الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في بيان مستند الإعطاء وقدر المعطى]
مَنْ طَلَبَ زَكَاةً وَعَلِمَ الإِمَامُ اسْتِحْقَاقَهُ أَوْ عَدَمَهُ. . عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَإِلَّا؛ فَإِنِ ادَّعَى فَقْرًا أَوْ مَسْكَنَةً. . لَمْ يُكَلَّفْ بَيِّنَةً، فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى تَلَفَهُ. . كُلِّفَ، وَكَذَا إِنِ ادَّعَى عِيَالًا فِي الأَصَحِّ
===
لا يجوز دفع الزكاة لتارك صلاة إذا بلغ تاركًا واستمر بل يقبضها له وليه (1)، لكن أطلق صاحب "الذخائر" الدفع إليه إذا قلنا لا يكفر، وأفتى ابن البَزري بجواز دفعها إلى فاسق، إلا أن يكون المدفوع إليه يعينه على المعصية، فيحرم إعطاؤه، وفي "فوائد ابن الصلاح" عن كتاب العماد عبد الله بن عبد الرحمن المروزي من أصحابنا: أنه لا يجوز قبض الزكاة من أعمى، ولا دفعها له، بل يوكل فيهما على أصل الشافعي رضي الله عنه؛ لأن التمليك شرط فيه، قال ابن الصلاح: وفساد هذا ظاهر، وعملُ الناس على خلاف.
(فصل: من طلب زكاة وعلم الإمام) أو منصوبه لتفرقتها (استحقاقه أو عدمه. . عمل بعلمه) ولا يخرج على القضاء بالعلم؛ لأن الزكاة مبنية على الرفق والمساهلة، وليس فيها إضرار بالغير، بخلاف القضاء.
(وإلا) أي: وإن لم يعلم استحقاقه ولا عدمه (فإن ادعى فقرًا أو مسكنة. . لم يكلف بينة) لعسرها، وكذا لا يحلف إن لم يتهم قطعًا، ولا إن اتهم على الصحيح، وكذا الحكم فيما لو ادعى أنه غير كسوب.
(فإن عرف له مال وادعى تلفه. . كلف) بينة؛ إذ الأصل: بقاؤه، قال الرافعي: ولم يفرقوا بين أن يدعي تلفه بسبب ظاهر أو خفي؛ كالمودع (2)، وفرق في "المطلب" بينهما: بأن الأصل هناك: عدم الضمان، وهنا عدم الاستحقاق.
(وكذا إن ادعى عيالًا في الأصحِّ) لإمكانها، والثاني: لا يكلف؛ كما يصدق في
(1) فتاوى النووي (ص 89).
(2)
الشرح الكبير (7/ 399).
وَيُعْطَى غَازٍ وَابْنُ سَبيلٍ بِقَوْلهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا. . اسْتُرِدَّ، وَيُطَالَبُ عَامِل وَمُكَاتَبٌ وَغَارِمٌ بِبيِّنَةٍ، وَهِيَ: إِخْبَارُ عَدْلَيْنِ، وَتُغْنِي عَنْهَا الاسْتِفَاضَةُ،
===
فقره، وعلى هذا: فلا بدَّ من اليمين قطعًا، والمراد بالعيال: من تلزمه نفقتهم.
(ويعطى غاز وابن سبيل بقولهما) بلا يمين؛ لأنه لأمر مستقبل، (فإن لم يخرجا. . استرد) لانتفاء صفة الاستحقاق، ولم يتعرض الجمهور للقدر الذي يحتمل تأخيره، وقدَّره السرخسي بثلاثة أيام، فإن لم يخرج فيها. . استرد، قال الرافعي: ويشبه أنها تقريب، وأن يعتبر ترصده للخروج، وكون التأخير لانتظار الرفقة وتحصيل الأهبة ونحوهما.
(ويطالب عامل ومكاتب وغارم ببينة) لأنه يدعي أمرًا ظاهرًا تسهل إقامة البينة عليه، قال السبكي: ومطالبة العامل بالبينة محلها: إذا أتى إلى رب المال فطالبه وجهل حاله أما الإمام فإنه يعلم حاله؛ فإنه الذي يبعثه، فلا تتأتى البينة فيه، ويستثنى من الغارم: ما إذا غرم لإصلاح ذات البين لشهرة أمره، قاله ابن الرفعة، تبعًا لجماعة، لكن في "البيان": أنه لا بدَّ من البينة (1).
(وهي: إخبار عدلين) أشار بقوله: (إخبار) إلى أنه لا يعتبر هنا الدعوى وسماع القاضي والإنكار، ثم الشهادة بلفظها، وهو ما حكاه الرافعي عن بعض المتأخرين، واستحسنه في "الشرح الصغير"، لكن قال ابن الرفعة: الذي يقتضيه إطلاق المتقدمين: اعتبار لفظ الشهادة، وقيل: يكفي واحد.
(وتغني عنها الاستفاضة) لحصول العلم أو غلبة الظن بها، واستأنسوا له بحديث:"حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ" رواه مسلم (2).
قال ابن داوود الصَّيْدَلاني: إنما قال ثلاثة؛ لأنها أدنى الاستفاضة، وتابعه الرافعي (3)، واستغربه ابن الرفعة، وسيأتي في (الشهادات) أن شرطها: التسامع من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب، ومنهم من حمل الحديث على الاستظهار في الشهادة.
(1) كفاية النبيه (6/ 178)، البيان (3/ 425).
(2)
صحيح مسلم (1044) عن قَبيصة بن مُخارق رضي الله عنه.
(3)
الشرح الكبير (7/ 401).
وَكَذَا تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ وَالسَّيِّدِ فِي الأَصَحِّ. وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ: كِفَايَةَ سَنَةٍ. قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: كِفَايَةَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ، فَيَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
وقال صاحب "المطلب": الذي دل عليه الخبر إثبات الحاجة والفقر فقط، وأما الدين. . فلا يثبت بالاستفاضة قطعًا.
(وكذا تصديق رب الدين والسيد في الأصحِّ) لظهور الحق بالإقرار والتصديق، والثاني: لا؛ لاحتمال التواطؤ، وسكت المصنف عن المؤلفة، وقال الجمهور: إن قال: (نيتي في الإسلام ضعيفة). . قبل؛ أي: بلا يمين، وإن قال:(أنا شريف مطاع في قومي). . فلا بدَّ من البينة، وأطلق جماعة مطالبته بالبينة.
(ويعطى الفقير والمسكين: كفايه سنة) لأن وجوب الزكاة لا تعود إلا بمضي سنة، (قلت: الأصحُّ المثصوص) في "الأم"(وقول الجمهور: كفاية العمر الغالب)(1) لأن به تحصل الكفاية على الدوام.
ومحلُّ الخلاف: فيمن لا يحسن الكسب بحرفة ولا تجارة، فأما المحترف. . فيعطى ما يشتري به آلة حرفته، والتاجر يعطى ما يشتري به رأس ماله من النوع الذي يحسن التجارة والتصرف فيه، ويكون قدرهما يفي ربحه بكفايته غالبًا.
(فيشتري به عقارًا يستغله، والله أعلم) أي: إذا قلنا: يدفع إليه كفاية العمر الغالب، فليس المراد: دفع ما يكفيه عمره دفعة؛ لما في ذلك من الإضرار بالأصناف، وقد لا يتسع المال، بل ما ذكره؛ لأن ما يتحصل منه وإن كان شيئًا فشيئًا يكفيه عند حاجته، ولهذا قلنا في القادر على اكتساب ما يكفيه يومًا فيومًا: لا يصرف إليه من سهم الفقراء والمساكين ولو ملك ما يكفيه أقل من سنة أو من العمر الغالب ولا حرفة له، قال السبكي: الذي يظهر من كلام الأصحاب: أنه يعطى التكملة لسنة أو للعمر الغالب، ثم ذكر عن "الشافي" للجرجاني و"فتاوى البغوي" التصريح بذلك، وقد قدمنا عند تفسير المسكين عن "فتاوى البغوي" ما قد يخالفه، فليتأمل،
(1) الأم (3/ 189).
وَالْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ: قَدْرَ دَيْنِهِ. وَابْنُ السَّبيلِ: مَا يُوصِلُهُ مَقْصدَهُ أَوْ مَوْضِعَ مَالِهِ. وَالْغَازِي: قَدْرَ حَاجَتِهِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَمُقِيمًا هُنَاكَ وَفَرَسًا وَسِلَاحًا، وَيَصيرُ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ،
===
وقد راجعت كلام "فتاوى البغوي" فوجدته كالصريح فيما نقلناه عنه هناك، دون ما فهمه السبكي.
(والمكاتب والغارم: قدر دينه) ولا يجوز أن يزاد؛ لأن الدفع لهما للحاجة، حتى لو كان معهما البعض. . أعطيا التتمة فقط.
وإفراد المصنف الضمير مع العطف بـ (الواو) منتقد، وعبارة "المحرر":(قدر دينهما)(1).
(وابن السبيل: ما يوصله مقصده) إن لم يكن له في طريقه إليه مال، (أو موضع ماله) إن كان له مال في طريقه، فإن كان معه بعض ما يكفيه. . كمل له كفايته ذهابًا، وكذا رجوعًا إن كان عازمًا على الرجوع، وليس له في المقصد ولا في طريقه ما يغنيه عن الزكاة، وقيل: إنما يعطى للرجوع عند العود لا ابتداءً، وهو أحوط إذا كان يتيسر إعطاؤه هناك.
(والغازي قدر حاجته ذاهبًا وراجعًا ومقيمًا هناك)(2) إلى الفتح وإن طال، بخلاف ابن السبيل؛ فإنه لا يعطى إلا لإقامة ثلاثة أيام، غير يومي الدخول والخروج، والفرق: أن اسم الغزو باق مع الإقامة، بخلاف ابن السبيل، والأصحُّ: أنه يعطى هو وابن السبيل جميع المؤنة، وقيل: ما زاد بسبب السفر.
(وفرسًا) إن كان ممن يقاتل فارسًا، (وسلاحًا) للحاجة إليه (ويصير ذلك ملكًا له) هذا إذا دفع إليه الثمن فاشترى ذلك لنفسه، أو دفع الإمام ذلك إليه تمليكًا إذا رأى ذلك، فإنه لا يتعين عليه دفعهما تمليكًا، بل الإمام -كما قال الرافعي- بالخيار؛ إن شاء دفع الفرس والسلاح إليه تمليكًا، وإن شاء استأجر له مركوبًا، وإن شاء اشترى خيلًا من هذا السهم ووقفها في سبيل الله، فيعيرهم إياها عند الحاجة، فإذا انقضت. .
(1) المحرر (ص 286).
(2)
في (ز) زيادة في المتن، وهي:(والغازي قدر حاجته لنفقة وكسوة).
وَيُهَيَّأُ لَهُ وَلابْنِ السَّبيلِ مَرْكُوبٌ إِنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا أَوْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يُطِيقُ الْمَشْيَ، وَمَا يَنْقُلُ عَلَيْهِ الزَّادَ وَمَتَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَعْتَادُ مِثْلُهُ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ. وَمَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ يُعْطَى بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ فِي الأَظْهَرِ.
===
استردت (1)، قال: وفيه وجه: أنه لا يجوز أن يشتري لهم الفرس والسلاح قبل وصول المال إليهم، وقصرُ المصنف تبعًا للجمهور الكلام على مؤنة تعبه (قدر حاجته ذاهبًا وراجعًا) قد يفهم أنه لا يعطى نفقة عياله، وعن بعضهم أنه يعطى، قال الرافعي: وليس ببعيد (2)، قال الأَذْرَعي: وصرح به الفارقي وابن أبي عصرون، لكن صرح المُصْعَبي في "شرح مختصر الجويني" بالمنع.
(ويهيأ له ولابن السبيل مركوب إن كان السفر طويلًا، أو كان ضعيفًا لا يطيق المشي) وإن كان قصيرًا؛ دفعًا لضرورته، فإن كان قصيرًا وهو قوي. . فلا.
وقضية كلامه تبعًا لـ "المحرر": أن المركوب: غير الفرس الذي يقاتل عليه، ولم يذكرا في "الشرح" و"الروضة" في الغازي غير الفرس، وذكرا تهيئة المركوب لابن السبيل فقط (3)، وما اقتضاه كلام "الكتاب" صرح به المَحاملي في "المجموع"، ووجهه: توفير الفرس إلى وقت الحرب؛ إذ لو ركبها من دارنا إلى دار الحرب ربما كلت وعجزت عن الكر والفر حال المطاردة والقتال، لا سيما إذا بَعُدَ المغزى.
(وما ينقل عليه الزاد ومتاعه) لحاجته إليه (إلا أن يكون قدرًا يعتاد مثلُه حمله بنفسه) لانتفاء الحاجة.
ولم يتعرض المصنف لما يعطى للمؤلفة وللعامل، ويعطى للأول ما يراه الإمام، ويعطى الثاني: أجرة مثله.
(ومن فيه صفتا استحقاق) كالفقر والغرم (يعطى بإحداهما فقط في الأظهر) لأن الله تعالى عطف المستحقين بعضهم على بعض، والعطف يقتضي التغاير، والثاني: بهما؛ لاتصافه بهما.
(1) الشرح الكبير (7/ 404).
(2)
الشرح الكبير (7/ 404).
(3)
الشرح الكبير (7/ 402)، روضة الطالبين (2/ 325).