الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب التفليس
مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ. وَلَا حَجْرَ بالْمُؤَجَّلِ. وَإِذَا حُجِرَ بحَالٍّ .. لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ كَانَتِ الدُّيُونُ بِقَدْرِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ .. فَلَا حَجْرَ،
===
(كتاب التفليس)
هو في الشرع: حجر الحاكم على المديون بالشروط الآتية، والمفلس: هو المحجور عليه، وفي اللغة: من صار ماله فلوسًا، ثم كني به عن قلة المال أو عدمه.
والأصل فيه: حجره صلى الله عليه وسلم على معاذ، رواه الدارقطني، وصححه الحاكم (1).
(من عليه ديون حالَّة زائدة على ماله يُحجر عليه) حتمًا (بسؤال الغرماء) أو من يقوم مقامهم؛ كأولياء المحجور عليهم؛ لأن في الحجر مصلحةً للغرماء؛ فإنه قد يخص بعضهم بالوفاء.
وهذه القيود التي ذكرها سيأتي الكلام عليها، ولا يخفى أن لفظ الديون لا مفهوم له، والدين الواحد كاف.
(ولا حجر بالمؤجل) لأنه لا مطالبة به في الحال.
(وإذا حجر بحالٍّ .. لم يحلَّ المؤجل في الأظهر) لأن ذمته باقية، بخلاف الموت، والثاني: يحلُّ؛ كالموت، وإذا قلنا بالثاني، فلو فك الحجر عنه، وقد بقي بعض الأجل .. عاد الحق مؤجلًا، قاله القفال في "فتاويه".
(ولو كانت الديون بقدر المال، فإن كان كسوبًا ينفق من كسبه .. فلا حجر) لعدم الحاجة إليه، بل يأمره الحاكم بقضاء الدين، فإن امتنع .. باع ماله، أو أكرهه عليه.
نعم؛ لو التمس الغرماء الحجر عليه .. حجر في الأصحِّ وإن زاد على دينه؛ كيلا يتلف ماله، كذا ذكره الرافعي في الكلام على الحبس (2).
(1) سنن الدارقطني (4/ 230 - 231)، المستدرك (2/ 58) عن كعب بن مالك رضي الله عنه.
(2)
الشرح الكبير (5/ 26).
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ .. فَكَذَا فِي الأَصَحِّ. وَلَا يُحْجَرُ بِغَيْرِ طَلَبِ، وَلَوْ طَلَبَ بَعْضهُم وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ .. حُجِرَ، وَإِلَّا .. فَلَا. وَيُحْجَرُ بِطَلَبِ الْمُفلِسِ فِي الأَصَحِّ، وَإِذا حُجِرَ .. تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ، وَأُشْهِدَ عَلَى حَجْرِهِ لِيُحْذَرَ. وَلَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ .. فَفِي قَوْلٍ: يُوقَفُ تَصَرُّفُهُ، فَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ عَنِ
===
(وإن لم يكن كسوبًا وكانت نفقته من ماله .. فكذا في الأصحِّ) لتمكنهم من المطالبة في الحال، والثاني: يحجر عليه؛ لئلا يذهب ماله في النفقة.
(ولا يحجر بغير طلب) لأنه لمصلحة الغرماء، وهم ناظرون لأنفسهم.
نعم؛ لو كان الدين لمحجور عليه .. فإنه يحجر وإن لم يسأل وليه؛ لأنه ناظر في مصلحته.
وأفهم كلام المصنف: أنه لا يحجر لدين الغائب، وهو كذلك؛ لأنه ليس له استيفاء مال الغائب من الذمم، وإنما له حفظ أعيان أموالهم.
(ولو طلب بعضهم) أي: بعض الغرماء (ودينه قدر يحجر به) بأن زاد على ماله ( .. حجر) لوجود شرط الحجر، ثم لا يختص أثره بالطالب، بل يعم الكلَّ.
(وإلا .. فلا) لأن دينه يمكن وفاؤه بكماله، فلا ضرورة به إلى طلب الحجر، وقيل: يحجر، وقواه في "زيادة الروضة" لئلا يضيع حقُّه بتكاسل غيره (1).
(ويحجر بطلب المفلس في الأصحِّ) لأن له غرضًا ظاهرًا فيه، والثاني: لا؛ لأن الحجر ينافي الحرية والرشد، وإنما قلنا به عند طلب الغرماء؛ للضرورة.
(وإذا حجر .. تعلق حقُّ الغرماء بماله) عينًا ودينًا ومنفعة؛ كالرهن، وخرج بحقِّ الغرماء حقُّ الله تعالى؛ كالزكاة والكفارة والنذر، فلا يتعلق بماله؛ كما صرح به الرافعي في الباب الثاني من (كتاب الأيمان)(2).
(وأُشهد على حجره ليُحذَر) فلا يعامل، والإشهاد مستحب، وقيل: شرط لصحة الحجر.
(ولو باع أو وهب أو أعتق .. ففي قول: يُوقف تصرفُه، فإن فَضَل ذلك عن
(1) روضة الطالبين (4/ 128).
(2)
الشرح الكبير (12/ 278).
الدَّيْنِ .. نَفَذَ، وَإِلَّا .. لَغَا، وَالأَظْهَرُ: بطْلَانُهُ. وَلَوْ بَاعَ مَالَهُ لِغُرَمَائِهِ بدَيْنِهِمْ .. بَطَلَ فِي الأَصَحِّ. فَلَوْ بَاعَ سَلَمًا أَوِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ .. فَالصَّحِيحُ: صِحَّتُهُ، وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ. وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَاقْتِصَاصُهُ وَإِسْقَاطُهُ. وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ .. فَالأَظْهَرُ: قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ،
===
الدين) لارتفاع القيمة، أو لإبراء بعض الغرماء ( .. نفذ، وإلا .. لغا) إلحاقًا له بالمريض، (والأظهر: بطلانه) لتعلق حقهم به؛ كالمرهون.
(ولو باع ماله) جميعه، أو بعضه (لغرمائه بدَيْنهم) أو لغريمه الواجد بدينه ( .. بطل في الأصحِّ) لاحتمال أن يكون له غريم آخر، فلا يصحُّ، والثاني: يصحُّ؛ لأن الحجر لهم، والأصل: عدم غيرهم.
ومحل الخلاف: إذا لم يأذن فيه القاضي، فإن أذن فيه .. صحَّ.
واحترز بقوله: (بدينهم) عما إذا باع لا بدينهم، بل ببعضه، أو بعين .. فإنه كالبيع من أجنبي؛ لأنه لا يتضمن ارتفاع الحجر عنه، بخلاف ما إذا باعه بكلِّ الدين، ولو باع الأجنبي بإذن الغرماء .. لم يصحَّ في الأصحِّ (1).
(فلو باع سلمًا، أو اشترى في الذمة .. فالصحيح: صحته، ويثبت في ذمته) إذ لا ضرر على الغرماء فيه، والثاني: لا يصحُّ؛ كالسفيه.
(ويصحُّ نكاحه وطلاقه وخلعه واقتصاصه وإسقاطه) ولو مجانًا على الأصح؛ لأنه لا تعلق لهذه الأشياء بالمال، ويصحُّ استلحاقه النسب، ونفيه باللعان.
وصورة مسألة الخلع: أن المفلس هو الزوج.
أما الزوجة والأجنبي .. فلا ينفذ منهما في العين، وفي الدين الخلافُ في السلم.
(ولو أقر بعين أو دين وجب قبل الحجر .. فالأظهر: قبوله في حقِّ الغرماء) لأن ضرره في حقِّه أكثرُ منه في حقِّ الغرماء، فلا يتهم فيه، والثاني: لا يقبل في حقهم؛ لئلا يضرهم بالمزاحمة، ولأنه ربما واطأ المقر له، وبناهما الماوردي على أن هذا الحجر حجر مرض أو سفه، وفيه قولان (2).
(1) في غير (أ): (ولو باع لأجنبي بإذن الغرماء .. لم يصح).
(2)
الحاوي الكبير (7/ 454).
وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إِلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ مُطْلَقًا .. لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ قَالَ: عَنْ جِنَايَةٍ .. قُبِلَ فِي الأَصَحِّ. وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ مَا كَانَ اشْتَرَاهُ إِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ. وَالأَصَحُّ: تَعَدِّي الْحَجْرِ إِلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ بِالاصْطِيَادِ وَالْوَصِيَّةِ وَالشِّرَاءِ إِنْ صَحَّحْنَاه
===
واحترز بقوله: (في حقِّ الغرماء) عن حقِّ نفسه؛ فإنه يقبل ويطالب.
(وإن أسند وجوبَه إلى ما بعد الحجر بمعاملة أو مطلقًا) أي: إسنادًا معللًا بمعاملة، أو إسنادًا مطلقًا ( .. لم يقبل في حقِّهم) أما في الأولى .. فلتقصير من عاملة وأما في الثانية .. فلأن قياس المذهب: تنزيل الإقرار على أقل المراتب، وهو دين المعاملة، وهذه الثانية: ليست في "الشرح"، و"الروضة" بالصريح، لكنها تؤخذ من كلامهما، وفيهما بدلها الإطلاق بمعنى آخر، وهو أنه أقرَّ ولم يُسنده إلى ما قبل الحجر، ولا إلى ما بعده، قال الرافعي: فقياس المذهب: تنزيله على الأقلِّ، وهو جعله كإسناده إلى ما بعد الحجر (1)، قال في "الروضة": وهو ظاهر إن تعذر مراجعة المقر، وإلا .. فينبغي أن يراجع؛ لأنه يقبل إقراره (2).
(وإن قال: عن جناية .. قبل في الأصحِّ) لعدم تفريط من أقر له، والثاني: أنه كما لو قال عن معاملة.
(وله أن يردَّ بالعيب ما كان اشتراه) قبل الحجر (إن كانت الغبطة في الردِّ) لأن الفسخ ليس تصرفًا مبتدأ، وإنما هو من أحكام البيع السابق، والحجر لا ينعطف على ما مضى.
وأفهم قوله: (وله أن يرد) أنه لا يجبر عليه، وصرح به القاضي الحسين؛ لأنه ليس تفويتًا لحاصل، وإنما هو امتناع من الاكتساب.
(والأصحُّ: تعدي الحجر إلى ما حدث بعده بالاصطياد والوصية والشراء إن صححناه) لأن مقصود الحجر وصولُ الحقِّ إلى المستحقين، وهذا المعنى يقتضي شمول الحجر للمال الحادث أيضًا، والثاني: لا يتعدى؛ كما أن حجر الراهن على
(1) الشرح الكبير (5/ 10).
(2)
روضة الطالبين (4/ 132).