الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في أحكام الوقف اللفظية]
قَوْلُهُ: (وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي) يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْكُلِّ، وَكَذَا لَوْ زَادَ:(مَا تنَاسَلُوا)، أَوْ (بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ)
===
ومعناه: أن يكون مصرفه مصرف منقطع الوسط لا أنه يجيء خلاف في صحة الوقف (1).
* * *
(فصل: قوله: "وقفت على أولادي وأولاد أولادي" يقتضي التسوية بين الكلِّ) في أصل الإعطاء والمقدار، لأن الواو لمطلق الجمع لا للترتيب، قال ابن الرفعة: ومن يقول: الواو للترتيب. . ينبغي أن يقدم الأولاد، ولم يذكروه (2).
وإدخال (أل) على (كلّ) أجازه الأخفش والفارسي، ومنعه الجمهور.
(وكذا لو زاد: "ما تناسلوا") أي: فيسوي بين الكلِّ، وكأنه قال:(عليهم وعلى أعقابهم ما تناسلوا).
(أو "بطنًا بعد بطن") أي: فإنه يقتضي التسوية أيضًا، فيشارك البطنُ الأسفل البطنَ الأعلى؛ لأنه محتمل، وهذا قاله العبادي والفوراني والبغوي، وجريا عليه (3).
وذهب الجمهور إلى أنه للترتيب، لأن صيغة:(بعد) موضوعة لتأخير الثاني عن الأول، وهو معنى الترتيب، بل الترتيب فيها أصرح من (ثم) و (الفاء) وقد جزم فيهما بالترتيب فـ (بعد) أولى.
وممن أفتى بأنه للترتيب: الشيخ تقي بن رزين، والشيخ تاج الدين الفزاري، وولده الشيخ برهان الدين.
(1) الشرح الكبير (6/ 275)، روضة الطالبين (5/ 332). بلغ مقابلة على خط مؤلفه، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين. اهـ هامش (أ).
(2)
كفاية النبيه (12/ 68).
(3)
التهذيب (4/ 523)، الشرح الكبير (6/ 276)، روضة الطالبين (5/ 334).
وَلَوْ قَالَ: (عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ مَا تنَاسَلُوا)، أَوْ (عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الأَعْلَى فَالأَعْلَى) أَوِ (الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ). . فَهُوَ لِلتَّرْتِيبِ. وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الأَوْلَادِ فِي الأَصحِّ.
===
وسكت الشيخان عما لو جمع بينهما فقال: (وقفت على أولادي وأولاد أولادي ما تناسلوا بطنًا بعد بطن)، وفيه وجهان: أحدهما، وبه أفتى أبو طاهر الزيادي والقاضي الحسين: أنه للترتيب، قال السبكي: وهو الصحيح.
والثاني: أنه ليس للترتيب، قاله أبو عاصم العبادي والفوراني.
ولو قال: (نسلًا بعد نسل) موضع قوله: (بطنًا بعد بطن). . قال السبكي: ينبغي ألّا يكون للترتيب، لأن كلَّ من وجد وإن كان من بطنين فأكثر يُسمَّى نسلًا، فيستحقون ويكونون هم النسل الأول، ومن يوجد بعدهم النسل الثاني، بخلاف البطن؛ فإن العرف فيه دلالة تخصُّ الطبقة الواحدة من النسل.
قال: ولو قال: (وقفت على ذريتي أو نسلي بطنًا بعد بطن). . فينبغي أن يجيء ما سبق في قوله: (بطنًا بعد بطن)، ولم أره منقولًا.
(ولو قال: "على أولادي ثم أولاد أولادي ثم أولادهم ما تناسلوا"، أو "على أولادي وأولاد أولادي الأعلى فالأعلى"، أو "الأول فالأول". . فهو للترتيب) لدلالة اللفظ عليه بـ (ثم) في الأولى، ولتصريحه به في الثانية.
وقوله: (الأول فالأول): ضبطه المصنف بكسر (اللام) على البدل، ويجوز الفتح إما على الحال -والألف واللام قيل: زائدة، وقيل: معرفة- وإما على أنه مشبه بالمفعول.
(ولا يدخل أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد في الأصحِّ) لأنه لا يقع عليهم اسم الولد حقيقة؛ ولهذا يصحُّ أن يقال: (ما هو ولده، بل ولد ولده)، والثاني: يدخل؛ لقوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ} .
وقيل: يدخل أولاد البنين للانتساب، لقوله عليه الصلاة والسلام:"أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ"(1) دون أولاد البنات.
(1) أخرجه البخاري (2864)، ومسلم (1776) عن البراء بن عازب رضي الله عنهما.
وَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ وَالْعَقِبِ وَأَوْلَادِ الأَوْلَادِ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ:(عَلَى مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَيَّ مِنْهُمْ).
===
ومأخذ الخلاف: أن إطلاق لفظ الولد عليهم حقيقة أو مجاز؟ والأصحُّ: الثاني.
ومحلُّ الخلاف: إذا وجد النوعان، فلو قال:(وقفت على أولادي) وليس له إلا أولاد أولاد. . حمل عليهم قطعًا نقلاه عن المتولي وأقراه (1).
وقد يقترن باللفظ ما يقتضي عدم دخولهم، كقوله:(على أولادي، فإذا انقرضوا. . فلأحفادي الثلث مثلًا، والباقي للفقراء) كذا قالاه (2).
ونازع ابن الرفعة في هذا التمثيل، وقال: لعل المراد عند انقراض الأولاد يكون كذلك بعد أن كان لهم شيء غير مقدر، وإنما تظهر القرينة فيما إذا قال:(فإذا انقرض أولادي. . فعلى أحفادي)(3).
(ويدخل أولاد البنات) قريبهم وبعيدهم (في الوقف على الذرية والنسل والعقب وأولاد الأولاد) أما في الذرية. . فلقوله تعالى في إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} إلى قوله: {وَعِيسَى} وليس هو إلا ولد البنت، والنسلُ والعقب في معناه؛ كما قطعوا به.
و(العقب): هو ولد الرجل الذي يأتي بعده.
وأما أولاد الأولاد. . فلأن البنات أولاده، فأولادهنَّ أولاد أولاده حقيقة.
(إلا أن يقول: "على من ينتسب إليّ منهم") أي: من أولاد أولادي، فلا يدخل أولاد البنات؛ لأنهم لا ينسبون إليه بل إلى آبائهم، وقيل: يدخلون؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحسن بن علي رضي الله عنهما: "إِنَّ ابْنِيَ هَذَا سَيِّدٌ" أخرجه البخاري (4).
وأجيب: بأنه من خصائصه أن ينتسبوا إليه.
(1) الشرح الكبير (6/ 278)، روضة الطالبين (5/ 336).
(2)
الشرح الكبير (6/ 278)، روضة الطالبين (5/ 336).
(3)
كفاية النبيه (12/ 72).
(4)
صحيح البخاري (2704) عن أبي بكرة رضي الله عنه.
وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مُعْتِقٌ وَمُعْتَقٌ. . قُسِمَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يَبْطُلُ. وَالصِّفَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى جُمَلٍ مَعْطُوفَةٍ تُعْتبَرُ فِي الْكُلِّ؛ كَـ (وَقَفْتُ عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي)، وَكَذَا الْمُتَأَخِّرَةُ عَلَيْهَا وَالاسْتِثْنَاءُ إِذَا عُطِفَ بِـ (وَاوٍ)، كَقَوْلهِ:(عَلَى أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ)، أَوْ (إِلَّا أَنْ يَفْسُقَ بَعْضُهُمْ).
===
(ولو وقف على مواليه وله معتِق) بكسر التاء (ومعتَق) بفتحها (. . قسم بينهما) لتناول الاسم لهما، (وقيل: يبطل) لما فيه من الإجمال؛ فإن المولى يشملهما، ولا يمكن حمل اللفظ على العموم؛ لاختلاف معناهما.
وترجيح الأول من زيادته على "المحرر" فإنه قال: (رجح كلًّا مرجحون)، وصححه في "زيادة الروضة"، ونقل ترجيحه في "المهمات" عن النصِّ وجمع من الأصحاب، ولا ترجيح في "الشرح الكبير"(1).
واحترز بقوله: (وله معتقِ ومُعتَق): عما إذا لم يوجد إلا أحدهما. . فإنه يتعين قطعًا.
(والصفة المتقدمة على جمل معطوفة تعتبر في الكلِّ؛ كـ"وقفت على مُحتاجي أولادي وأحفادي) وهم أولاد الأولاد، (وإخوتي"، وكذا المتأخّرة عليها والاستثناء إذا عطف بـ "واو" كقوله: "على أولادي وأحفادي وإخوتي المحتاجين"، أو "إلا أن يفسق بعضهم") لما تقرر في الأصول من أن الأصل اشتراكُ المعطوف والمعطوف عليه في جميع المتعلقات؛ كالصفة وغيرها، وكذا الاستثناء بجامع عدم الاستقلال.
وما مثل به لا يطابق التصوير؛ فإنه من عطف المفردات لا الجمل إلا أن يقدر لكلِّ واحد عامل، وفيه بعد.
وقد مثل الإمام الاستثناء بقوله: (وقفت على بني فلان داري)، و (حبست على أقاربي ضيعتي)، و (سبلت على خدمي بيتي إلا أن يفسق منهم أحد)، وهو مطابق، وقيد الإمام ما ذكره بقيدين -وحمل إطلاق الأصحاب على ذلك وأقراه- أحدهما: أن يكون العطف بـ (الواو) كما أشار إليه المصنف بالتمثيل، فإن كان بـ (ثم). . اختصت
(1) المحرر (ص 243)، روضة الطالبين (5/ 338)، المهمات (6/ 242)، الشرح الكبير (6/ 280).