الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الضَّمان
شَرْطُ الضَّامِنِ: الرُّشْدُ، وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ كَشِرَائِهِ. وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ في الأَصحِّ،
===
(باب الضمان)
هو عبارة عن الالتزام إما لما ثبت في ذمة الغير من المال، وإما لإحضار من عليه حقٌّ لآدمي، ويطلق أيضًا: على العقد الذي يحصل به الالتزام.
والأصل فيه: قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:"الزَّعِيُم غَارِمٌ" صححه ابن حبان (1)، وانعقد الإجماع عليه في الجملة.
(شرط الضامن: الرشد) لأنه تصرف في المال؛ فلا يصحُّ ضمان صبي ومجنون وسفيه؛ لعدم رشدهم.
ويرد على طرده: المكره والمكاتب بغير إذن سيده .. فلا يصحُّ ضمانهما مع كونهما رشيدين؛ لأن الرشد صلاح الدين والمال، فكان ينبغي أن يزيد الاختيار وأهلية التبرع.
ويرد على عكسه: السكران المتعدي بسكره، ومن سفه بعد رشده ولم يحجر عليه .. فإنه يصحُّ ضمانهما، وليسا برشيدين.
(وضمان محجور عليه بفَلَس كشرائه) بثمن في الذمة، والأصح: صحته، كما سبق، ويطالب به إذا انفك الحجر وأيسر.
(وضمان عبد بغير إذن سيّده باطلٌ في الأصحِّ) ولو كان مأذونًا؛ كنكاحه، والتاني: يصحُّ، ويتبع به إذا عتق وأيسر؛ إذ لا ضرر على سيده؛ كما لو أقر بإتلاف مال وكذّبه السيد.
وقوله: (عبد): قد يخرج المبعض إذا كان بينه وبين السيد مهايأة؛ فإن ضمانه
(1) صحيح ابن حبان (5094)، وأخرجه أبو داوود (3565)، والترمذي (1265)، وأحمد (5/ 267) عن أبي أمامة رضي الله عنه.
وَيَصحُّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ لِلأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ .. قُضِيَ مِنْهُ، وَإِلَّا .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ .. تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الإِذْنِ، وَإِلَّا .. فَبِمَا يَكْسِبُهُ. وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ،
===
صحيح قطعًا إذا وقع في نوبته.
(ويصحُّ بإذنه) كالنكاح، وهل يشترط معرفة السيد لقدر الدين؟ قال الإسنوي: المتجه: أنا إن علقناه بشيء مما للسيد .. اشترط، وإن علقناه بالذمة .. فلا.
(فإن عين للأداء كسبَه أو غيره .. قُضي منه) لتصريحه بذلك.
(وإلا) أي: وإن اقتصر على الإذن في الضمان ولم يعين له طريقًا ( .. فالأصحُّ: أنه إن كان مأذونًا له في التجارة .. تعلّق بما في يده) ربحًا ورأس مال، (وما يكسبه بعد الإذن) كما في نكاحه، والثاني: لا يتعلق برأس المال، بل بالربح الحاصل والمستقبل، والثالث: بالمستقبل خاصة، والرابع: يتعلق بذمته فقط؛ لأنه إنما أذن له في الالتزام دون الأداء.
وحيث قلنا: يؤدي ما في يده .. فمحله: ما إذا لم يكن على المأذون دين، فإن كان .. فالأصحُّ في "زيادة الروضة": أنه لا يؤدي إلا ما يفضل عن حقوقهم؛ رعايةً للجانبين (1)، هذا إذا لم يحجر عليه، فإن حجر عليه بطلب الغرماء .. لم يتعلق الضمان بما في يده قطعًا.
(وإلا) أي: وإن كان غيرَ مأذون له في التجارة ( .. فبما يكسبه) بعد الإذن؛ كالمهر، وقيل: يتعلق بذمته، وقيل: برقبته، وفي قول قديم: يتعلق بذمة السيد؛ كما قيل به أيضًا في النكاح.
(والأصحُّ: اشتراط معرفة المضمون له) لتفاوت الناس في الاستيفاء، والغرض يختلف به، فأشبه معرفة قدر الدين، قال في "المطلب": والمراد: معرفته بالعين لا النسب؛ كما دل عليه كلام الماوردي. انتهى، وصرح به ابن كَجٍّ، وصاحب "المعين"، وعبارته: المراد: معرفة العين لا معرفة المعاملة، والثاني:
(1) روضة الطالبين (4/ 243).
وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَرِضَاهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَطْعًا، وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ: كَوْنُهُ ثَابِتًا وَصَحَّحَ الْقَدِيمُ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ. وَالْمَذْهَبُ: صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ.
===
لا يشترط؛ لظاهر الآية، وحديثِ أبي قتادة المشهور في "صحيح البخاري"(1)، فإنه ضمن لمن لا يعرف، أو لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأله هل يعرفه أم لا؟ فكان على عمومه.
(وأنه لا يشترط قبوله ورضاه) لعدم التعرض لذلك في حديث أبي قتادة المذكور، والثاني: يشترط القبول في الحال؛ كالرهن، والثالث: يشترط رضاه دون قبوله لفظًا.
وكان الأحسن أن يقول: (ولا رضاه) كما في "المحرر"(2)؛ فإن المقصود نفي كلٍّ منهما، ومع حذفها لا يستفيد إلا نفي الهيئة الاجتماعية، وحينئذ: فيصدق الكلام بالوجه الثالث.
(ولا يشترط رضا المضمون عنه قطعًا) لضمان أبى قتادة دين الميت، ودعوى القطع تبعا فيها الإمامَ (3)، وفيه وجه في "تعليق" القاضي الحسين، وبه قال الجُوري، ذكره في "المطلب".
(ولا معرفته في الأصحِّ) إذ ليس ثم معاملة، ولهذا لا يشترط رضاه، والثاني: نعم؛ ليعرف حاله، وأنه هل يستحق اصطناع المعروف إليه أم لا.
(ويشترط في المضمون: كونه ثابتًا) حال العقد؛ فلا يصحُّ ضمان ما لم يجب وإن جرى سبب وجوبه؛ كنفقة الزوجة في الغد؛ لأن الضمان وثيقة بالحقِّ، فلا يسبقه؛ كالشهادة.
(وصحح القديم ضمانَ ما سيجب) وإن لم يجر سبب وجوبه، كضمان ما يبيعه لفلان أو يقرضه؛ لأن الحاجة قد تمس إليه.
(والمذهب: صحة ضمان الدّرَك) لأن الحاجة تدعو إلى معاملة الغريب، ويخاف
(1) صحيح البخاري (2291).
(2)
المحرر (ص 189).
(3)
الشرح الكبير (5/ 144)، روضة الطالبين (4/ 240).
بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ، وَهُوَ: أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إِنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ.
===
أن يخرج ما يبيعه مستحقًّا ولا يظفر به، فاحتيج إلى التوثق، وقيل: لا يصحُّ؛ لأنه ضمان ما لم يجب، وضمان مجهول؛ فإنه قد يخرج البعض مستحقًّا، والطريق الثاني: القطع بالأول.
و(الدرك): بفتح الراء وسكونها هو: التبعة؛ أي: المطالبة والمؤاخذة، ويُسمَّى أيضًا:(ضمان العهدة).
(بعد قبض الثمن) لأنه إنما يضمن ما دخل في ضمان البائع، ولا يدخل الثمن في ضمانه إلا بقبضه، وقيل: يصحُّ قبله.
وادعى الإمام والغزالي: أنه المذهب، وصححه ابن أبي عصرون، وعزاه في "الذخائر" للأكثرين (1).
(وهو) أي: ضمان الدرك (أن يضمن للمشتري الثمنَ إن خرج المبيع مستحَقًّا أو معيبًا) وردَّه المشتري، (أو ناقصًا لنقص الصَّنجة) قال الرافعي: صورة هذه المسألة: أن يبيع شيئًا بشرط أن وزنه كذا، فإذا خرج دونه .. بطل البيع على قول، ويثبت للمشتري الخيار في قول آخر. انتهى (2)، وألجأه إلى ذلك كون المسألة في ضمان الثمن عند نقص المبيع.
واعترض عليه: بأنه لا يطابق قوله: (نقص لنقص الصنجة)، وإنما: نقص عنها.
وصور ابن الملقن ذلك في كلام المصنف؛ بأن جاء المشتري بصنجة وزن بها، فاتهمه البائع فيها، فيضمن ضامنٌ نقصَها إن نقصت (3)، وهذا لا يطابق قول المصنف:(أن يضمن للمشتري الثمن) لأنه في هذا التصوير إنما يكون ضامنًا لما نقص من الثمن للبائع.
(1) نهاية المطلب (7/ 11).
(2)
الشرح الكبير (5/ 152).
(3)
عجالة المحتاج (2/ 818).
وَكَوْنُهُ لَازِمًا، لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الأَصَحِّ، وَضَمَانُ الْجُعْلِ كَالرَّهْنِ بِهِ.
===
وأورد على المصنف: ضمان الدرك للبائع .. فإنه يصحُّ، وهو: أن يضمن له المبيع إن خرج الثمن المعين مستحقًّا أو معيبًا أو ناقصًا لنقص الصنجة، وشرطه: أن يكون المبيع مقبوضًا.
(وكونه لازمًا، لا كنجوم كتابة)(1) لأن المكاتب قادر على إسقاطها بالفسخ، فلم يحصل المقصود من الضمان وهو التوثق.
والمراد باللازم: ما وضعه على اللزوم وإن كان الآن جائزًا؛ كما سيأتي في ضمان الثمن في مدة الخيار، وسواء كان مستقرًا، كعوض الخلع أو غير مستقر؛ كثمن المبيع قبل قبضه.
(ويصحُّ ضمان الثمن في مدة الخيار في الأصحِّ) لأنه آيل إلى اللزوم بنفسه، فألحق به، والثاني: لا؛ لعدم لزومه في الحال.
ومحل الخلاف: إذا كان الخيار للمشتري، أو لهما، أما إذا كان للبائع وحده .. فيصحُّ قطعًا؛ لأن الدين لازم في حقِّ من عليه، كذا نقلاه عن المتولي وأقراه، وجزم به في "الشرح الصغير"، واستشكله في "المهمات" تبعًا للسبكي بأنه إذا كان الخيار للبائع .. فالملك في المبيع له بلا خلاف، أو على الصحيح .. فلا ثمن حينئذ على المشتري فضلًا عن كونه لازمًا، فكيف يصحُّ ضمانه بلا خلاف مع حكاية الخلاف في عكسه. انتهى (2).
وأشار الإمام إلى أن تصحيح الضمان مفرع على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع، وإلا .. فهو ضمان ما لم يجب، كذا نقلاه عنه وأقراه (3)، ولعل ما قاله المتولي مفرع على ذلك.
(وضمان الجُعل كالرهن به) لأن كلًّا منهما للتوثق، وقد مرّ أنه يصحُّ الرهن به بعد الفراغ لا قبله.
(1) في (أ): (وكونه لازمًا كنجوم كتابة).
(2)
الشرح الكبير (5/ 156)، روضة الطالبين (4/ 250)، المهمات (5/ 494).
(3)
الشرح الكبير (5/ 156)، روضة الطالبين (4/ 250).
وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا فِي الْجَدِيدِ، وَالإِبْرَاءُ مِنَ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ إِلَّا مِنْ إِبلِ الدِّيَةِ، وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ:(ضَمِنْتُ مِمَّا لَكَ عَلَى زَيْدٍ مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَةٍ) .. فَالأَصَحُّ: صِحَّتُهُ، وَأَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِعَشَرَةٍ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: لِتِسْعَةٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
والفرق بين الجعل والثمن في مدة الخيار: أنه لا يصير إلى اللزوم إلا بالعمل، بخلاف الثمن.
(وكونه معلومًا) جنسًا وقدرًا وصفةً (في الجديد) لأنه إثباتُ مال في الذمة لآدمي بعقد، فلم يصحَّ مع الجهالة؛ كالثمن، والقديم: صحته؛ لأن معرفته متيسرة.
ومحل الخلاف: في مجهول تُمكن الإحاطةُ به؛ مثل: أنا ضامن لثمن ما بعت من زيد؛ كما مثّل به في "المحرر"(1)، فإن قال: لشيء منه .. بطل جزمًا.
وبقي للضمان شرط رابع ذكره الغزالي، وهو: كونه قابلًا لأن يتبرع الإنسان به على غيره، فيخرج القصاص، وحدّ القذف، والأخذ بالشفعة.
(والإبراء من المجهول) جنسًا أو صفة أو قدرًا (باطل في الجديد) لأن البراءة متوقفة على الرضا، ولا يعقل مع الجهالة، والقديم: أنه صحيح؛ لأنه إسقاط محض؛ كالإعتاق.
(إلا من إبل الدية) فإنه يصحُّ الإبراء منها على القولين وإن كانت مجهولةَ الصفة؛ لأنا أثبتناها في ذمة الجاني مع اعتقاد هذه الجهالة (2)، فكذا هنا.
(ويصحُّ ضمانها في الأصحِّ) كالإبراء، والثاني: لا؛ لجهالة وصفها، والإبراء مطلوب فوسعنا فيه، بخلاف الضمان.
(ولو قال: "ضمنت ممّا لك على زيد من درهم إلى عشرة" .. فالأصحُّ: صحته) لانتفاء الغرر بذكر الغاية، والثاني: المنع؛ لجهالة المقدار؛ لتردده بين الغايتين.
(وأنه يكون ضامنًا لعشرة) إن كانت عليه، أو كان عليه أكثر منها، إدخالًا للغايتين في الالتزام، (قلت: الأصحُّ: لتسعة، والله أعلم) إدخالًا للطرف الأول؛ لأنه مبتدأ
(1) المحرر (ص 190).
(2)
في (ب) و (د): (مع اعتبار هذه الجهالة).