المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الوصايا تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَكَذَا - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ البيع

- ‌بابُ الرِّبا

- ‌بابٌ [البيوع المنهي عنها]

- ‌فصلٌ [في المنهيات التي لا يقتضي النهي فسادها]

- ‌فصلٌ [في تفريق الصفقة]

- ‌بابُ الخيار

- ‌فصلٌ [في خيار الشرط وما يتبعه]

- ‌فصلٌ [في خيار النقيصة]

- ‌فرعٌ [في عدم تفريق الصفقة بالعيب]

- ‌فصلٌ [في التصرية]

- ‌بابٌ [في حكم المبيع قبل قبضه وبعده والتصرف فيه]

- ‌فَرعٌ [في تتمة أحكام الباب]

- ‌فَرعٌ [في تتمة الباب أيضًا]

- ‌بابُ التّولية والإشراك والمراجعة

- ‌بابُ الأصول والثّمار

- ‌فَرعٌ [في دخول ما يتبع المبيع في البيع]

- ‌فصَلٌ [في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما]

- ‌بابُ اختلاف المتبايعين

- ‌بابٌ [معاملة الرّقيق)

- ‌كتابُ السَّلَم

- ‌فصَلٌ [في بقية الشروط السبعة]

- ‌فَرعٌ [في محل السلم وشروطه]

- ‌فصلٌ [في بيان أخذ غير المسلم فيه عنه ووقت أدائه ومكانه]

- ‌فصلٌ [في القرض]

- ‌كتابُ الرَّهْن

- ‌فصَلٌ [في شروط المرهون به ولزوم الرهن]

- ‌فصلٌ [فيما يترتب على لزوم الرهن]

- ‌فصلٌ [في جناية المرهون]

- ‌فصلٌ [في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به]

- ‌فصلٌ [في تعلق الدين بالتركة]

- ‌كتاب التفليس

- ‌فصلٌ [فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما]

- ‌فَصْلٌ [في رجوع المعامل للمفلس عليه بما عامله به ولم يقبض عوضه]

- ‌بابُ الحَجْر

- ‌فَصْلٌ [فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله]

- ‌بابُ الصُّلْح

- ‌فَصْلٌ [في التزاحم على الحقوق المشتركة]

- ‌بابُ الحَوالة

- ‌بابُ الضَّمان

- ‌فصلٌ [في كفالة البدن]

- ‌فصلٌ [في صيغتي الضمان والكفالة]

- ‌كتابُ الشّركة

- ‌كتابُ الوكالة

- ‌فصَلٌ [في أحكام الوكالة بعد صحتها]

- ‌فصَلٌ [فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة]

- ‌فصَلٌ [في بيان جواز الوكالة وما تنفسخ به]

- ‌كتابُ الإقرار

- ‌فَصْلٌ [في الصيغة]

- ‌فَصْلٌ [في شروط المُقَرِّ به]

- ‌فَصْلٌ [في بيان أنواع من الإقرار وفي بيان الاستثناء]

- ‌فَصْلٌ [في الإقرار بالنسب]

- ‌كتابُ العاريَّة

- ‌فَصْلٌ [في رد العارية]

- ‌كتابُ الغَصْب

- ‌فَصلٌ [في بيان حكم الغصب]

- ‌فَصلٌ [في اختلاف المالك والغاصب]

- ‌فَصلٌ [فيما يطرأ على المغصوب من زيادة ووطء وانتقال]

- ‌كتابُ الشُّفْعة

- ‌فَصلٌ [في بيان بدل الشقص الذي يؤخذ به والاختلاف في قدر الثمن]

- ‌كتابُ القِراض

- ‌فَصْلٌ [في بيان الصيغة وما يشترط في العاقدين]

- ‌فَصْلٌ [في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين]

- ‌كتابُ المساقاة

- ‌فَصْلٌ [فيما يشترط في عقد المساقاة]

- ‌كتابُ الإِجَارة

- ‌فَصْلٌ [في بقية شروط المنفعة وما تقدر به]

- ‌فَصْلٌ [في منافع يمتنع الاستئجار لها ومنافع يخفى الجواز فيها وما يعتبر فيها]

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم المكري أو المكتري لعقار أو دابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان غاية المدة التي تقدر بها المنفعة تقريبًا]

- ‌فَصْلٌ [فيما يقتضي انفساخ الإجارة والتخيير في فسخها وما لا يقتضيهما]

- ‌كتابُ إحياء المَوات

- ‌فَصْلٌ [في حكم المنافع المشتركة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض]

- ‌كتابُ الوَقْف

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الوقف اللفظية]

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الوقف المعنوية]

- ‌فصلٌ [في بيان النظر على الوقف وشرطه ووظيفة الناظر]

- ‌كتابُ الهِبَة

- ‌كتابُ اللُّقَطة

- ‌فصلٌ [في بيان لقط الحيوان وغيره وتعريفها]

- ‌فصلٌ [في تملك اللقطة وغرمها وما يتبعها]

- ‌كتابُ اللَّقيط

- ‌فصلٌ [في الحكم بإسلام اللقيط]

- ‌فصلٌ [في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه وتوابع ذلك]

- ‌كتابُ الجعالة

- ‌كتابُ الفرائض

- ‌فصلٌ [في بيان الفروض التي في القرآن الكريم وذويها]

- ‌فصلٌ [في الحجب]

- ‌فصلٌ [في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادًا واجتماعًا]

- ‌فصلٌ [في كيفية إرث الأصول]

- ‌فصلٌ [في إرث الحواشي]

- ‌فصلٌ [في الإرث بالولاء]

- ‌فصلٌ [في حكم الجد مع الإخوة]

- ‌فصلٌ [في موانع الإرث]

- ‌فصلٌ [في أصول المسائل وما يعول منها]

- ‌فَرْعٌ [في تصحيح المسائل]

- ‌فَرْعٌ [في المناسخات]

- ‌كتابُ الوصايا

- ‌فصَلٌ [في الوصية لغير الوارث وحكم التبرعات في المرض]

- ‌فصلٌ [في بيان المرض المخوف ونحوه]

- ‌فصلٌ [في أحكام الوصية الصحيحة ولفظها]

- ‌فصلٌ [في أحكام معنوية للموصى به]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الوصية]

- ‌فَصْلٌ [في الإيصاء وما يتبعه]

- ‌كتابُ الوَدِيعة

- ‌كتابُ قَسْم الفيء والغنيمة

- ‌فَصْلٌ [في الغنيمة وما يتبعها]

- ‌كتابُ قَسْم الصّدقات

- ‌فَصْلٌ [في بيان مستند الإعطاء وقدر المعطى]

- ‌فَصْلٌ [في القسمة بين الأصناف وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في صدقة التطوع]

الفصل: ‌ ‌كتابُ الوصايا تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَكَذَا

‌كتابُ الوصايا

تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ،

===

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه توفيقي، وهو حَسبي

يا رَبِّ يَسَّرْ، وَامْنُنْ بإتْمَامِهِ يا كرِيم، وَاخْتِمْ بخَيْر (1)

(كتاب الوصايا)

هي جمع وصية؛ كعرايا وعرية، وهدايا وهدية، مأخوذة من وَصَيْتُ الشيء بالشيء أَصِيه: إذا وصلته؛ لأن الموصي وصل القربةَ الواقعة بعد الموت بالقربات المُنجَّزة في حياته، وهي في الشرع: تبرع مضاف إلى ما بعد الموت.

والأصلُ فيها: قوله تعالى في أربعة مواضع من المواريث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} .

وحديث: "مَا حَقُّ أمْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مُكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ" متفق عليه (2)، والإجماع قائم على مشروعيتها.

(تصح وصية كلِّ مكلف حرّ) مختار بالإجماع؛ لأنها تبرع (وإن كان كافرًا) ولو حربيًّا؛ لأنه يصحُّ إعتاقه وتمليكاته، والمرتد؛ إن أبقينا ملكه .. صحت وصيته على الأصحِّ في "البحر"، وإن وقفناه .. وقفنا وصيته؛ كما ذكره المصنف في (كتاب الردة)(3).

(وكذا محجور عليه بسفه على المذهب) لصحة عبارته، بدليل قبول إقراره بالعقوبة، ونفوذ طلاقه، ولاحتياجه إلى الثواب، هذا أصحُّ الطريقين. ونقل ابن

(1) راعينا في صياغة هذه الديباجة جميع النسخ.

(2)

صحيح البخاري (2738)، صحيح مسلم (1627) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

منهاج الطالبين (ص 502).

ص: 587

لَا مَجْنُونٍ وَمُغْمَىً عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ - وَفِي قَوْلٍ: تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ -

===

عبد البرِّ والأستاذ أبو منصور وغيرهما: الإجماع فيه (1).

وقيل: على القولين في الصبي المميز؛ لأنه مثلُه في أن عبارته ملغاة في التبرع.

وقضية تقييده بالمحجور: أن السفيه الذي لم يحجر عليه بأن طرأ السفه .. تصحُّ وصيته بلا خلاف، وليس كذلك؛ فإنا إذا قلنا: بعود الحجر من غير حاكم .. ففيه الخلاف في المحجور.

واحترز بالسفه: عن حجر الفلس .. فإنه تصحُّ وصيته قطعًا؛ كما قاله القاضي الحسين.

وقال الماوردي: إن ردها الغرماءُ .. بطلت، وإن أجازوها .. صحت، إن قيل: حجره حجر مرض، وإن قيل: حجر سفه .. ففيه الخلاف (2).

وقال الجرجاني: لا تصحُّ وصيته في غير المال، وتصحُّ مطلقة؛ لأنه لا ضرر على الغرماء.

(لا مجنون ومغمىً عليه) إذ لا عبارة لهما، وفي معناهما: من عاين الموت؛ إذ لا قول له، حكاه الرافعي عن الأصحاب في الكلام على المرض المخوف (3).

(وصبي) لأنها عقد تمليك، فلم تصحَّ؛ كهبته وإعتاقه، (وفي قول: تصحُّ من صبي مميز) لأنها لا تزيل ملكه في الحال، وتفيد الثواب بعد الموت، فصحت كسائر القربات، بخلاف الهبة والإعتاق، وهذا ما رجحه جمع من الأصحاب، فعلى هذا: لو وهب في مرض موته أو أعتق .. فقضية كلام الشيخين: الجزمُ بعدم نفوذه؛ لأن الوصية يمكن الرجوع فيها (4)، بخلافهما.

وحكى الماوردي وغيره في نفوذ العتق والهبة: وجهين، ورجح السبكي منهما: المنع.

(1) الاستذكار (23/ 26).

(2)

الحاوي الكبير (10/ 11).

(3)

الشرح الكبير (7/ 43).

(4)

الشرح الكبير (7/ 26)، روضة الطالبين (6/ 109 - 110).

ص: 588

وَلَا رَقِيقٍ، وَقِيلَ: إِنْ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ .. صَحَّتْ. وَإِذَا وَصَّى لِجهَةٍ عَامَّةٍ .. فَالشَّرْطُ: أَلَّا تَكُونَ مَعْصِيَةً كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ، أَوْ لِشَخْصٍ .. فَالشَّرْطُ: أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ؛ فَتَصِحُّ لِحَمْلٍ

===

وأفهم كلام المصنف: أن غير المميز لا تصحُّ منه قطعًا، وبه صرح الدارمي والمتولي.

(ولا رقيق) ولو مدبرًا ومكاتبًا وأم ولد؛ لأن الله تعالى جعل الوصية حيث التوارث، والعبد لا يورث فلم يدخل في الأمر بالوصية.

(وقيل: إن عتق ثم مات .. صحت) لأن عبارته صحيحة، وقد أمكن العمل بها، والصحيح: المنع؛ لعدم أهليته حينئذ.

(وإذا وصى لجهة عامة .. فالشرط: ألّا تكون معصيةً؛ كعمارة كنيسة) وكتابة التوراة والإنجيل، وكتب النجوم والفلسفة، وسائر العلوم المحرمة؛ لأن القصد من الوصية تداركُ ما فات في حال الحياة من الإحسان؛ فلا يجوز أن تكون معصية، وسواء أوصى بذلك مسلم أو كافر، بل حكى الشيخ عز الدين عن الأشعري: أن الوصية ببناء الكنيسة من المسلم .. ردة.

وإذا انتفت المعصية .. فلا فرق بين أن تكون قربة؛ كالفقراء وبناء المسَاجد، أو مباحة لا تظهر فيها القربة؛ كالوصية للأغنياء.

وأطلق منع الوصية بعمارة الكنيسة، ومحلُّه: في بناء كنيسة للتعبد، أما كنيسة ينزلها المارة، أو وقفها على قوم يسكنونها، أو يحمل كِراؤها للنصارى .. فتجوز، وقيل: إن خص نزولها بأهل الذمة .. لم يجز؛ لأن فيه جمعًا له، فيفضي إلى تعبدهم، واختاره السبكي، وقال: ينبغي تخصيص الجواز بما إذا لم يسمها باسم الكنيسة، فإن سماها باسمها .. بطل قطعًا.

(أو لشخص) معين وإن تعدد أفراده؛ كزيد وعمر وبكر ( .. فالشرط: أن يتصور له الملك) عند الموت ولو بمعاقدة وليه، أو بإرثه؛ لأنها تمليك.

(فتصحُّ لحمل) كما يرث، بل أولى؛ لصحة الوصية لمن لا يرث؛ كالمكاتب، هذا في الحمل الموجود ولو نطفة، أما لو قال:(لحملها الذي سيحدث) .. فالأصحُّ: البطلان.

ص: 589

وَتَنْفُذُ إِنِ انْفَصَلَ حَيًّا وَعُلِمَ وُجُودُهُ عِنْدَهَا؛ بِأَنِ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنِ انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ وَالْمَرْأَةُ فِرَاشُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ .. لَمْ يَسْتَحِقَّ، فَإِنْ لَمْ تكُنْ فِرَاشًا وَانْفَصَلَ لِأكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ .. فَكَذَلِكَ، أَوْ لِدُونهِ .. اسْتَحَقَّ فِي الأَظْهَرِ

===

(وتنفذ إن انفصل حيًّا) بحياة مستقرة، فإن انفصل ميتًا ولو بجناية جان .. فلا شيء له؛ كما لا يرث.

(وعُلم وجوده عندها؛ بأن انفصل لدون ستة أشهر) من الوصية؛ لأنها أقلُّ مدة الحمل، فإذا خرج قبلها .. علم أنه كان موجودًا عند الوصية، وسواء كان لها زوج أو سيد أم لا.

(فإن انفصل لستة أشهر فأكثر والمرأة فراش زوج أو سيد .. لم يستحق) لاحتمال حدوثه بعد الوصية فلا يستحق بالشك، وقيده الإمام بما إذا ظن أنه يغشاها أو أمكن بأن كان معها في بلد ولا مانع، ويكفي من السيد إقرارُه بوطئها (1).

وإلحاقهم الستة أشهر هنا بما فوقها يخالف ما ذكروه في (الطلاق) و (العدة) من إلحاقها بما دونها، وصوبه في "المهمات" لأنه لا بدَّ من تقدير زمن للعلوق بلحظتي الوطء والوضع، وإمكان غَشَيانها (2).

ويستثنى من إطلاق المصنف: ما لو انفصل لدون ستة أشهر أحد توأمين ثم انفصل توأم آخر وبينه وبين الأول دون ستة أشهر .. فإنه يدخل في الوصية وإن زاد ما بين الوصية وبين انفصاله على ستة أشهر.

(فإن لم تكن فراشًا وانفصل لأكثر من أربع سنين .. فكذلك) للعلم بأنه لم يكن موجودًا عند الوصية، فإن أكثر الحمل أربعُ سنين.

(أو لدونه .. استحق في الأظهر) كما يثبت النسب، ولأن الظاهر وجودُه عند الوصية؛ لأن وطء الشبهة نادر، والزنا إساءة ظن، والثاني: المنع؛ لاحتمال العلوق بعد الوصية ويخالف النسب؛ فإنه يثبت بالإمكان، والوصية لا تثبت إلا باليقين.

قال السبكي: وصورته - كما يقتضيه كلام أبي الطيب -: في متوفى عنها أو

(1) نهاية المطلب (11/ 115).

(2)

المهمات (6/ 334).

ص: 590

وَإِنْ وَصَّى لِعَبْدٍ فَاسْتَمَرَّ رِقُّهُ .. فَالْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي .. فَلَهُ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قَبِلَ .. بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَ تُمْلَكُ؟

===

مطلقة، أما من لم يعرف لها زوج ولا سيد .. فينبغي القطع بعدم الاستحقاق؛ لانتفاء الظهور حينئذ.

وذكر المصنف الضمير في قوله: (لدونه) تبعًا لـ "المحرر"(1) ليعود على (أكثر)، فيفيد أنه لو انفصل لأربع سنين بغير زيادة .. استحق.

(وإن وصى لعبد) لغيره وليس بمكاتب ولا مبعض (فاستمر رقه) إلى موت الموصي ( .. فالوصية لسيده) عند موت الموصي؛ كما لو اصطاد أو احتطب، فلو قتل العبد الموصيَ .. لم تبطل الوصية (2)، ولو قتله سيده .. كانت الوصية لقاتل.

ويقبلها العبد لا السيد وإن كانت الوصية له؛ لأن الخطاب ليس معه، ولا يفتقر قبول العبد إلى إذن السيد على الأصحِّ في المسألتين.

(فإن عتق قبل موت الموصي .. فله) لأن الوصية تملك بعد الموت، وهو حرٌّ حينئذ.

(وإن عتق بعد موته ثم قَبِل .. بُني على أن الوصية بمَ تملك؟ ) فإن قلنا بالموت أو موقوفة .. فللسيد، وإن قلنا: بالقبول .. فللعبد.

واحترز بقوله: (ثم قبل): عما لو قبل ثم عتق .. فهي للسيد.

واعلم: أنهم أطلقوا هنا كونَ الوصية للسيد، وفصلوا في (الوقف) و (الهبة) بين أن يقصد العبد نفسه؛ فيبطل في الجديد، أو السيد أو يطلق؛ فلسيده، قال السبكي: ولم يقل أحد هنا بهذا التفصيل، فيحتمل حمل كلامهم هنا على حالة الإطلاق، وإليه جنح ابن الرفعة (3)، ويحتمل عدم مجيء التفصيل هنا.

والفرق: أنه قد يعتق قبل موت الموصي؛ فتكون الوصية له أو لا؛ فلسيده، بخلاف الهبة والوقف؛ فإن الاستحقاق فيهما ناجز، فأبطلنا فيما إذا قصد من ليس أهلًا للملك، وصححنا في غيره.

(1) المحرر (ص 268).

(2)

في (و): (فلو قتل العبد الموصى له).

(3)

كفاية النبيه (12/ 90).

ص: 591

وَلَوْ وَصَّى لِدَابَّةٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ .. فَبَاطِلَةٌ، فَإِنْ قَالَ:(لِيُصرَفَ فِي عَلْفِهَا) .. فَالْمَنْقُولُ: صِحَّتُهَا. وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ،

===

وخرّج بعضهم صحةَ الوصية فيما إذا قصد العبد نفسه: على أن العبد يملك أم لا؟

(ولو وصى لدابة وقصد تمليكها أو أطلق .. فباطلة) لأن مطلق اللفظ للتمليك، والدابة لا تملك، بخلاف الإطلاق للعبد؛ فإنه ينتظم معه الخطاب ويتأتى منه القبول، وربما عتق قبل موت الموصي؛ فيثبت له الملك، بخلاف الدابة، وقد جزموا هنا بالبطلان، وذكروا في إطلاق الوقف عليها وجهين في كونه وقفًا على مالكها.

قال الرافعي: فيشبه مجيئهما هنا وقد يفرق: بأن الوصية تمليكٌ محض، فينبغي إضافته إلى من يملك، بخلاف الوقف، قال النووي: والفرق أصحُّ، وقال ابن الرفعة: في الفرق نظر من حيث إنه لا خلاف أن الموقوف عليه يملك المنفعة، والدابة لا تملك شيئًا (1)، ورده السبكي بأن المنفعة تابعة للعين، وإنما يملكها عند التناول.

انتهى، وفيه نظر.

قال الزركشي: وقد حكى ابن يونس عن جده: أنه في حالة الإطلاق تكون على الوجهين في الوقف عليها، قال: وأولى بالصحة؛ لأن باب الوصية أوسع.

(فإن قال: "ليصرف في علفها" .. فالمنقول: صحتها) لأن علفها على مالكها، فهو المقصود بالوصية، ويشرط قبوله على الأصحِّ؛ لأنه الذي يملكها؛ كسائر الوصايا.

وأشار بقوله: (المنقول) إلى احتمال للرافعي من مجيء وجهين؛ كنظيره من الوقف (2).

وضبط المصنف بخطه (علفها)، بإسكان اللام وفتحها، وهو صحيح، فبالإسكان: المصدر، وبالفتح: المأكول.

(وتصحُّ لعمارة مسجد) إنشاءً وترميمًا؛ لأنه قربة، وسواء المسلم والكافر، وكذا تصحُّ على مصالح المسجد.

(1) الشرح الكبير (7/ 18)، روضة الطالبين (6/ 105)، كفاية النبيه (12/ 21).

(2)

الشرح الكبير (7/ 18).

ص: 592

وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأَصحِّ ويُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ، وَلِذِمِّيٍّ،

===

(وكذا إن أطلق في الأصحِّ) فإن قال: (أوصيت به للمسجد) .. فيصحُّ.

(ويحمل على عمارته ومصالحه) عملًا بالعرف، ويصرفه الناظر إلى الأهم والأصلح باجتهاده، والثاني: تبطل؛ لأنه لا يملك؛ كالدابة، وردّه الإمام؛ بأن الوصية للدابة نادر مستنكر في العرف، فتعين اعتبار اللفظ (1).

وسكت المصنف عما إذا قال: (أردت تمليك المسجد)، ونقل الرافعي عن بعضهم: أن الوصية باطلة، ثم بحث فيه؛ لأن للمسجد ملكًا وعليه وقفًا، وذلك يقتضي صحة الوصية، قال المصنف: وهذا هو الأفقه الأرجح (2)، وقال ابن الرفعة: في كلام الرافعي ما يفهم جواز الهبة للمسجد، قال ابن الملقن:(وبه صرح القاضي في "تعليقه" في "باب الوقف" (3).

والكعبة في ذلك كالمسجد؛ كما صرح به في "البيان" نقلًا عن الشيخ أبي علي، قال: ويصرف إلى عمارتها (4)، وقيل: إلى مساكين مكة.

قال ابن الملقن: (وينبغي إلحاق الكسوة بالعمارة؛ فإنها من جملة المصالح، وكذا ما أوصي به للضريح النبوي يحمل على ما يختص به دون الأشياء الخارجة عنه في حرمه؛ فإنها قد تدخل في الوصية للحرم)(5).

(ولذمي) كما يجوز التصدق عليه، وروى البيهقي:(أن صفية أوصت لأخيها بألف دينار وكان يهوديًّا)(6).

وعن محمد بن الحنفية وعطاء وقتادة في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} : هو وصية المسلم لليهودي والنصراني (7)، والمعاهدُ والمستأمن: كالذمي.

(1) نهاية المطلب (11/ 294).

(2)

الشرح الكبير (7/ 19)، روضة الطالبين (6/ 107).

(3)

عجالة المحتاج (3/ 1082).

(4)

البيان (8/ 236).

(5)

عجالة المحتاج (3/ 1082).

(6)

سنن البيهقي (6/ 281).

(7)

انظر "تفسير الطبري"(28347 - 28351).

ص: 593

وَكَذَا حَرْبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ فِي الأَصَحِّ، وَقَاتِلٌ فِي الأَظْهَرِ،

===

ومحلُّ الصحة: بما يجوز له تملكه؛ فلا يصحُّ بالمصحف والعبد المسلم على النصِّ.

(وكذا حربي ومرتد في الأصحِّ) كالهبة والصدقة والبيع، ويفارق الوقف؛ لأنه يراد للدوام، وهذان مقتولان، والثاني المنع؛ للأمر بقتلهما، فلا معنى للوصية لهما ونقض التعليل: بالزاني المحصن؛ فإن الوصية تصحُّ له مع كونه مقتولًا.

ومحلُّ الخلاف في الحربي: إذا أوصى له بغير السلاح والخيل، فإن أوصى له بشيء منهما .. فهو كبيعه منه.

ومسألة المرتد من زوائد الكتاب على "المحرر" من غير تمييز، وإنما تأتي على القول ببقاء ملكه، كما قاله صاحب "الذخائر" وغيره، وحينئذ: فهذا من تفريع المرجوح.

وصورة المسألة: أن يوصي لشخص وهو مرتد، فلو أوصى لمن يرتد .. بطل، أو لمسلم فارتد .. فهي جائزة قطعًا، ذكرهما الماوردي (1).

(وقاتل في الأظهر) لأنها تمليك بعقد فضاهت الهبة، وخالفت الإرث، والثاني: المنع؛ لأنه مال مستحق بالموت؛ كالإرث، وخص ابن يونس في "شرح التعجيز" وابن الرفعة الخلافَ بالقاتل الحرّ (2)؛ فلو أوصى للقاتل الرقيق .. صحت قطعًا، ولا حاجة إليه فإن الوصية لسيده وليس قاتلًا، ولهذا لو قتله السيد .. كانت وصية للقاتل.

وقد استشكل محلُّ الخلاف؛ فإنه إن كان فيما إذا أوصى لمن يقتله .. لم يصحَّ قطعًا، أو فيما إذا أوصى لشخص فقتله .. فليس بقاتل حقيقة عند الوصية قطعًا، والخلاف في هذه الحالة إنما يتجه في بطلانها لا في انعقادها؛ ولهذا قال صاحب "الذخائر": إن في العبارة تسمحًا، وتحريرها أن يقال: إذا قتل الموصى له الموصي أو وجد منه ما ينسب به القتل إليه .. هل تبطل الوصية أو لا؟ قولان.

(1) الحاوي الكبير (10/ 15).

(2)

كفاية النبيه (12/ 147).

ص: 594

وَلِوَارِثٍ فِي الأَظْهَرِ إِنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِمْ وَإِجَازَتِهِمْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِ وَارِثًا بِيَوْمِ الْمَوْتِ. وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بقَدْرِ حِصَّتِهِ .. لَغْوٌ، وَبِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ .. صَحِيحَةٌ، وَتَفْتَقِرُ إِلَى الإِجَازَةِ فِي الأَصَحِّ. وَتَصِحُّ بِالْحَمْلِ وَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُهُ

===

(ولوارث) خاص (في الأظهر إن أجاز باقي الورثة) المطلقين التصرف؛ لما رواه البيهقي عن ابن عباس مرفوعًا: "لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ"، قال الذهبي: في "مختصره" وهو: صالح الإسناد (1)، وقياسًا على الوصية للأجنبي بالزائد على الثلث، والثاني: باطلة وإن أجازوها؛ لأنه صحَّ: "لا وَصِيَّةَ لوَارِثٍ"(2).

(ولا عبرة بردِّهم وإجازتهم في حياة المُوصي) إذ لا استحقاق لهم قبل موته وقد يبرأ وقد يموتون قبله، وأفهم اعتباره: بعد موته ولو قبل القسمة وهو الصحيح، وقيل: كالإجازة قبل الموت.

(والعبرة في كونه وارثًا بيوم الموت) أي: حالة الموت، فلو أوصى لأخيه فحدث له ابن قبل موته .. صحت، ولو أوصى لأخيه وله ابن فمات قبل الموت .. فهي وصية لوارث.

(والوصية لكلِّ وارث بقدر حصته) مشاعًا؛ من نصف وربع ونحوهما بحسب فرض الوارث ( .. لغو) لأنه يستحقه بغير وصية.

(وبعين هي قدر حصته .. صحيحة، وتفتقر إلى الإجازة في الأصحِّ) لا ختلاف الأغراض في الأعيان ومنافعها؛ ولهذا لو أوصى ببيع عين ماله لزيد .. صحت الوصية على الأصحِّ، والثاني: لا يفتقر إليها؛ لأن حقوقهم في قيمة التركة لا في عينها، بدليل أنه لو باع المريض التركةَ بأثمان أمثالها .. صحَّ وإن لم يرضوا بذلك.

(وتصحُّ بالحمل) الموجود؛ كإعتاقه، (ويشترط) لصحة الوصية به (انفصاله

(1) سنن البيهقي (6/ 284).

(2)

أخرجه أبو داوود (2870)، والترمذي (2120)، وابن ماجه (2713) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.

ص: 595

حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا، وَبِالْمَنَافِعِ، وَكَذَا بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الأَصَحِّ، وَبِأَحَدِ عَبْدَيْهِ، وَبِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الانْتِفَاعُ بِهَا

===

حيًّا لوقت يعلم وجوده عندها) أي: عند الوصية؛ كما سبق في الوصية له، ويرجع إلى أهل الخبرة في حمل البهائم.

وقضية كلامه: البطلان إذا انفصل ميتًا مطلقًا، ويستثنى: ما لو انفصل بجناية جان .. فإن الوصية لا تبطل وتنفذ من الضمان؛ لأنه انفصل مُتقوَّمًا، بخلاف ما إذا أوصى لحمل وانفصل ميتًا بجناية جان .. فإنها تبطل؛ لأن المعتبر هناك المالكية (1).

(وبالمنافع) المباحة وحدها مؤبدة ومطلقة؛ لأنها أموال تقابل بالأعواض؛ كالأعيان، وكذا تصحُّ بالعين دون المنفعة، وبالعين لواحد والمنفعة لآخر.

(وكذا بثمرة أو حمل سيحدثان في الأصحِّ) لأن الوصية احتمل فيها وجوه من الغرر؛ رفقًا بالناس وتوسعة، فصحت بالمعدوم كما تصحُّ بالمجهول، والثاني: المنع؛ لأن التصرف يستدعي متصرفًا فيه ولم يوجد، والثالث: تصحُّ بالثمرة دون الحمل؛ لأنها تحدث من غير إحداث أمر في أصلها، بخلاف الولد، وإذا قلنا بالصحة في الحمل فولدته لأقلَّ من ستة أشهر .. لم يكن موصى به؛ لأنه كان موجودًا، وإنما أوصى بما سيحدث.

(وبأحد عبديه) لأن الوصية تحتمل الجهالة، فلا يؤثر فيها الإبهام ويعين الوارث، بخلاف:(أوصيت لأحد الرجلين)، فإنه باطل في الأصحّ؛ فإنه يحتمل في الموصى به ما لا يحتمل في الموصى له، ولهذا صحت:(بحمل سيحدث) لا (لحمل سيحدث).

نعم؛ لو قال: (أعطوا لأحد الرجلين كذا) .. صحَّ؛ كما لو قال لوكيله: (بع لأحد الرجلين).

(وبنجاسة يحلُّ الانتفاع بها) لثبوت الاختصاص فيها وانتقالها بالإرث والهبة، وخرج ما لا يحلُّ الانتفاع به؛ كالخنزير وفرعه، والكلب العقور، والخمر غير المحترمة.

(1) في (ز): (المعتبر هناك المالية).

ص: 596

كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ وَزِبْلٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ. وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ .. أُعْطِيَ أَحَدَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ .. لَغَتْ،

===

(ككلب مُعلَّم) على الصحيح؛ لجواز اقتنائه.

وقوله: (معلَّم): يفهم المنع في الجرو القابل للتعلم، والأصحُّ: جوازه بناء على جواز اقتنائه لذلك، وكذا تجوز الوصية بكلب يتخذ للدور وإن لم يكن معلَّمًا؛ لأنه يدافع بطبعه.

(وزِبْل) ونحوه مما ينتفع به؛ كالسَّماد، (وخمر محترمة) وهو ما عصر بقصد الخلية أو لا يقصد الخمر به على الخلاف فيه.

نعم؛ لو استحكمت المحترمة وأيس من عودها خلًّا إلا بصنع آدمي .. لم يجز إمساكها على الأشبه عند ابن الرفعة، وقياسه: بطلان الوصية بها.

(ولو أوصى بكلب من كلابه .. أُعطي أحدَها) والخيرة للوارث إن كان الموصى له صاحب صيد وزرع وحرث، فإن لم يعان واحدًا منها (1) .. ففي بطلان الوصية وجهان في "الحاوي"(2)، قال الأَذْرَعي: الأقرب: المنع، وقد صححه في "شرح المهذب" بالنسبة إلى جواز اقتنائه.

وإن عانى أحدَها فقط، فهل يلزم الوارث ما يناسبه دون غيره أو يتخير فيعطيه ما شاء؟ وجهان: قال: المنكت: أوفقهما لإطلاقهم: لا يلزم (3)، لكن جزم الدارمي بأنه يعطى ما يليق به، قال الأَذْرَعي: وهو المختار.

(فإن لم يكن له كلب .. لغت) سواء قال: (من كلابي) أو (مالي)، بخلاف:(أعطوه عبدًا من مالي) .. فإنه يشترى له؛ لإمكانه، بخلاف الكلب؛ فإنه يتعذر شراؤه، ولو تجدد له كلب .. قال الأَذْرَعي: فيشبه أن يكون على وجهين: أقربهما: الصحة؛ نظرًا إلى حالة الموت، لا حالة الوصية.

(1) أي: إن لم يُحسن القيام بواحد منها.

(2)

الحاوي الكبير (10/ 67).

(3)

السراج (5/ 89).

ص: 597

وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ وَوَصَّى بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا .. فَالأَصَحُّ: نُفُوذُهَا وَإِنْ كَثُرَتْ وَقَلَّ الْمَالُ. وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ وَطَبْلٌ يَحِلُّ الانْتِفَاعُ بِهِ كَطَبْلِ حَرْبِ أَوْ حَجِيجٍ .. حُمِلَتْ عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللَّهْوِ .. لَغَتْ إِلَّا أَنْ يَصْلُحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ

===

(ولو كان له مال وكلاب ووصَّى بها أو ببعضها .. فالأصحُّ: نفوذها وإن كثرت وقلَّ المال) ولو كان دانقًا؛ إذ المعتبر أن يبقى للورثة ضعف الموصى به، وقليلُ المال خيرٌ من كثير الكلاب؛ إذ لا قيمة لها، والثاني: يقدر أنه لا مال له، وتنفذ في ثلث الكلاب؛ لأن الكلاب ليست من جنس المال، والثالث: تقوَّم الكلاب أو منافعها على خلاف فيه، وتضم إلى ماله وتنفذ الوصية في ثلث الجميع؛ أي: في قدره من الكلاب.

ولو أوصى بثلث المال لرجل، وبالكلاب لآخر .. قال القاضي أبو الطيب: تنفذ الوصية بجميع الكلاب؛ لأن ثلثي المال الذي يبقى للورثة .. خيرٌ من ضعف الكلاب، واستبعده في "الشامل"؛ لأن ما يأخذه الورثة من الثلثين هو حقهم؛ لنفوذ الوصية في الثلث، فلا يجوز أن يحسب عليهم مرة أخرى في وصية الكلاب، قال في "الروضة": وهذا أصحُّ (1).

(ولو أوصى بطبل وله طبل لهْوٍ وطبلٌ يحلُّ الانتفاع به؛ كطبل حرب أو حجيج .. حملت على الثاني) حملًا على الصحة؛ إذ الظاهر: أنه يقصد الثواب، وهو فيما تصحُّ الوصية به، هذا إذا لم يصلح طبل اللهو لمنفعة مباحة؛ فإن صلح لها .. يخير الوارث؛ كما صرح به الأصحاب، وكلام المصنف الآتي يشير إليه.

(ولو أوصى بطبل اللهو .. لغت) لأنه معصية (إلّا أن يصلح لحرب أو حجيج) ونحوهما؛ كطبل البازي، أو منفعة أخرى مباحة، وسواء صلح على هيئته أو بعد تغير يبقى معه اسم الطبل؛ فإن لم يصلح إلا بتغير يزيل اسمه .. لغت الوصية، كذا أطلقوه، وقال الإمام والغزالي: إذا كان من جوهر نفيس .. صحت؛ وكأنه أوصى برضاضه إذا كسر، والتعليق لا يقدح في الوصية (2).

(1) روضة الطالبين (6/ 121).

(2)

نهاية المطلب (11/ 174)، الوسيط (4/ 420).

ص: 598