الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ بَاعَ حَامِلًا مُطْلَقًا .. دَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ.
فصلٌ [في المنهيات التي لا يقتضي النهي فسادها]
وَمِنَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَا يَبْطُلُ؛ لِرُجُوعِهِ إِلَى مَعْنَىً يَقْتَرِنُ بِهِ؛ كَبَيعْ حَاضِرٍ لِبَادٍ؛ بِأَنْ يَقْدَمَ غَرِيبٌ بِمَتَاع تَعُمُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِيَبيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَيَقُولُ بَلَدِيٌّ: (أَتْرُكْهُ عِنْدِي لِأبِيعَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلى).
وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ؛ بِأَنْ يَتَلَقَّى طَائِفَةً يَحْمِلُونَ مَتَاعًا إِلَى بَلَدٍ، فَيَشْتَرِيَهُ قَبْلَ قُدُومِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالسِّعْرِ،
===
(ولو باع حاملًا مطلقًا) أي: من غير شرط يدل على الدخول أو عدمه ( .. دخل الحمل في البيع) تبعًا لها، ومحله: إذا كان مملوكًا لمالك الأم، وإلّا .. فيبطل البيع.
* * *
(فصل: ومن المنهي عنه ما لا يبطل؛ لرجوعه إلى معنى يقترن به؛ كبيع حاضر لباد؛ بأن يَقدمَ غريب بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه، فيقول بلدي: "اتركه عندي لأبيعه على التدريج) أي: شيئا فشيئا (بأغلى") وهذا النهي متفق عليه (1)، والمعنى في التحريم: أن فيه تضييقًا على الناس.
و(البادي): من سكن البادية، وفي معناه: كلّ جالب من تركيٍّ وغيره.
ويشترط في التحريم: أن يكون عالمًا بالنهي، وهو عام في جميع المناهي.
واحترز بـ (ما تعم الحاجة إليه): عما لا يحتاج إليه إلا نادرًا؛ فإنه لا يحرم، وبقوله:(ليبيعه بسعر يومه): عما لو قصد بيعه على التدريج فسأله الحضري تفويض ذلك إليه .. فإنه لا بأس به، وبموله:(على التدريج) عما لو سأله أن يبيع له على الفور؛ فإنه لا يحرم.
(وتلقي الركبان؛ بأن يتلقى طائفةً يحملون متاعًا إلى بلد، فيشتريه قبل قدومهم ومعرفتهم بالسعر) لقوله عليه السلام: "لَا تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّى فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا
(1) صحيح البخاري (2140)، صحيح مسلم (1520) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وَلَهُمُ الْخِيَارُ إِذَا عَرَفُوا الْغَبْنَ. وَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ،
===
أتىَ سَيِّدُهُ السُّوقَ .. فَهُوَ بِالْخِيَار" رواه مسلم (1).
وهل النظر هنا لمراعاة الركبان لاحتمال غبنهم، أو لمراعاة أهل البلد خشية أن يحبسه المشتري فيضيق الحال عليهم، أو خشية انقطاع القوافل عنهم؟ فيه وجهان في "الكفاية"، وجزم المصنف في "شرح مسلم" بالأول (2)، ونقل الإسنوي تبعًا لـ "الكفاية" عن الجمهور الثاني، لكن نقل الأَذْرَعي في "التوسط" عن الماوردي عن الجمهور الأول، وقال: إنه علة النهي عند الشافعي، وجرى عليه الزركشي، وقد راجعت "الحاوي" للماوردي ورأيت كلامه ظاهرًا فيما نقله الأَذْرَعي، ومحتملًا لما نقله الإسنوي (3)، [وكلام المصنف قد يفهم أنه لو خرج لشغل آخر](4)؛ من اصطياد ونحوه فرآهم فاشترى منهم .. لا يحرم، والأصح: خلافه.
(ولهم الخيار إذا عرفوا الغَبْن) للحديث المارّ (5).
(والسومِ على سوم غيره) لما فيه من الإيذاء والعداوة، وصورته: أن يأتي إلى رجل قد أنعم لغيره في بيع سلعته بثمن فيزيده ليبيع منه، أو يأتي إلى المشتري فيعرض عليه مثلها أوأجود منها بأنقص من ذلك الثمن.
(1) صحيح مسلم (1519) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
كفاية النبيه (9/ 281)، شرح مسلم (10/ 163).
(3)
عبارة الحاوي [6/ 428]: اختلف أصحابنا في المعنى الذي لأجله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ومنع منه؛ فقال جمهورهم: إن المعنى فيه: أن قومًا بالمدينة كانوا يتلقون الركبان إذا وردت بالأمتعة فيخبرونهم برخص الأمتعة وكسادها، ويبتاعونها منهم بتلك الأسعار، فإذا ورد أرباب الأمتعة المدينة .. شاهدوا زيادة الأسعار وكذبَ من تلقاهم بالأخبار، فيؤدي ذلك إلى انقطاع الركبان وعدولهم بالأمتعة إلى غيرها من البلدان، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقهم؛ نظرًا لهم، ولما في ذلك من الخديعة المجانبة للدين، كما نهى أن يبيع حاضر لباد؛ لتعم المصلحة بالفريقين بالنظر لهما.
وقال آخرون: بل المعنى في النهي عن تلقيهم: أن من كان يبتاعها منهم .. يحملها إلى منزله ويتربص بهاقلادة السعر، فلا يتسع على أهل المدينة، ولا ينالون نفعًا من رخصها، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان للبيع حتى ترد أمتعتهم السوق فتجتمع فيه وترخص الأسعار بكثرتها، فينال أهل المدينة نفعًا برخصها، هذا لفظه. اهـ هامش (أ)، تنبيه: لقد اختفت بعض الكلمات من هامش الأصل عند التصوير، فنقلنا النصّ من "الحاوي" المطبوع.
(4)
ما بين المعقوفين زيادة من غير (أ).
(5)
(ص 37).
وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ. وَالْبَيعْ عَلَى بَيع غَيْرِهِ قَبْلَ لُزُومِهِ؛ بِأَنْ يَأْمُرَ الْمُشْتَرِيَ بِالْفَسْخِ لِيَبِيعَهُ مِثْلَهُ. وَالشِّرَاءِ عَلَى الشَرَاءِ؛ بِأَنْ يَأْمُرَ الْبَائِعَ بالْفَسْخِ لِيَشْتَرِيَهُ. وَالنَّجَشِ؛ بِأَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ لَا لِرَغْبَةٍ بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا خِيَارَ. وَبَيع الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ
===
(وإنما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن) فلو كان يطاف به مثلًا على من يزيد .. فلا منع من الزيادة، وشرط الاستقرار: أن يكون صريحًا، فإن عرّض بإجابته .. كره الدخول في سومه، ولا يحرم على الأصح.
(والبيعِ على بيع غيره قبل لزومه) وهو زمن الخيار (بأن يأمر المشتري بالفسخ ليبيعه مثله) بأقل من هذا الثمن، وهذا النهي والذي قبله متفق عليه (1)، والمعنى فيه: ما ذكرناه من الإيذاء والعداوة.
(والشراءِ على الشراء؛ بأن يأمر البائع بالفسخ ليشتريه) لما ذكرناه في البيع على البيع.
(والنجشِ؛ بأن يزيد في الثمن لا لرغبة بل ليخدع غيرَه) وهو متفق عليه أيضًا (2).
ولو حذف (ليخدع غيره) .. لكان أولى، لأنه إذا زاد لينفع البائع .. لم يقصد أن يخدع غيره مع أنه من صور النجش، ويصدق عليه أنه زاد لا لرغبة.
(والأصح: أنه لا خيار) للمشتري، لتفريطه حيث لم يتأمل ولم يراجع أهل الخبرة، والثاني: له الخيار، للتدليس، كالتصرية.
ومحل الخلاف: عند مواطأة البائع، وإلا .. فلا خيار جزمًا.
(وبيعِ الرطب والعنب لعاصر الخمر) لما فيه من التسبب إلى ارتكاب الحرام.
وقضية كلامه: تحريم ذلك، لعطفه على أمور كلها محرمة، وفيه تفصيل؛ فإن لم يتحقق .. لم يحرم بل يكره، وإن تحقق - أي: ظَنَّ ظنًّا غالبًا؛ كما قال في "المطلب" - .. حرم على الأصح في "زيادة الروضة"، و"شرح المهذب"، ويجري هذا في كلّ تصرف يفضي إلى معصية، كبيع المماليك المُرْد ممن عُرف
(1) صحيح البخاري (2150)، صحيح مسلم (1515) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
صحيح البخاري (2140)، صحيح مسلم (1413/ 52) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الأُمِّ وَالْوَلَدِ حَتَّى يُمَيِّزَ، وَفِي قَوْلٍ: حَتَّى يَبْلُغَ، وَإِذَا فُرِّقَ بِبَيعٍ أَوْ هِبَةٍ .. بَطَلَا فِي الأَظْهَرِ
===
بالفجور فيهم، كما حكاه في "زيادة الروضة" عن الغزالي (1).
(ويحرم التفريق بين الأم والولد) من الآدميين، لحديث:"مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا .. فرَّقَ الله بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(2)، سواء رضيت الأم بذلك أم لا؛ رعاية لحقّ الولد.
نعم؛ يجوز التفريق بالعتق والوصية على الأصح، والأب وأم الأم عند عدمها كالأم على الأصح، بخلاف سائر المحارم، كالأخ والعم، فإنه لا يحرم التفريق بينهم على الأصح.
نعم؛ في الأجداد والجدات عند فقد الأب والأم ثلاثة أوجه حكاها الرافعي: ثالثها: جواز التفريق في الأجداد دون الجداا ت (3)، والجدّ للأم، قيل: كالأب، وقيل: كالأخ، قال السبكي: والأقرب: الأول.
(حتى يميز) لأنه حينئذ يستغني عن التعهد في والحضانة، سواء حصل التمييز قبل سبع سنين أو بعدها.
وأحسن ما قيل في حدّ التمييز: أن يصير الطفل بحيث يأكل وحده، ويشرب وحده، ويستنجي وحده.
(وفي قول: حتى يبلغ) لنقصان تمييزه قبل البلوغ.
(وإذا فرق ببغ أو هبة) ونحوهما، كمقاسمة ( .. بطلا في الأظهر) لعدم القدرة على التسليم شرعًا، والثاني: لا، لأن النهي لما فيه من الإضرار، لا لخلل في نفس المبيع.
وإذا قلنا بالصحة .. فلا تُقرُّهما على التفريق، بل إن رضي المتبايعان بضمِّ أحدهما
(1) روضة الطالبين (3/ 418)، المجموع (9/ 335).
(2)
أخرجه الحاكم (2/ 55)، والترمذي (1283) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
(3)
الشرح الكبير (11/ 421).