الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلَ فِيهِ لَيْسَ فَسْخًا مِنَ الْبَائِعِ، وَلَا إِجَازَةً مِنَ الْمُشْتَرِي.
فصلٌ [في خيار النقيصة]
لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِظُهُورِ عَيْبٍ قَدِيمٍ؛ كَخِصَاءِ رَقِيقٍ، وَزِنَاهُ، وَسَرِقَتِهِ، وَإِبَاقِهِ، وَبَوْلهِ بِالْفِرَاشِ، وَبَخَرِهِ، وَصُنَانِهِ، وَجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَعَضِّهَا، وَكُلِّ مَا يَنْقُصُ الْعَيْنَ أَوِ الْقِيمَةَ
===
(وأن العَرْض على البيع والتوكيلَ فيه ليس فسخًا من البائع، ولا إجازةً من المشتري) لأنهما لا يقتضيان إزالةَ الملك، والثاني: نعم؛ كالرجوع عن الوصية.
* * *
(فصل: للمشتري الخيار بظهور عيب قديم) بالإجماع، والمراد بقدمه: وجوده عند العقد، أو حدوثه قبل القبض (كخصاء رقيق) لأن الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصي، والجبُّ كالخصاء.
وأفهم: أن الخصاء ليس بعيب في البهائم، وصرح الجرجاني وغيره بأنه عيب فيها؛ ولذلك أطلق في "الروضة" أن الخصاء عيب، ولم يقيده بالرقيق (1).
(وزناه وسرقته وإباقه) سواء أكان ذكرًا أم أنثى، أقيم عليه الحدّ أم لا، صغيرًا أم كبيرًا؛ لأنه قد يعتاده صغيرًا فيفعله كبيرًا.
(وبوله بالفراش) إن كان كبيرًا، وهو ابن سبع سنين؛ كما في "التهذيب"، وأقرّاه (2)، وضبط القاضي أبو الطيب وغيره الكبير: بأن يكون مثله يحترز عنه، والأصح: اعتبار مصير ذلك عادة له.
(وَبَخَره) الناشئ من تغير المعدة دون ما يكون من قَلَح الأسنان؛ فإن ذلك يزول بتنظيف الفم، (وصُنانه) المستحكم دون ما يكون لعارضٍ عرقٍ أو حركة ونحو ذلك.
(وجِماح الدابة) وهو امتناع ركوبها، (وعضها، وكلِّ ما ينقص العين أو القيمةَ
(1) روضة الطالبين (3/ 461).
(2)
التهذيب (3/ 445)، الشرح الكبير (4/ 212)، روضة الطالبين (3/ 462).
نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إِذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ، سَوَاءٌ قَارَنَ الْعَقْدَ أَمْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ .. فَلَا خِيَارَ إِلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ، كَقَطْعِهِ بِجِنَايَةٍ سَابِقَةٍ فَيَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الأَصَحِّ،
===
نقصًا يفوت به غرض صحيح إذا غلب في جنس المبيع عدمُه) هذا ضابط يكتفى به عن تفصيل العيوب؛ فإنه لا مطمع في استيفائها، وهو للإمام (1).
والتقييد بفوات غرض صحيح يتعلق بنقص العين خاصة، واحترز به: عن قطع جزء يسير من الفخذ إذا اندمل بلا شَيْن، وعن الختان بعد الاندمال؛ فإنه فضيلة لا عيب.
ودخل في نقصان العين الخصاءُ، وقطع الأَنْمُلة.
وخرج بقوله: (إذا غلب في جنس المبيع عدمه): الثيوبة في الأمة الكبيرة؛ وكذا قلع الأسنان في الكبير؛ فإنه لا يردّ به بلا خلاف، قال في "المطلب": وكذا لا ردّ ببياض الشعر في الكبير، قال في "الاستقصاء": وكذا بقطع الأنف؛ لأنه لا يخفى. انتهى، وفيه نظر؛ لجواز أن يخفى تأمُّله لدهشةٍ (2).
(سواء قارن العقد أم حدث قبل القبض) لأن المبيع والحالة هذه من ضمان البائع، فكذا جزؤه وصفته.
(ولو حدث بعده) أي: بعد القبض ( .. فلا خيار) لأنه بالقبض صار من ضمانه، فكذا جزؤه وصفته.
(إلا أن يستند إلى سبب متقدم) على القبض أو العقد (كقطعه بجناية سابقة فيثبت الردّ في الأصحّ) إذا كان جاهلًا بالسبب، ويكون من ضمان البائع؛ إحالةً للهلاك على السبب، فإن كان عالمًا به .. فلا ردّ ولا أرش؛ لدخوله في العقد على بصيرة، والثاني: لا يثبت؛ لأنه قد يسلط على التصرف بالقبض، فيدخل المبيع في ضمانه أيضًا، فعلى هذا: يرجعُ بالأرش، وهو: ما بين قيمته مستحقَّ القطع وغيرَ مستحقه.
(1) نهاية المطلب (5/ 228).
(2)
بلغ مقابلة على خط مؤلفه عفا الله عنه. اهـ هامش (أ).
بخِلَافِ مَوْتهِ بِمَرَضٍ سَابِقٍ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قُتِلَ بِرِدَّةٍ سَابقَةٍ .. ضَمِنَهُ الْبَائِعُ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنَ الْعُيُوبِ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ لَمْ يَعْلَمْهُ دُونَ غَيْرِهِ،
===
وقوله: (بجناية): دخل فيه السرقة، وقطع يد الغير عدوانًا، وفي معنى القطع: زوال البكارة بزواج متقدم، واستيفاء الحدّ بسياط، وكان ينبغي أن يقول: على الأظهر؛ فإن الأول نصُّه في "الأم"، والثاني نصُّه في "الإملاء".
(بخلاف موته بمرض سابق في الأصحّ) لأن المرض يتزايد، فيحصل الموت فيه بتلك الزيادة، بخلاف قتله بالردة السابقة؛ فإنها خصلة واحدة وجدت في يد البائع، وقيل: فيه الخلاف في الصورة الآتية؛ لأن كلًّا منهما موت بسبب سابق، والأصح: القطع بالأول، والفرق: ما ذكرناه.
وكلامه يوهم: أن الخلاف في هذه الصورة في الردّ، وليس كذلك؛ فإنه قد تَعذَّر، وإنما الخلاف في أن المبيع من ضمان البائع حتى ينفسخ أم لا، فعلى الأول: يرجع بالأرش، وهو: ما بين قيمته صحيحًا ومريضًا إن جهل، وإلا .. فلا شيء له، وعلى الثاني: ينفسخ البيع، ويرجع بالثمن كلِّه.
(ولو قُتل بردة سابقة .. ضمنه البائعُ في الأصحّ) هذا الخلاف هو الخلاف المارُّ في قطعه بجناية سابقة، وقد مرَّ توجيهه، لكن الحكم بكونه من ضمان البائع هناك موجب للردِّ بالعيب، وهنا لانفساخ البيع، والرجوع بالثمن إن لم يعلم بالردة؛ فإن علم .. لم يرجع بشيء على المذهب.
ولا يخفى أن الكلام فيما بعد القبض، فإن كان قبله .. انفسخ قطعًا، وقضية كلامه: صحة بيع المرتد، وهو الأصح.
(ولو باع بشرط براءته من العيوب .. فالأظهر: أنه يبرأ عن عيب باطن بالحيوان لم يعلمه دون غيره) لأثر عثمان رضي الله عنه في ذلك (1)، ولأن الحيوان يأكل في حالتي
(1) وهو ما في "الموطأ"(2/ 613) أن ابن عمر رضي الله عنهما باع غلامًا له بثمان مئة درهم، وباعه بالبراءة، فقال المبتاع لابن عمر: بالعبد داء لم تسمه لي، فاختصما إلى عثمان، فقال الرجل: باعني العبد وبه داء لم يسمه لي، فقال ابن عمر: بعته بالبراءة، فقضى عثمان رضي الله عنه على ابن عمر أن =
وَلَهُ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ حَدَثَ قَبْلَ القَبْضِ، وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ .. لَمْ يَصِحَّ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ .. رَجَعَ بِالأَرْشِ،
===
صحته وسقمه، وتتبدل أحواله سريعًا، وقلَّ أن ينفك عن عيب خفي، فيحتاج البائع إلى هذا الشرط؛ ليثق فيه بلزوم البيع بخلاف غيره.
والفرق بين المعلوم وغيره: أن كتمان المعلوم تدليس فلا يبرأ منه، والفرق بين الظاهر والباطن: تسهيل الاطلاع عليه ويعلم غالبًا، فأعطيناه حكم المعلوم وإن خفي على ندور.
فقوله: (دون غيره) راجع إلى الثلاثة المذكورة، فلا يبرأ عن عيب ظاهر وإن كان في حيوان، ولا عن عيب باطن بالحيوان علمه، ولا عن العيب في غير الحيوان؛ كالعقار مطلقًا.
والقول الثاني: يبرأ مطلقًا عملًا بالشرط، والثالث: لا يبرأ مطلقًا؛ لأن الردَّ ثابت بالشرع فلا ينتفي بالشرط؛ كسائر مقتضيات العقد.
(وله مع هذا الشرط الردُّ بعيب حدث قبل القبض) عند إطلاق الشرط؛ لانصرافه إلى الموجود عند العقد.
(ولو شرط البراءةَ عمّا يحدث .. لم يصحّ في الأصحّ) لأنه إسقاط للشيء قبل ثبوته، فلم يسقط، كما لو أبرأه عن ثمن ما يبيعه له، والثاني: يصحّ بطريق التبع، فإن أفرد الحادث .. فهو أولى بالبطلان؛ كما في "الروضة"، و"أصلها"(1).
(ولو هلك المبيع عند المشتري) بآفة سماوية أو غيرها (أو أعتقه) أو وقفه أو استولد الأمة (ثم علم العيب .. رجع بالأرش)(2) لتعذر الردِّ؛ إذ لا مردود، ولا يمكن إسقاط حقِّ المشتري، فرجعنا إلى الأرش.
= يحلف: لقد باعه العبد وما به داء يعلمه، فأبى ابن عمر أن يحلف، وارتجع العبد، فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمس مئة درهم. اهـ هامش (أ).
(1)
روضة الطالبين (3/ 473)، الشرح الكبير (4/ 244).
(2)
في (ب) و (د): (ثم علم بالعيب).
وَهُوَ: جُزْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ نِسْبَةُ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنَ الْقِيمَةِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا، وَالأَصَحُّ: اعْتِبَارُ أَقَلِّ قِيَمِهِ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ إِلَى الْقَبْضِ
===
ويستثنى من الرجوع بالأرش مسألتان: الأولى: ما لو كان التالف رِبَويًّا قد بيع بمثله من جنسه .. فإنه لا يأخذ الأرش بل يفسخ العقد، ويستردُّ الثمن، ويغرم بدل التالف على الأصح عند العراقيين، ورجحه السبكي، وحكى الشيخان في المسألة وجهين بلا ترجيح: أحدهما: هذا، والثاني: يأخذ الأرش؛ لأن المماثلة إنما تشترط في ابتداء العقد، والأرش حقٌّ وجب بعد ذلك (1).
الثانية: لو كان العبد المعتق كافرًا .. قال الإسنوي: فلا يرجع بالأرش؛ لأنه لم ييأس من الردِّ، فإنه قد يلتحق بدار الحرب فيسترق، فيعود إلى ملكه.
(وهو) أي: الأرش (جزء من ثمنه) أي: من ثمن المبيع (نسبتُه إليه) أي: نسبة ذلك الجزء إلى الثمن (نسبةُ ما نَقَص العيبُ) أي: مثل نسبة الذي نقصه العيب (من القيمة لو كان سليمًا) أي: المبيع إلى تمام قيمة السليم؛ كما ذكره في "المحرر"(2)؛ مثاله: كانت القيمة مئة دون العيب، وتسعين معه، فالتفاوت العشر، فيكون الرجوع بعشر الثمن، فإن كان الثمن مئتين .. كان الأرش عشرين، وإن كان خمسين .. كان خمسة.
(والأصح: اعتبار أقلِّ قيمه من يوم البيع إلى القبض) لأن القيمة إن كانت يوم البيع أقل .. فالزيادة حدثت في ملك المشتري، وإن كانت يوم القبض أقلَّ .. فما نقص كان من ضمان البائع، والثاني: تعتبر قيمة يوم العقد؛ لأن الثمن قد قابل المبيع يومئذ، والثالث: يوم القبض؛ لأنه وقت دخول المبيع في ضمانه.
وقضية كلامه: اعتبار النقص الحاصل بين العقد والقبض، وقد صرح به في "الدقائق"، وبأنه غَيَّرَ عبارة "المحرر" لأجل ذلك (3).
واعترض: بأن هذا ليس وجهًا محكيًّا في أصوله المبسوطة فضلًا عن اختياره،
(1) الشرح الكبير (4/ 245 - 246)، روضة الطالبين (3/ 474 - 475).
(2)
المحرر (ص 145).
(3)
دقائق المنهاج (ص 60).
وَلَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ دُونَ الْمَبِيعٍ .. رَدَّهُ وَأَخَذَ مِثْلَ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَته. وَلَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ إِلَى غَيْرِهِ .. فَلَا أَرْشَ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ .. فَلَهُ الرَّدُّ، وَقِيلَ: إِنْ عَادَ بِغَيْرِ الرَّدِّ بِعَيْب .. فَلَا رَدَّ. وَالرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ،
===
وبأن النقصان الحاصلَ قبل القبض إذا زال قبل القبض .. لا يثبت للمشتري الخيار، فكيف يكون مضمونًا على البائع؟ !
(ولو تلف الثمن دون المبيع) واطلع على عيب بالمبيع ( .. ردَّه) لوجوده خاليًا عن الموانع (وأخذ مثلَ الثمن) إن كان مثليًّا (أو قيمتَه) إن كان متقومًا؛ لأنه لو كان باقيًا .. لاستحقه، فإذا تلف .. ضمنه بذلك قياسًا على غيره، وخروجه عن ملكه بالبيع وغيره كتلفه.
(ولو علم العيبَ بعد زوال ملكه إلى غيره .. فلا أرش في الأصحّ) لأنه لم ييأس من الردِّ، فربما عاد إليه فردَّه، وقيل: لأنه استدرك الظّلامة ورَوَّج كما رُوِّج عليه، وخَرَّجوا على التعليلين زواله بلا عوض؛ فعلى الأصح: لا أرش، وعلى الثاني: يجب، والثاني: يرجع؛ لتعذر الردِّ الان فأشبه الموت.
وكان ينبغي التعبير بالمشهور؛ لأن المُرجَّح منصوص، ومقابله مُخرَّج.
(فإن عاد الملك .. فله الردّ) لإمكانه، (وقيل: إن عاد بغير الردّ بعيب) كأن عاد بإرث أو هبة ونحوهما ( .. فلا ردّ) بناء على التعليل باستدراك الظُّلامة، والأصح: الردُّ؛ بناء على التعليل بعدم اليأس من الردِّ، وهو الأصح. هذا إذا كان الزوال بعوض، فإن زال بلا عوض ثم عاد .. ردّ قطعًا، كذا قاله الأكثرون، وأجرى الإمام والغزالي الخلاف سواء أكان الزوال والعود أو أحدهما بعوض أم لا؛ كما أطلقه في "الكتاب"(1).
(والردّ على الفور) لأن الأصل في البيع اللزوم، فإذا أمكنه الردُّ وقصر .. لزمه حكمه، وهذا في العقد على الأعيان.
أما الواجب في الذمة ببيع أو سلم إذا قبضه فوجده معيبًا .. فلا يُعتبر الفور إن قلنا: لا يملكه إلا بالرضا؛ إذ الملك موقوف عليه، وكذا إن قلنا: يملكه بالقبض على
(1) نهاية المطلب (5/ 233)، الوسيط (3/ 130).
فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ. فَلَوْ عَلِمَهُ وَهُوَ يُصَلِّي أَوْ يَأْكُلُ .. فَلَهُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَفْرُغَ، أَوْ لَيْلًا .. فَحَتَّى يُصْبِحَ. فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْبَلَدِ .. رَدَّهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ،
===
الأوجه؛ كما قاله الإمام، وأقراه عليه في (باب الكتابة)(1)؛ لأنه ليس معقودًا عليه، وإنما يثبت الفور فيما يؤدي ردّه إلى رفع العقد.
ويستثنى من اشتراط الفور مسائل: منها: قريب العهد بالإسلام، ومن نشأ ببادية بعيدةٍ عن العلماء إذا ادعى الجهل بأن له الردّ .. فإنه يقبل منه، ولو قال: لم أعلم أنه يبطل بالتأخير .. قال الرافعي: قبل قوله؛ لأنه يخفى على العوام، وقال في الروضة": إنما يقبل هنا وفي الشفعة ممن يخفى على (2) مثله، ومنها: لو اطلع المشتري على عيب بالشقص قبل أخذ الشفيع فأمسك عن ردِّه انتظارًا؛ فإن كان الشفيع غائبًا .. بطل حقه بالانتظار، وإن كان حاضرًا .. فلا، ومنها: الآبق إنما يردُّ بعد عوده، ولا أرش في الحال في الأصح، ولا يسقط ردُّه بالتأخير ولو صرح بإسقاطه على الأصح، ومنها: ما إذا اشترى مالًا زكويًّا ووجد به عيبًا قديمًا، وقد مضى حول من الشراء .. فليس له الردُّ بذلك حتى يخرج الزكاة، ولا يبطل حقُّ الردِّ بالتأخير؛ لأنه غير متمكن قبله، [ذكره الرافعي في (باب الزكاة)](3).
(فليبادر على العادة) من غير عَدْو ولا ركض.
(فلو علمه وهو يصلي (ولو نفلًا (أو يأكل) أو يقضي حاجة ( .. فله تأخيره حتى يفرغ) لأنه لا يعدُّ مقصرًا، وكذا لو علم بالعيب وقد دخل وقت هذه الأمور فاشتغل بفعلها.
(أو ليلًا .. فحتى يصبح) لعدم التقصير أيضًا.
(فإن كان البائع بالبلد .. رده عليه بنفسه أو وكيله) إذا لم يحصل بالتوكيل تأخير (أو على وكيله) لأنه قائم مقامه.
(1) نهاية المطلب (19/ 394 - 395)، الشرح الكبير (13/ 496)، روضة الطالبين (12/ 245).
(2)
الشرح الكبير (4/ 253)، روضة الطالبين (3/ 480).
(3)
ما بين المعقوفين زيادة من غير (أ)، وانظر "الشرح الكبير"(3/ 531).
وَلَوْ تَرَكَهُ وَرَفَعَ الأَمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ .. فَهُوَ آكَدُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا .. رَفَعَ إِلَى الْحَاكِمِ. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الإِشْهَادُ عَلَى الْفَسْخِ إِنْ أَمْكَنَهُ حَتَّى يُنْهِيَهُ إِلَى الْبَائِعِ أَوِ الْحَاكِمِ،
===
(ولو تركه ورفع الأمر إلى الحاكم .. فهو آكد) لأن المالك ربما أحوجه في آخر الأمر إلى المرافعة إليه، فيكون الإتيان به أولًا فاصلًا للأمر جزمًا.
وقضية كلامه تبعًا للرافعي: أنه لا فرق في التخيير المذكور بين أن يكون الاطلاع بحضرة أحدهم أم في غيبة الكلِّ (1).
وقال في "المطلب": قال المعظم: إذا علم بحضرة أحدهم .. فالتأخير لغيره تقصير، وقضيته: أنه لو مرَّ عليه وجاوزه إلى غيره .. كان تقصيرًا، وهو ظاهر، وإذا جاء إلى الحاكم .. لا يدعي، لأن غريمه غائب عن المجلس وهو في البلد (2)، وإنما يفسخ بحضرته ثم يطلب غريمه.
(وإن كان غائبًا) عن البلد ( .. رفع إلى الحاكم) ولا يؤخر لقدومه، وظاهر إطلاقه يشمل الغيبة القريبة وغيرها، وتوقف فيه في "المطلب" ثم مال إليه؛ لما فيه من الحرج، وهو ظاهر بالنسبة إلى الفسخ عنده، أما القضاء به وفصل الأمر وبيع ماله .. فلا بدّ فيه من شروط القضاء على الغائب فيما يظهر. قاله الأَذْرَعي.
(والأصحّ: أنه يلزمه الإشهاد على الفسخ إن أمكنه حتى ينهيه إلى البائع أو الحاكم) لأنه المقدور عليه، والثاني: لا، لأنه إذا كان طالبًا للبائع أو للحاكم .. لا يعدُّ مقصرًا.
والمراد: إشهاد اثنين؛ كما ذكره القاضي والغزالي، قال ابن الرفعة: وهو احتياط، لأن الواحد مع اليمين كاف.
وقضية كلام المصنف تبعًا للرافعي: بقاءُ وجوب الذهاب بعد الإشهاد (3)، وقال السبكي: إذا أشهد على نفس الفسخ .. ينبغي أن ينفذ الفسخ، ولا يحتاج بعده إلى أتيان البائع أو الحاكم إلا للتسليم وفصل الخصومة، فإن الفسخ عندنا بالعيب لا يتوقف على الحاكم ولا البائع، وبسط ذلك.
(1) الشرح الكبير (4/ 251 - 252).
(2)
في (د): (لا يدعي أن غريمه غائب عن المجلس).
(3)
الشرح الكبير (4/ 251).
فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الإِشْهَادِ .. لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ فِي الأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الاسْتِعْمَالِ، فَلَوِ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ تَرَكَ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجَهَا أَوْ إِكَافَهَا .. بَطَلَ حَقُّهُ، وَيُعْذَرُ فِي رُكُوبِ جَمُوع يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا. وَإِذَا سَقَطَ رَدُّهُ بِتَقْصيرٍ .. فَلَا أَرْشَ. وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ .. سَقَطَ الرَّدُّ قَهْرًا، ثُمَّ إِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ .. رَدَّهُ المُشتَرِي أَوْ قَنِعَ بِهِ،
===
(فإن عجز عن الإشهاد .. لم يلزمه التلفظ بالفسخ في الأصحّ) لأن الكلام الذي يقصد به إعلام الغير ما في النفس .. يبعد إيجابه من غير سامع، والثاني: يلزمه؛ ليبادر بحسب الإمكان.
(ويشترط ترك الاستعمال؛ فلو استخدم العبد أو ترك على الدابة سَرْجَها أو إكافَها) أي: البَرْذَعَة في سيره إلى الردِّ، أو في المدة التي يغتفر التأخير لها ( .. بطل حقه) إن لم يحصل بنزعه ضررٌ للدابة؛ لإشعاره بالرضا.
وقضيته: أنه لو خدمه وهو ساكت .. لم يؤثر؛ لأن الاستعمال طلب العمل، وهو متجه، لكن قضيته أيضًا: أن مجرد الطلب يؤثر سواء وجد العمل أم لا.
قال الإسنوي: وفيه نظر (1).
قال والدي: وفي النظر نظر، لدلالة الطلب على الرضا، سواء عمل أو لم يعمل.
(ويُعذر في ركوب جَموح يعسر سوقها وقودها) للحاجة، فلو لم تكن جموحًا .. لم يعذر؛ كما لو لبس الثوب للردِّ.
(وإذا سقط رده بتقصير .. فلا أرش) لأنه المفوت بتقصيره.
(ولو حدث عنده عيب) بجناية أو آفة ( .. سقط الردّ قهرًا) لما فيه من الإضرار بالبائع؛ لأنه أخذه بعيب، فلا يرده بعيبين.
نعم؛ لو علم العيب القديم بعد زوال الحادث .. ردّه على الصحيح.
ونسيان القرآن والحرفة بمثابة العيب؛ لنقصان القيمة.
(ثم إن رضي به البائع) بلا أرش عن الحادث ( .. ردّه المشتري، أو قنع به) بلا أرش عن القديم، لأن المانع من الردِّ -وهو ضرر البائع- قد زال برضاه، فصار كما لو
(1) المهمات (5/ 200).
وَإِلَّا .. فَلْيَضُمَّ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْحَادِثِ إِلَى الْمَبِيعِ وَيَرُدَّ، أَو يَغْرَمُ الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَلَا يَرُدُّ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِهِمَا .. فَذَاكَ، وَإِلَّا .. فَالأَصحُّ: إِجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الإِمْسَاكَ. وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى الْفَوْرِ بِالْحَادِثِ لِيَخْتَارَ، فَإِنْ أَخَّرَ إِعْلَامَهُ بِلَا عُذْرٍ .. فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ. وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ إِلَّا بِهِ كَكَسْرِ بَيْضٍ وَرَانِجٍ،
===
لم يحدث به عيب، (وإلا) أي: وإن لم يرض به البائع ( .. فليضم المشتري أرشَ الحادث إلى المبيع ويردّ، أو يغرم البائع أرش القديم ولا يرد) لأن كلًّا من المسلكين فيه جمعٌ بين المصلحتين ورعاية الجانبين.
(فإن اتفقا على أحدهما .. فذاك) لأن الحقَّ لهما، (وإلا) أي: وإن تنازعا فدعا أحدهما إلى الردِّ مع أرش الحادث، والآخر إلى الإمساك، وغرامة أرش القديم ( .. فالأصحّ: إجابة من طلب الإمساك) والرجوع بأرش العيب سواء أكان هو البائع أم المشتري؛ لما فيه من تقرير العقد، والثاني: يجاب البائع؛ لأنه إما غارم أو آخذ ما لم يرد العقد عليه، والثالث: يجاب المشتري؛ لأن البائع قد دلس عليه.
واستثني: ما إذا اطلع على عيب بالثوب بعد صبغه وزادت القيمة بالصبغ، واختلفا؛ فأراد المشتري أرش العيب القديم وإبقاء العقد، وقال البائع:(رُدَّ الثوب لأغرم لك قيمة الصبغ) .. فإن المجاب البائع على الأصح؛ لأن المشتري هنا إذا أخذ الثمن ورَدَّ قيمة الصبغ .. لم يغرم شيئًا، وفي غيرها لو ألزمناه الردَّ وأرش الحادث .. غَرَّمناه لا في مقابلة شيء.
وفي استثناء هذه الصورة نظر؛ لأن الصبغ ليس بعيب؛ لأن قيمته قد زادت ولا نقص في عينه.
(ويجب أن يُعلِم المشتري البائعَ على الفور بالحادث ليختار) هل يقبله بلا أرش أم لا؟ ، (فإن أخر إعلامه بلا عذر .. فلا ردّ ولا أرش) كما لو أخر المشتري الردَّ حيث لا حادث.
نعم؛ لو كان الحادث قريب الزوال غالبًا؛ كالرمد والحمّى .. ففي اشتراط الفور قولان بلا ترجيح، وقضية إطلاق المصنف: اشتراطه.
(ولو حدث عيب لا يعرف القديم إلا به؛ ككسر بيض ورانج) وهو الجوز الهندي