الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ قَسْم الصّدقات
الْفَقِيرُ: مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ، وَلَا يَمْنَعُ الْفَقْرَ مَسْكَنُهُ وَثِيَابُهُ،
===
(كتاب قسم الصدقات)
سميت بذلك؛ لإشعارها بصدق باذلها، وتطلق على الواجبة والتطوع، والكتاب واف بالنوعين، ذكر النوع الثاني في فصل مفرد، وجمع الصدقة؛ لاختلاف أنواعها من ماشية وحب وتمر ونقد وغيرها.
والأصل في الباب: قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية.
(الفقير: من لا مال له ولا كسب يقع موقعًا من كفايته)(1) كلام المصنف هنا مفلت، فإنه لم يذكر ما يربطه، بخلاف "المحرر" فإنه افتتح الباب بقوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية ثم شرع في تعيين ما اقتضت الآية استحقاقهم (2).
والذي لا يقع موقعًا من الكفاية: أن يحتاج إلى عشرة ويجد منها درهمين أو ثلاثة.
(ولا يمنع الفقر مسكنه) الذي هو ملكه (وثيابه) ولو ما يلبسه للتجمل وإن تعدد إذا احتاج إليه، وكذا العبد المحتاج إلى خدمته، كما نقله في "زيادة الروضة" عن ابن كج وقال: إنه متعين. ولو لم يكن له ذلك واحتاج إلى شرائها ومعه ثمنها قال السبكي: لم أر فيه نقلًا، وبظهر أنه كوفاء الدين، وقد صرح البغوي في "فتاويه": بأنه لا يعطى من سهم الفقراء حتى يصرف ما عنده في الدين، لكن قال الرافعي: إنه يمكن أن يقال: القدر الذي يؤدى به الدين لا عبرة به في منع الاستحقاق؛ كما لا عبرة به في وجوب نفقة القريب، وكذا في الفطرة على الوجه الذي مر في موضعه.
(1) في غير (أ): (من حاجته).
(2)
المحرر (ص 285).
وَمَالُهُ الْغَائِبُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ، وَالْمُؤَجَّلُ، وَكَسْبٌ لَا يَلِيقُ بِهِ. وَلَوِ اشْتَغَلَ بِعِلْمٍ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ .. فَفَقِيرٌ،
===
انتهى (1)، وما ذكره فيه نظر، فإن نفقة القريب واجبة مع الدين؛ كما ذكروه في الفلس، وذلك يقتضي الغنى، وإنما يصح الاحتجاج أن لو كانت نفقة القريب لا تجب مع الدين، ولهذا قال في "المطلب": الحق ما قاله البغوي، وأما الفطرة. . فمنعُ الدين لها وجه، كما قاله الإمام، ونقل الاتفاق عليه (2)، والمرجح خلافه، كما مر في (باب زكاة الفطر) وقد نص عليه في "الأم" أيضًا بناء على أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة (3)، ولو اعتاد السكنى بالأجرة، أو في مدرسة ولا ضرورة إلى شرائه ملكًا. . فالظاهر: خروجه عن اسم الفقر به.
(وماله الغائب في مرحلتين) بل له الأخذ حتى يصل إليه، لأنه معسر الآن، قال السبكي: ويحتاج القول بالأخذ مع ماله الغائب إلى دليل.
نعم؛ إن لم يجد من يقرضه. . جاز الأخذ، وقال الأَذْرَعي: يجوز أن يقال: إذا لم يجد من يقرضه أن يقرضه الإمام من بيت المال؛ كما قيل بمثله في نفقة اللقيط، قال: وأما إعطاؤه باسم الفقير. . فبعيد جدًّا، لأنه غني شرعًا وعرفًا.
(والمؤجل) لا يمنع الفقر أيضًا، فله الأخذ إلى حلوله، (وكسب لا يليق به) أي: بحاله ومروءته، لأنه يخل بمروءته، فكان كالعدم.
(ولو اشتغل بعلم) شرعي؛ كما قاله في"الروضة"(والكسب يمنعه. . ففقير) لأن تحصيله فرض كفاية، كذا جزم به الرافعي، وقال المصنف: هذا هو المعروف، وذكر الدارمي: أوجهًا؛ ثالثها: يستحق النجيب المرجو النفع به لا غيره، ثم قالا: وأما من لا يتأتى منه التحصيل. . فلا يعطى إن قدر على الكسب (4)، قال السبكي: وهذا يحتمل حمله على بعض ما قاله الدارمي، أو يكون هذا فيمن لا يشتغل البتة، وذاك مشتغل.
(1) الشرح الكبير (7/ 376 - 377).
(2)
نهاية المطلب (3/ 401).
(3)
الأم (3/ 165).
(4)
روضة الطالبين (2/ 308 - 309)، الشرح الكبير (7/ 377).
وَلَوِ اشْتَغَلَ بالنَّوَافِلِ. . فَلَا. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الزَّمَانَةُ وَلَا التَّعَفُّفُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْجَدِيدِ. وَالْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ لَيْسَ فَقِيرًا فِي الأَصَحِّ. وَالْمِسْكِينُ: مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ
===
واحترز بقوله: (والكسب يمنعه) عما لو كان لا يمنعه، فلا يعطى إذا كان يليق به، ومثله في "البسيط" بالتكسب بالوراقة؛ يعني: النسخ.
(ولو اشتغل بالنوافل) المطلقة (. . فلا) لأن نفعها قاصر عليه، بخلاف العلم، وادعى في "شرح المهذب" الاتفاق عليه (1)، لكن في "فتاوى القفال" أن المستغرق الوقت بالعبادة والصلاة آناء الليل والنهار يحل له أخذ الزكاة وإن كان قويًّا، أما غيره. . فلا وإن كان صوفيًّا.
(ولا يشترط فيه) أي: في الفقير (الزمانة ولا التعفف عن المسألة على الجديد) فيهما؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أعطى من لم يسأل ومن سأل، ولم يكن زمنًا، وللحاجة، والقديم: الاشتراط؛ لأنه إذا لم يكن زمنًا. . تمكن من نوع اكتساب، وإذا سأل. . أعطي، قال الإمام: وإذا اشترطت الزمانة. . ففي اشتراط العمى: وجهان؛ لأن الزمن البصير قد يتأتى من الحراسة (2).
(والمكفيُّ بنفقة قريب، أو زوج ليس فقيرًا) ولا مسكينًا (في الأصحِّ) لاستغنائه بالنفقة، والثاني: نعم؛ لاحتياجه إلى غيره، والخلاف في القريب إذا أعطاه غير قريبه المنفق من سهم الفقراء والمساكين، ويجوز أن يعطيه من غيرهما قطعًا، وأما لمنفق. . فليس له إعطاؤه لأجل نفسه من سهم الفقراء والمساكين قطعًا، وله إعطاؤه من غيرهما بشرطه؛ لأنه لا يعطى ابن السبيل إلا ما زاد بسبب السفر (3)، وأما الزوجة الحرة. . فالوجهان جاريان في إعطاء الزوج وغيره؛ لأنه لا يدفع به نفقتها عن نفسه، بخلاف قريبه.
(والمسكين: من قدر على مال أو كسب يقع موقعًا من كفايته) وكفاية من تلزمه
(1) المجموع (6/ 178).
(2)
نهاية المطلب (11/ 540).
(3)
في (و): (إلا أنه لا يعطى ابن السبيل).
وَلَا يَكْفِيهِ. وَالْعَامِلُ: سَاعٍ، وَكَاتِبٌ، وَقَاسِمٌ، وَحَاشِرٌ يَجْمَعُ ذَوِي الأَمْوَالِ، لَا الْقَاضِي وَالْوَالِي. وَالْمُؤَلَّفَةُ: مَنْ أَسْلَمَ وَنيَّتُهُ ضَعِيفَةٌ، أَوْ لَهُ شَرَفٌ يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إِسْلَامُ غَيْرِهِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ.
===
نفقته (ولا يكفيه) كمن يريد عشرة فيجد ثمانية، أو يقدر على كسبها، أو له عقار يغلها، فيعطى التتمة، ولا يكلف بيعه، والمعتبر في كل ذلك: ما يليق بالحال بلا إسراف ولا تقتير، والمراد: عدم كفايته سنة، كما أفتى به البغوي وابن الصلاح والمصنف في "فتاويه" غير المشهورة (1)، فمن معه كفاية سنة. . لا يعطى شيئًا؛ لأنه ليس مسكينًا حينئذ وإن كنا نعطيه كفاية العمر الغالب لو نقص ما معه عن السنة، وقد علم من كلام المصنف أن الفقير أسوأ حالًا من المسكين، وعكس أبو حنيفة التفسيرين، ولا يظهر للخلاف فائدة في الزكاة، إنما يظهر في الوصية والنذر؛ كما إذا أوصى أو نذر للفقراء دون المساكين، أو عكسه.
(والعامل: ساعٍ، وكاتب، وقاسم، وحاشر يجمع ذوي الأموال) لصدق الاسم عليه والساعي: هو الذي يرسل إلى البلاد؛ لأخذ الصدقات، والكاتب: هو الذي يكتب ما على أرباب الأموال من مبلغ الصدقة وما أعطوه، أو يكتب لهم براءةً بالأداء، والحاشر: اثنان: أحدهما: ما ذكره، والثاني: من يجمع أهل السهمان.
وقد يوهم كلام المصنف: الحصر فيهم، وليس كذلك، بل منهم الحاسب والعريف: وهو كالنقيب للقبيلة، قال المسعودي: والجندي؛ أي: المشد.
(لا القاضي والوالي) أي: والي الإقليم إذا قاما بذلك. . لم يجز لهما أخذ سهم العامل فإن عملهما عام؛ كالإمام.
نعم؛ إن لم يتطوعا به. . رزقهما الإمام من خمس الخمس المرصد للمصالح.
(والمؤلفة: من أسلم ونيته ضعيفة) فيتألف؛ ليقوى إيمانه، (أو له شرف يتوقع بإعطائه إسلامُ غيره) مع حسن نيته في الإسلام.
(والمذهب: أنهم يعطون من الزكاة) لقوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} وفي قول:
(1) فتاوى ابن الصلاح (1/ 267).
وَالرِّقَابُ: الْمُكَاتبُونَ. وَالْغَارِمُ: إِنِ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ. . أُعْطِيَ
===
لا يعطون؛ لأن الله تعالى قد أعز الإسلام عن التألف بالمال، وفي قول: يعطون من المصالح لا من الزكاة.
وكان ينبغي أن يعبر بالأظهر؛ لأن الخلاف أقوال، كما ذكره في "الروضة" لا طرق (1).
واحترز بقوله: (من أسلم) عن مؤلفة الكفار، وهو من يرجى إسلامه ومن يخشى شره؛ فإنهم لا يعطون من الزكاة قطعًا، ولا من غيرها على الأظهر، لكن حصره المؤلفة في هذين ممنوع، بل هم أربعة، الثالث: من يقاتل من يليه من الكفار، والرابع: من يقاتل مانع الزكاة ويقبضها منهم ويحملها إلى الإمام، قال الإمام: وفي تسمية هذين مؤلفة تجوز؛ فإن قلوبهم مطمئنة إلى الإيمان (2)، وليس بذل المال في مقابلة استمالتهم؛ أي: وإنما هما في معنى الغزاة والعاملين، وبهذا يجاب عن إهمال المصنف لهما.
(والرِّقاب: المكاتبون) لاقترانهم مع الغارمين الآخذين؛ لما في ذممهم؛ كما قرن الفقراء مع المساكين؛ لاشتراكهما في الحاجة، وسبيل الله وابن السبيل لأخذهما لمعنى مستقبل وليس المراد شراء عبيد وعتقهم، خلافًا لمالك وأحمد، وإنما يعطى المكاتب بشرطين، أحدهما: كون الكتابة صحيحة، وثانيهما: ألا يكون معه ما يفي بالنجم، وقدرته على الكسب لا تمنع الصرف إليه على الأصحِّ، وليس للسيد صرف زكاته إلى مكاتبه على الصحيح.
(والغارم: إن استدان لنفسه) أي: لغرض نفسه؛ من أكل ولبس، أو لحج أو جهاد ونحو ذلك (في غير معصية. . أعطي) للآية؛ فإن كان لمعصية؛ كالزنا وشرب الخمر. . لم يعط قبل التوبة؛ لأنه إعانة على المعصية، ولو استدان في معصية وصرفه في طاعة. . أعطي، قاله الإمام، ثم قال: ولو استدان لا لمعصية وصرفه في معصية. . أعطي إذا تحقق قصد الإباحة أولًا، لكنا لا نصدقه عند صرفه للحرام،
(1) روضة الطالبين (2/ 314).
(2)
نهاية المطلب (11/ 551).
قُلْتُ: الأَصحُّ: يُعْطَى إِذَا تَابَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالأَظْهَرُ: اشْتِرَاطُ حَاجَتِهِ دُونَ حُلُولِ الدَّيْنِ. قُلْتُ: الأَصحُّ: اشْتِرَاطُ حُلُولهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
ويحتمل ألا يعطى وإن عرف صدقه، لأن النية إنما تؤثر إذا اقترن بها العمل (1).
(قلت: الأصحُّ: يعطى إذا تاب، والله أعلم) لأن التوبة قطعت حكم ما قبلها، فصار النظر إلى حال وجودها، والثاني: لا يعطى؛ لأنه ربما اتخذ ذلك ذريعة، ثم يعود.
وهذا استدركه المصنف؛ لما يفهمه عموم مفهوم الشرط من قوله: (إن استدان في غير معصية)، فإنه يفهم أن في المعصية لا يعطى مطلقًا، ولهذا نقل في "الروضة" عن "المحرر" الجزم بأنه لا يعطى، ومراده: ما اقتضاه عموم المفهوم، قال في "شرح المهذب": والظاهر: أنه إذا غلب على الظن صدقه في توبته. . يعطى وإن قصرت المدة؛ كما جزم به الروياني (2).
(والأظهر: اشتراط حاجته) لأنه إنما يأخذ لحاجته؛ كالمكاتب، فلو وجد ما يقضي به الدين لم يعط، والثاني: المنع؛ لعموم الآية.
ومعنى الحاجة كما تقتضيه عبارة الأكثرين: كونه فقيرًا لا يملك شيئًا، قال الرافعي: وربما صرحوا به، والأقرب: قول بعضهم: لا يعتبر الفقر والمسكنة، بل لو ملك كفايته، ولو قضى منه الدين. . نقصت كفايته فيترك مما معه قدر ما يكفيه؛ فلا يدخل في الاعتبار، ويقضي عنه قدر ما ينقص عن الكفاية. انتهى، ووافقه في "الروضة" و"شرح المهذب"(3).
(دون حلول الدين) فيعطى قبل محله؛ لأنه مدين في الحال، (قلت: الأصحُّ: اشتراط حلوله، والله أعلم) لعدم حاجته إليه الآن، وصدر كلام المصنف يقتضي: أن الخلاف قولان، و"زيادته" تقتضي أنه وجهان، وهو ما في "الشرحين"، ولم يرجح في "الروضة" شيئًا (4).
(1) نهاية المطلب (11/ 553).
(2)
المجموع (6/ 196 - 197).
(3)
الشرح الكبير (7/ 391)، روضة الطالبين (2/ 317)، المجموع (6/ 196).
(4)
الشرح الكبير (7/ 392)، روضة الطالبين (2/ 318).
أَوْ لإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ. . أُعْطِيَ مَعَ الْغِنَى، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ غَنِيًّا بِنَقْدٍ. . فَلَا. وَسَبيلُ اللهِ: غُزَاةٌ لَا فَيْءَ لَهُمْ، فَيُعْطَوْنَ مَعَ الْغِنَى. وَابْنُ سَبيلٍ: مُنْشِئُ سَفَرٍ أَوْ مُجْتَازٌ، وَشَرْطُهُ: الْحَاجَةُ وَعَدَمُ الْمَعْصيَةِ.
===
(أو لإصلاح ذات البين) هذا قسيم قوله: (لنفسه)، وصورته: أن يخاف فتنة بين شخصين أو قبيلتين بسبب قتيل لا يعرف قاتله، أو مال أتلف، فيستدين ما يسكن به الفتنة (. . أعطي مع الغنى) بالعقار قطعًا، وبالنقد على الأصحِّ، لأنه لو شرط الفقر. . لامتنع الناس من هذه المكرمة.
(وقيل: إن كان غنيًّا بنقد. . فلا) إذ ليس في صرفه إلى الدين ما يهتك المروءة، والأصحُّ: أنه لا فرق؛ لما ذكرناه، والغنى بالعرض كهو بالعقار على المذهب، وقيل: كالنقد، وإنما يعطى إذا بقي الدين، فإن أداه من ماله أو بذل ماله ابتداءً. . لم يعط، ولا ينحصر الغارم في المستدين، بل الضامن إذا عسر هو والمضمون عنه أعطي، ولو أعسر الضامن وحده وكان ضمن بغير الإذن. . أعطي؛ وإن كان بالإذن فلا؛ لأنه يرجع.
(وسبيل الله: غزاةٌ لا فيءَ لهم، فيعطون مع الغنى) لعموم الآية، وإنما فسَّر سبيل الله بالغزاة؛ لأن استعماله في الجهاد أغلب عرفًا وشرعًا، بدليل قوله تعالى في غير موضع:{يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وقوله: (لا فيء لهم)؛ أي: لا سهم لهم في ديوان المرتزقة، بل هم متطوعة، يغزون إذا نشطوا؛ لأن من له في الفيء حقٌّ لا يصرف له من الصدقات شيء؛ كما لا يصرف شيء من الفئ إلى المتطوعة.
(وابن سبيل (1): منشئ سفر) من بلد الزكاة (أو مجتاز) به؛ للآية، وهو حقيقة في هذا، مجاز في الأول، وإعطاء الثاني: بالإجماع، والأول: بالقياس عليه؛ لأن مريد السفر محتاج إلى أسبابه.
(وشرطه: ) في الإعطاء لا في التسمية (الحاجة) فإن كان معه ما يحتاج إليه في سفره. . لم يعط، (وعدم المعصية) لأن القصد إعانته، ولا يعان على المعصية،
(1) في (هـ): (وابن السبيل).
وَشَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ: الإِسْلَامُ، وَأَلَّا يَكُونَ هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا، وَكَذَا مَوْلَاهُمْ فِي الأَصَحِّ.
===
فيعطى في سفر الطاعة، وكذا المباح على الأصحِّ، وإذا سافر لمعصية ثم تاب. . التحق بقية سفره بالمباح قاله الماوردي (1)، وألحق الإمام بسفر المعصية السفر لا لقصد صحيح؛ كالهائم (2)، ويوافقه قول القفال في "الفتاوى" لا يجوز صرف سهم ابن السبيل إلى الصوفية، لأن سفرهم لا غرض فيه سوى الكدية.
(وشرط آخذ الزكاة من هذه الأصناف الثمانية: الإسلام) فلا تدفع لكافر بالإجماع.
(وألا يكون هاشميًّا) لحديث: "إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لآلِ مُحَمَّدٍ" رواه مسلم (3).
(ولا مطلبيًّا) لحديت: "إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ" رواه البخاري (4).
وسواء منعوا حقهم من خمس الخمس أم لا، وسواء سهم العامل وغيره على الصحيح فيهما.
(وكذا مولاهم في الأصحِّ) لحديث: "مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ" صححه الترمذي (5)، والثاني: لا، لأن المنع للشرف في ذوي القربى، وهو مفقود في مواليهم.
وكلامه يوهم: حصر الشروط فيما ذكره، وليس كذلك، فمنها: الحرية فيما عدا المكاتب، فلا يجوز دفعها إلى مبعض ولو في نوبة نفسه، خلافًا لابن القطان، ومنها: أن يكون من بلد مال الزكاة على ما سيأتي، وفي "فتاوى المصنف": أنه
(1) الحاوي الكبير (10/ 587).
(2)
نهاية المطلب (11/ 559).
(3)
صحيح مسلم (1072) عن عبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنه.
(4)
صحيح البخاري (3140) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه.
(5)
سنن الترمذي (657)، وأخرجه ابن حبان (3293)، والحاكم (1/ 404)، وأبو داوود (1650)، والنسائي (5/ 107) عن أبي رافع رضي الله عنه.