الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ السَّلَم
هُوَ بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، يُشْتَرَطُ لَهُ مَعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ. فَلَوْ أَطْلَقَ ثُمَّ عَيَّنَ وسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ .. جَازَ،
===
(كتاب السلم)
سمي سلمًا؛ لتسليم رأس المال في المجلس، ويُسمَّى سلفًا؛ لتقديمه، والأصل فيه قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} الآية، قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في السلم (1)، وفي الصحيح:"مَنْ أَسْلَفَ .. فَلْيُسْلِفْ فِي كَيلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ"(2)، وهو مجمع عليه.
(هو بيع موصوف في الذمة) بلفظ السلم ببدل يُعطى عاجلًا، وإنما قيدتُ كلامه بلفظ السلم؛ لئلا يرد ما إذا عقده بلفظ البيع، فإنه بيع على الأصح كما سيأتي.
وخرج بالوصف: القرض؛ فإنه لم يذكر صفاته.
(يشترط له مع شروط البيع أمور) لما مرَّ من أنه بيع، قال الزركشي: والمراد: شروط البيع في الذمة لا مطلقًا، وإلا .. لاقتضى اشتراط رؤية المسلم فيه، والصيغة، وعلى هذا فلا ترد صحةُ سلم الأعمى دون شرائه.
(أحدها: تسليم رأس المال في المجلس) لأن تأخيره في معنى بيع الدين بالدين، وقد نهى عنه (3).
(فلو أطلق) كأن قال: (أسلمت إليك دينارًا في ذمتي في كذا)(ثم عين) الدينار (وسلم في المجلس .. جاز) لأن المجلس حريم العقد؛ فله حكمه.
(1) أخرجه الشافعي في "الأم"(4/ 183)، والطبري في "تفسيره"(6315).
(2)
أخرجه البخاري (2240)، ومسلم (1604) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه الحاكم (2/ 57)، والبيهقي (5/ 290)، والدارقطني (3/ 71) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وَلَوْ أَحَالَ بِهِ وَقَبَضَهُ الْمُحْتَالُ فِي الْمَجْلِسِ .. فَلَا، وَلَوْ قَبَضَهُ وَأَوْدَعَهُ الْمُسْلِمَ .. جَازَ. وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَنْفَعَةً، وَيُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ. وَإِذَا فُسِخَ السَّلَمُ وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ .. اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ: لِلْمُسْلَمِ إِلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ إِنْ عُيِّنَ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْعَقْدِ. وَرُؤْيَةُ رَأْسِ الْمَالِ تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فِي الأَظْهَرِ
===
(ولو أحال به) أي: برأس المال (وقبضه المحتال في المجلس .. فلا) لأنها ليست بقبض حقيقي، والمحال عليه يؤدي عن نفسه لا عن المسلم.
وصورة المسألة: أن يحيل المُسلِم المُسلَم إليه، أما لو أحال المُسلَم إليه برأس المال على المُسلِم، وأمره بالدفع إليه، وحصل القبض في المجلس .. جاز، ويكون المحتال وكيلًا عن المُسلَم إليه في القبض.
(ولو قبضه) يعني: رأس المال (وأودعه المُسلِم) قبل التفرق ( .. جاز) قياسًا على سائر أمواله.
(ويجوز كونه) أي: رأس المال (منفعة) كما يجوز جعلها ثمنًا وغيره.
(ويُقبَض بقبض العين) لأنه لمَّا تعذر القبض الحقيقي .. اكتفينا بهذا؛ لأنه الممكن.
(وإذا فُسخ السلم ورأس المال باق) ولم يتعلق به حقّ ثالث ( .. استرده بعينه) وليس له إبداله، سواء أكان مُعيَّنًا أم في الذمة ثم عيّن في المجلس، أما الأول .. فلأن الثمن المُعيَّن كالمبيع، وأما الثاني .. فلأن المُعيَّن في المجلس بمثابة المُعيَّن في العقد.
(وقيل: للمسلم إليه ردُّ بدله إن عيِّن في المجلس دون العقد) لأن العقد لم يتناوله. واحترز بقوله: (باق) عما إذا تلف؛ فإنه يرد مثله في المثلي، وقيمته في المتقوم.
(ورؤية رأس المال تكفي عن معرفة قدره في الأظهر) كثمن المبيع، والثاني: لا تكفي، بل يجب ذكر قدره وصفته؛ لأنه ربما ينقطع، ويكون رأس المال تالفًا، فلا يدري بِمَ يرجع، ونصّ في "الأم" على أن هذا أحب القولين إليه (1).
(1) الأم (4/ 203).
الثَّانِي: كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا، فَلَوْ قَالَ:(أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ هَذَا الْثوْبَ فِي هَذَا الْعَبْدِ) .. فَلَيْسَ بِسَلَمٍ، وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الأَظْهَرِ، وَلَوْ قَالَ:(اشْتَرَيْتُ مِنْكَ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ)، فَقَالَ:(بِعْتُكَ) .. انْعَقَدَ بَيْعًا، وَقِيلَ: سَلَمًا
===
ومحل الخلاف: ما إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والصفة؛ فإن علماه قبله .. صحَّ قطعًا.
(الثاني: كون المُسلَم فيه دينًا) لأن لفظ السلم موضوع له، ومراده بالشرط: ما لا بدَّ منه؛ ليشمل الركن؛ فإن الدَّينِيَّةَ داخلة في حقيقة السلم.
(فلو قال: "أسلمتُ إليك هذا الثوب في هذا العبد" .. فليس بسلم) جزمًا؛ لانتفاء الدَّينِيَّة.
(ولا ينعقد بيعًا في الأظهر) لاختلال اللفظ، والثاني: ينعقد بيعًا؛ نظرًا إلى المعنى.
(ولو قال: "اشتريت منك ثوبًا صفته كذا بهذه الدراهم") أو بمئة درهم في ذمتي (فقال: "بعتك" .. انعقد بيعًا) نظرًا إلى اللفظ، وهذا ما رجحه في "أصل الروضة"، وقال في "المحرر": إنه أقرب (1)، ولم يصرح هنا في "الشرحين" بترجيح، (وقيل: سلمًا) نظرًا إلى المعنى، واللفظ لا يعارضه؛ لأن كلَّ سلم بيع؛ فإطلاق البيع على السلم إطلاقٌ له على ما يتناوله، وهذا ما رجحه العراقيون وغيرهم، وهو المنصوص، واختاره السبكي.
وإذا جعلناه سلمًا .. وجب تعيين الدراهم، وقبضها في المجلس، وإلا .. لم يجب، كذا قالاه (2)، وقال السبكي: إذا جعلناه بيعًا لا يجب التسليم، ويجب التعيين، وإلا أدى إلى بيع الدين بالدين، وهو باطل بالإجماع، وممن نبه عليه المَحاملي والفارقي وإسماعيل الحَضْرَمي.
ومحل انعقاده بيعًا: إذا لم يذكر بعده لفظ السلم، فإن قال:(بعتك كذا سلمًا، أو اشتريت منك سلمًا) .. كان سلمًا؛ كما جزم به الرافعي في تفريق الصفقة في
(1) روضة الطالبين (4/ 6)، المحرر (ص 158).
(2)
الشرح الكبير (4/ 396)، روضة الطالبين (4/ 6 - 7).
الثَّالِثُ: الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ، أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنةٌ .. اشْتُرِطَ بَيَانُ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ، وَإِلَّا .. فَلَا. وَيَصِحُّ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا، فَإِنْ أَطْلَقَ .. انْعَقَدَ حَالًّا، وَقِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ
===
الأحكام؛ فإنه صوَّرَ الجمع بين الإجارة والسلم بقوله: (أجرتك داري سنة، وبعتك كذا سلمًا بكذا)(1).
(الثالث: المذهب: أنه إذا أسلم بموضع لا يصلح للتسليم، أو يصلح ولحمله مؤنة .. اشتُرط بيان محلِّ التسليم) وهو مكانه، (وإلا .. فلا) لأنه إذا كان الموضع صالحًا ولا مؤنة .. اقتضى العرف التسليمَ فيه، وإذا لم يكن كذلك .. تفاوتت الأغراض باختلاف الأمكنة فاشترط التعيين.
وهذا في السلم المؤجل، أما الحالُّ .. فلا يشترط فيه التعيين؛ كالبيع.
ويتعين موضع العقد للتسليم، لكن إن عينا غيره .. جاز بخلاف البيع؛ لأن السلم يقبل التأجيل فقَبِل شرطًا يتضمن تأخير التسليم، والأعيان لا تحتمله.
والمراد بموضع العقد: المحلّة، وفي المسألة سبعة طرق (2)؛ فلذا عبر بالمذهب.
(ويصحُّ) السلم (حالًّا) إذا كان المسم فيه موجودًا (ومؤجلًا) أما المؤجل .. فبالإجماع، وإذا جاز مؤجلًا .. فهو في الحالٍّ أجوز؛ لأنه أبعد عن الغرر.
وفائدة العدول عن البيع إلى السلم الحالّ: جوازُ العقد مع غيبة المبيع؛ فإنه قد لا يكون حاضرًا مرئيًّا، فلا يصحُّ بيعه، وإن أخره لإحضاره .. فات المشتري، والأمنُ من الانفساخ؛ إذ هو متعلق بالذمة.
(فإن أطلق) ولم يشترط تأجيلًا ولا حلولًا ( .. انعقد حالًّا) كالثمن في البيع، (وقيل: لا ينعقد) لأن العرف في السلم التأجيلُ؛ فحمل عليه، وحينئذ فيكون كما لو ذكر أجلًا مجهولًا.
(1) الشرح الكبير (4/ 156).
(2)
انظر "النجم الوهاج"(4/ 244).