الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في أحكام الوقف المعنوية]
الأَظْهَرُ: أَنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ يَنْتَقِلُ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ أَي: يَنْفَكُّ عَنِ اخْتِصَاصِ الآدَمِيِّ، فَلَا يَكُونُ لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.
===
الصفة والاستثناء بالأخيرة، وتبعه على هذا القيد الآمدي في "الإحكام"، وابن الحاجب، وفي "فتاوى القفال" ما يوافقه، لكن قال السبكي: المختار: أنه لا يتقيد بها، بل الضابط: وجود عاطف جامع بالوضع كـ (الواو) و (الفاء) و (ثم)، بخلاف (بل) و (لكن) وغيرهما.
الثاني: ألا يتخلل بين الجملتين كلام طويل، فإن تخلل؛ كـ:(وقفت على أولادي على أن من مات منهم وأعقب. . فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظِّ الأنثيين، وإلا. . فنصيبه لمن في درجته، فإذا انقرضوا. . صرف إلى إخوتي إلا أن يفسق واحد منهم). . فالاستثناء يختص بالإخوة، ولم يذكر الأصحاب حكم الجمل بغير عطف (1).
قال ابن الملقن: (وإطلاق الإمام فخر الدين يشمله، والظاهر: خلافه؛ لأن بترك العطف لا يكون بينهما ارتباط.
نعم؛ ذكر البيانيون أن ترك العطف قد يكون لكمال الارتباط، فإذا كان في مثل ذلك. . فالظاهر: مجيء الخلاف فيه) (2) انتهى.
* * *
(فصل: الأظهر: أن الملك في رقبة الموقوف ينتقل إلى الله تعالى؛ أي: ينفك عن اختصاص الآدمي) كالعتق (فلا يكون للواقف، ولا للموقوف عليه).
(أي): في كلام المصنف تفسيرية؛ أي: هذا معنى الانتقال إلى الله تعالى، وإلا. . فجميع الموجودات له في كلِّ الأوقات، والثاني: أنه يبقى الملك للواقف؛
(1) نهاية المطلب (8/ 364 - 365)، الشرح الكبير (6/ 282)، روضة الطالبين (5/ 341)، الإحكام في أصول الأحكام (2/ 503).
(2)
عجالة المحتاج (2/ 973).
وَمَنَافِعُهُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَسْتَوْفِيهَا بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ بإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ، وَيَمْلِكُ الأُجْرَةَ وَفَوَائِدَهُ؛ كَثَمَرَةٍ وَصوفٍ وَلَبَنٍ، وَكَذَا الْوَلَدُ فِي الأَصَحِّ، وَالثَّانِي: يَكُونُ وَقْفًا.
===
لأنه حبس الأصل وسبل الثمرة، وذلك لا يوجب زوال ملكه، والثالث: ينتقل إلى الموقوف عليه؛ كالصدقة.
والخلاف: فيما يقصد به تملك الريع أما لو جعل البقعة مسجدًا، أو مقبرة. . فينقطع عنها اختصاص الآدميين قطعًا، وهو تحرير محض، قاله الرافعي (1).
(ومنافعه ملك للموقوف عليه) لأن ذلك مقصود الوقف (يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة) كسائر الأملاك، وهذا إذا لم يشرط منع الإجارة كما سبق.
ولو وقف دارًا على أن يسكنها معلم الصبيان بالقرية مثلًا. . فليس له أن يسكنها غيرَه بأجرة ولا غيرها، أفتى به القفال، وأقراه (2).
واستشكل: بأنه لم يزل الناس يتسامحون بإعارة بيت المدرس ونحوه.
وقضية كلام المصنف: أن الموقوف عليه يؤجر، والصحيح: منعه، وإنما يؤجر إذا كان النظر له، أو أذن له الناظر.
(ويملك الأجرة) لأنها من المنافع (وفوائدَه) أي: ويملك فوائد الموقوف (كثمرة وصوف) وشعرٍ ووبر وريش (ولبن) وبيض؛ لأن الوقف أنشئ لذلك، ولا يملك أغصان الشجرة إلا فيما يعتاد قطعه، كشجرة الخِلاف، فأغصانها كثمرة غيرها.
(وكذا الولد في الأصحِّ) كالثمرة (والثاني: يكون وقفًا) تبعًا لأمه؛ كولد الأضحية، وقيل: الخلاف في ولد الفرس والحمار، ويملك ولد النعم قطعًا؛ لأن مطلوبها الدر والنسل.
وقيل: إنه يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف إلا أن يصرح بخلافه، هذا كلُّه فيما إذا أطلق، أو شرط ذلك للموقوف عليه، أما إذا وقف الدابة على ركوب إنسان ولم يشرط له الدَّر والنسل. . فالأوجه في "الشرح" و"الروضة" وفاقًا للبغوي: أنه
(1) الشرح الكبير (6/ 284).
(2)
الشرح الكبير (6/ 286)، روضة الطالبين (5/ 344).
وَلَوْ مَاتَتِ الْبَهِيمَةُ. . اخْتَصَّ بِجِلْدِهَا. وَلَهُ مَهْرُ الْجَارِيَةِ إِذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ إِنْ صَحَّحْنَاهُ، وَهُوَ الأَصَحُّ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ إِذَا أُتْلِفَ، بَلْ يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا لِيَكُونَ وَقْفًا مَكَانَهُ،
===
للواقف، قال الزركشي: لكن المنقول في "البحر" عن الأصحاب: أن حكمه حكمُ منقطع الآخر، فيطرقه الخلاف (1).
(ولو ماتت البهيمة) الموقوفة (. . اختصَّ بجلدها) لأنه أولى من غيره، وهذا إذا لم يدبغه، فإن دبغه. . فوجهان، رجح في "التتمة": أنه يعود وقفًا، وأقراه (2).
(وله مهر الجارية إذا وُطئت بشبهة أو نكاح إن صححناه) أي: نكاحها (وهو الأصحُّ) لأنه من جملة الفوائد؛ كالثمرة.
ووجه صحة النكاح: أنه عقد على المنفعة؛ فلا يمتنع بالوقف؛ كالإجارة، ووجه مقابله: نقص قيمتها ومنفعتها به، وربما ماتت من الطلق فتفوت حقّ البطن الثاني، فعلى الأصحِّ: يزوجها من جعلنا رقبتها له؛ فإن جعلناها للموقوف عليه. . استقل به، أو للواقف. . زوّجها بإذن الموقوف عليه، وإن جعلناها لله تعالى. . زوّجها القاضي بإذن الموقوف عليه.
وخرج بالشبهة والنكاح: ما لو زنى بها مطاوعة. . فإنه لا مهر على الصحيح، وإن أكرهت. . وجب لها المهر، وهو للموقوف عليه.
(والمذهب: أنه) أي: الموقوف عليه (لا يملك قيمةَ العبد الموقوف إذا أُتلف) أو تلف تحت يد ضامنه لرقبته، سواء أتلفه أجنبي أو الواقف أو الموقوف عليه عدوانًا، أما إذا أتلفه الموقوف عليه بلا تعد. . فلا ضمان، (بل يشتري بها عبدًا ليكون وقفًا مكانه)(3) مراعاة لغرض الواقف؛ من استمرار الثواب، وتعلق حقِّ البطن الثاني وما بعده به.
والطريق الثاني: التخريج على أقوال ملك الرقبة؛ فإن قلنا: لله تعالى. . فالحكم
(1) الشرح الكبير (6/ 285)، روضة الطالبين (5/ 343)، التهذيب (4/ 525).
(2)
الشرح الكبير (6/ 286)، روضة الطالبين (5/ 344).
(3)
في (ب): (بل يُشترى بها عبد).
فَإِنْ تَعَذَّرَ .. فَبَعْضُ عَبْدٍ. وَلَوْ جَفَّتِ الشَّجَرَةُ .. لَمْ يَنْقَطِعِ الْوَقْفُ عَلَى المَذْهَبِ، بَلْ
===
على ما سبق، وإن قلنا: للواقف، أو للموقوف عليه .. فالأصحُّ: كذلك، والثاني: يصرف ملكًا إلى من حكمنا له بملك الرقبة، فإنها بدل ملكه، وينتهي الوقف.
وكلامه قد يفهم: أنه يكون وقفًا بمجرد الشراء، والأصحُّ في "الشرح الصغير" و"زيادة الروضة": أنه لا بدَّ من إنشاء وقف (1)، لكن خالف في بدل المرهون، فصحح من "زوائده": أنه رهن في ذمة الجاني (2).
ويمكن أن يفرق: بأن القيمة يصحُّ أن ترهن، ولا يصحُّ أن توقف.
قال في "المطلب": وذكر الماوردي والروياني تفصيلًا في بدل الأضحية يظهر مجيئه هنا، وهو: أنه إن اشترى بعين القيمة أو في الذمة، ونوى أنها أضحية .. لم يحتج إلى إنشاء جعلها أضحية، وإلا .. فلا بدَّ من جعلها أضحية. انتهى.
وما ذكره الماوردي والروياني في بدل الأضحية جزما به في "الشرح" و"الروضة"(3).
ولا يجوز شراء عبد بقيمة الجارية ولا عكسه، وفي شراء صغير بقيمة كبير وعكسه وجهان. أقواهما عند المصنف: المنع (4).
وإذا اشتُري عبد وفضل شيء من القيمة .. فالمختار عند المصنف: أنه يشتري به شقص عبد (5)، وقال البُلْقيني: إنه الراجح.
(فإن تعذر .. فبعضُ عبد) لأنه أقرب إلى مقصوده، كذا قطعوا به، وحكوا في الأضحية خلافًا، والفرق: أن بعض الحيوان لا يكون أضحية، وبعضه يكون وقفًا.
(ولو جفت الشجرة) أو قلعها الريح ( .. لم ينقطع الوقف على المذهب، بل
(1) روضة الطالبين (5/ 354).
(2)
روضة الطالبين (4/ 100).
(3)
الشرح الكبير (12/ 92)، روضة الطالبين (3/ 211).
(4)
روضة الطالبين (5/ 354).
(5)
روضة الطالبين (5/ 353).
يُنْتَفَعُ بِهَا جِذْعًا، وَقِيلَ: تُبَاعُ وَالثَّمَنُ كَقِيمَةِ الْعَبْدِ. وَالأَصَحُّ: جَوَازُ بَيْعِ حُصُرِ الْمَسْجِدِ إِذَا بَلِيَتْ، وَجُذُوعِهِ إِذَا انْكَسَرَتْ وَلَمْ تَصْلُحْ إِلَّا لِلإِحْرَاقِ.
===
ينتفع بها جِذعًا) بإجارة أو بغيرها؛ إدامةً لعين الوقف، قال ابن الرفعة: وإنما ينتفع بإجارتها جذعًا إن لم يكن في استيفاء منفعة استهلاكه، فإن كان .. فالأصحُّ: أنها تكون للموقوف عليه. انتهى، وكلام "الروضة" يدل عليه، وفيه نظر (1).
وزمانة الدابة الموقوفة كجفاف الشجرة، قال في "زيادة الروضة":(هذا إذا كانت مأكولة؛ فإنه يصحُّ بيعها للحمها، فإن كانت غير مأكولة .. لم يجئ الخلاف في بيعها؛ لأنه لا يصحُّ بيعها إلا على الوجه الشاذِّ في صحة بيعها اعتمادًا على جلدها)(2).
(وقيل: تباع) لتعذر الانتفاع؛ كما شرطه الواقف (والثمن كقيمة العبد) المتلف على ما سبق، قال الرافعي:(ويجوز أن يُشترى به وَدِيّ يُغرس موضعها)(3).
(والأصحُّ: جواز بيع حُصُر المسجد إذا بَليت، وجذوعِه إذا انكسرت ولم تصلح إلا للإحراق) لئلا تضيع ويضيق المكان بها من غير فائدة، فتحصيل نزر يسير من ثمنها يعود على الوقف .. أولى من ضياعها، ولا يدخل ذلك تحت بيع الوقف؛ لأنها صارت في حكم المعدومة، وعلى هذا: يصرف ثمنها في مصالح المسجد، قال الرافعي: والقياس: أن يشتري بثمن الحصير حصيرًا لا غيرها (4)، والثاني: لا تباع؛ لأنها عين الوقف، بل تترك بحالها أبدًا؛ كما لو وقف أرضًا فخربت.
وترجيح الجواز تبعا فيه الإمام (5)، والجمهور على المنع، منهم: الشيخ أبو علي السنجي والبغوي، وصاحب "البيان" وغيرهم (6).
ومحل الخلاف: في الحُصُر والجذوع الموقوفة، أما ما اشتراه الناظر أو وهب له
(1) كفاية النبيه (12/ 55)، روضة الطالبين (5/ 356).
(2)
روضة الطالبين (5/ 356 - 357).
(3)
الشرح الكبير (6/ 298).
(4)
الشرح الكبير (6/ 298).
(5)
نهاية المطلب (8/ 395)، الشرح الكبير (6/ 298)، روضة الطالبين (5/ 357).
(6)
التهذيب (4/ 524)، البيان (8/ 99).
وَلَوِ انْهَدَمَ مَسْجِدٌ وَتَعَذَّرَتْ إِعَادَتُهُ .. لَمْ يُبَعْ بِحَالٍ
===
فقبله الناظر .. فإنه يباع عند الحاجة قطعًا؛ كما قاله الرافعي؛ لأنه ملك، قال في "الروضة": هذا إذا اشتراه الناظر ولم يقفه، فإن وقفه .. صار وقفًا قطعًا، وتجري عليه أحكام الوقف (1).
وقول المصنف: (إذا انكسرت): يقتضي أنها إذا أشرفت على الانكسار .. لا تباع، وقضية كلام "الروضة"و "أصلها": الجواز؛ فإنهما لمّا صححا بيع الجذع المنكسر .. قالا: إن الخلاف جار في المشرف على الانكسار (2)، فلو ذكره المصنف .. لأخذ حكم المنكسر من طريق أولى.
وأفهم تقييده بألا تصلح إلا للإحراق: أنه إذا صلحت لأنْ يُنتفع بها في الوقف أدنى انتفاع .. لا تباع قطعًا، وهو كذلك.
(ولو انهدم مسجد وتعذرت إعادتُه .. لم يبع بحال) كالعبد إذا عتق ثم زمن، وليس كجفاف الشجرة؛ لتوقع العمارة، والانتفاعُ في الحال بالصلاة والاعتكاف في عرصته ممكنٌ.
وكذا لو تعطل المسجد بتفرق الناس عن البلد، أو خراب البلد .. فإنه لا يباع أيضًا بل يترك على حاله إن لم يُخَف من المفسدين أن ينقضوه، فإن خيف .. نُقض وحفظ، وإن رأى الحاكم أن يعمر بِنِقْضه مسجدًا .. جاز، وما كان أقرب إليه .. فهو أولى. كذا في "الروضة" و"أصلها"(3).
وعلى هذا: إذا كان للمسجد أوقاف .. قال المتولي: صرفت غَلَّته إلى أقرب المساجد إليه، وقال الإمام: تُحفظ لتوقع عوده، وقال الماوردي والروياني: تصرف للفقراء والمساكين، وفي "فتاوى الحناطي": نقل وجه: أنه يصرف إلى المصالح، ووجه: أنه يرجع إلى أقرب الناس إلى الواقف (4).
(1) الشرح الكبير (6/ 300)، روضة الطالبين (5/ 358).
(2)
الشرح الكبير (6/ 298)، روضة الطالبين (5/ 357).
(3)
روضة الطالبين (5/ 358)، الشرح الكبير (6/ 299).
(4)
الحاوي الكبير (9/ 381).