ كالبيع، (والأمِّ دون ولدها، وعكسه) حيث يمتنع التفريق بينهما؛ لبقاء الملك فيهما، فلا تفريق (2)، (وعند الحاجة يباعان) حذرًا من التفريق (ويُوزَّع الثمن) عليهما؛ كما سيأتي.

(والأصحُّ: أنه تُقوَّم الأم وحدها) إذا كانت هي المرهونة؛ لأنها الرهن، فتقوَّم موصوفةً بكونها ذات ولد حاضنة له، فإذا قيل: قيمتها مئة مثلًا .. حُفظت، (ثم) تُقوَّم (مع الولد) فإذا قيل: قيمتهما مئة وخمسون مثلًا (فالزائد) عن المئة وهو الخمسون (قيمتُه) فيوزع الثمن على هذه النسبة، فيكون للمرتهن ثلثا الثمن يقضي منه الدين، وللراهن الثلث لا تعلق للمرتهن به، والوجه الثاني: أن الأم تُقوَّم وحدها كما سبق؛ فإذا قيل: قيمتها مثلًا مئة .. قومنا الولد وحده؛ فإذا قيل: عشرون .. علمنا أن النسبة بينهما بالأسداس، فيقسط الثمن عليهما على هذه النسبة؛ سدس للولد يختص به الراهن، والباقي يتعلق به حقُّ المرتهن.

وفي هذا التقويم تقل قيمة الولد؛ لأنه يكون ضائعًا، أما لو رهن الولد دونها ..

(1) روضة الطالبين (4/ 100).

(2)

قال في "العجالة"[2/ 757]: (وهذه المسألة مستثناة من قولهم: "كلّ ما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه") انتهى، وفيه نظر؛ فإن المراد: ما لا يجوز بيعه مطلقًا، وهذا يصحُّ بيعه، وإنما منع منه مانع وهو التفريق. اهـ هامش (أ).

ص: 133

وَرَهْنُ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ كَبَيْعِهِمَا. وَرَهْنُ الْمُدَبَّرِ، وَمُعَلَّقِ الْعِتْقِ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ .. بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ

===

فإن التقويم ينعكس، فيُقوَّم الولد وحده على الأصح محضونًا مكفولًا، ثم مع أمه؛ فالزائد قيمة الأم.

وحكمُ الولد مع الأب وغيره ممن يمتنع التفريق بينهما كحكمه مع الأم.

(ورهن الجاني والمرتد كبيعهما) وقد تقدم حكم بيع الجاني في (كتاب البيع)، والمرتد في الكلام على الردِّ بالعيب، وإذا صححناه .. فلا يكون ملتزمًا للفداء عند الأكثرين، بخلاف البيع؛ لأن الجناية لا تنافي الرهن، ومحلها باق بخلاف البيع.

(ورهن المدبر، ومعلَّقِ العتق بصفة يمكن سبقُها حلولَ الدين .. باطل على المذهب) في رهن المدبر ثلاث طرق: البطلان قطعًا، ورجحها في زوائد "الروضة" وقال الرافعي: إنها أقرب إلى النصِّ (1)؛ لأن السيد قد يموت فجأة، فيبطل مقصود الرهن، الصحة قطعًا، قال في "الروضة": وهو قوي في الدليل (2)، قولان؛ بناءً على أنه وصية فيصحُّ، أو تعليق عتق بصفة فلا.

وأما المُعلَّق عتقه بصفة لا يتيقَّن تقدمها على الحلول ولا تأخرها .. ففيه طريقان؛ أصحهما: قولان، أظهرهما: بطلانه؛ للغرر، والثاني: يصحُّ؛ لأن الأصل استمرارُ الرقِّ.

والثانية: القطع بالبطلان؛ فإن تيقن حلوله قبل وجود الصفة بزمن يسع البيع .. صحَّ قطعًا، وإن انعكس الأمر .. فالمشهور: القطع بالمنع؛ لفوات مقصود الرهن، وقيل: على القولين في رهن ما يسرع إليه الفساد.

والفرق على الأول: أن العاقل لا غرض له في إفساد ماله بخلاف العتق، والخلاف في رهن معلق العتق في رهنه بمؤجل، فإن رهنه بحالٍّ .. صحَّ مطلقًا.

ولو شرط في العقد بيع المعلق بصفة قبل وجودها .. قال ابن الرفعة: يصحُّ، وقيد

(1) روضة الطالبين (4/ 46)، الشرح الكبير (4/ 449).

(2)

روضة الطالبين (4/ 47).

ص: 134

وَلَوْ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ: فَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ .. فُعِلَ، وَإِلَّا؛ فَإِنْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ، أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، أَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ وَجَعْلَ الثَّمَنِ رَهْنًا .. صَحَّ، وَيُبَاعُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا، وَإِنْ شَرَطَ مَنع بَيْعِهِ .. لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَطْلَقَ .. فَسَدَ فِي الأَظْهَرِ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ يَفْسُدُ قَبْلَ الأَجَلِ .. صَحَّ فِي الأَظْهَرِ

===

به كلامَ "التنبيه"(1) قال الأَذْرَعي: وهو؛ يعني: ابنَ الرفعة متابع لابن أبي عصرون في ذلك، وكلام الأصحاب ساكت عنه، وكأنه أخذه من رهن ما يتسارع إليه الفساد، وهو محتمل للتردد. انتهى.

(ولو رهن ما يَسرُع فساده) بمؤجل يحلّ بعد الفساد أو معه أو قبله بزمن لا يسع البيع، (فإن أمكن تجفيفه؛ كرطب) يجيء منه تمر ( .. فعل) حفظًا للرهن، والمُجفِّف له هو المالك، ومؤنته عليه؛ كما قاله صاحب "المطلب"، أما إذا كان يحلّ قبل فساده بزمن يسع البيع .. فإنه يُباع على حاله.

(وإلا) أي: وإن لم يمكن تجفيفه؛ كالثمرة التي لا تجفف والبقول (فإن رهنه بدين حالٍّ، أو مؤجل يحلُّ قبل فساده) بزمن يسع بيعه فيه على العادة، (أو شَرَط بيعه) عند إشرافه على الفساد (وجعل الثمن رهنًا .. صحَّ) لانتفاء المحذور، (ويباع عند خوف فساده، ويكون ثمنُه رهنًا) من غير إنشاء عقد.

(وإن شرط منع بيعه .. لم يصحَّ) لمنافاته مقصودَ الرهن.

(وإن أطلق) فلم يشترط واحدًا منهما ( .. فسد في الأظهر) لتعذر الوفاء منه؛ لأن البيع قبل المحِلِّ لم يأذن فيه، وليس من مقتضى الرهن، والثاني: يصحُّ، ويباع عند الإشراف على الفساد؛ كما لو شرط بيعه؛ لأن الظاهر: أنه لا يقصط إتلاف ماله، وصححه في "الشرح الصغير".

(وإن لم يعلم هل يفسد قبل الأجل .. صحَّ في الأظهر) لأن الأصل دوامُ المالية، والثاني: يفسد؛ لجهلنا إمكانَ البيع عند المحِلِّ، وهو نظير ما صححه في المعلَّق عتقُه بصفة لا يعلم تتقدم أو تتأخر، وقد تقدم الفرق.

(1) كفاية النبيه (9/ 412).

ص: 135

وَإِنْ رَهَنَ مَا لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَطَرَأَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ؛ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ .. لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ بِحَالٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ، وَهُوَ فِي قَوْلٍ: عَارِيَّةٌ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَكَذَا الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ فِي الأَصَحِّ. فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ .. فَلَا ضَمَانَ

===

(وإن رهن ما لا يَسرُع فساده فطرأ ما عرَّضه للفساد؛ كحنطة ابتلَّت .. لم ينفسخ الرهن بحال) وإن منع الصحة في الابتداء على قول؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، وسواء طرأ قبل القبض أو بعده على الأصح، فيباع عند تعذر التجفيف، ويجعل ثمنه رهنًا مكانه (1).

(ويجوز أن يستعير شيئًا ليرهنه) بالإجماع؛ كما نقله ابن المنذر (2)؛ لأن الرهن استيثاق، وهو يحصل بما لا يملكه؛ بدليل الإشهاد والكفالة.

(وهو في قول: عاريةٌ) لأنه قبض مال الغير بإذنه لينتفع به نوعَ انتفاع؛ كالخدمة.

(والأظهر: أنه ضمان دين في رقبة ذلك الشيء) لأن العارية ينتفع المستعير بها مع بقاء عينها، والانتفاع هنا ببيعها في الدين؛ فلم تكن عارية.

ثم إننا رأينا الرهن قد لزم بالقبض مع براءة ذمة المالك؛ فلا مَحمِل له غيرُ الضمان في رقبة ما أعطاه؛ كما لو أذن لعبده في ضمان دين غيره .. فإنه يصحُّ، وتكون ذمة المالك فارغةً، فكما ملك أن يُلزم دينَ الغير في ذمة مملوكه .. وجب أن يَملك إلزام ذلك في رقبته لأن كُلَّ واحد منهما محل حقِّه وتصرفه.

(فيشترط ذكر جنس الدين وقدرِه وصفته) لاختلاف الأغراض بذلك؛ كما في الضمان، (وكذا المرهون عنده في الأصحِّ) لما ذكرناه، والثاني: لا يجب؛ لضعف الغرض فيه.

(فلو تلف في يد المرتهن .. فلا ضمان) على المرتهن؛ لأنه أمسكه رهنًا لا عارية، ولا على الراهن؛ لأن التفريع على قول الضمان، والضامن إنما يرجع بعد

(1) بلغ مقابلة على خط مؤلفه، أيده الله تعالى. اهـ هامش (أ).

(2)

الإجماع (ص 139).

ص: 136