الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في رد العارية]
لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ الْعَارِيَةِ مَتَى شَاءَ إِلَّا إِذَا أَعَارَ لِدَفْنٍ .. فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ
===
(فصل: لكلٍّ منهما ردُّ العارية متى شاء) ولو مؤقتةً قبل فراغ المدة في الأصحِّ، لأنها مَبَرَّةٌ من المعير وارتفاقٌ من المستعير، فلا يليق بها الإلزام.
(إلا إذا أعار لدَفْن) ودَفَنَ ( .. فلا يرجع حتى يندرس أثر المدفون) بأن يصير ترابًا؛ محافظة على حرمة الميت، وله الرجوع قبل الحفر وبعده ما لم يُوضَع فيه الميت، فإن وُضِع .. امتنع الرجوع وإن لم يوارَ على الصحيح في "الشرح الصغير".
وقوله: (حتى يندرس أثر المدفون): هو أول جوابَي القاضي الحسين، وآخرهما: أنه لا يجوز له أن يرجع قط، لأن الدفن للتأبيد، قاله في "المطلب".
وأُورد على حصره مسائلُ:
منها: إذا كفّنه أجنبي وقلنا: إن الكفن باقٍ على ملك الأجنبي؛ كما صححه المصنف في (كتاب السرقة) من "زيادة الروضة"(1) .. فهو عارية لازمة، كما قاله في "الوسيط"(2).
ومنها: إذا قال: (أعيروا داري بعد موتي لزيد شهرًا) .. لم يكن للمالك -وهو الوارث- الرجوعُ، كما صرّحا به في (التدبير)(3).
ومنها: لو أعاره سفينة فوضع فيها متاعًا .. لم يكن له الرجوع ما دامت في اللُّجَّة، للضرر، قا له البَنْدَنيجي والروياني (4)، وفي استثنائها نظر.
ومنها: ما لو أعاره دابة أو سلاحًا ونحوَهما للغزو والتقى الجمعان .. فليس له الرجوع حتى ينكشف القتال، قاله الخفّاف في "الخصال".
(1) روضة الطالبين (10/ 131).
(2)
الوسيط (6/ 470).
(3)
الشرح الكبير (13/ 411)، روضة الطالبين (12/ 188).
(4)
بحر المذهب (8/ 10).
وإِذَا أَعَارَ لِلْبنَاءِ أَوِ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً ثُمَّ رَجَعَ؛ إِنْ كَانَ شَرَطَ الْقَلْعَ مَجَّانًا .. لَزِمَهُ، وَإِلَّا؛ فَإِنِ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ .. قَلَعَ،
===
ومنها: إذا نذر المعير ألا يرجع إلا بعد سنة، أو نذر أن يعيره سنة .. امتنع الرجوع قبل السنة، قاله المتولي.
ومنها: لو استعار دارًا لسكنى المعتَدَّة .. فهي لازمة من جهة المستعير فقط.
ومنها: لو أراد الصلاة المفروضة فأعاره ثوبًا ليستر به عورته أو ليفرشه في مكان نجس ففعل وكان الرجوع مؤديًا إلى بطلان صلاته .. قال الإسنوي: فيحتمل: منعه منه، وهو متجه، ويحتمل: الجواز، وتكون فائدته طلبَ الأجرة. انتهى (1).
ونقل الزركشي في "الخادم" عن "البحر": أنه ليس للمعير الاستردادُ ولا للمستعير الردُّ إلا بعد فراغ الصلاة. انتهى.
وفي "شرح المهذب" في آخر (باب ستر العورة): (ولو رجع المعير في أثناء الصلاة .. نزعه وبنى على صلاته، ولا إعادة عليه بلا خلاف، ذكره صاحب "الحاوي" وغيره)(2).
(وإذا أعار للبناء أو) لغرس (الغراس ولم يذكر مدةً ثم رجع) بعد أن بنى وغرس (إن كان شَرَطَ القلع مجّانًا .. لزمه) عملًا بالشرط، ويلزم المستعيرَ أيضًا تسويةُ الحفر إن شرطها، وإلا .. فلا.
ولم يذكر الشافعي في "الأم" و"المختصر" لفظةَ (مجانًا)(3)، وحذفُها أولى؛ لأن الحكم عند حذفها كذلك، وقد حذفاها في نظيره من (الإجارة)(4).
واحترز بقوله: (ولم يذكر مدة) عن العارية المؤقتة، وستأتي بعد.
(وإلا) أي: وإن لم يشرِط عليه القلع (فإن اختار المستعير القلع .. قلع) بلا أرش؛ لأنه ملكُه وقد رضي بنقصانه.
(1) المهمات (6/ 13).
(2)
المجموع (3/ 187 - 188).
(3)
الأم (5/ 29)، مختصر المزني (ص 130).
(4)
الشرح الكبير (6/ 131)، روضة الطالبين (5/ 214).
وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الأَرْضِ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: يَلْزَمُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ .. لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا، بَلْ لِلْمُعِيرِ الخِيَارُ بيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُخرَةٍ، أَوْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ نَقْصِهِ، قِيلَ: أَوْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ
===
(ولا يلزمه تسويةُ الأرض في الأصحِّ) لأنه مأذون فيه، فلم يلزمه ضمان نقصه؛ كاستعمال الثوب المستعار.
(قلت: الأصحُّ: يلزمه، والله أعلم) ليردَّ كما أخذ.
ومحل الخلاف: فيما إذا كانت الحُفَرُ الحاصلةُ في الأرض على قدر الحاجة، فإن كانت زائدةً على حاجة القلع .. لزمه حكم الزائد قطعًا؛ كذا قاله ابن الملقن (1)، وهو ظاهر.
(وإن لم يختر) القلع ( .. لم يَقلع مجّانًا) لأنه محترم، (بل للمعير الخيار بين أن يُبقيَه بأجرة) أي: أجرةِ مثله (أو يقلعَ ويضمنَ أرش نقصه)، وهو قدر التفاوت ما بين قيمته قائمًا ومقلوعًا؛ لأن العارية مَكْرُمة، فلا يليق بها منعُ المعير من ماله، ولا تضييعُ مال المستعير، فجمعنا بذلك بين الحقّين، وخُيّر المعير؛ لأنه المحسن.
ومحل التخيير: إذا كان في القلع تنقيص، وإلا .. تعيّن القلع؛ كما اقتضاه كلام "الشرح" و"الروضة" وجزم به في "المهذب" و"الاستقصاء"(2).
ومحله أيضًا: في الأرض الخالصة للمعير، أما لو كان شيء منها للمستعير .. لم يكن للمعير إلا التبقيةُ بأجرة، حكياه عن المتولي وأقرّاه (3).
(قيل: أو يتملَّكَه بقيمته) حالَ التملك، ووجه مقابله: أن ذلك بيع فلا بدَّ فيه من التراضي.
وما ذكره من التخيير بين التبقية بالأجرة وبين القلع مع غرامة الأرش دون التملك بالقيمة تبعًا لـ "المحرر" .. لا يعرف في غيرهما (4)، إلا ما يوهمه كلام "التنبيه"(5)،
(1) عجالة المحتاج (2/ 875).
(2)
الشرح الكبير (5/ 385)، روضة الطالبين (4/ 437)، المهذب (1/ 479).
(3)
الشرح الكبير (5/ 387)، روضة الطالبين (4/ 439).
(4)
المحرر (ص 209).
(5)
التنبيه (ص 78).
فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ .. لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا إِنْ بَذَلَ الْمُسْتَعِيرُ الأُجْرَةَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَبْذُلْهَا فِي الأَصَحِّ، ثُمَّ قِيلَ: يَبِيعُ الْحَاكِمُ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَيقْسِمُ بَيْنَهُمَا، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا شَيْئًا،
===
ولم يذكراه في باقي كتبهما وجهًا فضلًا عن ترجيحه؛ فإن حاصلَ ما في "الشرحين" و"الروضة": ثلاثةُ أوجه (1): أصحها في هذا الباب: يتخير بين التملك بالقيمة والقلعِ بالأرش، وليس له الإبقاء بأجرة إلا برضا المستعير، وهو المجزوم به في "الكتاب" في (الفلس)، والثاني: يتخير بين الثلاث، وهو ما أجابا به في مواضع (2)، والثالث: له القلع وغرامة أرش النقص، وأما الخصلتان الباقيتان .. فلا يجبر المستعير عليهما.
ولو كان على الأشجار ثمر بدا صلاحه تأخر التخيير بين الخصال إلى الجداد، نقله في "الكفاية" عن القاضي والإمام وأقرّه (3).
(فإن لم يختر) المعير واحدةً من الخصال التي خُيّر فيها ( .. لم يَقلع مجّانًا إن بذل المستعير الأجرة) لأنه غير ظالم.
(وكذا إن لم يبذلها في الأصحِّ) لأن المعير مقصِّرٌ بترك الاختيار راضٍ بإتلاف منافعه، والثاني: يقلع مجّانًا، لأن العارية قد انتهت بالرجوع، فلا بدَّ من الأجرة في مقابلة الانتفاع.
(ثم) حيث لم يختر المعير إحدى الخصلتين المخيَّر بينهما (4)، ولم يقلعه مجّانا (قيل: يبيع الحاكم الأرض وما فيها ويقسِم بينهما) فصلًا للخصومة، وفي كيفية التوزيع الخلافُ السابق في رهن الأم دون ولدها.
(والأصحُّ: أنه يُعرِض عنهما حتى يختارا شيئًا) لأن المستعير لا تقصير منه، فكيف يزال ملكه بغير اختياره؟ ! وأما المعير .. فالتقصيرُ وإن كان منه لكن ضرره عليه
(1) الشرح الكبير (5/ 385)، روضة الطالبين (4/ 438).
(2)
انظر مثلًا "الشرح الكبير"(6/ 327)، و"روضة الطالبين"(5/ 383).
(3)
كفاية النبيه (10/ 374).
(4)
في غير (أ): (إحدى الخصال المخير بينها).
وَلِلْمُعِيرِ دُخُولُهَا وَالانْتِفَاعُ بِهَا، وَلَا يَدْخُلُهَا الْمُسْتَعِيرُ بِغَيرِ إِذْنٍ لِتَفَرُّجٍ، وَيَجُوزُ لِلسَّقْيِ وَالإِصْلَاحِ فِي الأَصَحِّ، وَلِكُلٍّ بَيع مِلْكِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُهُ لِثَالِثٍ. والْعَارِيَةُ الْمُؤَقَّتَةُ كَالْمُطْلَقَةِ،
===
وقادرٌ على إزالته، فبأي سبب نزيل ملكه؟ ! وإنما يتصرف الحاكم عن الغير إذا تعدى الضرر إلى غيره، كطلاق امرأة المولي وبيعِ أموال المديون الممتنع عن الوفاء.
وقوله: (حتى يختارا): كذا هو في نسخة المصنف تبعًا لـ "المحرر" بالتثنية (1)، وفي أكثر نسخ "الشرحين" وفي "الروضة" بخط المصنف:(يختار) بغير ألف (2)، وصُحّح بخطه على موضع سقوط الألف، وهو الأحسن؛ لأن اختيار المعير كافٍ في فصل الخصومة.
ثم ذكر المصنف ما يترتب على الوجه الأصحِّ -وهو الإعراض عنهما إلى الاختيار- فقال:
(وللمعير دخولها والانتفاع بها) في مدة المنازعة، لأنها ملكه، (ولا يدخلها المستعير بغير إذن لتفرج) لأنه لا ضرورة به إليه، فكان كالأجنبي.
(ويجوز للسقي والإصلاح في الأصحِّ) صيانةً لملكه عن الضياع، والثاني: لا؛ لأنه يشغل ملك غيره إلى أن يصل إلى ملكه.
(ولكلٍّ) من المعير والمستعير (بيعُ ملكه) من صاحبه ومن أجنبي؛ كسائر الأملاك، فإن باع المعير لأجنبي .. يخير المشتري كما يتخير البائع، وإن باع المستعير .. كان المعير على خيرته، لكن للمشتري الفسخ إن جَهِل الحال، (وقيل: ليس للمستعير بيعه لثالث) لأن ملكه غيرُ مستقر، فإن للمعير تملّكَه بالقيمة.
وأجاب الأول عنه: بأن هذا لا يمنع البيع، كما في بيع الشقص المشفوع.
(والعارية المؤقتة كالمطلقة) في جميع ما سبق، سواء انتهت المدة أو رجع قبلها، أما بعد المدة .. فلأنه محترم، ولم يشترط نقصه، فلا ينقص مجّانًا، وبيانُ
(1) المحرر (ص 209).
(2)
الشرح الكبير (5/ 387)، روضة الطالبين (4/ 438)، وفي المطبوع من "الروضة":(يختارا) بالتثنية.
وَفِي قَوْلٍ؛ لَهُ الْقَلْعُ فِيهَا مَجَّانًا إِذَا رَجَعَ. وَإِذَا أَعَارَ لِزِرَاعَةٍ وَرَجَعَ قَبْلَ إِدْرَاكِ الزَّرْعِ .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّ عَلَيْهِ الإِبْقَاءَ إِلَى الْحَصَادِ، وَأَنَّ لَهُ الأُجْرَةَ. فَلَوْ عَيَّنَ مُدَّة وَلَمْ يُدْرِكْ فِيهَا لِتَقْصِيرِهِ بتَأْخِيرِ الزِّرَاعَةِ .. قَلَعَ مَجَّانًا. وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إِلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ .. فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ
===
المدة كما يجوز أن يكون للقلع يجوز أن يكون لمنع إحداث البناء والغراسِ بعده، وأما قبله .. فلأن وضع العواري على الجواز، والتأقيتُ وعدٌ، فلا يجب الوفاء به.
(وفي قول: له القلع فيها مجّانًا إذا رجع) بعد المدة؛ ذهابًا إلى أن فائدةَ بيان المدة: القلعُ بعد مضيها، وجوابه: ما ذكرناه من معارضته بمنع الإحداث.
(وإذا أعار لزراعة ورجع قبل إدراك الزرع .. فالصحيح: أن عليه الإبقاءَ إلى الحصاد) لأنه محترم وله أمد ينتظر، بخلاف البناء والغراس، والثاني: للمعير قلعه، ويغرم الأرش، والثالث: يتملكه بالقيمة.
(وأن له الأجرةَ) لأن الإباحة انقطعت بالرجوع، فأشبه ما إذا أعاره دابة إلى بلد ثم رجع في الطريق .. فإن عليه نقلَ متاعه إلى مأمن بأجرة المثل، والثاني: لا أجرة له؛ لأن منفعة الأرض إلى الحصاد كالمستوفاة بالزرع.
ومحلُّ ما ذكره: فيما لا يُحصد قصيلًا؛ كالقمح ونحوه، فإن كان يُحصد قصيلًا .. كُلّف قطعَه.
(فلو عيّن مدة ولم يدرك فيها؛ لتقصيره بتأخير الزراعة .. قَلع مجّانًا) لما أشار إليه من كونه مقصّرًا، وإن لم يقصّر .. فهو كما لو أعاره مطلقًا.
(ولو حمل السيلُ) أو الهواء (بذرًا إلى أرضه فنبت .. فهو لصاحب البَذْر) ولو كان حبة واحدة؛ لأنه عين ماله.
نعم؛ لو ألقى الحبة أو النواة وأعرض عنها .. قال في "زيادة الروضة": فينبغي: القطع بأنها لصاحب الأرض (1).
(والأصحُّ: أنه يجبر على قلعه) لأن المالك لم يأذن فيه، فأشبه ما إذا انتشرت أغصان شجرة للغير إلى هواء داره .. فإن له قطعَها، والثاني: لا يجبر؛ لأنه لم يوجد
(1) روضة الطالبين (4/ 442).
وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَقَالَ لِمَالِكِهَا: (أَعَرْتَنِيهَا) فَقَالَ: (أَجَّرْتُكَهَا)، أَوِ اخْتَلَفَ مَالِكُ الأَرْضِ وزَارِعُهَا كَذَلِكَ. . فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ:(أَعَرْتَنِي) فَقَالَ: (بَلْ غَصَبْتَ مِنِّي)؛ فَإِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ. . فَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ، لَكِنِ الأَصَحُّ: أَنَّ الْعَارِيَةَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ، وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ،
===
منه تعدٍّ، فهو كالمستعير، فينظر في النابت أهو شجر أو زرع؟ ويكون الحكم على ما سبق.
(ولو ركب دابة وقال لمالكها: ) - وهي باقية ومضى زمنٌ لمثله أجرةٌ - ("أعرتَنيها"، فقال: "أجرتُكَها" (1)، أو اختلف مالك الأرض وزارعها كذلك. . فالمصدَّق المالك على المذهب) لأنَّ المنافع تصحُّ المعاوضة عليها؛ كالأعيان، ولو اختلفا في العين بعد هلاكها؛ فقال المالك:(بعتُكَها)، وقال:(بل وهبتَنيها). . صدق المالك، فكذا هنا.
والثاني: يصدق الراكب والزارع؛ لأنَّ المالك وافقهما على إباحة المنفعة لهما، والأصل براءة ذمتهما من الأجرة التي يدعيها، والثالث: يصدق المالك في الأرض دون الدابة؛ لأنَّ الأراضيَ تندر فيها الإعارة، بخلاف الدواب.
(وكذا لو قال: "أعرتني") هذه الدابة أو الأرض، (فقال:"بل غصبتَ مني"). . فالمصدَّق المالك على المذهب؛ لأنَّ الأصل عدمُ إذنه، والثاني: أن القول قول المستعير؛ لأنَّ الظاهر: أن تصرفه بحقٍّ.
والطريق الثاني: القطع بالأول، والطريق الثالث: القطع بالثاني.
(فإن تَلِفت العين. . فقد اتفقا على الضمان) لأنَّ كلًّا من المغصوب والمستعار مضمون.
(لكن الأصحُّ: أن العارية تُضمَن بقيمة يوم التلف لا بأقصى القيم، ولا بيوم القبض) لأنَّ الأصل ردُّ العين، وإنما تجب القيمة بالفوات، وهو إنما يتحقق بالتلف، ولو اعتبرنا الأقصى أو يوم القبض. . لأدى إلى أن يضمن الأجزاء المستحقة بالاستعمال وهي مأذون فيها، والثاني: يضمن بالأقصى؛ كالمغصوب، والثالث:
(1) في المطبوع من "المنهاج"(ص 289): (فقال: "بل أجرتكها").
فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ أَكْثَرَ. . حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ.
===
بقيمة يوم القبض؛ كالقرض.
قال المتولي: ومحلُّ الخلاف: إذا نقصت بتغير السوق، فإن نقصت بالاستعمال ولم تذهب العين ثمَّ تلفت. . لم يضمن الزائد.
وقضية كلام الشيخين: أنَّه لا فرق في ضمانه بالقيمة بين المتقوّم والمثلي (1)، قال الإسنوي: وهو كذلك؛ ففي "الحاوي" و"المهذب" و"البحر": إن ضمنا المتقوّم بالأقصى. . أوجبنا المثل في المثلي، وإن ضمناه بقيمته يوم التلف -وهو الأصحُّ-. . ففي المثلي القيمة أيضًا (2). فما في كتب الشيخين ماشٍ على الصحيح.
(فإن كان ما يدّعيه المالكُ أكثرَ. . حلف للزيادة) لأنَّ غريمه ينكرها.
* * *
(1) الشرح الكبير (5/ 377)، روضة الطالبين (4/ 431).
(2)
المهمات (6/ 10).