الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَا لِمُجَرَّدِ غَرَضِ الْبَرَاءَةِ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إِلَيْهِ بَعْدَ الْمَحِلِّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَسْلِيمِ .. لَمْ يَلْزَمْهُ الأَدَاءُ إِنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَلَا يُطَالِبُهُ بقِيمَتِهِ لِلْحَيلُولَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولهِ هُنَاكَ .. لَمْ يُجْبَرْ إِنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَخُوفًا، وَإِلَّا .. فَالأَصَحُّ: إِجْبَارُهُ.
فصلٌ [في القرض]
الإِقْرَاضُ مَنْدُوبٌ،
===
(وكذا لمجرد غرض البراءة في الأظهر) لما ذكرناه من التعنت، والثاني: لا يجبر؛ للمنة.
(ولو وجد المُسلِمُ المُسلَمَ إليه بعد المحلِّ) بكسر الحاء (في غير محلِّ التسليم) بفتح الحاء، وهو مكانَه ( .. لم يلزمه الأداء إن كان لنقله مؤنة) لعدم التزامه لها، بخلاف ما لا مؤنة لنقله؛ كالنقد.
(ولا يطالبه بقيمته للحيلولة على الصحيح) لامتناع الاعتياض عن المسلم فيه، والثاني: نعم؛ لأن الأخذ للحيلولة ليس بعوض حقيقي؛ لأنهما لو اجتمعا في مكان التسليم .. تعين ردُّ القيمة، وأخذ المسلم فيه، وعلى الأول: يجوز للمسلم الفسخ واسترداد رأس ماله؛ كما لو انقطع المسلم فيه.
(وإن امتنع من قبوله هناك) أي: في غير محل التسليم ( .. لم يجبر إن كان لنقله مؤثة، أو كان الموضع مخوفًا) لما فيه من الضرر، فإن رضي بأخذه .. لم يجب لى مؤنة النقل، (وإلا .. فالأصحُّ: إجباره) الخلاف مبني على القولين في التعجيل قبل المَحِلِّ، وقد مرَّ تعليلهما.
* * *
(فصل: الإقراض مندوب) إليه؛ لقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} ، ولحديث:"مَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا .. نَفَّسَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ" رواه مسلم (1).
(1) صحيح مسلم (2699) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وَصِيغَته: (أَقْرَضْتكَ)، أَوْ (أَسْلَفْتكَ)، أَوْ (خُذْهُ بِمِثْلِهِ)، أَوْ (مَلَّكْتُكَهُ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ). وَيُشْتَرَطُ: قَبُولُهُ فِي الأَصَحِّ، وَفِي الْمُقْرِضِ: أَهْلِيَّةُ التَبرُّعِ. وَيَجُوزُ إِقْرَاضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ
===
(وصيغته: "أقرضتك"، أو "أسلفتك"، أو "خذه بمثله"، أو "ملَّكْتُكَهُ على أن تردَّ بدله") لأن كلًّا منها يدلُّ على المقصود، فإن اقتصر على قوله:(ملَّكتُكه) .. كان هبةً.
(ويشترط: قبوله في الأصحِّ) كسائر التمليكات، والثاني: لا؛ لأن القرض إباحةُ إتلاف على سبيل الضمان، وليس سبيله سبيلَ المعاوضات؛ بدليل الرجوع فيه ما دام باقيًا، وعدم اشتراط قبضه إذا كان رِبَويًّا.
(و) يشترط (في المقرِض: أهلية التبرع) لأنه تبرع أو مشوب به، ولهذا امتنع تأجيله؛ لأن المتبرع ينبغي تخييره، فلا يجوز إقراض مال المحجور عليه من غير ضرورة على الأصح.
نعم؛ يُستثنى القاضي؛ فإنه يجوز له إقراض مال المحجور عليه من غير ضرورة على الأصح في "الشرح"، و"الروضة" في (باب الحجر) لكثرة أشغاله (1).
ويجوز له أيضًا: إقراض مال المفلس إذا رضي الغرماء بتأخير القسمة إلى أن يجتمع المال كلُّه، نصَّ عليه.
وأورد: المحجور عليه بسفه، فإن وصيته وتدبيره .. تبرع نافذ منه على المذهب، وكذا تبرعه بمنفعة بدنه الخفيفة، ولا يصحُّ إقراضه.
فلو قال: (التبرع بالمال حالا) .. لخرج ذلك.
(ويجوز إقراض ما يسلم فيه) لأنه يصحُّ ثبوته في الذمة سواء العين والمنفعة؛ كما صرح به في "التتمة".
وما وقع في "زوائد الروضة" نقلًا عن "فتاوى القاضي" من أنه لا يجوز إقراض المنافع؛ لأنه لا يجوز السلم فيها وأقره .. معترضٌ، كما بيَّنه في "المهمات"(2).
(1) الشرح الكبير (4/ 83)، روضة الطالبين (4/ 191).
(2)
روضة الطالبين (4/ 33)، المهمات (5/ 315).
إِلَّا الْجَارِيَةَ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ فِي الأَظْهَرِ، وَمَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ إِقْرَاضُهُ فِي الأَصَحِّ
===
(إلا الجاريةَ التي تحلُّ للمقترض في الأظهر) لأنه قد يطؤها ويردها، فتصير في معنى إعارة الجواري للوطء، وهو ممتنع، كما نقله مالك عن إجماع أهل المدينة (1)، والثاني: يجوز؛ كالعبد.
واحترز بقوله: (تحل) عن المَحْرم، فإنه يجوز إقراضها، ويجوز للمرأة اقتراضها مطلقًا، والخنثى كالمرأة في استقراضه الجاريةَ، قاله في "شرح مسلم"(2)، قال السبكي: وفيه نظر.
وما لا يسلم فيه لا يجوز إقراضه في الأصحِّ) الخلاف مبني على أن الواجب في المتقومات المثلُ الصوري أو القيمة؛ إن قلنا بالأول .. لم يجز؛ لتعذر ضبطه حتى يرد مثله، وإن قلنا بالثاني .. جاز.
ويستثنى: الخبز؛ فإن المختار في "الشرح الصغير": الجواز؛ للحاجة وإطباق الناس عليه، وكلام "زيادة الروضة" يقتضي ترجيحه (3)، فيرد مثله وزنًا؛ كما نقلاه عن "البيان"، وأقراه (4).
وفي "الكافي" يجوز إقراضه وزنًا وعددًا، قيل: ولعله أراد الجمع بين العدد والوزن؛ محافظة على المثل الصوري.
ويستثنى أيضًا: جزء الدار فلا يصحُّ السلم فيه قطعًا، ويصحُّ إقراضه؛ كما نقلاه في (الشفعة) عن "التتمة" وأقراه، لكن جزم الماوردي بمنع قرض العقار، وحمل على قرض جميعه (5)، وقول المتولي: على الجزء فقط، ففيه نظر.
وقوله: (وما لا يسلم فيه)؛ أي: في نوعه، وإلا .. وردت الأعيان؛ فإنه لا يُسلَم فيها، ومع ذلك يجوز إقراضها.
(1) الموطأ (2/ 682 - 683).
(2)
شرح صحيح مسلم (11/ 37).
(3)
روضة الطالبين (4/ 33).
(4)
الشرح الكبير (4/ 432)، روضة الطالبين (4/ 33).
(5)
الشرح الكبير (5/ 497)، روضة الطالبين (5/ 78) الحاوي الكبير (6/ 432 - 433).
وَيَرُدُّ الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ، وَفِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلَ صورَةً، وَقِيلَ: الْقِيمَةَ. وَلَوْ ظَفِرَ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الإِقْرَاضِ وَلِلنَّقْلِ مُؤْنةٌ .. طَالَبَهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الإِقْرَاضِ. وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ أَوْ زِيَادَةٍ، فَلَوْ رَدَّ هكَذَا بلَا شَرْطٍ .. فَحَسَنٌ، وَلَوْ شَرَطَ مُكَسَّرًا عَنْ صَحِيحٍ أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ .. لَغَا الشَّرْطُ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ
===
(ويرد المثلَ في المثلي) لأنه أقرب إلى حقِّه، (وفي المتقوم المثلَ صورة) لأنه صلى الله عليه وسلم اقترض بَكْرًا وردَّ رَباعيًّا، وقال:"إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً" رواه مسلم (1)، ولأنه لو وجبت القيمة .. لافتُقر إلى العلم بها، (وقيل: القيمة) كما لو أتلف مُتقوّمًا، والمعتبر: قيمة يوم القبض إن قلنا: يملك بالقبض، فإن قلنا: بالتصرف .. فيعتبر الأكثر من يوم القبض إلى التصرف.
(ولو ظفر به في غير محلِّ الإقراض وللنقل مؤنة .. طالبه بقيمة بلد الإقراض) يوم المطالبة لا بالمثل؛ لما فيه من الكلفة.
(ولا يجوز بشرط ردِّ صحيح عن مكسَّر أو زيادةٍ) على القدر المقبوض، ويفسد به العقد؛ لحديث:"كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً .. فَهُوَ رِبًا"، لكنه ضعيف، وقد روى البيهقي معناه عن جمع من الصحابة (2).
(فلو ردَّ هكذا بلا شرط .. فحسن) للحديث السالف.
نعم؛ لو كان للمستقرض عادةٌ بردِّ زيادةٍ .. ففي كراهيته وجهان في "زيادة الروضة"(3).
(ولو شرط مكسَّرًا عن صحيح أو أن يُقرضه غيرَه .. لغا الشرط) لأنه وعدُ تبرعٍ.
(والأصحُّ: أنه لا يفسد) به (العقد) لأن المنهي عنه جرُّ المقرض النفعَ إلى نفسه، وهنا النفع للمستقرض؛ لأنه زاد في المسامحة، ووعد وعدًا حسنًا، والثاني: يفسد؛ لمنافاته مقتضى العقد، وهو المصحح في نظيره من الرهن.
(1) صحيح مسلم (1600) عن أبي رافع رضي الله عنه، البكْر: الفتي من الإبل، والرَّباع: يقال للغنم في السنة الرابعة، وللبقر والحافر في السنة الخامسة، والخفّ في السنة السابعة. اهـ هامش (أ).
(2)
سنن البيهقي (5/ 350).
(3)
روضة الطالبين (4/ 34).
وَلَوْ شَرَطَ أَجَلًا .. فَهُوَ كَشَرْطِ مُكَسَّرٍ عَنْ صحِيحٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ، وإِنْ كَانَ كَزَمَنِ نَهْبٍ .. فَكَشَرْطِ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ فِي الأصَحِّ. وَلَهُ شَرْطُ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ. وُيمْلَكُ الْقَرْضُ بِالْقَبْضِ، وَفِي قَوْلٍ: بِالتَّصَرُّفِ. وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي عَيْنهِ مَا دَامَ بَاقِيًا بِحَالِهِ فِي الأَصَحِّ.
===
والفرق على الأصح: أن وضع القرض على جرِّ المنفعة إلى المستقرض؛ فلا يفسد القرض باشتراطه.
(ولو شرط أجلًا .. فهو كشرط مكسَّر عن صحيح إن لم يكن للمقرض غرض) لأنه رفقٌ فيصحُّ العقد، ولا يلزم الأجل؛ لأنه عقد يمتنع فيه التفاضلُ، فامتنع فيه الأجل؛ كالصرف.
(وإن كان) له غرضٌ (كزمن نهب) والمستقرضُ مليءٌ؛ كما قيداه في "الشرح"، و"الروضة"(1)( .. فكشرط صحيح عن مكسر في الأصحِّ) لما فيه من جرِّ المنفعة، والثاني: أنه كالتأجيل لغير غرض، فيلغو الشرط ويصحُّ العقد.
(وله شرط رهن وكفيل) وإشهاد، أو إقراره به عند الحاكم؛ لأنه توثقةٌ للعقد ولا زيادة فيه.
(ويُملك القرض بالقبض) كالهبة، ولأنه لو لم يملك به .. لامتنع عليه التصرف فيه، (وفي قول: بالتصرف) لأنه ليس تبرعًا محضًا؛ إذ يجب فيه البدل، ولا معاوضة محضة؛ إذ له الرجوع فيه ما دام باقيًا، كما سيأتي، فوجب أن يملك بعد استقرار بدله للمقرض، وإذا قلنا بهذا .. فمعناه: أنه إذا تصرف .. تبين صول الملك قبله.
والمراد بـ (التصرف): تصرف يزيل الملك على الأصح.
(وله الرجوع في عينه ما دام باقيًا) في ملك المقترض (بحاله في الأصحِّ) لأن له تغريمَ بدله عند فواته، فالمطالبة بعينه أولى، والثاني: لا، بل للمقترض أن يؤدي حقَّه من موضع آخر، صيانةً لملكه؛ كسائر الديون.
(1) الشرح الكبير (4/ 434)، روضة الطالبين (4/ 34).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ومحل الخلاف: إذا قلنا: يملك بالقبض، فإن قلنا: بالتصرف .. رجع فيه جزمًا.
واحترز بقوله: (بحاله): عما إذا تعلق به حقٌّ لازم؛ كما لو رهنه أو كاتبه أو جنى، فتعلق الأرش برقبته .. فإنه لا رجوع، ولو زاد زيادة منفصلة .. أخذه بدونها، أو متصلة؛ كالسمن .. أخذه معها، وإن نقص .. قال الماوردي: فإن شاء .. أخذه مع الأرش، وإن شاء .. أخذ مثله سليمًا (1).
* * *
(1) الحاوي الكبير (6/ 436).