الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا وَقَالَ الأَجْنَبِيُّ: (هُوَ مُبْطِلٌ فِي إِنْكَارِهِ). . فَهُوَ شِرَاءُ مَغْصُوبٍ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَعَدَمِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ:(هُوَ مُبْطِلٌ). . لَغَا الصُّلْحُ.
فَصْلٌ [في التزاحم على الحقوق المشتركة]
الطَّرِيقُ النَّافِذُ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ، وَلَا يُشْرَعُ فِيهِ جَنَاح وَلَا سَابَاطٌ يَضُرُّهُمْ، بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتة مُنْتَصِبًا.
===
(وإن كان منكرًا وقال الأجنبي: "هو مبطل في إنكاره". . فهو شعراء مغصوب، فيُفرَّق بين قدرته على انتزاعه وعدمها) أي: عدم القدرة؛ لما سبق في البيع، وصورة المسألة في العين كما مرَّ.
(وإن لم يقل: "هو مبطل". . لغا الصلح) لأنه اشترى منه ما لم يثبت ملكه له.
* * *
(فصل: الطريق النافذ لا يُتصرف فيه بما يضرُّ المارة) لأن الحق فيه ليس للمتصرف خاصة بل للمسلمين كافة.
(ولا يُشرع فيه جناحٌ، ولا ساباطٌ يضرُّهم) لما تقدم، قال في "زيادة الروضة": فإن فعله. . هدم (1)، والجناح: هو الخارج من الخشب، والساباط: سقيفة بين حائطين تحتها طريق.
(بل يشترط ارتفاعُه بحيت يمر تحته) الماشي (منتنصبًا) واعتبر الماوردي مع هذا أن يكون على رأسه الحمولة العالية (2)، وقال في "المطلب": إنه الأشبه.
ويشترط أيضًا: ألا يؤثر في إظلام الموضع على الأصح.
ومحل الجواز: للمسلم، أما الكافر: فليس له الإشراع إلى شوارع المسلمين على الصحيح في زوائد "الروضة"؛ لأنه كإعلاء البناء على المسلم وأبلغ (3).
(1) روضة الطالبين (4/ 206).
(2)
الحاوي الكبير (8/ 47).
(3)
روضة الطالبين (4/ 206).
وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ. . فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ. وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إِشْرَاعِ الْجَنَاحِ، وَأَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دَكَّةً، أَوْ يَغْرِسَ شَجَرَةً، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَضُّرَّ. . جَازَ. وَغَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الإِشْرَاعُ إِلَيْهِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ، وَكَذَا لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِي الأَصَحِّ إِلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ، وَأَهْلُهُ: مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارهِ إِلَيْهِ، لَا مَنْ لَاصقَهُ جِدَارُهُ، وَهَلِ الاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا لِكُلِّهِمْ، أَمْ تَخْتَصُّ شِرْكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا بَيْنَ رَأْسِ الدَّرْبِ وَبَابِ دَارِهِ؟ وَجْهَانِ، أَصحُّهُمَا: الثَّانِي
===
(وإن كان ممرَّ الفرسان والقوافل. . فليرفعه بحيث يمرُّ تحته المَحمِل على البعير مع أخشاب المظلَّة) لأنه قد يتفق ذلك وإن كان نادرًا.
(ويحرم الصلح على إشراع الجناح) لأن الهواء تابعٌ لا يُفرَد بالعقد؛ كالحمل مع الأم.
(وأن يبني في الطريق دَكَّة، أو يَغرِس شجرة) لمنع الطروق في ذلك المحلِّ، (وقيل: إن لم يضرَّ. . جاز) كإشراع الجناح، والدكة بفتح الدال: المسطبة.
(وغير النافذ يحرم الإشراع) أي: إشراع الجناح (إليه لغير أهله) جبرًا وإن لم يضرهم؛ لأنه ملكهم فأشبه الإشراع إلى الدور.
(وكذا لبعض أهله في الأصحِّ) كسائر الأملاك المشتركة، والثاني: يجوز إذا لم يضرَّ؛ لأن كلَّ واحد منهم يجوز له الانتفاع بقراره، فيجوز بهوائه؛ كالشارع.
(إلا برضا الباقين) فيجوز ضرَّ أم لا؛ لأنه ملكهم، هذا إذا رضوا مجانًا، ولا يجوز بأجرة؛ لما مرَّ في الشارع، ويشترط مع إذن أهله: إذن المستأجر إن تضرر؛ كما نقله في "الكفاية" عن أبي الفضل التميمي (1).
(وأهلُه) أي: أهل غير النافذ (مَنْ نفذ باب داره إليه، لا من لاصقه جدارُه) من غير باب؛ لأنه العرف.
(وهل الاستحقاق في كلِّها لكلِّهم، أم تختص شِرْكة كلِّ واحد بما بين رأس الدَّرْب وباب داره؟ وجهان، أصحهما: الثاني) لأن هذا القدر محلُّ تردده ومروره، وما عداه حكمُه فيه حكمُ غير أهل السكة.
(1) كفاية النبيه (10/ 70).
وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ بَابٍ إِلَيْهِ للاسْتِطْرَاقِ، وَلَهُ فَتْحُهُ إِذَا سَمَّرَهُ فِي الأَصَحِّ. وَمَنْ لَهُ فِيهِ بَابٌ فَفَتَحَ آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ. . فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ،
===
ووجه الأول: أنهم ربما احتاجوا إلى التردد، والارتفاق بجميعه لطرح الأثقال عند الإدخال والإخراج.
وكان ينبغي أن يقول: (في كله) كما في غيره مما قدمه؛ فإنه عائد على غير النافذ وهو مذكر، وقد أتى في "المحرر" بجميع الضمائر مؤنثة؛ لكونه عبر أولًا بالسكة (1).
ولما عبر المصنف بغير النافذ. . عدل عن تأنيث الضمائر إلى تذكيرها، إلا أنه لم يذكر هذه اللفظة، فتابع "المحرر" عليها.
وقوله: (لكلهم) كان الأولى أن يقول: (لكل منهم) فإنه لا نزاع في استحقاق كلِّها لكلِّهم؛ يعني: مجموعهم؛ فإن الكلَّ يطلق على الكلِّ المجموعي والكلِّ التفصيلي.
(وليس لغيرهم فتح باب إليه للاستطراق) لتضررهم، فإن أذنوا. . جاز ولهم الرجوع ولو بعد الفتح.
(وله فتحه إذا سَمَّره في الأصحِّ) لأن له رفعَ الجدار فبعضه أولى، والثاني: لا؛ لأنه يستدل به فيما بعد على استحقاق المرور، وقال في "زيادة الروضة": إنه الأفقه، ولم يصرح الرافعي في "الشرحين" بترجيح (2).
(ومن له فيه باب ففتح آخر أبعدَ من رأس الدرب) من بابه الأصلي (. . فلشركائه منعُه) أي: لكلٍّ منهم ذلك؛ لتضررهم، وسواء سدَّ الأول أم أبقاه.
وكلامه يوهم: أن للجميع المنعَ؛ لأنهم شركاؤه، وليس كذلك، بل المنع لمن بابه أبعدُ من الباب الأول الذي للفاتح، ولا يثبت لمن بابه أقربُ على الأصح؛ بناء على كيفية الشركة.
(1) المحرر (ص 183 - 184).
(2)
روضة الطالبين (4/ 208)، الشرح الكبير (5/ 100 - 101).
وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ. . فَكَذَلِكَ، وَإِنْ سَدَّهُ. . فَلَا مَنع. وَمَنْ لَهُ دَارَانِ تُفْتَحَانِ إِلَى دَرْبَيْنِ مَسْدُودَيْنِ، أَوْ مَسْدُودٍ وَشَارِعٍ، فَفَتَحَ بَابًا بَيْنَهُمَا. . لَمْ يُمْنَعْ فِي الأَصحِّ. وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحَ الْبَابِ فَصَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ بِمَالٍ. . صحَّ. وَيَجُوزُ فَتْحُ الْكَوَّاتِ.
===
(وإن كان أقرب إلى رأسه، ولم يسدَّ الباب القديم. . فكذلك) لأن انضمام الثاني إلى الأول يورث زحمةَ الناس، وكثرة وقوف الدواب، فيتضررون به، (وإن سدَّه. . فلا منع) لأنه ترك بعض حقه.
(ومن له داران تُفتحان إلى دربين مسدودين، أو مسدودٍ وشارع، ففتح بابًا بينهما. . لم يُمنع في الأصحِّ) لأنه يستحق المرور في السكة، ورفع الحائل بين الدارين تصرف مصادف للملك فلم يُمنع منه، والثاني: يمنع، ونقله في "زيادة الروضة" عن الجمهور (1)؛ لإحداث ما لم يكن، وسواء في جريان الخلاف سدّ باب أحدهما أم لا.
نعم؛ محله: إذا قصد بالفتح الاستطراق، فإن قصد به اتساعَ ملكه أو نحوه. . فلا منع قطعًا.
وقوله: (مسدودين، أو مسدود وشارع) كان الأولى أن يقول: (مملوكين، أو مملوك وشارع)؛ لأنه لا يلزم من السدِّ الملك؛ بدليل ما لو كان في أقصاه مسجد أو نحوه.
(وحيث مُنع فتح الباب فصالحه أهل الدرب بمال. . صحَّ) لأنه انتفاع بالأرض، بخلاف إشراع الجناح؛ لأنه هناك بذل مال في مقابلة الهواء المجرد.
ومحل الجواز: إذا صالحوا على الاستطراق، أما مجرد الفتح بلا استطراق. . فلا يصحُّ الصلح عنه بمال قطعًا.
(ويجوز فتح الكَوَّات) لأنه تصرف في ملكه، وقيد صاحب "الشافي" ذلك بما إذا كانت عالية لا يقع النظر فيها على دار جاره؛ لكن صرح الشيخ أبو حامد بخلافه، وهو قضية إطلاق الشيخين.
(1) روضة الطالبين (4/ 209).
وَالْجِدَارُ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ: فَالْمُخْتَصُّ: لَيْسَ لِلآخَرِ وَضْعُ الجُذُوعِ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ،
===
والكوات: بفتح الكاف، وقيل: بضمها، وتشديد الواو جمع كوة، وهي فتح في الحائط لأجل الضوء غالبًا.
(والجدار بين المالكين قد يختصُّ به أحدهما، وقد يشتركان فيه، فالمختصُّ ليس للآخر وضعُ الجذوع عليه) بغير إذن (في الجديد، ولا يُجبَر المالك) على الجديد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ" رواه الحاكم من حديث ابن عباس بإسناد على شرط الصحيح (1).
وقياسًا على سائر أمواله، ونقله البغوي في "شرح السنة" عن أكثر أهل العلم (2).
والقديم -ونصّ عليه في "البويطي" أيضًا-: أنه يجوز له وضعها من غير إذنه، وليس له منعه؛ لحديث أبي هريرة:"لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جدَارِهِ"، ثم يقول أبو هريرة:(ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم) أي: لأضعن هذه السنة بين أظهركم، متفق عليه (3).
وقال البيهقي: (لم نجد في السنن ما يعارض هذا الحديث، ولا تصحُّ معارضتُه بالعمومات، ولا عذر لأحد في مخالفته، وقد نصَّ الشافعي في القديم والجديد على القول به)(4).
وأجاب الأصحاب عن الحديث: بأن الضمير في (جداره) لصاحب الخشب؛ أي: لا يمنعه الجار أن يضع خشبه على جدار نفسه وإن تضرر به من جهة منع الضوء والهواء، ورؤية الأماكن المستطرفة والمُنِيرة على خلاف ما يقوله مالك من المنع في كثير من هذه الحالات، قال الإسنوي: ويتأيد بأنه القياس الفقهي، والقاعدة النحوية؛ فإنه أقرب من الأول، فوجب عود الضمير إليه (5).
(1) المستدرك (1/ 93).
(2)
شرح السنة (5/ 185).
(3)
صحيح البخاري (2463)، صحيح مسلم (1609) وقع في (د):(خشبة) بالإفراد وهي رواية.
(4)
معرفة السنن والآثار (9/ 37).
(5)
المهمات (5/ 461).
فَلَوْ رَضِيَ بِلَا عِوَضٍ. . فَهُوَ إِعَارَةٌ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبنَاءِ عَلَيْهِ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الأَصحِّ، وَفَائِدَةُ الرُّجُوع: تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ، وَقِيلَ: فَائِدَتُهُ: طَلَبُ الأُجْرَةِ فَقَطْ. وَلَوْ رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ، فَإِنْ أَجَّرَ رَأْسَ الْجِدَارِ لِلْبنَاءِ. . فَهُوَ إِجَارَةٌ، وَإِنْ قَالَ:(بِعْثُهُ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ)، أَوْ (بِعْتُ حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ). . فَالأَصحُّ: أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ شَوْبُ بَيعٍ وَإِجَارَةٍ،
===
وللقديم شروط: ألا يحتاج مالكه إلى وضع جذوعه عليه، وألا يزيد في ارتفاع الجدار، ولا يبني عليه أزَجًا، ولا يضع عليه ما يضره، وأن تكون الأرض له، نصّ عليه، وألا يملك شيئًا من جُدران البقعة التي يسقفها، أو لا يملك إلا جدارًا واحدًا، فإن ملك جدارين. . فليسقف عليهما، ولا فرق على القديم بين أن يحتاج إلى فتح شيء في الحائط ليدخل فيه الجذوع أم لا، صرح به الماوردي، وابن الصباغ، وغيرهما.
(فلو رضي) على الجديد (بلا عوض. . فهو إعارة) لصدق حدِّها عليه (له الرجوعُ قبل البناء عليه، وكذا بعده في الأصحِّ) كسائر العواري، والثاني: لا؛ كما لو أعار للدفن.
(وفائدة الرجوع: تخييره بين أن يُبقيه بأجرة أو تقلع ويَغرم أرش نقصه) أي: ما بين قيمته قائمًا ومقلوعًا؛ كما لو أعار أرضًا للبناء، (وقيل: فائدته: طلب الأجرة فقط) لأن ضرر القلع يصل إلى ما هو خالص ملك المستعير، فإن الجذوع إذا ارتفعت أطرافُها من جدار. . لا تبقى على الجدار الآخر.
(ولو رضي بوضح الجذوع والبناء عليها بعوض، فإن أَجَّر رأس الجدار للبناء. . فهو إجارة) كسائر الأعيان التي تستأجر للمنافع، لكن لا يشترط فيها بيانُ المدة في الأصح؛ لأنه عقد يَرِدُ على منفعة، وتدعو الحاجة إلى دوامه، فلم يشترط فيه التأقيت، كالنكاح (1).
(وإن قال: "بعته للبناء عليه"، أو "بعت حقَّ البناء عليه". . فالأصحُّ: أن هذا العقد فيه شَوْب بيع) لكونه مؤبدًا (وإجارةٍ) لكونه على منفعة، إذ لا يملك المشتري
(1) بلغ مقابلة على خط مؤلفه، عفا الله عنه. اهـ هامش (أ).
فَإِذَا بَنَى. . فَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ بِحَالٍ. وَلَوِ انْهَدَمَ الْجِدَارُ فَأَعَادَهُ مَالِكُهُ. . فَلِلْمُشْتَرِي إِعَادَةُ الْبنَاءِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الإِذْنُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا، وَسَمْكِ الْجُدْرَانِ، وَكَيْفِيَّتِهَا، وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا
===
فيها عينًا، والثاني: أنه إجارة، واغتفر فيها التأبيد للحاجة، والثالث: أنه بيع يملك به المشتري رأسَ الجدار، حتى لو انهدم الجدار ثم أعيد. . عاد حقُّه.
واحترز بقوله: (للبناء عليه) عما إذا باعه وشرط ألا يبني عليه. . فإنه جائز قطعًا، وينتفع به بما عدا البناء من المكث عليه وغيره، وكذا إذا باعه ولم يتعرض للبناء بالكلية على الأصح، ذكره الماوردي.
(فإذا بنى) بعد قوله: (بعته للبناء)، أو (بعت حقَّ البناء عليه) (. . فليس لمالك الجدار نقضُه بحال) أي: نقض بناء المشتري، لا مجانًا ولا مع إعطاء الأرش؛ لأنه استحق دوام البناء بعقد لازم، وسكت الشيخان عن تمكين البائع من هدم حائط نفسه، ومن منع المشتري أن يبني إذا لم يكن قد بنى، قال الإسنوي: ولا شك أنه لا يُمكَّن منهما.
(ولو انهدم الجدار فأعاده مالكه. . فللمشتري إعادة البناء) بتلك الآلات وبمثلها؛ لأنه حقٌّ ثبت له.
(وسواء كان الإذن) في وضع البناء (بعوض أو بغيره يشترط بيان قدر الموضع المبني عليه، طولًا وعرضًا، وسمكِ الجُدران، وكيفيتِها) أهي مجوفة أو منضدة، من حجر أو غيره.
(وكيفيةِ السقف المحمول عليها) هل هو من خشب أو أزج، وهو العقد؛ لأن الغرض يختلف بذلك، ولا يشترط ذكر الوزن في الأصح، ولو حضرت الآلات. . كفى عن وصفها.
والسمك بفتح السين: الارتفاع إذا أخذت من أسفل فصاعدًا، فإن عكست. . سمي عُمقًا بضم العين المهملة.
والطول: عبارة عن امتداده من زاوية البيت إلى زاوية أخرى مثلًا، والعَرْض: هو البعد الثالث.
وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضهِ. . كَفَى بَيَانُ قَدْرِ مَحَلِّ الْبِنَاءِ. وَأَمَّا الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ: فَلَيْسَ لأحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتِدًا أَوْ يَفْتَحَ كُوَّةً بِلَا إِذْنٍ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَيْهِ وَيَسْنِدَ مَتَاعًا لَا يَضُرُّ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي جِدَارِ الأَجْنَبِيِّ، وَلَيْسَ لَهُ إِجْبَارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ فِي الْجَدِيدِ. فَإِنْ أَرَادَ إِعَادَةَ مُنْهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ. . لَمْ يُمْنَعْ، وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ؛ يَضَحُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إِذَا شَاءَ.
===
(ولو أذن في البناء على أرضه. . كفى بيان قدر محلِّ البناء) لأن الأرض تحمل كلَّ شيء، فلا يختلف الغرض إلا بقدر محلِّ البناء، قال السبكي: وينبغي اشتراط بيان قدر ما يحفر من الأساس؛ لأن الغرض يختلف به.
(وأما الجدار المشترك. . فليس لأحدهما وضعُ جذوعه عليه بغير إذن في الجديد) هذان القولان هما السابقان في جدار الأجنبي، وقد سبق توجيههما.
(وليس له أن يَتِدَ فيه وَتدًا، أو يَفتح كُوَّة بلا إذن) ولا أن يَتْرَب الكتابَ بترابه؛ كغيره من المشتركات.
(وله أن يستند إليه، ويَسند متاعًا لا يضرُّ، وله ذلك في جدار الأجنبي) لأنه لا ضرر فيه.
وقوله: (لا يضر) ليس في "المحرر"(1)، ولا بدَّ منه.
(وليس له إجبارُ شريكه على العمارة في الجديد) كما لا يجبر على زراعة الأرض المشتركة، والقديم -ونصّ عليه في "البويطي"-: الإجبار؛ صيانةً للأملاك المشتركة عن التعطيل، وصححه جماعة، وأفتى به ابن الصلاح، واختار الغزالي في "الفتاوى": أن القاضي يلاحظ أحوالَ المتخاصمين، فإن ظهر له أن الامتناع لغرض صحيح، أو شكّ في أمره. . لم يجبره، وإن علم أنه عناد. . أجبره (2).
(فإن أراد) الشريك (إعادةَ منهدمٍ بآلة لنفسه. . لم يُمنع) ليصل إلى حقِّه.
(ويكون المعاد ملكَه؛ يضع عليه ما شاء، ويَنُقضه إذا شاء) لأنه لا حقَّ لغيره فيه.
(1) المحرر (ص 185).
(2)
فتاوى الإمام الغزالي (ص 151 - 152).
وَلَوْ قَالَ الآخَرُ: (لَا تنقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَكَ حِصَّتِي). . لَمْ تلزَمْهُ إِجَابَتُهُ. وَإِنْ أَرَادَ إِعَادَتَهُ بِنُقْضِهِ الْمُشْتَرَكِ. . فَلِلآخَرِ مَنْعُهُ. وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إِعَادَتِهِ بِنُقْضِهِ. . عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ. وَلَوِ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَشَرَطَ لَهُ الآخَرُ زِيَادَةً. . جَازَ وَكَانَتْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الآخَرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إِجْرَاءِ الْمَاءِ وَإِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَالٍ. وَلَوْ تنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا؛ فَإِنِ اتَّصَلَ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا بَنَيَا
===
(ولو قال الآخر: "لا تَنقُضه وأَغرم لك حصتي". . لم تلزمه إجابتُه) على الجديد؛ كما لا يلزمه ابتداءُ العمارة.
(وإن أراد إعادته بنقْضِه المشترك. . فللآخر منعه) كسائر الأعيان المشتركة، وقيل: ليس له المنع، وادعى الإمام اتفاق الأصحاب عليه، وجزم به في "التنبيه"(1)، وقال في "المطلب": إنه الأشبه.
(ولو تعاونا على إعادته بنُقْضه. . عاد مشتركًا كما كان) لتساويهما في العمل والجدار، فلو شرط لأحدهما زيادة. . لم يصحَّ على الصحيح.
(ولو انفرد أحدهما) بإعادته بالنقض المشترك (وشرط له الآخرُ زيادة. . جاز، وكانت في مقابلة عمله في نصيب الآخر) هذا إذا جعل له الزيادة في الحال، فإن شرطها بعد البناء. . لم يصحَّ؛ لأن الأعيان لا تؤجل، قاله الإمام وتبعاه (2).
(ويجوز أن يصالح على إجراء الماء، وإلقاء الثلج في ملكه على مال) كحقِّ البناء، وقد أطلق الماء، والمراد به: الحاصل على سطحه من المطر إذا لم يكن له مصرفٌ إلى الطريق إلا بمروره على سطح جاره، أو المجلوب من نهر ونحوه إلى أرضه.
فأما غسالة الثياب والأواني. . فلا يجوز الصلح على إجرائها على مال؛ كما في "الشرح"، و"الروضة" لأنه مجهول، والحاجة لا تدعو إلى تجويزه (3).
(ولو تنازعا جدارًا بين ملكيهما؛ فإن اتصل ببناء أحدهما لحيث يُعلم أنهما بنيا
(1) نهاية المطلب (6/ 495)، التبيه (ص 74).
(2)
نهاية المطلب (6/ 490)، روضة الطالبين (4/ 218)، الشرح الكبير (5/ 111).
(3)
الشرح الكبير (5/ 116)، روضة الطالبين (4/ 222).
مَعًا. . فَلَهُ الْيَدُ، وَإِلَّا. . فَلَهُمَا. فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً. . قُضِيَ لَهُ، وَإِلَّا. . حَلَفَا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا. . جُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا. . قُضِيَ لَهُ،
===
معًا) كما لو كان عليه أزج لا يتصور إحداثُه بعد تمام الجدار؛ بأن أُميل من مبتدأ ارتفاعه عن الأرض (. . فله اليد) لأن اتصاله أمارة ظاهرة على يده، فيحلف ويحكم له به، إلا أن تقوم بينة بخلافه.
(وإلا. . فلهما) أي: وإن لم يحصل الاتصالُ المذكور؛ بأن كان منفصلًا عنهما، أو متصلًا بهما مطلقًا، أو بأحدهما اتصالًا يمكن إحداثُه. . فاليد لهما؛ لعدم المرجح.
وأفهم: أنه لا يحصل الترجيح بغير ذلك.
قال الشافعي: (ولا أنظر إلى من إليه الدواخل والخوارج، وأنصاف اللَّبن ولا معاقد القُمُط)(1).
(فإن أقام أحدهما بينة. . قُضي له) لأن البينة مقدمة على اليد.
(وإلا) أي: وإن لم يُقم أحدُهما بينة، أو أقامها كلٌّ منهما (. . حلفا) أي: حلف كلٌّ لصاحبه على النصف الذي يسلم له على الأصح؛ لأن كلَّ واحد منهما مدعى عليه، ويده على النصف فالقول قوله فيه؛ كالعين الكاملة، وقيل: يحلف على الجميع؛ لأنه يدعيه.
(فإن حلفا أو نكلا. . جُعل بينهما) لظاهر اليد (وإن حلف أحدهما) ونكل الآخر (. . قضي له) بالكلِّ إذا حلف يمينَ الردِّ.
(1) الأم (4/ 472 - 473).
قال المفسرون لكلام الشافعي: إن المراد بالخوارج: ما يخرج عن سمت الحائط من الصور والكتابات المتخذة من جصّ أو آجرّ أو غيرهما، وبالدواخل: ما في باطن الجدار من الطاقات والمحاريب، وبأنصاف اللبن: أن يكون الجدار من لبنات مقطعة، فيجعل الأطراف الصحاح إلى جانب، ومواضح الكسر إلى جانب.
وأما معاقد القمط: فيكون ذلك في الجدران المتخذة من القصب ونحوه. وأغلب ما يكون في السترة بين السطحين فتشد بحبال أو خيوط، وربما جعل عليهما خشبة معترضة، ويكون العقد من جانب والوجه المستوي من جانب، والقمط كما قاله الأزهري: حبال رقاق. اهـ هامش (أ).
وَلَوْ كَانَ لِأحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ. . لَمْ يُرَجَّحْ. وَالسَّقْفُ بَيْنَ عُلْوِهِ وَسُفْلِ غَيْرِهِ كَجِدَارٍ بَيْنَ مِلْكَيْنِ، فَيُنْظَرُ: أَيُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ بَعْدَ الْعُلْوِ. . فَيَكُونَ فِي يَدِهِمَا، أَوْ لَا. . فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ؟
===
(ولو كان لأحدهما عليه جذوع. . لم يُرجَّح) لأن وضعها قد يكون بإعارة أو إجارة أو بيع، أو بقضاء قاض يرى الإجبارَ على الوضع، فلا يُترَك المُحقَّق بالمحتمل.
(والسقف بين عُلْوه وسفل غيره كجدار بين مِلكين، فينظر: أيمكن إحداثُه بعد العلو) بأن يكون السقف عاليًا، فينقب وسط الحائط، ويوضع رأس الجذوع في النقب، ويوضع عليها ألواح أو غيرها، فيصير البيت الواحد بيتين (. . فيكونَ في يدهما) لاشتراكهما في الانتفاع به، فإنه أرض لصاحب العلو، وساتر لصاحب السفل.
(أو لا) يمكن إحداثه؛ كالأزج الذي لا يمكن عقده على وسط الجدار بعد امتداده في العلو (. . فلصاحب السفل) لاتصاله ببنائه.
* * *