الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الإِجَارة
شَرْطُهُمَا كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ. وَالصِّيغَةُ: (أَجَّرْتُكَ هَذَا)، أَوْ (أَكْرَيْتُكَ)، أَوْ (مَلَّكْتُكَ مَنَافِعَهُ سَنَةً بِكَذَا)، فَيَقُولُ:(قَبلْتُ) أَوِ (اسْتَأْجَرْتُ) أَوِ (اكْتَرَيْتُ). وَالأَصَحُّ: انْعِقَادُهَا بِقَوْلهِ: (أَجَّرْتُكَ مَنْفَعَتَهَا)،
===
(كتاب الإجارة)
هي بكسر الهمزة في المشهور، وحكي الضم والفتح، وهي لغة: اسم للأجرة، ثم اشتهرت في العقد، وشرعًا: عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبَذل (1) والإباحة بعوض معلوم، قاله ابن الرفعة (2).
واحترز بقوله: (قابلة للبذل والإباحة) عن منفعة البُضْع، وبقوله:(بعوض معلوم) عن المساقاة؛ لجهالة العوض فيها.
وأورد عليه: الجُعالة على عمل معلوم، والمساقاة على ثمرة موجودة.
(شرطهما) أي: المؤجِّر والمستأجر (كبائع ومشترٍ) من التكليف والاختيار؛ لأنها صنف من البيع.
(والصيغة: "أجرتك هذا"، أو "أكريتك") هذا (أو "ملكتك منافعه سنةً بكذا") أما الأوليان فمجمع عليهما، وأما الثالثة: ففيها وجه (فيقول: ) على الاتصال" ("قبلت"، أو "استأجرت"، أو "اكتريت") لأنها بيع فلا بدَّ فيها من الإيجاب والقبول.
ونقل في (كتاب البيع) من "شرح المهذب" عن المتولي وآخرين أن الخلاف في المعاطاة في البيع جارٍ هنا، وفي الرهن والهبة (3).
وصورة المعاطاة هنا: أن يتفقا على شيء، ثم يتقابضا عقِبَه بلا عقد.
(والأصحُّ: انعقادها بقوله: "أجرتك منفعتها") كما لو قال: (أجرتكها)،
(1) في النسخ: (للبدل)، ولعل الصواب ما أثبت كما في "نهاية المحتاج"(5/ 261).
(2)
كفاية النبيه (11/ 202).
(3)
المجموع (9/ 156).
وَمَنْعُهَا بِقَوْلهِ: (بِعْتُكَ مَنْفَعَتَهَا). وَهِيَ قِسْمَانِ: وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ مُعَيَّنَيْنِ. وَعَلَى الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ، وَبِأَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً. وَلَوْ قَالَ:(اسْتأْجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ كَذَا) .. فَإِجَارَةُ عَيْنٍ، وَقِيلَ: ذِمَّةٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ: تَسْلِيمُ الأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهَا،
===
ويكون ذكر المنفعة تأكيدًا؛ كقول البائع: (بعتك عين هذه الدار)، والثاني: المنع؛ لأن لفظ الإجارة وُضِعَ مضافًا إلى العين؛ لأن المنفعة لا منفعة لها فكيف يضاف إليها العقد؟ !
(ومَنْعُها بقوله: "بعتك منفعتها") لأن البيع موضوع لملك الأعيان، فلا يستعمل في المنافع؛ كما لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة، والثاني: يجوز؛ لأنها صنف من البيع.
(وهي قسمان: واردة على عين؛ كإجارة العقار، ودابة أو شخص معينين، وعلى الذمة، كاستئجار دابة موصوفة، وبأن يُلزم ذمته خياطة أو بناء) ذكر المصنف هذا التقسيم لما يترتب عليه من الأحكام الآتية، ونبه على أن الوارد على العين قسمان.
أحدهما: ما لا يُتصوَّر فيه غيرُ إجارة العين، وهو إجارة العقار؛ لأنه لا يثبت في الذمة، ولهذا لا يجوز السلم في أرض ولا دار، والثاني: ما يُتصوَّر فيه الأمران، وهو الدابة والشخص، ولهذا قال:(معينين)، ومراده بالواردة على العين: ما ترتبط به العين، وتمثيله يُرشد إليه، ولا يفهم منه أن مورد الإجارة العين في الواردة على العين، بل المذهب الصحيح: أن موردها المنافعُ، سواء وردت على العين أم الذمة، خلافًا لأبي إسحاق.
(ولو قال: "استأجرتك لتعمل كذا" .. فإجارة عين) لتوجه الخطاب إلى العين، كقوله:(استأجرت هذه الدابة)، (وقيل: ذمة) لأن المقصود حصولُ العمل من جهة المخاطب، فكأنه قال:(استحقيت عليك كذا).
(ويشترط في إجارة الذمة: تسليم الأجرة في المجلس) كرأس مال السلم، لأنها سلم في المنافع، فلا يجوز فيها تأجيلُ الأجرة، ولا الاستبدال عنها، ولا الحوالة بها، ولا عليها، ولا الإبراء منها.
(وإجارة العين لا يشترط ذلك فيها) كما لا يشترط تسليمُ الثمن في البيع.
وَيَجُوزُ فِيهَا التَّعْجِيلُ وَالتّأجيلُ إِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ .. تَعَجَّلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً .. مُلِكَتْ فِي الْحَالِ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الأُجْرَةِ مَعْلُومَةً، فَلَا تَصِحُّ بِالْعِمَارَةِ وَالْعَلْفِ، وَلَا لِيَسْلَخَ بالْجِلْدِ، وَيَطْحَنَ ببَعْضِ الدَّقِيقِ أَوْ بِالنُّخَالَةِ، وَلَوِ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ فِي الْحَالِ .. جَازَ عَلَى الصحِيحِ
===
(ويجوز فيها التعجيل والتأجيل إن كانت) الأجرة (في الذمة) كالثمن، فإن كانت معينة .. لم يجز التأجيل؛ لأن الأعيان لا تؤجل.
(وإذا أُطلقت .. تعجلت) كالثمن في البيع المطلق، ويملكها المؤجر بالعقد، ويستحقُّ استيفاءها بتسليمه العين.
(وإن كانت) الأجرة (معينة .. مُلِكَتْ في الحال) كالثمن المعين.
(ويشترط: كون الأجرة معلومة) جنسًا وقدرًا وصفة؛ كالثمن في البيع، وروى أبو داوود:(أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن استئجار الأجير حتى تُميَّز له أجرتُه)(1).
(فلا تصحُّ بالعِمَارة) أي: استئجار الدار بعمارتها، (والعلف) في إجارة الدابة؛ للجهالة.
والعلف: بإسكان اللام وبفتحها؛ كما ضبطه المصنف بخطه، وهو بالفتح: ما يعلف به، وبالإسكان: المصدر.
(ولا ليسلخ بالجلد، ويطحنَ ببعض الدقيق أو بالنُّخالة) لجهالة هذه الأشياء، ولما فيه من عدم القدرة على التسليم في الحال؛ لأنها ليست على الهيئة المشروطة.
(ولو استأجرها لتُرضع رقيقًا ببعضة في الحال .. جاز على الصحيح) ولا أثر لكون عمله يقع في مشترك، كمساقاة شريكه إذا شرط له زيادةً من الثمر .. فإنه يجوز وإن كان يقع عمله في مشترك، والثاني: لا يجوز، ونقله الإمام عن الأصحاب؛ لأن عمل الأجير ينبغي أن يقع في خالص ملك المستأجر (2).
(1) المراسيل (169)، وأخرجه النسائي (7/ 32)، والبيهقي (6/ 120)، وأحمد (3/ 59) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
نهاية المطلب (8/ 197).
وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً، فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ وَإِنْ رَوَّجَتِ السِّلْعَةَ، وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ، وَكَلْبٌ لِصيدٍ فِي الأَصَحِّ. وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تسلِيمِهَا، فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ وَمَغْصوبٍ وَأَعْمَى لِلْحِفْظِ، وَأَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ، وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ، وَيَجُوزُ إِنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ،
===
واحترز بقوله: (في الحال) عما لو استأجرها ببعضه بعد الفطام .. فلا يصحُّ قطعًا؛ لأن الأجرة معينة وقد أجلها، والأعيان لا تؤجل.
(وكون المنفعة مُتقوِّمة) ليحسن بذلُ المال في مقابلتها، وإلا .. كان سفهًا وتبذيرًا.
(فلا يصحُّ استئجار بَيَّاعٍ على كلمة لا تُتْعِبُ وإن رَوَّجَتِ السلعةَ) إذ لا قيمة لها، ويلتحق بذلك ما إذا استأجره ليعلمه آية لا تعب فيها؛ كقوله تعالى:{ثُمَّ نَطَرَ} وقد صرحوا به في (الصداق).
(وكذا دراهم ودنانير للتزيين، وكلب للصيد) أو للحراسة (في الأصحِّ) أما في الأولى .. فلأن منفعة التزين لا تقصد غالبًا، ومعظم منفعتها الإنفاق، وأما في الثانية .. فلأن الكلب لا قيمة لعينه، فكذا منفعته، والثاني: يصحُّ فيهما؛ لأنها منافع تستباح بالإعارة، فاستحقت با لإجارة؛ كسائر المنافع.
وأشار بقوله: (للتزين) إلى أنه لا بدَّ من ذكره، فلو أطلق .. لم يصحَّ قطعًا؛ لأن تعيين الجهة شرط.
(وكون المؤجر قادرًا على تسليمها، فلا يصحُّ استئجار آبق ومغصوب) كبيعهما، (وأعمى للحفظ) أي: حفظ ما يحتاج إلى النظر إجارةَ عين؛ لاستحالة ذلك منه، ونحوُه الأخرس للتعليم.
(وأرضٍ للزراعة لا ماءَ لها دائم، ولا يكفيها المطر المعتاد) ولا ما في معناه؛ من النداوة، وماء الثلوج، ونحوها، ولكن إن أصابها مطر عظيم، أو سيلٌ نادر .. أمكن زرعها؛ لأنها منفعة غير مقدور عليها، ولا يكفي إمكان الحصول؛ كما لا يكفي إمكان عود الآبق والمغصوب.
(ويجوز إن كان لها ماء دائم) من عين أو نهر؛ لإمكان الزراعة حينئذ، قال ابن
وَكَذَا إِنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثُّلُوجِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الأَصحِّ. وَالامْتِنَاعُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّيِّ، فَلَا يَصحُّ اسْتِئْجَار لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ، وَلَا حَائِضٍ لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا مَنْكُوحَةٌ لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ فِي الأَصَحِّ
===
الرفعة: واستئجار الحمام في معنى استئجار الأرض للزراعة فيما يظهر.
(وكذا إن كفاها المطر المعتاد، أو ماء الثلوج المجتمعة، والغالب حصولها في الأصحِّ) لأن الظاهر حصولُ الغالب، والثاني: المنع؛ لأن السقي معجوزٌ عنه في الحال، والمتوقع لا يعلم حصوله، وبتقدير حصوله لا يعرف أنه يحصل وقت الحاجة إليه.
ويصحُّ استئجار أراضي مصر للزراعة قبل رَيِّها إذا كانت تَرْوَى من الزيادة الغالب حصولُها على الأصحِّ.
(والامتناع الشرعي كالحسي، فلا يصحُّ استئجارٌ لقلع سنٍّ صحيحة) لامتناع تسليمها شرعًا، وهذا في غير القصاص، وأما المستحقة بالقصاص .. فيجوز.
وأفهم: جوازَ الاستئجار لقلع سنٍّ عليلة، وهو الأصحُّ إذا صعب الألم وقال أهل الخبرة: إن القلع يزيله.
(ولا حائضٍ لخدمة مسجد) إجارة عين؛ لاقتضاء الخدمة المكث، وهي ممنوعة منه.
نعم؛ لو كانت كافرة وأمنت التلويث .. قال الأَذْرَعي: فيشبه الصحة، ويجوز في إجارة الذمة.
(وكذا منكوحةٌ لرضاعٍ أو غيره) مما لا يؤدي إلى خلوة محرمة (بغير إذن الزوج في الأصحِّ) لأن أوقاتها مستغرَقة بحقِّه، فلا يمكنها توفية ما التزمته، والثاني: يصح؛ لأن محلَّه غيرُ محلِّ النكاح؛ إذ لا حقَّ له في لَبَنِها وخدمتِها.
وعلى هذا: فللزوج فسخُه؛ حفظًا لحقِّه، وفي "الكافي": وجه أنه يصحُّ، ولا اعتراض للزوج، أما بإذنه .. فيصحُّ قطعًا.
والخلاف في الحرة، أما الأمة .. فللسيد أن يؤجرها نهارًا قطعًا وإن أبى الزوج.
ولو سقت المرضعةُ المستأجَرُ عينُها لبنَ غيرِها للطفل .. فلا أجرة لها، وقال أهل
وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ؛ كَـ (أَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ الْحَمْلَ إِلَى مَكَّةَ أَوَّل شَهْرِ كَذَا). وَلَا تَجُوزُ إِجَارَةُ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، فَلَوْ أَجَّرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَأْجِرِ الأَولَى قَبْلَ انْقِضَائِهَا .. جَازَ فِي الأَصحِّ
===
العراق: لها الأجرة، قال الروياني: وهو غلط؛ لأنها لم تأت بما هو مستحق بالعقد.
(ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة؛ كـ "ألزمت ذمتك الحملَ إلى مكة أولَ شهرِ كذا") لأن الدَّينَ يقبل التأجيل؛ كما لو أسلم في شيء إلى أجل معلوم.
وقوله: (أول شهر كذا) تبع فيه "المحرر"(1)، وظاهره: أنه تأجيل صحيح، لكن في "الروضة" و"أصلها" في (السلم) عن الأصحاب أنه لو قال كـ:(أول رمضان) .. بطل؛ لأنه يقع على جميع النصف الأول" (2)، فلو مثل كـ "الشرحين" و"الروضة" بغرة شهر كذا (3) .. لكان حسنًا.
(ولا تجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة) كإجارة الدار السنة المستقبلة؛ قياسًا على البيع، فإنه لو باع العين على أن يسلمها بعد شهر .. لم يصحَّ، فكذا الإجارة.
(فلو أجَّر السنة الثانية لمُستأجرِ الأُولى قبل انقضائها .. جاز في الأصحِّ) لاتصال المدتين؛ كما لو أجر منه السنتين في عقدٍ واحد، والثاني: لا يجوز؛ كما لو أجرها من غيره، أو منه مدةً لا تتصل بالمدة الأولى، وصححه جمع، وقال البَنْدَنيجي والروياني: إنه الأقيس.
وأُورِد على المصنف: ما لو قال: (أجرتك سنة فإذا انقضت .. فقد أجرتك سنة أخرى)، فإن الصحيح فيها: بطلان العقد الثاني مع صدق أنه أجر السنة الثانية قبل انقضاء الأولى.
فلو عبر بقوله: (في أثنائها) .. لكان أولى، وأجيب: بأنه في هذه الصورة ليس مستأجر الأولى.
(1) المحرر (ص 230).
(2)
روضة الطالبين (4/ 10)، والشرح الكبير (4/ 400).
(3)
روضة الطالبين (5/ 182)، والشرح الكبير (6/ 96).