الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في القسمة بين الأصناف وما يتبعها]
يَجِبُ اسْتِيعَابُ الأَصْنَافِ إِنْ قَسَّمَ الإِمَامُ وَهُنَاكَ عَامِلٌ، وَإِلَّا. . فَالْقِسْمَةُ عَلَى سَبْعَةٍ، فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهُمْ. . فَعَلَى الْمَوْجُودِينَ.
===
وعلى هذا: يعطى بصفات أيضًا، وفيه احتمال للحناطي، وعلى الأول: إذا أخذ بالفقر أو الغرم فأخذه غريمه بدينه وبقي فقيرًا. . فلا بدَّ من إعطائه من سهم الفقراء؛ كما نقله في "زيادة الروضة" عن الشيخ نصر وأقره (1)، وعلى الأول أيضًا: لو كان العامل فقيرًا هل يعطى بالفقر أيضًا؟ فيه وجهان، بناء على أن ما يأخذه أجرة أم صدقة، إن قلنا: أجرة. . جاز، وإلا. . فلا.
* * *
(فصل: يجب استيعاب الأصناف) الثمانية (إن قسم الإمام وهناك عامل) ولم يجعل الإمام له شيئًا من بيت المال؛ لأن الله تعالى أضاف الصدقة إليهم بـ (اللام)، وذلك يقتضي التعميم، وزكاة الفطر كغيرها على الصحيح، وقيل: يجوز إلى ثلاثة من الفقراء، واختاره السبكي، وحكى الرافعي عن اختيار صاحب "التنبيه" جواز صرفها إلى واحد، قال في "البحر": وأنا أفتي به.
(وإلا) أي: وإن قسم الإمام ولا عامل هناك (. . فالقسمة على سبعة) لسقوط سهم العامل كما لو فرق المالك بنفسه؛ فإنه يسقط قطعًا.
(فإن فقد بعضهم) من البلد وغيره (. . فعلى الموجودين) إذ المعدوم لا سهم له، قال ابن الصلاح: والموجود الآن أربعة: فقير ومسكين وغارم وابن سبيل، وشمل إطلاق المصنف صورتين: إحداهما: فَقْدُ صنف؛ كالمكاتبين، والثانية: فَقْدُ بعض صنف؛ بأن لا تجد منه إلا واحدًا أو اثنين، والصحيح المنصوص: أنه يصرف إلى الموجودين من المصنف؛ كما قاله في "زيادة الروضة"(2).
(1) روضة الطالبين (2/ 329).
(2)
روضة الطالبين (2/ 330).
وَإِذَا قَسَّمَ الإِمَامُ. . اسْتَوْعَبَ مِنَ الزَّكَوَاتِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَهُ آحَادَ كُلِّ صِنْفٍ. وَكَذَا يَسْتَوْعِبُ الْمَالِكُ إِنِ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ وَوَفَّى بِهِمُ الْمَالُ، وَإِلَّا. . فَيَجِبُ إِعْطَاءُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ. وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الأَصْنَافِ، لَا بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ، إِلَّا أَنْ يُقَسِّمَ الإِمَامُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ.
===
(وإذا قسم الإمام) أو عامله إذا فوض إليه الصرف (. . استوعب من الزكوات الحاصلة عنده آحاد كل صنف) وجوبًا، لأنه لا يتعذر عليه الاستيعاب، ولا يلزمه أن يستوعب في زكاة كلِّ شخص جميع الآحاد، بل له أن يعطي زكاة شخص بكمالها لواحد، ويجوز أن يخص واحدًا بنوع وآخر بغيره، لأن الزكوات كلَّها في يده كزكاة واحد.
(وكذا يستوعب المالك) أو وكيله (إن انحصر المستحقون في البلد ووفَّى بهم المال) لتيسره، وهذا ما نقله الرافعي عن المتولي وأقره (1)، ثم نقل عنه بعد صفحة ما يخالفه (2)، كما سنذكره بعد.
(وإلا) أي: وإن لم ينحصروا، أو انحصروا ولم يوف المال بحاجتهم (. . فيجب إعطاء ثلاثة) فصاعدًا (من كل صنف) لأن الله تعالى أضاف الزكاة إليهم بلفظ الجمع، وأقله ثلاثة.
نعم، يجوز أن يكون العامل واحدًا، فيقتصر عليه، وكذا ابن السبيل على وجه.
(وتجب التسوية بين الأصناف) سواء قسم المالك أو الإمام وإن كانت حاجة بعضهم أشد، لأن الله تعالى جمع بينهم بواو التشريك، فاقتضى أن يكونوا سواء، ويستثنى: العامل، فلا يزاد على أجرة مثله.
(لا بين آحاد المصنف) إن قسم المالك، لأن الحاجات متفاوتة غير منضبطة، فاكتُفي بصدق الاسم.
(إلا أن يقسم الإمام، فيحرم عليه التفضيل مع تساوي الحاجات) لأن عليه التعميم، فكذا التسوية، بخلاف المالك فيهما، كذا نقله الرافعي عن "التتمة" حكمًا
(1) الشرح الكبير (7/ 408).
(2)
الشرح الكبير (7/ 410).
وَالأَظْهَرُ: مَنع نَقْلِ الزَّكَاةِ.
===
وتعليلًا (1)، وهو بإطلاقه مخالف لما سبق عنه قريبًا، وتابعاه عليه من وجوب الاستيعاب على المالك إذا انحصر المستحقون ووفَّى بهم المال، قال في "زيادة الروضة": وهذا التفصيل وإن كان قويًّا فهو خلاف مقتضى إطلاق الجمهور استحباب التسوية (2).
وقضية كلام "شرح المهذب": أن المذهب: ما أطلقه الجمهور (3)، وفي "المطلب" عن ابن داوود الصَّيْدَلاني استحباب التسوية أيضًا، وقال السبكي: تأملت إطلاق الجمهور التسوية فوجدت كلام أكثرهم في المالك دون الإمام، فلا مخالفة للمتولي فيما قاله، وهو المختار. انتهى، وما قاله المتولي قاله أيضًا الماوردي (4) والبَنْدَنيجي وابن الصباغ (5).
(والأظهر: منع نقل الزكاة) عن البلد الذي وجبت عليه فيه منع تحريم؛ لامتداد أطماع مساكين كلِّ بلدة إلى زكاة ما فيها من المال، والنقل يوحشهم، والثاني: الجواز؛ لإطلاق الآية، وقياسًا على الكفارة والنذر والوصية.
وفرق الأول: بأن الأطماع لا تمتد إليها امتدادها إلى الزكاة، وأفتى به ابن الصلاح وابن الفركاح (6) عند وجود مصلحة لأجل قريب ونحوه (7)، وكلامه يفهم أن القولين في
(1) الشرح الكبير (7/ 409).
(2)
روضة الطالبين (2/ 331).
(3)
المجموع (6/ 206).
(4)
الحاوي الكبير (10/ 606).
(5)
قال القفال في "فتاويه": إذا صرف مالًا لفقيه وقال: (أعطه تلامذتك). . فإنه لا يجوز تخصيص البعض بذلك، بل يجب القسمة بينهم على السواء، اللهم؛ إلا أن يكون قد قال له:(أنت أعلم في صرفه إليهم)، فحينئذٍ يجوز التخصيص والتفضيل. انتهى
نعم؛ وهو غريب، ففي "الرافعي": أن الوقف كالوصية. اهـ هامش (أ).
(6)
قال ابن الملقن [3/ 1152]: ينبغي أن يلحق بالكفارة والنذر والوصية في جواز النقل: الأوقافُ الجارية على الفقراء والمساكين إذا لم ينص الواقف على نقل، قال: ولم أره منقولًا. اهـ هامش (أ).
(7)
فتاوى ابن الصلاح (1/ 264).
وَلَوْ عُدِمَ الأَصْنَافُ فِي الْبَلَدِ. . وَجَبَ النَّقْلُ، أَوْ بَعْضُهُمْ وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ. . وَجَبَ، وَإِلَّا. . فيُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ، وَقِيلَ: يُنْقَلُ.
===
التحريم، لكن الأصحّ: أنهما في الإجزاء، ولا خلاف في التحريم، وقيل: هما في التحريم ويجزئ قطعًا، وقيل: فيهما.
والأصحُّ: طرد الخلاف في النقل إلى مسافة القصر ودونها؛ كما اقصاه إطلاقه، وقضية إطلاقه أيضًا: أنه لا فرق بين الإمام وغيره، وقال الرافعي: هذا في المالك، أما إذا فرق الإمام. . فربما اقتضى كلامهم طرد الخلاف فيه، وربما دل على جواز النقل والتفرقة كيف شاء، وهذا أشبه، زاد في "الروضة" قال صاحب "المهذب" والإمام: يجب على الساعي نقل الصدقة إلى الإمام إذا لم يأذن له في تفرقتها، وهذا نقل (1)، ورجح في "شرح المهذب" الجواز، فقال: الأصحُّ الذي تقتضيه الأحاديث: جواز النقل للإمام والساعي (2).
ويستثنى من منع النقل صور: إحداها: إذا كان له بكلِّ بلد عشرون شاة. . فالأصحُّ: جواز إخراج شاة في أحدهما حذرًا من التشقيص، الثانية: أن يحول الحول والمال ببادية؛ فإنه يفرقها على من في أقرب البلاد إليه، الثالثة: إذا فارق المستحقون أو بعضهم بلد المال. . فله النقل اعتبارًا بالأخذ لا البقعة، نقله الإمام، قال: ومنعه بعضهم عند انتقال بعضهم، فإن في المقيمين مَقنَعًا، وهذا فاسد لا أصل له. انتهى.
(ولو عدم الأصناف في البلد. . وجب النقل) إلى أقرب البلاد، فإن نقل إلى أبعد. . فعلى الخلاف في نقل الزكاة، (أو بعضهم) من البلد ووجد في غيره (وجوزنا النقل. . وجب) النقل إلى ذلك المصنف بأقرب بلد، وهذا في غير العامل، أما هو. . فنصيبه يرد على الباقين.
(وإلا) أي: وإن لم يجوز النقل (. . فيرد على الباقين) وجوبًا؛ لأن عدم الشيء في موضعه كالعدم المطلق، فإن نقل. . ضمن، (وقيل: ينقل) حتمًا إلى أقرب بلد؛ لأن استحقاق الأصناف منصوص عليه، فيقدم على رعاية المكان الثابت
(1) روضة الطالبين (2/ 333).
(2)
المجموع (6/ 159).
وَشَرْطُ السَّاعِي كَوْنُهُ: حُرًّا، عَدْلًا، فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ، فَإِنْ عُيِّنَ لَهُ أَخْذ وَدَفْعٌ. . لَمْ يُشْتَرَطِ الْفِقْهُ. وَلْيُعْلِمْ شَهْرًا لِأخْذِهَا.
===
بالاجتهاد، فإن تعداه أو رد على الباقين. . ضمن، وجعل في "الكفاية" محلَّ الخلاف: إذا لم يكف الباقين نصيبهم، وإلا. . فيجب النقل قطعًا (1)، وخص الماوردي الخلاف بغير الغزاة، وجزم فيهم بالنقل إلى موضعهم، لأنهم يكثرون في الثغور ويقلون في غيرها (2).
(وشرط الساعي: كونه حرًا، عدلًا) لأنها ولاية، فكانا من شرطها كغيرها من الولايات، ويشترط: كونه ذكرًا، فلا تكون المرأة عاملة، كما ذكراه في "الشرح" و"الروضة" في الكلام على الفقير (3)، وألا يكون من ذوي القربى ومواليهم والمرتزقة في الأصحِّ إذا أخذ من الزكاة، فإن فوض إلى بعض ذوي القربى، ورزقه من المصالح. . جاز؛ كما قاله الماوردي في "الأحكام السلطانية"(4).
(فقيهًا بأبواب الزكاة) فيما تضمنته ولايته، كما قيده الماوردي؛ ليعلم ما يأخذ وما يترك.
(فإن عُين له أخذٌ ودفع. . لم يشترط الفقه) لأنها سفارة لا ولاية، وقضيته: اعتبار ما عداه من الشروط، لكن نقلا عن الماوردي أنه لا يشترط أيضًا الإسلام والحرية (5)، قال في "الروضة": وفي عدم اشتراط الإسلام نظر (6)، وقال في "شرح المهذب" المختار اشتراطه (7)، وقضيته: موافقته على عدم اشتراط الحرية.
(وليعلم) الساعي أو الإمام (شهرًا لأخذها) ندبًا، وقيل وجوبًا؛ ليتهيأ أرباب
(1) كفاية النبيه (6/ 192).
(2)
الحاوي الكبير (10/ 622).
(3)
الشرح الكبير (7/ 380)، روضة الطالبين (2/ 310).
(4)
الأحكام السلطانية (ص 204).
(5)
الشرح الكبير (7/ 416)، روضة الطالبين (2/ 335).
(6)
روضة الطالبين (2/ 335).
(7)
روضة الطالبين (2/ 335)، المجموع (6/ 152).
وَيُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكْثُرُ شَعْرُهُ، وَيُكْرَهُ فِي الْوَجْهِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: تَحْرِيمُهُ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيُّ، وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" لَعْنُ فَاعِلِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
الأموال لدفعها، والمستحقون لأخذها، والمُحَرَّم أولى؛ لأنه أول العام، هذا فيما يعتبر فيه العام، فإن لم يكن؛ كالزرع والثمار. . فيبعث وقت وجوبها؛ وهو في الزرع عند الاشتداد، وفي الثمار عند بدو الصلاح، قاله الجرجاني وغيره.
(ويسن وَسمُ نَعم الصدقة والفيء) للاتباع؛ كما في "الصحيحين"(1).
والمعنى فيه: التمييز؛ ليردها من وجدها، وليعرفها المتصدق، فلا يتملكها بعد؛ لأنه يكره أن يتصدق بشيء ثم يشتريه؛ كما نص عليه (2)، أو يملكه بالهبة ممن دفعه إليه؛ كما ذكره في "زوائد الروضة"(3)، ولا بأس بتملكه منه بالإرث.
(في موضع لا يكثر شعره) ليظهر، والأولى وَسْمُ الغنم في الأذن، والباقي في الفخذ، ويكون ميسم الغنم ألطف، وفوقه البقر، وفوقه الإبل، (ويكره في الوجه) للنهي عنه.
(قلت: الأصحُّ: تحريمه، وبه جزم البغوي (4)، وفي "صحيح مسلم" لعن فاعله (5)، والله أعلم) قال في "المهمات": وقد نص عليه أيضًا الشافعي في "الأم" فقال: والخبر عندنا يقتضي التحريم (6)، فينبغي رفع الخلاف وحمل الكراهة على التحريم، أو أن قائله لم يبلغه الخبر، قال في "شرح المهذب": وهذا في غير الآدمي، أما الآدمي. . فوسمه حرام إجماعًا.
* * *
(1) صحيح البخاري (1502)، صحيح مسلم (2119) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
الأم (3/ 199).
(3)
روضة الطالبين (2/ 343).
(4)
التهذيب (5/ 211).
(5)
صحيح مسلم (2117) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(6)
المهمات (6/ 426).