الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَحْمِي لِنَفْسهِ.
فَصْلٌ [في حكم المنافع المشتركة]
مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ: الْمُرُورُ، وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ فِيهِ لاسْتِرَاحَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا إِذَا لَمْ يُضيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إِذْنُ الإِمَامِ، وَلَهُ تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ بِبَارِيَّةٍ وَغَيْرِهَا.
===
وكلامه يوهم: اختصاص النقض بالحامي، وهو قول، والأظهر: أن له نقض حمى غيره غير حمى النبي صلى الله عليه وسلم بالشرط المذكور، وألحق صاحب "الرونق" بحمى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى الخلفاء الأربعة.
وقوله: (للحاجة): متعلق بـ (نقض) لا بـ (حماه).
(ولا يحمي لنفسه) قطعًا؛ لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ولم يقع ذلك منه، ولو وقع. . لكان أيضًا من مصالح المسلمين؛ لأن ما كان مصلحة له. . فهو مصلحة لهم، قاله في "المطلب".
* * *
(فصل: منفعة الشارع) الأصلية (المرور) لأنه وُضع لذلك، وهو مستحق للناس كافةً.
(ويجوز الجلوس فيه لاستراحة ومعامله ونحوهما)(1) كانتظار رفيق وغيره (إذا لم يضيق على المارة، ولا يشترط إذن الإمام) لإطباق الناس عليه من غير نكير، وليس لأحد من الولاة أن يأخذ ممن يرتفق بالجلوس والبيع ونحوه في الشارع عوضًا قطعًا.
وشمل إطلاقه الذمي، وفيه وجهان بلا ترجيح في "الشرح" و"الروضة"، وقال ابن الرفعة: الذي يظهر: ترجيح ثبوته له؛ لأن ضرره لا يتأبد، ورجحه السبكي (2).
(وله تظليل مقعده بباريّة، وغيرها) مما ينقل معه؛ كثوب؛ لجريان العادة به، فإن كان مثبتًا. . لم يجز؛ كبناء الدَّكَّة.
(1) في المطبوع من "المنهاج"(ص 317): (ويجوز الجلوس به)، وفي غير (أ) بعد هذه الجملة:(وكذا الوقوف)، وهو من كلام الشارح رحمه الله تعالى.
(2)
الشرح الكبير (6/ 223)، روضة الطالبين (5/ 295)، كفاية النبيه (11/ 404).
وَلَوْ سَبَقَ إِلَيْهِ اثنانِ. . أُقْرِعَ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الإِمَامُ بِرَأْيِهِ. وَلَوْ جَلَسَ لِلْمُعَامَلَةِ ثُمَّ فَارَقَهُ تَارِكًا لِلْحِرْفَةِ أَوْ مُنْتَقِلًا إِلَى غَيْرِهِ. . بَطَلَ حَقُّهُ، وَإِنْ فَارَقَهُ لِيَعُودَ. . لَمْ يَبْطُلْ إِلَّا أَنْ تَطُولَ مُفَارَقَته بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ مُعَامِلُوهُ عَنْهُ وَيَأْلَفُونَ غَيْرَهُ. وَمَنْ أَلِفَ مِنَ الْمَسْجِدِ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ، أَوْ يُقْرِئُ الْقُرْآنَ. . كَالْجَالِسِ فِي شَارِعٍ لِمُعَامَلَةٍ،
===
(ولو سبق إليه) أي: إلى موضع من الشارع (اثنان) وتنازعا (. . أُقرع) بينهما؛ لعدم المزية، (وقيل: يقدِّم الإمام برأيه) أي: باجتهاده؛ كمال بيت المال.
(ولو جلس للمعاملة) أو لصناعة، كخياطة ونحوها (ثم فارقه) أي: موضع جلوسه (تاركًا للحرفة أو منتقلًا إلى غيره. . بطل حقُّه) لإعراضه عنه.
(وإن فارقه ليعود. . لم يبطل) لحديث: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ. . فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ" رواه مسلم (1).
(إلا أن تطول مفارقتُه بحيث ينقطع معاملوه عنه ويألَفون غيره) لأن الغرض من الموضع المعين أن يعرف فيعامل، وسواء فارقه بعذر أو بغيره.
واحترز بالمعاملة: عما إذا جلس لاستراحة وشبهها؛ فإن حقَّه يبطل بمفارقته، وكذا الجوال الذي يقعد كلَّ وقت في موضع من السوق ينقطع حقُّه بمفارقته جزمًا.
(ومن ألف من المسجد موضعًا يفتي فيه، أو يقرئ القرآن)(2) أو العلم الشرعي (. . كالجالس في شارع لمعاملة) لأن له غرضًا في ملازمة ذلك الموضع ليألفه الناس، قاله العبادي والغزالي تفقهًا لا نقلًا، وقال الرافعي: إنه الأشبه بمأخذ الباب (3).
وعن الشيخ أبي محمد أنه إذا قام. . بطل حقُّه، لقوله تعالى:{سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} وإليه ميل صاحب "التقريب"، ونقله الماوردي في "الأحكام السلطانية" عن جمهور الفقهاء، ولم ينقل الأول إلا عن مالك، قال في "الروضة": ومقتضى
(1) صحيح مسلم (2179) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في (ب) و (د): (ويقرئ القرآن).
(3)
الوسيط (4/ 228)، الوجيز (ص 272)، الشرح الكبير (6/ 225).
وَلَوْ جَلَسَ فِيهِ لِصَلَاةٍ. . لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بهِ فِي غَيْرِهَا، فَلَوْ فَارَقَهُ لِحَاجَةٍ لِيَعُودَ. . لَمْ يَبْطُلِ اخْتِصَاصهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فِي الأَصَحًّ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إِزَارَهُ. وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ، أَوْ فَقِيهٌ إِلَى مَدْرَسَةٍ، أَوْ صُوفِيٌّ إِلَى خَانِقَاهٍ. . لَمْ يُزْعَجْ، وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ.
===
كلامه: أن الشافعي وأصحابه من الجمهور (1).
(ولو جلس فيه لصلاة. . لم يصر أحقَّ به في غيرها) لأن بقاع المساجد لا تختلف بخلاف مقاعد الأسواق، وللرافعي فيه احتمال؛ فإنه يختلف بالنسبة إلى القرب من الإمام (2)، وأجيب عنه: بأن له طريقًا إلى تحصيله بالسبق.
(فلو فارقه لحاجة ليعود) كإجابة داع ورُعاف وقضاء حاجة (. . لم يبطل اختصاصه في تلك الصلاة في الأصحِّ وإن لم يترك إزارَه) للحديث المارّ: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ. . فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ"(3)، والثاني: يبطل؛ كغيرها من الصلوات.
(ولو سبق رجل إلى موضع من رباط مُسبَّل، أو فقية إلى مدرسة، أو صوفيٌّ إلى خانقاهٍ. . لم يُزعَج، ولم يبطل حقُّه بخروجه لشراء حاجةٍ ونحوه) وإن لم يترك متاعًا ولا نائبًا عنه؛ لعموم الحديث المارِّ.
وأفهم قوله: (لشراء حاجة) التصوير بالخروج لعذر، فالخروج لغيره مبطل، وكون الغيبة قصيرة، فإن طالت. . بطل حقُّه، وبه صرح الفُوراني وغيره، والرجوع في الطول: إلى العرف.
وأطلق المصنف عدمَ الإزعاج، وفيه تفصيل ذكراه في "الشرح" و"الروضة" وهو: إن عَيَّن الواقف مدةَ المقام. . فلا يزيد عليها، وكذا لو وقف على المسافرين. . لا يمكث مدة تزيد على مدة مكث المسافرين، وإن أطلق الواقف. . نظر إلى الغرض الذي بنيت البقعة له، وعمل بالمعتاد فيه، فلا يُمكَّن من الإقامة برُبط المارة إلا
(1) الأحكام السلطانية (ص 323)، روضة الطالبين (5/ 297).
(2)
الشرح الكبير (6/ 225).
(3)
في (ص 440).