الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في بيان حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض]
الْمَعْدِنُ الظَّاهِرُ -وَهُوَ: مَا خَرَجَ بِلَا عِلَاجٍ؛ كَنِفْطٍ وَكِبْرِيتٍ وَقَارٍ وَمُومْيَاءَ وَبِرَامٍ وَأَحْجَار رَحَىً- لَا يُمْلَكُ بِالإِحْيَاءِ، وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ اخْتِصَاصٌ بِتَحَجُّرٍ وَلَا إِقْطَاعٍ. فَإِنْ ضَاقَ نَيْلُهُ. . قُدِّمَ السَّابِقُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ،
===
لمصلحتها، أو لخوف يعرض، أو أمطار متواترة.
وفي المدرسة الموقوفة على طلبة العلم. . يمكن من الإقامة إلى استتمام غرضه، فإن تَرَك العلم والتحصيل. . أُزْعج، قالا: وفي الخانقاه: لا يمكن هذا الضبط، ففي الإزعاج إذا طال مقامه ما سبق في الشارع (1).
* * *
(فصل: المعدن الظاهر، وهو: ما خرج بلا علاج) أي: عمل (كنِفْط وكِبريت وقار) وهو الزفت (ومُومياء) بضم الميم الأولى، ممدود، وقيل: مقصور، شيء يُلقيه الماء في بعض السواحل، فيَخْمُد ويصير كالقارِ، ويقال: إنها حجارة سود باليمن.
أما المومياء التي تؤخذ من عظام الموتى. . فنجسة.
(وبِرام) وهو حجر تُعمل منه القدور (وأحجار رحىً. . لا يُملك بإحياء (2)، ولا يثبت فيه اختصاص بتحجر ولا إقطاع) بل هي مشتركة بين الناس مسلمهم وكافرهم؛ كالماء والكلأ، بجامع الحاجة العامة.
(فإن ضاق نيلُه) أي: الموضع المستخرج منه عن أخذهما دفعة (. . قدم السابق بقدر حاجته) لسبقه، قال الإمام: والرجوع في قدر الحاجة إلى العرف، فيأخذ ما تقتضيه عادة أمثاله (3).
(1) فائدة: سئل القفال رحمه الله تعالى عن تعليم الصبيان في المسجد، فقال: الأغلب من الصبيان: الضررُ بالمسجد فيحترز منهم. اهـ هامش (أ)، وانظر "الشرح الكبير"(4/ 228)، و"روضة الطالبين"(5/ 300).
(2)
في (د): (وأحجار رحىً لا يُملك بالإحياء).
(3)
نهاية المطب (8/ 306).
فَإِنْ طَلَبَ زِيَادَةً. . فَالأَصَحُّ: إِزْعَاجُهُ فَلَوْ جَاءَا مَعًا. . أُقْرِعَ فِي الأَصَحِّ. وَالْمَعْدِنُ الْبَاطِنُ - وَهُوَ: مَا لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِعِلَاجٍ، كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ - لَا يُمْلَكُ بِالْحَفْرِ وَالْعَمَلِ فِي الأَظْهَرِ. وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ بَاطِنٌ. . مَلَكَهُ.
===
(فإن طلب زيادة) على حاجته (. . فالأصحُّ: إزعاجه) لأن عكوفه عليه كالمتحجر الماءِ العِدِّ (1).
والثاني: المنع؛ للحديث المارِّ: "مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِم. . فَهُوَ لَهُ"(2).
(فلو جاءا معًا. . أُقرع في الأصحِّ) لعدم المزية، والثاني: يجتهد الإمام، ويقدم من يراه أحوج؛ كمال بيت المال.
وظاهر كلامه: أنه لا فرق بين أن يكون ما يأخذانه للتجارة أو للحاجة، وهو المشهور.
(والمعدن الباطن، وهو: ما لا يخرج إلا بعلاج؛ كذهب وفضة وحديد ونحاس) ورصاص وياقوت، وسائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض (. . لا يُملك بالحفر والعمل) في موات بقصد التملك (في الأظهر) كالمعدن الظاهر، والثاني: يملك إلى القرار؛ لأنه لا يتوصل إلى منفعته إلا بتعب ومؤنة، فكان كغيره من أراضي الموات.
وفرق الأول (3): بأن الموات يملك بالعمارة، وحفر المعدن تخريب، ولأن الموات إذا ملك. . لا يحتاج في تحصيل مقصوده إلى مثل العمل الأول، بخلاف المعدن، أما إذا لم يقصد التملك، بل قصد الحفر لينال وينصرف. . فلا يملك قطعًا.
قاله البَنْدَنيجي، وسكوته عن الإقطاع هنا قد يفهم جوازه، وهو الأظهر.
(ومن أحيا مواتًا فظهر فيه معدن باطن. . ملكه) لأنه بالإحياء ملك الأرض بجميع أجزائها، بخلاف الركاز؛ فإنه مودع فيها، وهذا إذا لم يعلم أن فيها معدنًا، فإن علم
(1) العد -بكسر العين المهملة-: هو الذي لا انقطاع لمادته، كماء البئر والعين. اهـ هامش (أ)، وفي غير (أ) هذه الجملة من ضمن الكتاب.
(2)
في (ص 436).
(3)
في (ب) و (د): (وفرق الإمام)، وانظر "نهاية المطلب"(8/ 321 - 322).
وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ مِنَ الأَوْدِيَةِ وَالْعُيُونِ فِي الْجبَالِ يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا، فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَاضيهِمْ مِنْهَا فَضَاقَ. . سُقِيَ الأَعْلَى فَالأَعْلَى وَحَبَسَ كُلُّ وَاحِدٍ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ،
===
واتخذ عليه دارًا. . فطريقان: أحدهما: أنه على القولين في تملكه بالإحياء، والثاني: القطع بالملك؛ كما لو لم يعلم.
وأما البقعة المحياة. . فظاهر المذهب -كما قال الإمام-: أنها لا تملك؛ لأن المعدن لا يتخذ دارًا ولا مزرعة، فالقصد فاسد (1).
والتقييد بالباطن قد يفهم: أنه لو ظهر فيه معدن ظاهر. . لا يملكه، وليس كذلك، وقد حكى الإمام وغيره الإجماع على أنه يملك (2).
(والمياه المباحة من الأودية والعيونِ في الجبال) وسيول الأمطار (يستوي الناس فيها) لحديث: "النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْمَاءِ وَالْكَلإ وَالنَّارِ" رواه أبو داوود (3).
(فإن أراد قوم سقيَ أراضيهم منها فضاق. . سُقي الأعلى فالأعلى) حتى لو كان زرع الأسفل يهلك إلى أن ينتهي الماء إليه. . لم يجب على من فوقه إرسالُه إليه؛ كما قاله القاضي أبو الطيب.
(وحبس كلُّ واحد الماءَ حتى يبلغ الكعبين) لأنه صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مَهْزُور ومُذنب: أن الأعلى يرسل إلى الأسفل ويحبس قدر الكعبين، رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين (4).
و(مهزور) هذا -بتقديم الزاي المضمومة على الراء-: واد بالمدينة، و (مذنب): اسم موضع بها أيضًا.
ومحل ما ذكره: إذا لم يسبق أحد إلى الإحياء، فإن سبق ثم جاء غيره وأحيا مواتًا
(1) نهاية المطلب (8/ 323).
(2)
نهاية المطلب (8/ 323).
(3)
سنن أبي داوود (3477) عن أبي خِداش عن رجل من المهاجرين، وأخرجه ابن ماجه (2472) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
المستدرك (2/ 62) عن عائشة رضي الله عنها، وأخرجه أبو داوود (3639) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
فَإِنْ كَانَ فِي الأَرْضِ ارْتفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ. . أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ، وَمَا أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ فِي إِنَاءٍ. . مُلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَحَافِرُ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ لِلارْتفَاقِ أَوْلَى بِمَائِهَا حَتَّى يَرْتَحِلَ.
===
أعلى منه وأقرب إلى فُوَّهة النهر من أرض السابق بالإحياء. . فالسابق أحقُّ، ذكره القاضي أبو الطيب وغيره، بل صرح كثيرون بأن لهم منعَه من الإحياء؛ لئلا يستدل به عند تقادم الزمان على استحقاقه قبلهم أو معهم، فيضرَّ بهم.
واحترز المصنف بقوله: (ضاق): عما إذا اتسع، فيسقي كلٌّ منهم متى شاء.
(فإن كان في الأرض) الواحدة (ارتفاع وانخفاض. . أُفرد كلُّ طرف بسقي) إذ لو سقى دفعة. . لزاد الماء في المنخفض على القدر المستحق.
وطريقه: أن يسقي المنخفض حتى يبلغ الكعبين ثم يسده، ويسقي المرتفع، قال ابن الرفعة: وهذا إذا لم يمكن سقي العالية أولًا حتى يبلغ الكعب ثم يسد عليها ويرسله إلى السافلة، فإن أمكن ذلك. . تعين فعله، وقال السبكي: الظاهر: أنه لا يتعين البداءة بالأسفل بل لو عكس. . جاز.
ومرادهم: ألّا يزيد في المنسفلة على الكعبين، وصرح في "الاستقصاء": بالتخيير بين الأمرين.
(وما أُخذ من هذا الماء) يعني: المباح (في إناء. . مُلك على الصحيح) كالاحتشاش والاحتطاب، والثاني: لا يملك الماء بحال، بل يكون محرزه أولى به من غيره.
واحترز بالإناء: عن الداخل في ملكه بسيل؛ فإنه لا يملكه بدخوله في الأصحِّ.
نعم؛ في معنى الإناء: سوقه إلى بِرْكة له أو حُفْرة في أرضه ونحو ذلك.
(وحافر بئرٍ بموات للارتفاق) كالسقي مدةَ مقامه هنا (أولى بمائها حتى يرتحل) للحديث السالف: "مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ. . فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ"(1)، فإذا ارتحل. . صارت كالنهر، فإن عاد. . فهو كغيره.
والمراد بكونه أولى بمائها: فيما يحتاج إليه منه لسقيه وماشيته وزرعه، لا مطلقًا،
(1) في (ص 436).
وَالْمَحْفُورَةُ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكٍ. . يُمْلَكُ مَاؤُهَا فِي الأَصَحِّ، وَسَوَاءٌ مَلَكَهُ أَمْ لَا. . لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَا فَضلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِزَرْعٍ، وَيَجِبُ لِمَاشِيَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ.
===
فليس له منع ما فضل عنه لشرب وماشية، بخلاف سقي الزرع، وللإمام احتمال في بذل الفاضل للزرع أيضًا (1).
قال في "زيادة الروضة": (والمراد: الفاضل الذي يجب بذلُه لماشية غيره، أما الواجب بذله لعطش آدمي محترم. . فلا يشرط فيه أن يفضل عن المزارع والماشية)(2).
(والمحفورة) في الموات (للتملك، أو في ملك. . يملك ماؤها في الأصحِّ) لأنه نماء ملكه؛ كالثمرة واللبن، والثاني: لا يملك؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثةٌ لا يُمْنَعْنَ: المَاءُ والكَلأُ والنَّارُ"(3).
(وسواء ملكه أم لا. . لا يلزمه بذلُ ما فَضل عن حاجته لزرع) أما على الملك. . فكغيره من المملوكات، وأما على مقابله. . فهو أولى به لسبقه.
(ويجب لماشية على الصحيح) لحرمة الروح بدليل وجوب سقيها، بخلاف الزرع، والثاني: لا؛ كما لا يلزمه بذلُ ماء أحرزه في إنائه، واختاره الإمام ونسبه إلى المحققين، إلا أن يخاف هلاك الماشية فيجب بذله بالقيمة؛ لحرمة الروح (4).
وأطلق المصنف الوجوب، وله شروط: ألا يجد صاحبُ الماشية ماء مباحًا، وأن يكون بقرب الماء كلأ مباح ترعاه المواشي، وإلا. . لم يجب على المذهب، وأن يكون قبل حوزه في إناء، فلا يجب بذل المحرز على الصحيح.
والمراد بالبذل: تمكين صاحب الماشية من الماء، قاله في "نكت التنبيه".
وقال الماوردي: تمكين الماشية من حضور البئر يشترط فيه: ألا يكون على صاحب الماء ضرر في زرع ولا ماشية، وإلا. . منعت، فإن أمكن أربابها سوق الماء
(1) نهاية المطلب (8/ 332).
(2)
روضة الطالبين (5/ 309).
(3)
أخرجه ابن ماجه (2473) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
نهاية المطلب (8/ 330).
وَالْقَنَاةُ الْمُشْتَرَكَةُ يُقْسَمُ مَاؤُهَا بِنَصْبِ خَشَبَةٍ فِي عَرْضِ النَّهْرِ فِيهَا ثُقَبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، وَلَهُمُ الْقِسْمَةُ مُهَايَأَةً.
===
إليها بلا ضرر يلحقه أو نقله. . لزمه تمكينهم، وإلا. . فلا (1)، ويجب البذل أيضًا للرعاة على الأصحِّ؛ لأنهم أولى من الماشية.
(والقناة المشتركة يُقسم ماؤها) عند الضيق (بنصب خشبة في عرض النهر فيها ثُقَب متساوية أو متفاوتة على قدر الحصص) لأن بذلك يصل الحقُّ إلى مستحقه، ويجوز تساوي الثُّقَب مع تفاوت الحقوق، فيأخذ صاحب الثلث مثلًا ثقبة، والآخر ثقبتين.
ويشترط في الخشبة: أن تكون معتدلة الطرفين والوسط، وتوضع على مستو من الأرض؛ لأنه متى علا أحد الطرفين. . عاد الماء إلى الموضع الآخر.
وقوله: (ثقب) هو بالثاء المثلثة، كما نقل عن خط المصنف، ويجوز قراءته بالنون أيضًا.
(ولهم) أي: للشركاء (القسمة مهايأةً) فيسقي هذا يومًا، والآخر مثله؛ كقسمة سائر الأملاك المشتركة، وهذا الطريق يتعين إذا لم تمكن القسمة على ما سبق؛ بأن تكون أراضي بعضهم بعيدة من المقسم، قاله الزركشي، وخالفت المهايأة في لبن الحلوب؛ لأنه مجهول (2).
* * *
(1) الحاوي الكبير (9/ 362).
(2)
فائدة: لا حريم للنهر عند أبي حنيفة وخالفه صاحباه، قال ابن الملقن [2/ 959]: وهو مذهبنا، وكان بعض الفقهاء الصالحين يستنكر العمائر على حافات النِّيل، ويقول: إنه لا يجوز إحياؤها. اهـ هامش (أ).