الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الرِّبا
إِذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ؛ إِنْ كَانَا جِنْسًا .. اشْتُرِطَ الْحُلُولُ، وَالْمُمَاثَلَةُ، وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، أَوْ جِنْسَيْنِ؛ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ .. جَازَ التَّفَاضُلُ، وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ. وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُعْمِ اقْتِيَاتًا أَوْ تفكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا
===
(باب الربا)
هو لغة: الزيادة، قال الله تعالى:{اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} أي: زادت ونمت، وشرعًا: الزيادة في بيع النقد والمطعوم بمثلهما، وهو مجمع على تحريمه، وروى الحاكم عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"الرِّبَا سَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ"، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين (1).
(إذا بيع الطعام بالطعام؛ إن كانا جنسًا .. اشترط الحلول، والمماثلة، والتقابض قبل التفرق، أو جنسين؛ كحنطة وشعير .. جاز التفاضل، واشترط الحلول، والتقابض) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذه الأَجْنَاسُ .. فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ"(2) أي: مقابضة، وإذا اعتبر التقابض .. لزم اعتبار الحلول، إذ لو جاز التأجيل .. لجاز تأخير التسليم إلى مضي المدة، ولا بدّ من القبض الحقيقي، فلا تكفي الحوالة وإن حصل القبض بها في المجلس على الأصح، كما قاله الماوردي (3).
(والطعام ما قصد للطُّعم اقتياتًا أو تفكهًا أو تداويًا) لأنه عليه السلام نصّ على البرّ والشعير، والمقصود منهما: القوت، فألحق بهما ما في معناهما، كالأَرُزّ والذُّرَة، وعلى التمر، والمقصود منه: التأدم والتفكه، فألحق به ما في معناه؛ كالزبيب
(1) المستدرك (2/ 37)، وأخرج الشطر الأول ابن ماجه (2274) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم (1587) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(3)
الحاوي الكبير (6/ 91).
وَأَدِقَّةُ الأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ وَخُلُولُهَا وَأَدْهَانُهَا .. أَجْنَاسٌ، وَاللُّحُومُ وَالأَلْبَانُ كَذَلِكَ فِي الأَظْهَرِ. وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا،
===
والفواكه والبَقْلاوات ونحوها، وعلى الملح، والمقصود منه: الإصلاح، فألحق به ما يحتاج إليه من المطعومات؛ كالزَّعْفَران والزَّنْجَبيل ودهن الورد والسَّقَمُونْيا ونحو ذلك.
وخرج بقوله: (قُصِدَ): ما يجوز أكله ولكن لا يقصد؛ كأطراف قضبان العنب، والجلود.
والمراد بـ (الطعم): طعم الآدميين، فإن اختص به الجن؛ كالعظم، أو البهائم؛ كالحشيش .. فليس بربوي، فإن اشترك فيه الآدميون والبهائم .. فالحكم للأغلب، فإن استويا .. فالأصح -كما قا له الصَّيْمَري والماوردي -: أنه ربوي (1).
وأُورد على الضابط: الماءُ العذب فإنه ربوي على الأصح؛ لأنه مطعوم، قال الله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} وأَورد الإسنوي الحلوى، فإنها طعام؛ كما ذكره المصنف في (الأيمان)، وهو مردود؛ فإن الحلوى مما يُتفكه بها، وليس المراد بالتفكه الثمرَ.
(وأدقة الأصول المختلفةِ الجنس وخلولها وأدهانها .. أجناس) لأنها فروع لأصول مختلفة ربوية فأُجري عليها حكمُ أصولها، فعلى هذا: يباع دقيق الحنطة بدقيق الشعير متفاضلًا، وكذلك خلّ التمر بخلّ العنب، ودهن البَنَفْسَج بدهن الورد.
واحترز بـ (المختلفة): عن المتحدة؛ كأدقة أنواع القمح؛ فإنها جنس قطعًا.
(واللحوم والألبان كذلك في الأظهر) لأنها فروع لأصول مختلفة، فأشبهت الأدقة، والثاني: أنها جنس؛ لاشتراكهما في الاسم الذي لا يقع التمييز بعده إلا بالإضافة، فأشبهت أنواع الثمار؛ كالمَعْقِلي والبَرْنِي.
(والمماثلة تعتبر في المكيل كيلًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا تبَيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ إِلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ"(2)، فنصّ على أنه لا يعتبر التساوي فيه بالوزن،
(1) الحاوي الكبير (6/ 121 - 122).
(2)
لم أجده بهذا اللفظ.
وَالْمَوْزُونِ وَزْنًا. وَالْمُعْتبَرُ: غَالِبُ عَادَةِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَا جُهِلَ يُرْعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيع، وَقِيلَ: الْكَيْلُ، وَقِيلَ: الْوَزْنُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لَهُ أَصْل .. اعْتُبِرَ
===
(والموزون وزنًا) لقوله عليه السلام: "لَا تبَيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَب، وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ" متفق عليه (1).
فلو باع المكيل بالوزن، أو الموزون بالكيل .. لم يصحّ، ولا فرق في الكيل بين أن يكون معتادًا أم لا؛ كالقَصعة.
(والمعتبر غالب عادة الحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في كون الشيء مكيلًا أو موزونًا؛ لأن الظاهر: أنه صلى الله عليه وسلم اطلع عليها وأقرها، فلو أحدث الناس خلافَ ذلك .. فلا اعتبار بإحداثهم.
(وما جُهل) هل كان موجودًا في عهده أم لا، أو علم وجوده في عهده، ولم يعلم هل كان موجودًا في الحجاز أم لا، أو علم وجوده فيه، ولم يعلم هل كان يكال أو يوزن، أو علم أنه كان يكال مرة، ويوزن أخرى، ولم يغلب [أحدهما، أو كان أحدهما غالبًا ولكن لم يتعين، أو علم تعينه ثم نسي؟ ](2)(يُرْعى فيه عادة بلد البيع) لأنّ الشيء إذا لم يكن محدودًا في الشرع .. كان الرجوع فيه إلى عادة الناس؛ كما في القبض والحرز.
(وقيل: الكيل) لأنه أعم؛ فإن أكثر ما ورد فيه النصّ مكيل، (وقيل: الوزن) لأنه أحصر وأقل تفاوتا، (وقيل: يتخير) للتساوي، (وقيل: إن كان له أصل) معلوم المعيار ( .. اعتبر) به؛ مراعاة لأصله.
فعلى هذا: دهن السِّمْسِم مكيل، ودهن اللوز موزون إن جعلنا اللوز موزونًا، وهذا كلّه إذا لم يكن أكبر جرمًا من التمر، فإن كان كالجوز والبيض .. فالاعتبار فيه بالوزن؛ لأنه لم يعهد الكيل بالحجاز فيما هو أكبر من التمر، كذا جزم به في "الشرح
(1) صحيح البخاري (2177)، صحيح مسلم (1584) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
ما بين المعقوفين زيادة من غير (أ).
وَالنَّقْدُ بالنَّقْدِ كَطَعَامٍ بطَعَامٍ. وَلَوْ بَاعَ جزَافًا تَخْمِينًا .. لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءً.
وَتُعْتبَرُ الْمُمَاثَلَةُ وَقْتَ الْجَفَافِ - وَقَدْ يُعْتبَرُ الْكَمَالُ أَوَّلًا.
===
الصغير" هنا، ونقله في "الكبير" هنا عن المتولي وأقره، وجزم به في آخر الباب (1).
(والنقد بالنقد كلطعام بطعام) في اشتراط الأمور الثلاثة السالفة عند اتحاد الجنس، والآخرين عند عدمه بأن يبيع الذهب بالفضة؛ للحديث السالف.
وكان الأولى: التعبير بالذهب والفضة، ليشمل التبر والسبائك والحلي؛ فإن النقد هو المضروب خاصة.
والعلة في تحريم الربا في الذهب والفضة: جنسية الأثمان غالبًا. ولا يجري الربا في الفلوس وإن راجت على الأصح.
(ولو باع جِزافًا تخمينًا .. لم يصحّ وإن خرجا سواء) لأن التساوي شرط، والجهل به عند العقد مضر، وهذا معنى قولهم:(الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة).
(وتعتبر المماثلة وقت الجفاف) في الثمار والحبوب؛ لأنه عليه السلام سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال:"أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبسَ؟ "، فقالوا: نعم، فنهى عن ذلك، صححه الترمذي (2)، فأشار بقوله: "أيَنْقُصُ الرُّطَبُ
…
" إلى أن المماثلة إنما تعتبر عند الجفاف، وإلا .. فالنقصان أوضح من أن يسأل عنه.
ويشترط مع الجفاف: ألّا ينزع نوى التمر، لأنه إذا نزع .. بطل كماله؛ لتسارع الفساد إليه، بخلاف الخَوْخ والمِشْمِش ونحوهما؛ فإن كماله لا يبطل بنزع النوى؛ فإن الغالب في مجفَّفِهما نزع النوى، كما أن اللحم المقدد لا يبطل كماله بنزع العظم منه، وفي دعوى كون الغالب في مُجفف الخَوْخ والمِشْمِش نزع النوى .. نظر.
(وقد يُعتبر الكمال أولًا) كما في العرايا؛ فإن اعتبار الجفاف في المماثلة لم يوجد آخرًا؛ أي: عند الجفاف، وإنما وجد أولًا؛ أي: في حال الرطوبة.
(1) الشرح الكبير (4/ 80).
(2)
سنن الترمذي (1225)، وأخرجه أبو داوود (3359)، والنسائي (7/ 268)، وابن ماجه (2264) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ وَلَا بِتَمْرٍ، وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا بِزَبِيبٍ. وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقُثَّاءِ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ لَا يُبَاعُ أَصْلًا، وَفِي قَوْلٍ: تكفِي مُمَاثَلَتُهُ رَطْبًا. وَلَا تكفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَالْخُبْزِ، بَلْ تُعْتبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُبُوبِ: حَبًّا، وَفِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ: حَبًّا أَوْ دُهْنًا، وَفِي الْعِنَبِ: زَبِيبًا أَوْ خَلَّ عِنَبٍ، وَكَذَا الْعَصِيرُ فِي الأَصَحِّ،
===
(فلا يباع رُطَب برطب) للنهي عنه كما سبق (1)، (ولا بتمر) أي: ولا رطب بتمر؛ ليقين التفاوت عند الجفاف، وتستثنى العرايا كما سيأتي (ولا عِنبٌ بعنب ولا بزبيب) لما مرّ.
(وما لا جفاف له؛ كالقثاء والعنب الذي لا يتزبب .. لا يباع) بعضه ببعض (أصلًا) قياسًا على الرطب بالرطب، (وفي قول: تكفي مماثلتُه رطبًا)؛ لأن معظم منافعه في رطوبته، فكان كاللبن فيباع وزنًا.
وأورد الزيتون؛ فإنه يجوز بيعه بمثله، كما نقله الإمام عن صاحب "التقريب" وارتضاه، وجزم به في "الوسيط" مع أنه لا جفاف له، وردّ: بأنه جاف، وتلك الرطوبات التي فيه إنما هي الزيت، ولا مائية فيه، ولو كان فيه مائية .. لجفّ، وفيه نظر (2).
(ولا تكفي مماثلةُ الدقيق والسويق والخبز) ونحو ذلك مما يتخذ من الحبّ كالنَّشَاء؛ للجهل بالمماثلة؛ فان الدقيق ونحوه متفاوت في النعومة، والخبز ونحوه يتفاوت في تأثير النار.
(بل تعتبر المماثلةُ في الحبوب) التي لا دهن فيها (حبًّا) بعد تناهي جفافه، وتنقيته من التبن غير مقلي، ولا مقشور، ولا مبلول وإن جف بعد بلّه، وعلم من كلامه أنه لا يجوز بيع الحب بشيء مما يتخذ منه؛ كالدقيق والنَّشَاء، ولا بما فيه شيء مما يتخذ منه كالحلواء المعمولة بالنَّشَاء، ويجوز بالنُّخالة؛ لأنها ليست ربوية.
(وفي حبوب الدهن؛ كالسمسم: حبًّا أو دهنًا، وفي العنب: زبيبًا، أو خلَّ عنبٍ) لأن كليهما على هيئة الادخار، (وكذا العصير في الأصح)؛ لأنه مُتهيئ لأكثر
(1) في (ص 23).
(2)
نهاية المطلب (5/ 73)، الوسيط (3/ 53).
وَفِي اللَّبَنِ: لَبَنًا أَوْ سَمْنًا أَوْ مَخِيضًا صَافِيًا، وَلَا يَكْفِي التَّمَاثُلُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ كَالْجُبُنِ وَالأَقِطِ. وَلَا تكفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوِ الْقَلْيِ أَوِ الشَّيِّ. وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ. وَإِذَا جَمَعَتِ الصَّفْقَةُ رِبَوِيًّا مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْجنْسُ مِنْهُمَا - كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَم، وَكَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ - أَوِ النَّوْعُ؛ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا .. فَبَاطِلَةٌ
===
الانتفاعات، فيجوز بيع العصير بمثله، والثاني: لا؛ لأنه ليس على هيئة كمال المنفعة، وكلامه يوهم أن هذا لا يجيء مثله في الرطب، وليس كذلك بل له كمالات: تمر، وخلّ، وعصير، وفي خلّه وجه؛ بناء على أنه لا يتأتى إلا بالماء.
(وفي اللبن: لبنًا أو سمنًا أو مَخيضًا صافيًا) أي: خالصًا عن الماء؛ لأن كلًّا منها مقصود، ومعيار اللبن: الكيل حتى يباع الرائب بالحليب كيلًا وإن تفاوتا في الوزن، وكذا هو معيار الدهن، والخلّ، والعصير.
واعلم: أن اللبن جنس ينقسم إلى: المخيض، والحليب، والرائب، فلا يحسن جعل المخيض قسيمًا للَّبن، بل هو قسم منه.
(ولا يكفي التماثل في سائر أحواله) أي: باقي أحوال اللبن (كالجبن والأَقِط)، والمَصْل والزبد؛ لأنها لا تخلو عن مخالطة شيء، فالجبن تخالطه الإنْفَحة، والأَقِط يخالطه الملح، والمَصْل يخالطه الدقيق، والزبد يخالطه المَخيض.
(ولا تكفي مماثلةُ ما أثرت فيه النار بالطبخ أو القَلْي أو الشَّيِّ) لأن تأثير النار لا غاية له، فيؤدي إلى الجهل بالمماثلة.
(ولا يضرّ تأثير تمييزٍ؛ كالعسل والسمن) والذهب والفضة؛ فإن النار في العسل لتمييز الشمع، وفي السمن لتمييز اللبن، وفي الذهب والفضة لتمييز الغِشِّ، وهي لطيفة لا تؤثر في العقد.
(وإذا جَمَعت الصفقةُ) جنسًا (ربويًّا من الجانبين، واختلف الجنس منهما)، أو من أحدهما (كمد عجوةٍ، ودرهم بمدّ ودرهم، وكمدٍّ ودرهم بمدين أو درهمين، أو) اختلف (النوع؛ كصحاح ومكسرة بهما) أي: بالصحاح، والمكسرة (أو بأحدهما) أي: بالصحاح فقط، أو بالمكسرة فقط ( .. فباطلة)؛ لأن اختلاف
وَيَحْرُمُ بَيع اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ، وَكَذَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ فِي الأَظْهَرِ.
===
العوض من الجانبين، أو من أحدهما يوجب توزيعَ الثمن عليهما بالقيمة يوم العقد عرفًا وحكما؛ لأنه لو باع سيفًا وشقصًا من عقار بألف .. وزعت الألف عليهما باعتبار القيمة، حتى إذا كانت قيمة الشقص مئة، وقيمة السيف خمسين .. أخذ الشفيع الشقص بثلثي الألف.
والتوزيع يقتضي الجهل بالمماثلة، أو حقيقة المفاضلة؛ لأنه إذا باع مدًّا ودرهمًا بمدين مثلًا .. نظر؛ إن كانت قيمة المدّ الذي مع الدرهم أكثرَ من الدرهم؛ مثل: أن تكون قيمته درهمين .. فيكون المدّ ثلثي ما في هذا الطرف، فيقابله ثلثا المدين من الطرف الآخر، فيصير كأنه قابل مدًّا بمدّ وثلث، وإن كان أقل؛ مثل: أن تكون قيمته نصف درهم .. فيكون المدّ ثلث ما في هذا الطرف، فيقابله ثلث المدين من الطرف الآخر، وهما ثلثا مدّ، وإن كان مساويًا .. فالمماثلة وإن وجدت، لكنها تستند إلى التقويم، والتقويم حَدْس وتخمين قد يكون صوابًا، وقد يكون خطأ.
والمماثلة المعتبرة في الربا هي المماثلة الحقيقية.
(ويحرم بيع اللحم بالحيوان من جنسه) ويبطل؛ لأنه عليه السلام نهى عن بيع اللحم بالحيوان، رواه الشافعي عن مالك مرسلًا (1).
(وكذا بغير جنسه من مأكول وغيره في الأظهر) لعموم الحديث المذكور، والثاني: لا، أما في المأكول .. فبالقياس على بيع اللحم باللحم، وأما في غيره .. فلأن سبب المنع بيعُ مال الربا بأصله المشتمل عليه، ولم يوجد ذلك هنا.
* * *
(1) مختصر المزني (ص 78)، الموطأ (2/ 655).