الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في الصيغة]
قَوْلُهُ: (لِزَيْدٍ كَذَا) .. صِيغَةُ إِقْرَارٍ، وَقَوْلُهُ:(عَلَيَّ) وَ (فِي ذِمَّتِي) .. لِلدَّيْنِ، وَ (مَعِي) وَ (عِنْدِي) .. لِلْعَيْنِ. وَلَوْ قَال:(لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ)، فَقَال:(زِنْ)، أَوْ (خُذْ)، أَوْ (زِنْهُ)، أَوْ (خُذْهُ)، أَوِ (اخْتِمْ عَلَيْهِ)، أَوِ (اجْعَلْهُ فِي كِيسِكَ) .. فَلَيْسَ بِإِقْرَار، وَلَوْ قَال:(بَلَى)، أَوْ (نَعَمْ)، أَوْ (صَدَقْتَ)، أَوْ (أَبْرَأْتَنِي مِنْهُ)، أَوْ (قَضَيْتُهُ)، أَوْ (أَنَا مُقِرٌّ بِهِ) .. فَهُوَ إِقْرَارٌ،
===
(فصل: قوله: "لزيد كذا" .. صيغة الإقرار) لأن اللام تدل على الملك، قال السبكي: هذا إذا وُصِل به شيء من الألفاظ الآتية؛ أي: (عليّ)، و (عندي)، ونحوهما، وإلا .. فهو خبر لا يقتضي ثبوتَ حقٍّ على المُخبِر، ولا عنده.
(وقوله: "عليّ" و"في ذمتي" .. للدين) الملتزم في الذمة؛ لأنه المتبادر منه عرفًا.
ولو عبّر بـ (أو) بدلَ (الواو) .. لكان أحسن، وكذا قوله:(معي وعندي) لئلا يوهم أن المراد: الهيئة الاجتماعية.
(و"معي" و"عندي" .. للعين) لأنهما ظرفان، فيحمل عند الإطلاق على أدنى المراتب، وهي الوديعة، فإذا ادعى تلفها بعد الإقرار، أو ردَّها .. قبل قولُه بيمينه، بخلاف الدين.
(ولو قال: "لي عليك ألف"، فقال: "زِنْ"، أو "خذ"، أو "زنه"، أو "خذه"، أو "اختم عليه"، أو "اجعله في كيسك" .. فليس بإقرار) لأنه ليس بالتزام، وإنما يُذكَر للاستهزاء.
(ولو قال: "بلى"، أو "نعم"، أو "صدقتَ"، أو "أبرأتني منه"، أو "قضيتُه"، أو "أنا مقرّ به" .. فهو إقرار)، أما الثلاثة الأوائل .. فلأنها ألفاظ موضوعة للتصديق والموافقة، وفي معناها:(أَجَلْ) و (جَيْرِ).
وأما دعوى الإبراء والقضاء .. فلأنه قد اعترف بالشغل وادعى الإسقاط، والأصلُ عدمه.
وَلَوْ قَالَ: (أَنَا مُقِرٌّ)، أَوْ (أَنَا أُقِرُّ بِهِ) .. فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَلَوْ قَالَ:(أَلَيْسَ لِي عَلَيْكَ كَذَا؟ ) فَقَالَ: (بَلَى)، أَوْ (نَعَمْ) .. فَإِقْرَار، وَفِي (نَعَمْ) وَجْهٌ. وَلَوْ قَالَ:(اقْضِ الأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ)، فَقَالَ:(نَعَمْ)، أَوْ (أَقْضِي غَدًا)، أَوْ (أَمْهِلْنِي يَوْمًا)، أَوْ (حَتَّى أَقْعُدَ)، أَوْ (أَفْتَحَ الْكِيسَ)، أَوْ (أَجِدَ) .. فَإِقْرَارٌ فِي الأَصحِّ.
===
وأما قوله: (أنا مقرّ به) .. فلأن المفهوم منه: الاعتراف.
قال الرافعي: وكلامهم يدل: على أن الحكم بكونه إقرارًا .. محله: ما إذا خاطبه فقال: (أنا مقر به لك)، وإلا .. فيحتمل الإقرار به لغيره (1).
(ولو قال: "أنا مقر") ولم يقل: (به)، (أو "أنا أقر به" .. فليس بإقرار) أما الأول: فلجواز أن يريد الإقرار بالوحدانية، أو ببطلان دعواه، وأما الثاني: فلاحتمال الوعد بالإقرار في ثاني الحال.
(ولو قال: "أليس لي عليك كذا؟ " فقال: "بلى"، أو "نعم" .. فإقرار، وفي "نعم": وجه).
اعلم: أن أهل اللغة قالوا: إن (بلى) تكذيبٌ للنفي الذي دخل عليه الاستفهام، و (نعم) تصديقٌ له؛ فإذا قيل بعد (ألم يقم زيد؟ ): نعم .. فمعناه: لم يقم، وإن قيل:(بلى) .. فمعناه: أنه قام؛ لأن نفيَ النفيِ إثبات.
إذا تقرر هذا .. فالجزم في مسألتنا بأن بلى إقرار .. قد اجتمع عليه العرف واللغة، ومنشأ الخلاف في (نعم): تعارُض العرف واللغة، فوجه الأصحِّ: أن الإقرار يُحمَل على مفهوم أهل العرف لا على دقائق العربية، ووجه مقابله: أن ذلك مقتضاه في اللغة، ورجحه ابن الرفعة (2).
(ولو قال: "اقضِ الألف الذي لي عليك"، فقال: "نعم"، أو "أقضي غدًا"، أو "أمهلني يومًا"، أو "حتى أقعد"، أو "أفتح الكيس"، أو "أجد" .. فإقرارٌ في الأصحِّ) لأنه المفهوم من هذه الألفاظ عرفًا، والثاني: لا، لأنه ليس بصريح في الالتزام.
(1) الشرح الكبير (5/ 297).
(2)
كفاية النبيه (19/ 364).