الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الغَصْب
هُوَ: الاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا، فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ. . فَغَاصِبٌ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ. وَلَوْ دَخَلَ دَارَهُ وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا، أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ وَلَمْ يَدْخُلْ. . فَغَاصِبٌ،
===
(كتاب الغصب)
هو في اللغة: أخذ الشيء ظلمًا مجاهرةً، وفي الشرع: ما سيأتي.
وتحريمه معلوم من الدين بالضرورة.
(هو الاستيلاء على حق الغير عدوانًا) ويرجع في الاستيلاء للعرف.
وتعبير المصنف أحسن من تعبير "المحرر" وغيره: (على مال الغير)(1) فإن الحقَّ يشمل: الكلب، والحقوق، والاختصاصات؛ نبه عليه في "الدقائق"(2).
وخرج بالعدوان: أمور؛ منها: الأمانات الشرعية؛ كاللقطة، والثوب الذي أطارته الريح، والاستيلاء على مال الكفار بالاغتنام.
وزاد القاضي: جهرًا؛ لتخرج السرقة، واستحسنه في "الشرح الصغير"، ولابدَّ من فصلٍ يُخرج المختلس وقاطع الطريق.
(فلو ركب دابة أو جلس على فراش. . فغاصبٌ وإن لم يَنقل) لحصول غاية الاستيلاء، وهو الانتفاع على وجه التعدي، وسواء قصد الاستيلاء أو لم يقصده؛ كما صرح به في "أصل الروضة"(3).
(ولو دخل داره وأزعجه عنها) أي: أخرجه منها (أو أزعجه وقهره على الدار) بالطريق الذي جعلناه قبضًا في بيعها، وهو التسلط على التصرف (ولم يدخل. . فغاصبٌ) أما في الأولى. . فسواء قصد الاستيلاء أم لا؛ لأنَّ وجود الاستيلاء يغني عن قصده، وقيدا في "الشرح" و"الروضة" الدخول بأهله على هيئة من يقصد
(1) المحرر (ص 211).
(2)
دقائق المنهاج (ص 63).
(3)
روضة الطالبين (5/ 8).
وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ وَاهٍ. وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ. . فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ. وَلَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ الاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ الْمَالِكُ فِيهَا. . فَغَاصِبٌ، وَإِنْ كَانَ وَلَمْ يُزْعِجْهُ. . فَغَاصِبٌ لِنِصْفِ الدَّارِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ.
===
السكنى (1)، فخرج بهذا القيد: من يهجم الدار لإخراج صاحبها لظالم ولا يقيم، وعبارة "الكتاب" تبعًا "لأصله" يشمله.
وإذا اجتمع الإزعاج والدخول الخالي عن هيئة السكنى. . قال في "المطلب": الأقرب: أنَّه غصب؛ لأنه قرينة دالة على الاستيلاء.
قال المنكت: وهو يؤيد ما في "المنهاج"(2).
وأما في الثانية. . فلأنها في قبضته عرفًا، ولابدَّ من قصد الاستيلاء؛ كما قاله الماوردي والإمام (3)، وإليه أشار المصنف بقوله:(وقهره على الدار) فإن وجد الإزعاج فقط. . فلا ضمان قطعًا.
(وفي الثانية: وجه واه) أنَّه لا يكون غاصبًا ما لم يدخل؛ لأنَّ أهل العرف لا يطلقون على ذلك اسم الغصب.
(ولو سكن بيتًا ومنع المالكَ منه دون باقي الدار. . فغاصب للبيت فقط) لقصور الاستيلاء عليه.
(ولو دخل بقصد الاستيلاء وليس المالك فيها. . فغاصب) للدار؛ لحصول الاستيلاء في الحال، وسواء كان الداخل قويًّا أو ضعيفًا.
واحترز بـ (قصد الاستيلاء): عما إذا دخل لا على قصده بل ينظر هل تصلح له أو غير ذلك. . فإنَّه لا يكون غاصبًا.
(وإن كان) المالك فيها (ولم يزعجه. . فغاصب لنصف الدار) لاجتماع يدهما واستيلائهما عليها، (إلا أن يكون ضعيفًا لا يُعدُّ مستوليًا على صاحب الدار) فإنَّه لا يكون غاصبًا لشيء منها؛ لانتفاء الاستيلاء والحالة هذه.
(1) الشرح الكبير (5/ 406)، روضة الطالبين (5/ 8).
(2)
السراج (4/ 117).
(3)
الحاوي الكبير (8/ 416)، نهاية المطلب (7/ 169).
وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ. . ضَمِنَهُ. وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ. . ضَمِنَهُ. وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ مَطْرُوحٍ عَلَى الأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ، أَوْ مَنْصُوبٍ فَسَقَطَ بِالْفَتْحِ وَخَرَجَ مَا فِيهِ. . ضَمِنَ، وَإِنْ سَقَطَ بِعَارِضِ رِيحٍ. . لَمْ يَضْمَنْ. وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ. . ضَمِنَ،
===
(وعلى الغاصب الردُّ) لقوله صلى الله عليه وسلم: "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ"(1).
(فإن تلف عنده. . ضمنه) بالإجماع.
نعم؛ لو كان التالف لا قيمة له كالسِّرجين ونحوه، أو كان المتلف مما لا ضمان عليه؛ كالحربي. . فلا ضمان.
(ولو أتلف مالًا في يد مالكه. . ضمنه) بالإجماع.
(ولو فتح رأس زِقٍّ مطروح على الأرض فخرج ما فيه بالفتح، أو منصوبٍ فسقط بالفتح) لتحريك الوِكاء وجذبه (وخرج ما فيه. . ضمن) لأنه في الأولى مباشر للإتلاف، وفي الثانية متسبب؛ إذ التلف ناشئ عن فعله.
(وإن سقط بعارض ريح. . لم يضمن) لأنَّ الخروج ليس بفعله، وعروض الزلزلة ووقوع الطائر عليه كالريح.
نعم؛ لو طلعت الشمس على الجامد فأذابته. . ضمن الفاتح على الأصحِّ.
والفرق بينه وبين الريح: أن طلوع الشمس محقق؛ فلذلك قد يقصده الفاتح، بخلاف الريح.
وقوله: (بعارض ريح) يشعر بأنّه إذا سقط بالريح المقارن. . كان من ضمان الفاتح، وبه صرح الفارقي، وهو متجه.
وحكم حلِّ السفينة كالزِّقِّ.
(ولو فتح قفصًا عن طائر وهيَّجه فطار) في الحال (. . ضمن) بالإجماع.
(1) أخرجه الحاكم (2/ 47)، وأبو داوود (3561)، والترمذي (1266) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.
وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ. . فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ إِنْ طَارَ فِي الْحَالِ. . ضَمِنَ، وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ. . فَلَا. وَالأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ. ثُمَّ إِنْ عَلِمَ. . فَكَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبِ، فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ، وَكَذَا إِنْ جَهِلَ وَكَانَتْ يَدُهُ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ كَالْوَدِيعَةِ. . فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ. وَمَتَى أَتْلَفَ الآخِذُ مِنَ الْغَاصِبِ مُسْتَقِلًّا بِهِ. . فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا
===
(وإن اقتصر على الفتح. . فالأظهر: أنَّه إن طار في الحال. . ضمن) لأنَّ طيرانه في الحال يُشعر بتنفيره.
(وإن وقف ثمَّ طار. . فلا) ضمان؛ لأنَّ وقوفه يُشعر بطيرانه باختياره، والثاني: يضمن مطلقًا؛ لأنه لولا الفتح. . لم يطر، والثالث: لا مطلقًا؛ لأنَّ له اختيارًا.
(والأيدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان وإن جهل صاحبها الغصب) لأنه وضع يده على ملك الغير بغير إذنه، والجهل ليس مسقطًا للضمان، بل للإثم؛ فيطالب المالك عند التلف من شاء منهم.
(ثمَّ إن علم) الثاني الغصب (. . فكغاصب من غاصب، فيستقرُّ عليه ضمان ما تلف عنده) فيطالب بكلِّ ما يطالب به الغاصب، وإن تلف المغصوب في يده. . فقرار الضمان عليه.
نعم؛ لو كانت القيمة في يد الأوّل أكثر. . فالمطالب بالزيادة هو الأوّل خاصةً، وإليه أشار المصنف بقوله:(فيستقر عليه ضمان ما تلف عنده).
(وكذا إن جهل) الثاني الغصب (وكانت يده في أصلها يدَ ضمان؛ كالعارية) والبيع؛ لأنه دخل في العقد على الضمان؛ فلا غرر.
(وإن كانت يد أمانة؛ كالوديعة. . فالقرار على الغاصب) لأنه دخل على أن يده نائبةٌ عن يد الغاصب؛ فكأنها لم تخرج عنه، فإن غرم الغاصب. . لم يرجع على الثاني قطعًا، وإن غرم الثاني. . رجع على الأوّل.
(ومتى أتلف الآخذ من الغاصب مستقلًّا به. . فالقرار عليه مطلقًا) سواء أكانت يده يدَ ضمان أم أمانة؛ لأنَّ الإتلاف أقوى من إثبات اليد العادية.