الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجنْسَهُ، لَا جِنْسَ الدَّابَّةِ وَصِفَتَهَا إِنْ كَانَتْ إِجَارَةَ ذِمَّةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ زُجَاجًا وَنَحْوَهُ.
فَصْلٌ [في منافع يمتنع الاستئجار لها ومنافع يخفى الجواز فيها وما يعتبر فيها]
لَا تَصِحُّ إِجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ،
===
(وجنسَه) أي: ويجب أن يعرف المكري جنس المحمول؛ لأن تأثير الحديد والقطن في الدابة - وإن استويا في الوزن - يختلف.
نعم؛ لو قال: (أجرتكها لتحمل عليها مئة رطل مما شئت) .. صحَّ في الأصحِّ، ويكون رضًا منه بأضَرِّ الأجناس، ولا حاجة مع ذلك إلى بيان الجنس، هذا في الموزون، أما المكيل: فلا يغني قوله: (عشرة أقفزة مما شئت) عن ذكر الجنس؛ كما صوبه في "زيادة الروضة"؛ لكثرة الاختلاف في الكيل وقلَّته في الوزن، وأين ثقل الملح من ثقل الذُّرة (1).
(لا جنسَ الدابة وصفتَها إن كانت إجارةَ ذمة) أي: لا يشترط معرفة ذلك، بخلاف الركوب؛ إذ الغرض هنا نقل المتاع إلى الموضع المنقول إليه، فلا يختلف الغرض بحال حامله.
واحترز بالذمة: عن العين، فإنه على ما سلف في الركوب.
(إلا أن يكون المحمول زُجاجًا ونحوه) مما يسرع انكساره؛ كالخزف، فلا بدَّ من بيان حال الدابة؛ كالركوب.
وصورة المسألة - كما قاله الإمام -: أن يعين الزجاج في العقد أما لو جعل عماد العقد الوزن، ونوى حمل الزجاج وأضمره .. فلا يجب التعرض للدابة (2).
واستثنى القاضي أيضًا: ما إذا كان في الطريق وَحَلٌ؛ لأن الضعيفة تسقط فيه دون القوية.
* * *
(فصل: لا تصحُّ إجارة مسلم لجهاد) لأنه وإن لم يكن متعينًا عليه فهو إذا حضر
(1) روضة الطالبين (5/ 204).
(2)
نهاية المطلب (8/ 136).
وَلَا عِبَادَةٍ تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ إِلَّا الْحَجِّ وَتَفْرِقَةِ زَكَاةٍ. وَتَصحُّ لِتَجْهِيزِ مَيْتٍ وَدَفْنِهِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرآنِ، وَلِحَضَانَةٍ وَإِرْضَاعٍ مَعًا، وَلِأحَدِهِمَا فَقَطْ،
===
الصف .. تعين عليه، ولا يجوز أخذ الأجرة على فرض العين.
وخرج بالمسلم: الذمي، وسيأتي في بابه ما فيه، إن شاء الله تعالى.
(ولا عبادةٍ تجب لها نية) إذ القصد امتحانُ المكلف بها، ولا يقوم المستأجر في ذلك مقامه، (إلا الحج)(1) والعمرةِ لما مرَّ في بابه، (وتفرقة زكاة) وكلّ ما تدخله النيابة؛ كالكفارة، وذبح الضحايا، والصوم عن الميت، وكذا ركعتا الطواف، فإنها تقع عن المحجوج عنه على الأصحِّ، وجوازهما إنما هو بالتبع للإحرام.
(وتصح لتجهيز ميت ودفنه) وإن تعين عليه في الأصحِّ؛ لأن فرض الكفاية في ذلك ليس متأصلًا؛ إذ مؤنة ذلك تختص بتركة الميت، فالأجير غيرُ مقصود بفعله.
(وتعليمِ القرآن) وإن تعين عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ الله تَعَالَى"(2).
وقيل: إن تعين .. لم يجز؛ كفرض العين ابتداء.
وقد مرَّ شروط صحة الاستئجار على تعليم القرآن عند قوله: (ويقدر تعليم القرآن بمدة، أو تعيين سور)، وعلم منه هناك صحةُ الإجارة عليه، لكن ذكره هنا لكونه مستثنىً من العبادات.
نعم؛ محلُّ صحة الاستئجار عليه: إذا كان المتعلم مسلمًا، أو كافرًا يُرجَى إسلامه.
(ولحَضانة وإرضاع معًا) أي: يصحُّ لهما، حرة كانت المرأة أو أمة.
(ولأحدهما فقط) أما الحضانة .. فلأنها نوع خدمة، وأما الرضاع .. فلقوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} الآية.
واعلم: أن الحضانة صغرى، وهي: وضعه في الحِجر، وإلقامه الثدي، وعصره له، وكبرى: وهي بالمعنى الآتي تفسيرُه في كلام المصنف.
(1) بالجر بدل من عبادة. اهـ "حاشية الشبراملسي"(5/ 292).
(2)
أخرجه البخاري (5737) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، وَالْحَضَانَةُ: حِفْظُ صَبِيٍّ وَتَعَهُّدُهُ بغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَدَهْنِهِ وَكَحْلِهِ وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَنَحْوِهَا. وَلَوِ اسْتَأْجَرَ لَهُمَا فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ .. فَالْمَذْهَبُ: انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الإِرْضَاعِ دُونَ الْحَضَانَةِ
===
وإذا استأجر للإرضاع .. وجب تعيين المدة والصبيِّ، ويعرف بالمشاهدة، قاله في "البحر"(1)، وقال الماوردي: يشترط: معرفة سنه؛ لاختلاف شربه اللبن بذلك (2).
ويشترط: ذكر موضع الإرضاع، أهو في بيته أو بيتها، وحكى القفال في "فتاويه" قولًا: أنه لا يصحُّ للمسلم أن يستأجر يهودية لترضع ابنَه، ويُخلَّى بينه وبينها؛ لأنها ربما تخلفت عن تعهده.
(والأصحُّ: أنه لا يستتبِع أحدُهما الآخر) كسائر المنافع المختلفة، والثاني: نعم؛ للعادة بتلازمهما، والثالث: يستتبع الإرضاعُ الحضانةَ، ولا عكس، والرابع: عكسه، حكاه في "المطلب".
والمراد: الحضانة الكبرى، أما الصغرى .. فقطع المتولي وغيره بدخولها في الرضاع؛ إذ لا يمكن إلا بها، بل الأصحُّ: أنه إذا استأجر للرضاع .. يكون المعقود عليه الحضانةَ الصغرى، واللبن تابع، وقيل: عكسه.
(والحَضانة: حفظ صبي وتعهدُه (3)؛ بغسل رأسه وبدنه وثيابه، ودهنه، وكحله، وربطه في المهد، وتحريكه لينام، ونحوِها) لاقتضاء اسم الحضانة في العرف ذلك، ولحاجة الرضيع إليها.
واشتقاقه من الحِضْن، وهو تحت الإِبْط إلى الكَشْح؛ لأن الحاضنة تجعل الطفل هنالك.
(ولو استأجر لهما) أي: للحَضانة والإرضاع (فانقطع اللبن .. فالمذهب: انفساخ العقد في الإرضاع دون الحَضانة) هذا الخلاف مبني على أن المعقود عليه
(1) بحر المذهب (8/ 303).
(2)
الحاوي الكبير (9/ 251).
(3)
في (د): (والحضانة: حفظ الصبي).
وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ وَخَيْطٌ وَكُحْلٌ عَلَى وَرَّاقٍ وَخَيَّاطٍ وَكَحَّالٍ. قُلْتُ: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي "الشَّرْحِ" الرُّجُوعَ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ، فَإِنِ اضْطَرَبَتْ .. وَجَبَ الْبَيَانُ، وَإِلَّا .. فَتَبْطُلُ الإِجَارَةُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
ماذا؟ فقيل: إنه اللبن؛ لأنه أشدُّ مقصودًا، والحضانة تابعة، فعليه: ينفسخ العقد بانقطاعه، وقيل: عكسه؛ لأن الإجارة وُضعت للمنافع، والأعيان تقع تابعةً، فعليه: لا ينفسخ العقد، لكن للمستأجر الخيار؛ لأنه عيب.
والأصحُّ: أن المعقود عليه كلاهما؛ لأنهما مقصودان، فعليه: ينفسخ العقد في الإرضاع، ويسقط قسطه من الأجرة، وفي الحضانة قولا تفريقِ الصفقة.
قال الرافعي: ولم يفرقوا في طرد الخلاف بين أن يصرح بالجمع بينهما، أو يذكر أحدهما، ويحكم باستتباعه الآخر، وحسنٌ أن يفرَّق، فيقال: إن صرح .. فمقصودان قطعًا، وإن ذكر أحدهما .. فهو المقصود، والآخر تابع. انتهى (1)، وقد خصصه الإمام بما إذا جمع بين الحضانة والإرضاع (2).
(والأصحُّ: أنه لا يجب حِبر وخيط وكُحل على وَرَّاق) وهو الناسخ (وخَيَّاط وكَحَّال) اقتصارًا على مدلول اللفظ، والأعيان لا تُستَحق بالإجارة، وأمر اللبن على خلاف القياس؛ للضرورة.
(قلت: صحح الرافعي في "الشرح" الرجوعَ فيه إلى العادة) إذ لا ضابط في الشرع، ولا في اللغة.
(فإن اضطربت .. وجب البيان، وإلا .. فتبطل الإجارة، والله أعلم) للجهالة.
واعلم: أن الرافعي لم يعبر بالأصحِّ، بل قال: إنه الأشبه، وقال عن الأول: إنه الأشهر (3)، وفي "المحرر" إنه المشهور، فإذًا لا اعتراض على "المحرر" لأنه اقتصر على المشهور (4)، وإن كان الأشبه من حيث المعنى خلافه.
(1) الشرح الكبير (6/ 124).
(2)
نهاية المطلب (8/ 78).
(3)
الشرح الكبير (6/ 124).
(4)
المحرر (ص 232).