الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصَلٌ [في أحكام الوكالة بعد صحتها]
الْوَكِيلُ بِالْبَيْع مُطْلَقًا لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَلَا بِنَسِيئَةٍ، وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ - وَهُوَ: مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا - فَلَوْ بَاعَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الأَنْوَاعِ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ .. ضَمِنَ، فَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَبِيعَ مُؤَجَّلًا وَقَدَّرَ الأَجَلَ .. فَذَاكَ،
===
(فصل: الوكيل بالبيع مطلقًا ليس له البيع بغير نقد البلد) لدلالة القرينة العرفية عليه، فلو كان في البلد نقدان .. باع بالأغلب، فإن استويا .. فبالأنفع، فإن استويا .. تخير.
(ولا بنسيئة) وإن كان قدر ثمن المثل؛ لأن الإطلاق في البيع يقتضي الحلول، فكذلك في التوكيل في البيع.
(ولا بغَبْن فاحش، وهو: ما لا يحتمل غالبًا) كالوصي، أما اليسير؛ كدرهم في عشرة .. فيغتفر، بخلاف درهمين، كذا قالاه (1)، وقال ابن أبي الدم: العشرة إن سومح بها في المئة .. فلا يتسامح بالمئة في الألف، فالصواب: الرجوع للعادة، وذكر الروياني: أن اليسير يختلف باختلاف أجناس الأموال، فربع العشر كثير في النقد والطعام، ونصفه ليس كثيرًا في الجواهر والرقيق ونحوهما (2).
واحترز بقوله: (مطلقًا) عما إذا نصّ على البيع بشيء من ذلك .. فإنه يجوز.
وقوله: (ليس له) صريح في المنع، فلو فعل .. فالمذهب: بطلان تصرفه، وفي قول: إنه موقوف على إجازة الموكل.
(فلو باع على أحد هذه الأنواع وسلَّم المبيع .. ضمن) لتعديه، ولو باع بثمن المثل، ثم وجد راغب بزيادة في زمن الخيار .. انفسخ العقد في الأصح إن لم يفسخه.
(فإن وكله ليبيع مؤجلًا وقدَّر الأجلَ .. فذاك) أي: فيجوز أن يبيعه إلى ذلك الأجل من غير زيادة عليه، ولا ينقص أيضًا إن نقص من الثمن شيئًا، أو كان خوفٌ،
(1) الشرح الكبير (5/ 224)، وروضة الطالبين (4/ 304).
(2)
بحر المذهب (7/ 183).
وَإِنْ أَطْلَقَ .. صَحَّ فِي الأَصَحِّ، وَحُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي مِثْلِهِ. وَلَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَبِيعُ لِأبِيهِ وَابْنِهِ الْبَالِغِ،
===
أو للحفظ مؤنة ونحوهما من الأغراض، وإلا .. جاز في الأصحِّ إن لم يعين المشتري، فإن عينه .. قال الإسنوي: فيظهر المنع؛ لظهور قصد المحاباة؛ كزيادة الثمن (1).
(وإن أطلق .. صحَّ في الأصحَّ، وحُمل على المتعارف في مثله) حملًا للمطلق على المعهود؛ كما تقدم في النقود، فإن لم يكن .. راعى الأنفع للموكل، والثاني: لا يصحُّ؛ لاختلاف الغرض بتفاوت الآجال طولًا وقصرًا.
وقيل: يصحُّ، وله التأجيل إلى ما شاء؛ لإطلاق اللفظ، وقيل: لا يزيد على سنة؛ كتقدير الديون المؤجلة بها شرعًا؛ كالجزية.
(ولا يبيع لنفسه وولده الصغير) لتضاد الغرضين؛ لأنه حريص بطبعه على الاسترخاص لهما، وغرض الموكل الاجتهاد في الزيادة.
نعم؛ لو أذن له في البيع من نفسه، وقَدَّر الثمن، ونهاه عن الزيادة .. فينبغي الجواز؛ كما قاله ابن الرفعة، والشراء في ذلك كالبيع.
(والأصحُّ: أنه يبيع لأبيه وابنه البالغ)، وكذا سائر أصوله وفروعه؛ لأنه باع بالثمن الذي لو باع به من أجنبي .. صحَّ، والثاني: لا؛ لأنه متهم بالمَيْل إليهم.
وتعبيره بـ (البالغ) يَرِد عليه المجنون والسفيه فإنهما كالصغير، ولهذا عبرا في "الشرح" و"الروضة" بقولهما، والوجهان في الأصول والفرع المستقلين (2).
ثم محلُّ الخلاف: إذا لم يأذن له في البيع منهم، فإن أذن .. جاز قطعًا.
ومحلُّه أيضًا: إذا لم يعين الثمن، فإن عينه .. جاز قطعًا؛ كما نقله في "المهمات" عن "فتاوى القفال"، وأقره، لكن حكى ابن الملقن عن القاضي الحسين فيه وجهين مرتبين وأولى بالصحة؛ لانتفاء التهمة (3).
(1) المهمات (5/ 543).
(2)
الشرح الكبير (5/ 226)، وروضة الطالبين (4/ 305).
(3)
المهمات (5/ 533)، عجالة المحتاج (2/ 838).
وَأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ، وَلَا يُسَلِّمُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، فَإِنْ خَالَفَ .. ضَمِنَ. وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءٍ .. لَا يَشْتَرِي مَعِيبًا، فَإِنِ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ يُسَاوِي مَعَ الْعَيْبِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ .. وَقَعَ عَنِ الْمُوَكِّلِ إِنْ جَهِلَ الْعَيْبَ، وَإِنْ عَلِمَهُ .. فَلَا فِي الأَصَحِّ،
===
(وأن الوكيل بالبيع له قبض الثمن وتسليمُ المبيع) إذا كان مسلمًا إليه؛ لأنه من توابع البيع ومقتضياته، والثاني: لا؛ لعدم الإذن فيهما، وقد يرضاه للبيع دون القبض.
ومحل الخلاف: إذا لم يكن القبض شرطًا، فإن كان؛ كالصرف ونحوه .. فله القبض والإقباض قطعًا.
ومحله أيضًا؛ كما قاله صاحب "المعين": إذا عين له الموكل المشتري، أو لم يعينه ولكن الموكل حاضرٌ، وإلا .. فيقبض الثمن قطعًا؛ لئلا يضيع.
ولو باع بثمن مؤجل فحلَّ .. لم يملك قبض الثمن قطعًا، وكذا لو نهاه عن قبض الثمن.
(ولا يسلمه حتى يقبض الثمنَ) الحالَّ؛ لما في التسليم قبله من الخطر، (فإن خالف .. ضمن) لتعديه.
(وإذا وكَّله في شراء .. لا يشتري معيبًا) أي: لا ينبغي له ذلك، لأن الإطلاق يقتضي السلامةَ، (فإن اشتراه في الذمة وهو يساوي مع العيب ما اشتراه به .. وقع عن الموكِّل إن جهل العيبَ) لأنه يمكن استدراكه بالردِّ، فلا ضرورة فيه، ولا ينسب الوكيل إلى مخالفة؛ لجهله.
وقوله: (في الذمة) يوهم أنه إذا اشترى بعين مال الموكل .. لا يقع له وليس كذلك، بل يقع له أيضًا إذا قلنا: يقع له بالشراء في الذمة، لكن ليس للوكيل الردُّ في الأصحِّ؛ لأنه لا يمكن انقلاب العقد له، فلا يتضرر، بخلاف الشراء في الذمة، ففائدة التقييد بالذمة: إخراج المذكور آخرًا، وهو ردُّ الوكيل، فلو قيد الأخير فقط، فقال:(للموكل الردُّ، وكذا للوكيل إن اشترى في الذمة) .. لكان أحسن.
(وإن علمه .. فلا في الأصحِّ) سواء ساوى ما اشتراه به أم زاد؛ لأن الإطلاق
وَإِنْ لَمْ يُسَاوِهِ .. لَمْ يَقَعْ عَنْهُ إِنْ عَلِمَهُ، وَإِنْ جَهِلَهُ .. وَقَعَ فِي الأَصَحِّ، وَإِذَا وقَعَ لِلْمُوَكِّلِ .. فَلِكُلٍّ مِنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ الرَّدُّ. وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ أَنْ يُوَكِّلَ بلَا إِذْنٍ إِنْ تَأَتَّى مِنْهُ مَا وُكِّلَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ لِكَوْنِهِ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ .. فَلَهُ التَّوْكِيلُ، وَلَوْ كَثُرَ وَعَجَزَ عَنِ الإِتْيَانِ بِكُلِّهِ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُمْكِنِ.
===
يقتضي سليمًا، والثاني: يقع له؛ لأن الصيغة مطلقة، ولا نقص في المالية، والثالث: إن كان يشتريه للتجارة .. وقع له، أو للقنية .. فلا، واستحسنه الإمام.
(وإن لم يساوه) أي: لم يساو ما اشتراه به ( .. لم يقع عنه) أي: الموكل (إن عَلِمه) للمخالفة المورِّطة في الغرامة.
(وإن جهله .. وقع في الأصحِّ) كما لو اشتراه لنفسه جاهلًا، والثاني: لا؛ لأن الغبن يمنع الوقوعَ عنه مع السلامة، فعند العيب أولى.
(وإذا وقع للموكِّل .. فلكلٍّ من الوكيل والموكِّل الردُّ) أما الموكل .. فلأنه المالك، والضرر به لاحق، وأما الوكيل .. فلأنا لو لم نجوز له ذلك .. لكان المالك ربما لا يرضى به، وحينئذ فيتعذر الردُّ؛ لكونه على الفور، ويقع العقد للوكيل فيتضرر، ولو رضي به الوكيل .. لم يتمكن بعد ذلك من الردِّ، لكن للموكل الردُّ إن ثبتت الوكالة، أو صدّق البائع عليها، وإلا .. فالأصحُّ في "زيادة الروضة": أنه يردُّه على الوكيل (1).
(وليس لوكيل أن يوكل بلا إذن إن تأتى منه ما وُكِّل فيه) لأن الموكل لم يرض بتصرف غيره.
نعم؛ قال الجُوري: لو وكله في قبض دين فقبضه، وأرسله مع بعض عياله إلى الموكل .. لم يضمن، أو مع غيره .. ضمن.
(وإن لم يتأت لكونه لا يحسنه، أو لا يليق به) مع كونه يحسنه ( .. فله التوكيل) لأن التفويض لمن هذا حالُه لا يُقصد منه غيرُ الاستنابة.
(ولو كثر وعجز عن الإتيان بكلِّه .. فالمذهب: أنه يوكِّل فيما زاد على الممكن) دون غيره؛ لأن الضرورة دعت إليه دون غيره، وقيل: لا يوكل في شيء؛ لعدم
(1) روضة الطالبين (4/ 310).
وَلَوْ أَذِنَ فِي التَّوْكِيلِ وَقَالَ: (وَكِّلْ عَنْ نَفْسِكَ)، فَفَعَلَ .. فَالثَّانِي وَكِيلُ الْوَكِيلِ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَانْعِزَالِهِ، وَإِنْ قَالَ:(عَنِّي) .. فَالثَّانِي وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَا يَعْزِلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ، وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلَ .. يُشْتَرَطُ أَنْ يُوَكِّلَ أَمِينًا
===
الإذن، وقيل: يوكل في الجميع؛ لأنه مَلك التوكيل في البعض فيوكل في الكلِّ؛ كما لو أذن صريحًا، وحيث وكل في هذه الأقسام فإنما يوكل عن موكله، فلو وكل عن نفسه .. فالأصحُّ في "زيادة الروضة": المنع (1).
(ولو أذن في التوكيل وقال: "وكِّل عن نفسك"، ففعل .. فالثاني وكيل الوكيل) لتصريح الموكل في إذنه بذلك، وقيل: إنه وكيل الموكل.
وعلى الأول: للموكل عزله في الأصحِّ؛ لأنه فرع فرعه.
(والأصحُّ: أنه ينعزل بعزله) أي: بعزل الأول له (وانعزالِه) بموته وجنونه؛ لأنه نائبه، وهذا بناء على أن الثاني وكيل الوكيل، ومقابله: وجه مبني على أنه وكيل الموكل.
(وإن قال: ) وكِّل ("عني" .. فالثاني وكيل الموكِّل) لأن الموكل أذن بهذا الشرط، (وكذا لو أطلق) بأن قال:(وكِّل)، ولم يقل:(عني)، ولا (عنك)(في الأصحِّ) لأن توكيله الثاني تصرفٌ تعاطاه بإذن الموكل، فوجب أن يقع عنه، والثاني: أنه وكيل الوكيل؛ لأن المقصود من الإذن تسهيلُ الأمر عليه.
وهذا هو الأصحُّ في نظيره في القضاء، إذا قال له الإمام:(استخلف)، وأطلق.
وفُرِّق: بأن الوكيل ناظر في حقِّ الموكل، فحمل الإطلاق على إرادته، وفي القضاء الغرض: معاونته، وهو راجع للمستنيب.
(قلت: وفي هاتين الصورتين لا يَعزل أحدُهما الآخر، ولا ينعزل بانعزاله) لأنه ليس وكيلًا عنه.
(وحيث جوزنا للوكيل التوكيلَ .. يشترط أن يوكل أمينًا) رعايةً لمصلحة الموكل، فلو وكل خائنًا .. لم يصحَّ؛ لأنه خلاف المصلحة.
(1) روضة الطالبين (4/ 314).