الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ إحياء المَوات
الأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُعَمَّرْ قَطُّ إِنْ كَانَتْ بِبِلَادِ الإِسْلَامِ. . فَلِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهَا بِالإِحْيَاءِ،
===
(كتاب إحياء الموات)
قال الرافعي في "الشرح الصغير": الموات: الأرض التي لا ماء لها، ولا ينتفع بها أحدٌ.
وقال الماوردي والروياني: حدُّ الموات عند الشافعي: ما لم يكن عامرًا ولا حريمًا لعامر، قرب من العامر أو بعد (1).
وفي "البويطي": الموات: كلُّ أرض ليس لها قيمة.
قال الأزهري: فكل شيء من متاع الأرض لا روح له فيه، يقال له: مَوَتان، وما فيه روح: حَيَوان (2).
والأصل في الباب: قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتةً. . فَهِيَ لَهُ" رواه أبو داوود، وصححه الترمذي وغيره (3).
والملك به مستحب عندنا؛ لحديث: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً. . فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلَهُ الْعَوَافِي مِنْهَا. . فَهُوَ صَدَقَةٌ" رواه النسائي (4).
والعوافي: طلاب الرزق.
(الأرض التي لم تُعمَّر قط إن كانت ببلاد الإسلام. . فللمسلم تملكها بالإحياء) وإن لم يأذن الإمام، ويكفي إذن النبي صلى الله عليه وسلم فيه؛ كما وردت به الأحاديث المشهورة.
نعم؛ يستحب استئذانه خروجًا من الخلاف، وهذا فيما لم يتعلق به حقٌّ، فلو حمى الإمام قطعة من الموات فجاء شخص فأحياها. . لم يملكها إلا بإذن الإمام في
(1) الحاوي الكبير (9/ 325)، بحر المذهب (7/ 280).
(2)
تهذيب اللغة (14/ 343).
(3)
سنن أبي داوود (3073)، سنن الترمذي (1378) عن سعيد بن زيد رضي الله عنه.
(4)
سنن النسائي (5724)، وأخرجه ابن حبان (5205) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
وَلَيْسَ هُوَ لِذِمَيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ بِبلَادِ كُفَّارٍ. . فَلَهُمْ إِحْيَاؤُهَا، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ إِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَذُبُّونَ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا. وَمًا كَانَ مَعْمُورًا. . فَلِمَالِكِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ وَالْعِمَارَةُ إِسْلَامِيَّةٌ. . فَمَالٌ ضائِعٌ، وَإِنْ كَانَتْ جَاهِلِيَّةً. . فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالإِحْيَاءِ. وَلَا يُمْلَكُ بِالإِحْيَاءِ حَرِيمُ مَعْمُورٍ، وَهُوَ مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِتَمَامِ الانْتِفَاعِ
===
الأصحِّ؛ لما فيه من الاعتراض على الأئمة.
قال الجُوري: وموات الأرض صار ملكًا للشارع ثم ردَّه على أمَّته.
ولا يشترط في نفي العمارة التحقق، بل يكفي عدم تحقق العمارة بألا يرى أثرها، ولا دليل عليها من أصول شجر وجُدُر ونهر، قاله الإمام (1).
(وليس هو لذمي) وإن أذن الإمام؛ لأنه نوع تملك ينافيه كفرُ الحربي، فنافاه كفرُ الذمي؛ كالإرث من المسلم.
(وإن كانت ببلاد كفار. . فلهم إحياؤها) لأنه من حقوق دارهم، ولا ضرر على المسلم فيه، فملكوه بالإحياء؛ كالصيد.
(وكذا لمسلم إن كانت مما لا يَذُبون المسلمين عنها) أي: يدفعونهم عنها؛ كموات دارنا، فإن كانوا يذبون عنها. . فليس إحياؤها؛ كالعامر من بلادهم.
(وما كان معمورًا. . فلمالكه) لأن الإحياء لإحداث الملك، وهي مملوكة.
(فإن لم يُعرف) المالك (والعمارة إسلامية. . فقال ضائع) فيتخير الإمام بين حفظه إلى ظهور مالكه، أو بيعه وحفظ ثمنه، أو استقراضه على بيت المال.
(وإن كانت جاهلية. . فالأظهر: أنه يملك بالإحياء) كالركاز، والثاني: المنع؛ لأنها ليست بموات.
(ولا يُملك بالإحياء حريمُ معمور) لأن مالك المعمور يستحق مرافقه، ولهذا سمي حريمًا؛ لتحريم التصرف فيه على غيره.
وقد يفهم كلامه: أن الحريم غير مملوك للمحيي وهو وجه، الأصحُّ: خلافه، لكن لا يباع وحده؛ كما قاله أبو عاصم العبادي.
(وهو) أي: الحريم (ما تَمَسُّ الحاجة إليه لتمام الانتفاع) وإن حصل أصل
(1) نهاية المطلب (8/ 284).
فَحَرِيمُ الْقَرْيَةِ: النَّادِي، وَمُرْتَكَضُ الْخَيْلِ، وَمُنَاخُ الإِبِلِ، وَمَطْرَحُ الرَّمَادِ وَنَحْوُهَا، وَحَرِيمُ الْبئْرِ فِي الْمَوَاتِ: مَوْقِفُ النَّازحِ، وَالْحَوْضُ وَالدُّولَابُ، وَمُجْتَمَعُ الْمَاءِ، وَمُتَرَدَّدُ الدَّابَّةِ،
===
الانتفاع بدونه، وتفصيله: ما يأتي.
وكان الأحسن تقديم بيان الحريم على حكمه؛ لأن الحكم على الشيء فرع تصوره.
(فحريم القرية: النادي) وهو مجتمع القوم للحديث، ولا يُسمَّى المجلس ناديًا إلا والقوم فيه، ويطلق النادي على أهل المجلس أيضًا، ولهذا عبر في "المحرر" و"الشرح" و"الروضة" بمجتمع النادي (1).
(ومرتكض الخيل) وهو بفتح الكاف: مكان سوقها، وقيده الإمام: بما إذا كانوا خيالة (2).
(ومناخ الإبل) وهو الموضع الذي تناخ فيه، وهو بضم الميم كما ضبطه المصنف بخطه.
(ومطرح الرماد) والقمامات (ونحوُها) كمراح الغنم، وملعب الصبيان، ومسيل الماء، وسائر ما يعد من مرافقها، ووجه ذلك: العرف والعمل بذلك خلفًا عن سلف.
(وحريم البئر) المحفورة (في الموات: موقف النازح) وهو القائم على رأس البئر ليستقي إن كان ينزح بالدلاء بيده.
(والحوض والدُّولاب) أي: موضعه؛ كما صرح به في "المحرر" إذا كان الاستقاء به؛ كما قيده في "الشرح"(3).
(ومجتمع الماء) والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج من الحوض، (ومتردَّد الدابة) إن كان الاستقاء بها؛ لتوقف الانتفاع بالبئر على هذه الأشياء.
(1) المحرر (ص 236)، الشرح الكبير (6/ 213)، روضة الطالبين (5/ 282).
(2)
نهاية المطلب (8/ 335).
(3)
المحرر (ص 236)، الشرح الكبير (6/ 214).
وَحَرِيمُ الدَّارِ فِي الْمَوَاتِ: مَطْرَحُ رَمَادٍ وَكُنَاسَةٍ وَثلجٍ، وَمَمَرٌّ فِي صَوْبِ الْبَابِ، وَحَرِيمُ آبَارِ الْقَنَاةِ: مَا لَوْ حُفِرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا أَوْ خِيفَ الانْهِيَارُ
===
وكلُّ ذلك غير محدود، وإنما هو بحسب الحاجة، وقال الروياني: تحريمها قدر عمقها؛ فإن كان عمقها عشرة أذرع أو ألفًا. . فحريمها كذلك من كلِّ جانب.
وذكرُ المصنف الحوض مع مجتمع الماء. . فيه تكرار؛ فإن الحوض مكان اجتماع الماء؛ كما صرح به في "المحرر"، فإنه قال:(ومصب الماء والحوض الذي يجتمع فيه الماء إلى أن يرسل)، فإن حمل قول المصنف:(مجتمع الماء) على مصبه ليسلم من التكرار. . كان مخالفًا لكلام "الروضة" و"أصلها"؛ فإنهما غايرا بينهما، فقالا:(ومصب الماء والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية والزرع من حوض ونحوه)(1)، وحينئذ: فيكون المصنف قد نقص عن "المحرر"(المصب)، وكرر (الحوض) بغير اسمه.
واحترز بـ (الموات): عن المحفورة في ملكه، وحريم النهر المحفور في الموات يقاس بالبئر.
(وحريم الدار في الموات: مطرح الرماد، وكناسةٍ وثلج) في بلد يَثْلُج به (وممرٌّ في صوب الباب) لتوقف الانتفاع بها على ذلك.
والمراد بـ (صوب الباب): جهته، وليس المراد: امتداده طولًا وقبالته، بل يجوز لغيره إحياء ما يقابل الباب إذا بقي له ممر وإن احتاج إلى انعطاف، كذا قالاه (2)، وفيه نظر: إذا تفاحش الانعطاف؛ للإضرار به.
(وحريمُ آبار: القناة ما لو حفر فيه. . نقص ماؤها أو خيف الانهيار) أي: السقوط، ويختلف ذلك باختلاف الأراضي صلابة ولينًا (3).
(1) المحرر (ص 236)، الشرح الكبير (6/ 214)، روضة الطالبين (5/ 283).
(2)
الشرح الكبير (6/ 213)، روضة الطالبين (5/ 283).
(3)
فرعان: الأول: قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ: إذا أحيا أرضًا ليغرس فيها وغرس. . فليس لغيره أن يغرس بجواره بحيث تلتف أغصان الغراس، وبحيث تلتقي عروقها.
الثاني: قال الماوردي: حريم الأرض المُحياة للزراعة، طرقها، ومغيض مائها، وبَيْدر زرعها، وما لا يُستغنى عنه من مرافقها. اهـ هامش (أ).
وَالدَّارُ الْمَحْفُوفَةُ بِدُورٍ لَا حَرِيمَ لَهَا، وَيَتَصرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ تَعَدَّى. . ضَمِنَ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ دَارَهُ الْمَحْفُوفَةَ بِمَسَاكِنَ حَمَّامًا وَإِصْطَبْلًا، وَحَانُوتَهُ فِي الْبَزَّازِينَ حَانُوتَ حَدَّادٍ إِذَا احْتَاطَ وَأَحْكَمَ الْجُدْرَانَ. وَيَحِلُّ إِحْيَاءُ مَوَاتِ الْحَرَمِ دُونَ عَرَفَاتٍ فِي الأَصَحِّ.
===
(والدار المحفوفة بدور لا حريم لها) لأن الأملاك متعارضة، وليس جعل موضع حريمًا لدار بأولى من جعله لأخرى.
(ويتصرف كلُّ واحد) من الملاك (في ملكه على العادة) وإن تضرر به جاره؛ كما لو اتخذ بئرًا أو حَشًّا فاختل به حائط جاره، أو تغير بالنجاسة ماء بئره، ولا ضمان عليه إذا أفضى إلى التلف.
(فإن تعدى. . ضمن) لمخالفة العادة، والافتيات.
(والأصحُّ: أنه يجوز أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن حمَّامًا وإصطبلًا) وفرنًا ومدبغة.
(وحانوتَه في البزَّازين حانوتَ حدَّاد) وقصار (إذا احتاط وأحكم الجدران) إحكامًا يليق بما يقصده؛ لأنه متصرف في خالص ملكه، وفي منعه إضرار به، قال الروياني: ولو كان دَقُّ القصار يمنع ثبوت الحمام. . لم يمنع من الدَّقِّ، والثاني: المنع؛ للضرر.
وعلى الأول: لو فعل ما الغالب فيه ظهور الخلل في حيطان الجار؛ كدَقٍّ عنيف يزعج الحيطان. . فالأصحُّ: المنع.
واختار ابن الصلاح تبعًا للفارقي وابن أبي عصرون: المنع من كلِّ مؤذ لم تجر العادةُ به مطلقًا، واختار الروياني: أن الحاكم يجتهد ويمنع ما ظهر فيه قصدُ التعنت، ومنه: إطالة البناء، ومنع الشمس والقمر، واستُحسن.
(ويحل إحياء موات الحرم)(1) كما يملك عامره بالبيع وغيره (دون عرفات في الأصحِّ) لتعلق حقِّ الوقوف بها؛ كالحقوق العامة من المساجد والطرق العامة، والثاني: يجوز كغيرها.
(1) في (ب): (ويجوز إحياء موات الحرم).
قُلْتُ: وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنَىً كَعَرَفَة، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَخْتَلِفُ الإِحْيَاءُ بِحَسَبِ الْغَرَضِ؛ فَإِنْ أَرَادَ: مَسْكَنًا. . اشْتُرِطَ تَحْوِيطُ الْبُقْعَةِ وَسَقْفُ بَعْضِهَا وَتَعْلِيقُ بَابٍ، وَفِي الْبَابِ وَجْهٌ.
===
فعلى هذا: هل يبقى حقُّ الوقوف أو لا، أو إن ضاق الباقي. . بقي، وإلا. . فلا؟ وجوه.
وإذا قلنا: يبقى، فهل يثبت في كلِّ الوقت من الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر، فليس للمحيي إزعاجهم فيه أو له إزعاج من حصل له الوقوف؟ قال ابن الرفعة: الأشبه: الأول بل لا يسوغ غيره (1).
وكان الأولى أن يقول: (ولا يجوز في عرفات على الأصحِّ) لئلا يوهم استثناء عرفات من الحرم، والخلاف فيها؛ فإن عرفات من الحلِّ قطعًا، ولا خلاف في الحرم.
(قلت: ومزدلفة ومنى كعرفة، والله أعلم) لوجود المعنى المذكور، وكلامه يفهم: أن هذا الحكم منقول، وأن خلاف عرفة يجري فيه، وبه صرح في "التصحيح"، لكن عبر في "الروضة" بقوله:(ينبغي)(2)، وقال ابن الرفعة: ينبغي القطع بالمنع لضيقه، بخلاف عرفات.
(ويختلف الإحياء بحسب الغرض) والرجوع فيه إلى العرف؛ فإن الشرع أطلقه ولا حدَّ له فيه ولا في اللغة، فيرجع فيه إليه، وهو في كلِّ شيء بحسبه، والضابط: التهيئة للمقصود.
(فإن أراد مسكنًا. . اشترط تحويط البقعة) أي: جعلها أربع حيطان بالأجر أو غيره بحسب العادة، (وسقفُ بعضها) لتوقف اسم الدار عليه (وتعليقُ باب) أي: نصبه؛ لأن العادة في المنازل أن يكون لها أبواب، وما لا باب له. . لا يتخذ مسكنًا.
(وفي الباب وجه) لأن فقده لا يمنع السكنى، وإنما ينصب لحفظ المتاع، وفي السقف: وجه أيضًا، ولا يشترط السكنى بحال، وقال المَحاملي: الإيواء إليها شرط.
(1) كفاية النبيه (11/ 400).
(2)
تصحيح التنبيه (3/ 204)، روضة الطالبين (3/ 286).
أَوْ زَرِيبَةَ دَوَابَّ. . فَتَحْوِيطٌ لَا سَقْفٌ، وَفِي الْبَابِ الْخِلَافُ. أَوْ مَزْرَعَةً. . فَجَمْعُ التُّرَابِ حَوْلَهَا وَتسوِيَةُ الأَرْضِ وَتَرْتيبُ مَاءٍ لَهَا إِنْ لَمْ يَكْفِهَا الْمَطَرُ، لَا الزِّرَاعَةُ فِي الأَصَحِّ. أَوْ بُسْتَانًا. . فَجَمْعُ التُّرَابِ
===
(أو زريبة دواب. . فتحويط) بما جرت به العادة، ولا يكفي نصب سَعَف وأحجار من غير بناء.
و(الزريبة): حظيرة الغنم.
(لا سقف) لأنه العادة (وفي الباب الخلاف) المارُّ في المسكن، قال في "الذخائر": وهنا أولى بالمنع، لأن الراعي يقعد بباب الحظيرة، بخلاف الدور، وشرط صاحب "الإفصاح": أن يَعمل على الحيطان شوكًا (1).
(أو مزرعةً. . فجمع التراب حولها) لينفصل المُحيا عن غيره، وفي معناه: نصب قصب وحجر وشوك، ولا يحتاج إلى تحويط، لأنه العرف.
(وتسويةُ الأرض) بطمِّ المنخفض، وكسح العالي، وحراثتها إن لم تزرع إلا به، وتليين ترابها، فإن لم يتهيأ ذلك إلا بماء يساق إليها. . فلا بدَّ منه لتتهيأ للزراعة.
(وترتيبُ ماء لها) بشقِّ ساقية من نهر، أو بحفر بئر أو قناة (إن لم يكفها المطر) المعتاد؛ لأنه لا يحصل المقصودُ بدونه، فإن كفاها. . فلا يحتاج إلى ترتيب ماء لها على الصحيح، وإذا حفر طريق الماء ولم يبق إلا إجراؤه. . كفى وإن لم يجر، وإن هيأه ولم يحفر طريقه. . فوجهان بلا ترجيح في "الروضة" و"أصلها"(2)، ورجح في "الشرح الصغير": الاكتفاءَ به.
(لا الزراعةُ في الأصحِّ) لأنه استيفاء منفعة الأرض، وهو خارج عن الإحياء، والثاني: يشترط؛ لأن الدار لا تصير محياة حتى يصير فيها عين مال المحيي، فكذلك المزرعة.
(أو بستانًا. . فجمع التراب) كالمزرعة، وحكم الكرم: حكم البستان، ولعل المراد: تهيئة تراب أرض البستان وإصلاحه -كما قاله الروياني- لا جمعه حوله، كما
(1) في (د): (صاحب "الإيضاح").
(2)
الشرح الكبير (6/ 245)، روضة الطالبين (5/ 290).
وَالتَّحْوِيطُ حَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ بهِ وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ، وَيُشْتَرَطُ الْغَرْسُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمَنْ شَرَعَ فِي عَمَلِ إِحْيَاءٍ وَلَمْ يُتِمَّهُ، أَوْ أَعْلَمَ عَلَى بُقْعَةٍ بِنَصْب أَحْجَارٍ أَوْ غَرَزَ خَشَبًا. . فَمُتَحَجِّرٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ -لكِنِ الأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ
===
توهمه عبارته؛ لأن التحويط يغني عنه.
(والتحويط حيث جرت العادة به) عملًا بها، والرجوع فيما يحوط به إلى العادة، (وتهيئة ماء) على ما سبق في المزرعة.
(ويشترط: الغرس على المذهب) بخلاف الزراعة كما مرَّ، والفرق: أن اسم المزرعة يقع على الأرض قبل الزرع، بخلاف البستان قبل الغرس، ولأن الغراس للدوام، فالتحق ببناء الدار، بخلاف الزرع، والثاني: المنع؛ كالزراعة.
ويكفي غرس البعض؛ كما صححه في "البسيط" تبعًا لإمامه، قال الأَذْرَعي: وينبغي اعتبار ما يُسمَّى معه بستانًا أو كرمًا، ويحتمل أن يعتبر الأغلب، ويبعد الاكتفاء بشجرة أو شجرات.
وهل يشترط أن يثمر الغراس؟ قال البالسي: رأيت في تعليق لبعض فضلاء حلب حكايةَ خلاف فيه، والظاهر: أنه لا يشترط.
(ومن شرع في عمل إحياء ولم يتمه، أو أعلم على بقعةٍ بنَصْب أحجار أو غرز خشبًا. . فمتحجِّر، وهو أحقُّ به) لحديث: "مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ. . فَهُوَ لَهُ" رواه أبو داوود (1).
وهذه الأحقية أحقيةُ اختصاص لا ملك على الأصحِّ؛ لأن سببه الإحياءُ ولم يوجد.
(لكن الأصحُّ: أنه لا يصحُّ بيعه) لأن حقَّ التملك لا يباع؛ كحقِّ الشفيع، والثاني: يصحُّ، ونعتمد حقَّ الاختصاص؛ كبيع علو البيت للبناء والسكنى دون أسفله.
(وأنه لو أحياه آخرُ. . ملكه) لحديث: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً. . فَهِيَ لَهُ"(2)،
(1) سنن أبي داوود (3071) عن أسمر بن مُضرِّس رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أبو داوود (3073)، والترمذي (1378) عن سعيد بن زيد رضي الله عنه.
- وَلَوْ طَالَتْ مُدَّةُ التَّحَجُّرِ. . قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: (أَحْيِ أَوِ اتْرُكْ)، فَإِنِ اسْتَمْهَلَ. . أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً. وَلَوْ أَقْطَعَهُ الإِمَامُ مَوَاتًا. . صَارَ أَحَقَّ بِإِحْيَائِهِ كَالْمُتَحَجِّرِ.
===
ولأنه حقق الملك وإن كان آثمًا؛ كما لو دخل في سوم أخيه واشترى، والثاني: لا يملكه؛ لئلا يبطل حقُّ غيره، ورآه الإمام الأقيس (1)، والثالث: إن انضم إلى التحجر إقطاع الإمام. . منع التملك، وإلا. . فلا.
ومحلُّ الخلاف: إذا كان أحياها مزرعة، فأما إذا كان له بناء وآلات. . فلا يجوز له نقلُها والتصرف فيها بغير إذنه، نبه عليه الفارقي، ونقل صاحب "المعين" عن بعض متأخري الأصحاب: أنه يصحُّ بيعه، قال: وربما خالفه الرافعي.
ومحله أيضًا: إذا لم يكن له عذر ولم يعرض عن العمارة، فإن أعرض عنها. . ملكه المحيي قطعًا، وإن ترك لعذر. . فلا قطعًا، قاله الجيلي.
قال الرافعي: والخلاف في المسألة شبيه بما إذا عشش الطائر في ملكه، وأخذ الفرخ غيره هل يملكه؟ وكذا لو توحل ظبي في أرضه، أو وقع الثلج فيها ونحو ذلك، ورجح في "الروضة" هنا: أنه يملك؛ يعني: في هذه المسائل، وذكر الرافعي في (باب الصيد): أنه أولى بثبوت الملك من مسألة "الكتاب"(2)، لكن رجحا في آخر (الوليمة): أنه لا يملك فيها (3).
(ولو طالت مدةُ التحجر. . قال له السلطان) أو نائبه: ("أحي أو اترك") لأنه ضيق على الناس في حقٍّ مشترك فمنع منه؛ كما لو وقف في شارع، والرجوع في الطول إلى العرف.
(فإن استمهل. . أُمهل مدة قريبة) رفقًا به ودفعًا لضرر غيره، والمرجع في تقدير المدة إلى رأي الإمام على الأصحِّ.
ومحل إمهاله: إذا ذكر عذرًا، وقال الروياني: إنه يمهل وإن لم يُبد عذرًا.
(ولو أقطعه الإمام مواتًا. . صار أحقَّ بإحيائه) بمجرد الإقطاع (كالمتحجِّر) لتظهر
(1) نهاية المطلب (8/ 298)، وفيه أن ظاهر القياس: أنه يملك.
(2)
الشرح الكبير (12/ 38)، روضة الطالبين (5/ 288).
(3)
الشرح الكبير (8/ 356)، روضة الطالبين (7/ 343).
وَلَا يُقْطِعُ إِلَّا قَادِرًا عَلَى الإِحْيَاءِ، وَقَدْرًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمُتَحَجِّرُ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّ لِلإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ بُقْعَةَ مَوَاتٍ لِرَعْيِ نَعَمِ جِزْيَةٍ وَصَدَقَةٍ وَضَالَّةٍ وَضَعِيفٍ عَنِ النُّجْعَةِ، وَأَنَّ لَهُ نَقْضَ حِمَاهُ لِلْحَاجَةِ،
===
فائدة الإقطاع، وقد أقطع النبي صلى الله عليه وسلم أرضًا للزبير وغيره (1).
ومعنى إقطاعه: إذنه فيها.
وإذا طالت المدة أو أحياه غيره. . فالحكم كما مرّ في المتحجر.
(ولا يُقطع إلا قادرًا على الإحياء، وقدرًا يقدر عليه) لأنه منوط بالمصلحة.
(وكذا المتحجِّر) أي: لا يتحجر إلا من يقدر على الإحياء قدرًا يقدر على إحيائه، فإن زاد. . فالأقوى في "الروضة": أن لغيره إحياء الزائد (2).
(والأظهر: أن للإمام) ونائبه (أن يحمي بقعةَ موات لرعي نعمِ جزيةٍ وصدقة وضالَّةٍ وضعيف عن النُّجْعَة) ويمنع سائر الناس من الرعي فيها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حمى النقيع -بالنون- لخيل المسلمين رواه ابن حبان (3)، وحمى عمرُ السَّرَف، والرَّبَذَة، رواه البخاري (4).
والثاني: المنع؛ لحديث: "لَا حِمَى إِلَّا لله وَلِرَسُولهِ" رواه البخاري (5).
وأجاب الأول: بأن معناه لا حمى إلا مثل ما حمى عليه الصلاة والسلام.
ومحل الجواز: إذا لم يضرَّ بالمسلمين، لكونه قليلًا من كثير بحيث يكفي المسلمين ما بقي وإن كانوا يحتاجون أن يتباعدوا قليلًا، كما قاله الإِصطَخْري في (أدب القضاء)، وإلا. . لم يجز.
و(النجعة): بضم النون: الذهاب في طلب الرعي.
(وأن له نقضَ حماه للحاجة) رعاية للمصلحة، والثاني: لا؛ لتعيينه لتلك الجهة؛ كالمسجد والمقبرة.
(1) أخرجه البخاري (3151)، ومسلم (2182) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.
(2)
روضة الطالبين (3/ 287).
(3)
صحيح ابن حبان (4683) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
صحيح البخاري (2370) عن الصعب بن جَثَّامة رضي الله عنه.
(5)
صحيح البخاري (2370) عن الصعب بن جَثَّامة رضي الله عنه.