المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في موانع الإرث] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ البيع

- ‌بابُ الرِّبا

- ‌بابٌ [البيوع المنهي عنها]

- ‌فصلٌ [في المنهيات التي لا يقتضي النهي فسادها]

- ‌فصلٌ [في تفريق الصفقة]

- ‌بابُ الخيار

- ‌فصلٌ [في خيار الشرط وما يتبعه]

- ‌فصلٌ [في خيار النقيصة]

- ‌فرعٌ [في عدم تفريق الصفقة بالعيب]

- ‌فصلٌ [في التصرية]

- ‌بابٌ [في حكم المبيع قبل قبضه وبعده والتصرف فيه]

- ‌فَرعٌ [في تتمة أحكام الباب]

- ‌فَرعٌ [في تتمة الباب أيضًا]

- ‌بابُ التّولية والإشراك والمراجعة

- ‌بابُ الأصول والثّمار

- ‌فَرعٌ [في دخول ما يتبع المبيع في البيع]

- ‌فصَلٌ [في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما]

- ‌بابُ اختلاف المتبايعين

- ‌بابٌ [معاملة الرّقيق)

- ‌كتابُ السَّلَم

- ‌فصَلٌ [في بقية الشروط السبعة]

- ‌فَرعٌ [في محل السلم وشروطه]

- ‌فصلٌ [في بيان أخذ غير المسلم فيه عنه ووقت أدائه ومكانه]

- ‌فصلٌ [في القرض]

- ‌كتابُ الرَّهْن

- ‌فصَلٌ [في شروط المرهون به ولزوم الرهن]

- ‌فصلٌ [فيما يترتب على لزوم الرهن]

- ‌فصلٌ [في جناية المرهون]

- ‌فصلٌ [في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به]

- ‌فصلٌ [في تعلق الدين بالتركة]

- ‌كتاب التفليس

- ‌فصلٌ [فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما]

- ‌فَصْلٌ [في رجوع المعامل للمفلس عليه بما عامله به ولم يقبض عوضه]

- ‌بابُ الحَجْر

- ‌فَصْلٌ [فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله]

- ‌بابُ الصُّلْح

- ‌فَصْلٌ [في التزاحم على الحقوق المشتركة]

- ‌بابُ الحَوالة

- ‌بابُ الضَّمان

- ‌فصلٌ [في كفالة البدن]

- ‌فصلٌ [في صيغتي الضمان والكفالة]

- ‌كتابُ الشّركة

- ‌كتابُ الوكالة

- ‌فصَلٌ [في أحكام الوكالة بعد صحتها]

- ‌فصَلٌ [فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة]

- ‌فصَلٌ [في بيان جواز الوكالة وما تنفسخ به]

- ‌كتابُ الإقرار

- ‌فَصْلٌ [في الصيغة]

- ‌فَصْلٌ [في شروط المُقَرِّ به]

- ‌فَصْلٌ [في بيان أنواع من الإقرار وفي بيان الاستثناء]

- ‌فَصْلٌ [في الإقرار بالنسب]

- ‌كتابُ العاريَّة

- ‌فَصْلٌ [في رد العارية]

- ‌كتابُ الغَصْب

- ‌فَصلٌ [في بيان حكم الغصب]

- ‌فَصلٌ [في اختلاف المالك والغاصب]

- ‌فَصلٌ [فيما يطرأ على المغصوب من زيادة ووطء وانتقال]

- ‌كتابُ الشُّفْعة

- ‌فَصلٌ [في بيان بدل الشقص الذي يؤخذ به والاختلاف في قدر الثمن]

- ‌كتابُ القِراض

- ‌فَصْلٌ [في بيان الصيغة وما يشترط في العاقدين]

- ‌فَصْلٌ [في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين]

- ‌كتابُ المساقاة

- ‌فَصْلٌ [فيما يشترط في عقد المساقاة]

- ‌كتابُ الإِجَارة

- ‌فَصْلٌ [في بقية شروط المنفعة وما تقدر به]

- ‌فَصْلٌ [في منافع يمتنع الاستئجار لها ومنافع يخفى الجواز فيها وما يعتبر فيها]

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم المكري أو المكتري لعقار أو دابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان غاية المدة التي تقدر بها المنفعة تقريبًا]

- ‌فَصْلٌ [فيما يقتضي انفساخ الإجارة والتخيير في فسخها وما لا يقتضيهما]

- ‌كتابُ إحياء المَوات

- ‌فَصْلٌ [في حكم المنافع المشتركة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض]

- ‌كتابُ الوَقْف

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الوقف اللفظية]

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الوقف المعنوية]

- ‌فصلٌ [في بيان النظر على الوقف وشرطه ووظيفة الناظر]

- ‌كتابُ الهِبَة

- ‌كتابُ اللُّقَطة

- ‌فصلٌ [في بيان لقط الحيوان وغيره وتعريفها]

- ‌فصلٌ [في تملك اللقطة وغرمها وما يتبعها]

- ‌كتابُ اللَّقيط

- ‌فصلٌ [في الحكم بإسلام اللقيط]

- ‌فصلٌ [في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه وتوابع ذلك]

- ‌كتابُ الجعالة

- ‌كتابُ الفرائض

- ‌فصلٌ [في بيان الفروض التي في القرآن الكريم وذويها]

- ‌فصلٌ [في الحجب]

- ‌فصلٌ [في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادًا واجتماعًا]

- ‌فصلٌ [في كيفية إرث الأصول]

- ‌فصلٌ [في إرث الحواشي]

- ‌فصلٌ [في الإرث بالولاء]

- ‌فصلٌ [في حكم الجد مع الإخوة]

- ‌فصلٌ [في موانع الإرث]

- ‌فصلٌ [في أصول المسائل وما يعول منها]

- ‌فَرْعٌ [في تصحيح المسائل]

- ‌فَرْعٌ [في المناسخات]

- ‌كتابُ الوصايا

- ‌فصَلٌ [في الوصية لغير الوارث وحكم التبرعات في المرض]

- ‌فصلٌ [في بيان المرض المخوف ونحوه]

- ‌فصلٌ [في أحكام الوصية الصحيحة ولفظها]

- ‌فصلٌ [في أحكام معنوية للموصى به]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الوصية]

- ‌فَصْلٌ [في الإيصاء وما يتبعه]

- ‌كتابُ الوَدِيعة

- ‌كتابُ قَسْم الفيء والغنيمة

- ‌فَصْلٌ [في الغنيمة وما يتبعها]

- ‌كتابُ قَسْم الصّدقات

- ‌فَصْلٌ [في بيان مستند الإعطاء وقدر المعطى]

- ‌فَصْلٌ [في القسمة بين الأصناف وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في صدقة التطوع]

الفصل: ‌فصل [في موانع الإرث]

‌فصلٌ [في موانع الإرث]

لَا يَتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ. وَلَا يَرِثُ مُرْتدٌّ وَلَا يُورَثُ

===

إلى تفضيلها على الجد، كما في سائر صور الجد والإخوة؛ ففرض لها بالرحم، وقسم بينهما بالتعصيب؛ رعايةً للجانبين.

وفي تسمية هذه أكدرية سبعة أقوال (1): من أحسنها: أنها كدرت على زيد مذهبه؛ لأنه لا يفرض للأخت مع الجد، ولا يعيل مسائل الجد، وهنا فرض وأعال، وأيضًا: فإنه جمع سهام الفرض فقسمها على التعصيب، فكدرت مذهبه من هذه الأوجه الثلاثة، وقيل: إن رجلًا يقال له أكدر ألقاها على ابن مسعود؛ فسميت باسم السائل، وقيل: إن الميتة في هذه الصورة كان اسمها أكدرة؛ فسميت بها.

* * *

(فصل) في موانع الميراث (لا يتوارث مسلم وكافر) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ" متفق عليه (2).

ولا فرق بين النسب والولاء في ذلك، وعن الإمام أحمد أن اختلاف الدين لا يمنع الإرث بالولاء، ونقله القاضي عبد الوهاب المالكي عن الشافعي، وغلط في ذلك، وكأنه توهم ذلك من قول الشافعي: أن الولاء ثابت بين المسلم والكافر، ومعناه: أن الولاء ثابت للكافر كالقرابة؛ فإن أسلم قبل موت المسلم .. ورث به، وإن مات قبل أن يسلم .. لم يرثه.

(ولا يرث مرتد) بحال؛ إذ لا سبيل إلى توريثه من مثله؛ لأنه غير مبقىً، ولا من مسلم؛ للخبر المتقدم، ولا من كافر أصلي؛ للمنافاة بينهما؛ لأنه لا يقر على دينه، وذاك يقر، (ولا يورث) بل ماله فيء لبيت المال، وسواء في عدم التوريث منه ما اكتسبه في الإسلام، أو في الردة، ارتد في الصحة أو في المرض وقصد منع وارثه، والدليل عليه فيما إذا ارتد في الصحة وفيما اكتسبه في الإسلام: الإجماع، وفي

(1) في غير (أ): (تسعة أقوال).

(2)

صحيح البخاري (6764)، صحيح مسلم (1614) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

ص: 565

وَيَرِثُ الْكَافِرُ الْكَافِرَ وإنِ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا، لكِنِ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَذِمَيٍّ. وَلَا يَرِثُ مَنْ فيهِ رِقٌّ

===

الباقي: القياس عليهما، وللإمام احتمال في توريث المرتد من مثله (1)، والزنديق كالمرتد.

(ويرث الكافر الكافر وإن اختلفت مِلَّتهما) كاليهودي والنصراني والمجوسي والوثني؛ لأن جميع ملل الكفر في البطلان كالملة الواحدة، قال تعالى:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} وقال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} ، وقيل: لا ترث ملة منهم ملة أخرى؛ بناءً على أن الكفر مللٌ مختلفة.

ولا فرق في توارث بعضهم من بعض بين أن يكونا حربيين أو غير حربيين، ولا بين أن يكون الحربيان متفقي الدار أو مختلفَيْها، وذلك بأن يختلف الملوك، ويرى بعضهم قتل بعض؛ كالروم والهند، كذا في "الروضة" و"أصلها"(2)، لكن في "شرح مسلم" نقل عن الأصحاب: أن الحربيين في بلدين متحاربين لا يتوارثان (3)، ونقله السبكي عن مسودة "شرح التنبيه" للمصنف، قال في "المهمات": وهو وهم (4)، وإنما هو مذهب أبي حنيفة.

(لكن المشهور: أنه لا توارث بين حربي وذمي) لانقطاع الموالاة بينهما، والثاني: يتوارثان؛ لشمول الكفر.

والمعاهد والمستأمن كالذمي، وقيل: كالحربي.

(ولا يرث من فيه رقٌّ) لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فإن (اللام) فيه للتمليك، والعبد لا يملك، وإن قيل: يملك .. فهو ملك ضعيف، ولأنه لو ورث .. لكان الملك للسيد، وهو أجنبي من الميت.

وفي المبعض وجهٌ ضعيف: أنه يرث بقدر ما فيه من الحرية، والصحيح: المنع؛

(1) نهاية المطلب (9/ 150).

(2)

روضة الطالبين (6/ 29)، الشرح الكبير (6/ 507).

(3)

شرح صحيح مسلم (11/ 53).

(4)

المهمات (6/ 322).

ص: 566

-وَالْجَدِيدُ: أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يُورَثُ- وَلَا قَاتِلٌ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُضْمَنْ .. وَرِثَ. وَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ فِي غُرْبَةٍ مَعًا، أَوْ جُهِلَ أَسْبقُهُمَا .. لَمْ يَتَوَارَثَا وَمَالُ كُلٍّ لِبَاقِي وَرَثَتِهِ

===

لأنه ناقص بالرق في النكاح والطلاق والولاية؛ فلم يرث؛ كالقن.

(والجديد: أن من بعضه حر يورث) ما ملكه ببعضه الحر؛ لأنه تام الملك؛ كالحر، فترثه زوجته وقريبه أو معتقه.

وفي القدر الموروث وجهان: أصحهما: جميع ما ملكه ببعضه الحر، والثاني: يقدر ما فيه من الحرية، وباقيه لمالك بعضه.

والقديم: أنه لا يورث كما لا يرث؛ كالمرتد فما تركه يكون لمالك باقيه، ولم يذكر المصنف كون الرقيق لا يورث؛ استغناءً بما اقتضاه كلامه في المبعض، وقد صرح به في "المحرر"(1).

(ولا قاتل) من مقتوله؛ لأحاديث واردة في الباب كلُّها متكلم فيها (2)، والمعنى فيه: أنا لو ورثناه .. لم نأمن ذاعر من مستعجل الإرث أن يقتل مُورِّثه؛ فاقتضت المصلحة حرمانه، ولأن القتل قطع الموالاة، وهي سبب الإرث، وسواء أكان القتل عمدًا أو خطأ، وسواء قصدت مصلحته؛ كضرب الأب والمعلم للتأديب، وبطء جرحه، وسقيه دواء إذا مات به الصبي أو غيره، أو لم يقصد، وسواء فيه المكره والمختار على المذهب.

(وقيل: إن لم يُضمَن) كقتله قصاصًا أو حدًّا ( .. ورث) لأنه قتل بحق.

وقوله: (يضمن) هو بضم أوله؛ ليدخل فيه القاتل خطأ، فإن العاقلة تضمنه.

وقد يفهم كلام المصنف: أنه يرث المقتول من قاتله ولا خلاف فيه، وصورته: بأن يجرح مُورِّثَه، ثم يموت قبل المجروح، ثم يموت المجروح من تلك الجراحة.

(ولو مات متوارثان بغرق أو هدم أو في غربة معًا، أو جُهل أسبقهما .. لم يتوارثا، ومالُ كلٍّ لباتي ورثته) لأن الله تعالى إنما ورَّث الأحياء من الأموات، وهنا

(1) المحرر (ص 263).

(2)

منها: ما أخرجه النسائي في "الكبرى"(6334)، وابن ماجه (2646) وأحمد (1/ 49) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ص: 567

وَمَنْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ .. ترُكَ مَالُهُ حَتَّى تقومَ بيِّنَةٌ بِمَوْتهِ، أَوْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا، فَيَجْتَهِدُ الْقَاضِي وَيَحْكُمُ بِمَوْتهِ،

===

لا نعلم حياته عند موت صاحبه، فلم يرثه؛ كالجنين إذا خرج ميتًا، ولأنا إن ورثنا أحدهما فقط .. فهو تحكُّمٌ، وإن ورثنا كلًّا من صاحبه .. تيقنا الخطأ؛ لأنهما إن ماتا معًا .. ففيه توريث ميت من ميت، أو متعاقبين .. ففيه توريث من تقدم ممن تأخر، وحينئذ فيقدر في حقِّ كلِّ ميت أنه لم يخلف الآخر.

ودخل في قوله: (جهل أسبقهما) صورتان: ما إذا لم يعلم هل وقعا معًا أو بالتلاحق، أو علم التلاحق ولكن جهل السابق؛ فالحاصل: ثلاث صور لا يورث فيها: هاتان، وما إذا ماتا معًا، وخرجت صورتان: ما لو علم السابق واستمر، وهو واضح، أو علم ثم نسي .. فإنه يوقف الميراث إلى الصلح؛ لأن التذكر غير مأيوس منه.

وحاصل ما ذكره المصنف من الموانع: أربعة، وأهمل الدور الحكمي، وهو: أن يلزم مِنْ توريثه عدمُ توريثه؛ كما لو أقرَّ الأخ بابنٍ لأخيه الميت .. فإنه يثبت نسبه ولا يرث، وقد ذكره في (الإقرار)(1).

ولو أعتق المريض أمة تخرج من ثلثه، وتزوجها ثم مات .. فالأصحُّ: صحة النكاح، ولا ترث؛ لأن إرثها يؤدي إلى نفيه؛ فإن عتقها في المرض وصية لها، والوصية لا تصح للوارث، فلو ورثناها .. لبطل عتقها.

(ومن أسر، أو فقد وانقطع خبرُه .. ترك ماله حتى تقوم بيِّنةٌ بموته، أو تمضي مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها، فيجتهد القاضي ويحكم بموته) لأن الأصل بقاءُ الحياة، فلا يورث إلا بيقين، أما عند البينة .. فظاهر، وأما عند مضي المدة مع الحكم .. فلتنزيله منزلة قيام البينة.

وأفهم كلامه: أمرين: أحدهما: أن هذه المدة لا تتقدر، وهو الصحيح، وقيل: تتقدر بسبعين سنة، وقيل: بمئة وعشرين سنة؛ فإنه العمر الطبيعي عند

(1) منهاج الطالبين (ص 286).

ص: 568

ثُمَّ يُعْطِي مَالَهُ مَنْ يَرِثه وَقْتَ الْحُكْمِ. وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَرِثه الْمَفْقُودُ .. وَقَفْنَا حِصَّتَهُ وَعَمِلْنَا فِي الْحَاضِرِينَ بِالأَسْوَأ

===

الأطباء، حكاه صاحب "البيان"(1)، ثانيهما: اعتبار حكم الحاكم، ولا يكفي مضي المدة، وأشار الرافعي إلى اختلاف عبارة الأصحاب فيه، وقال في "الشرح الصغير": الظاهر اعتباره.

(ثم يعطي ماله من يرثه وقت الحكم) بموته؛ فإنه فائدة الحكم.

وقوله: (وقت الحكم) كذا جزما به (2)، وفي "البسيط" قبيل الحكم، قال السبكي: ويشبه ألا يكون اختلافًا، فإن الحكم إظهار فيقدر موته قبيله بأدنى زمان، وقوله:(من مات قبل الحكم بلحظة .. لم يرثه) لا ينافي ما قلناه؛ فإنه وإن لم يفصل بينهما زمان .. فكموتهما معًا، قال: وهذا إذا أطلق الحكم، أما إذا مضت مدة زائدة على ما يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها، وحكم بموته من تلك المدة السابقة .. فينبغي -تفريعًا على رأي من يحكم بموته- أن يصحَّ، ويعطي لمن كان وارثه في ذلك الوقت وإن كان سابقًا عَلى الحكم، قال: ولعله مرادهم وإن لم يصرحوا به.

(ولو مات من يَرثه المفقودُ) قبل الحكم بموته ( .. وقفنا حصته) حتى يتبين أنه كان عند الموت حيًّا أو ميتًا.

وتعبيره بالحصة صحيح إن كان له وارثٌ غيره، وإلا .. وقفنا الكلّ، وعلى هذا: فلا يستقيم قوله أولًا: (يرثه)، بل الصواب: يرث منه.

(وعملنا في الحاضرين بالأسوأ) فمن يسقط بالمفقود لا يعطى شيئًا حتى يتبين حاله، ومن ينقص حقه بحياته يقدر في حقه حياته؛ مثاله: زوج مفقود، وأختان لأب، وعم حاضرون؛ فتعطى الأختان أربعة من سبعة، ويوقف الباقي حتى يتبين حالى، ومن ينقص حقه بموته يقدر في حقه موته؛ كأخ لأب مفقود، وشقيق، وجد حاضرين؛ فيقدر في حق الجد حيًّا، وفي حق الأخ ميتًا، ومن لا يختلف نصيبه بحياته وموته .. يعطى نصيبه؛ كابن مفقود، وبنت، وزوج حاضرين؛ للزوج الربع بكلِّ حال.

(1) البيان (9/ 35).

(2)

الشرح الكبير (6/ 526)، روضة الطالبين (6/ 35).

ص: 569

وَلَوْ خَلَّفَ حَمْلًا يَرِثُ أَوْ قَدْ يَرِثُ .. عُمِلَ بِالأَحْوَطِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ، فَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ .. وَرِثَ، وَإِلَّا .. فَلَا. بَيَانُهُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ سِوَى الْحَمْلِ، أَوْ كَانَ مَنْ قَدْ يَحْجُبُهُ .. وُقِفَ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَا يَحْجُبُهُ وَلَهُ مُقَدَّرٌ .. أُعْطِيَهُ عَائِلًا إِنْ أَمْكَنَ عَوْلٌ كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَيْنِ؛ لَهَا ثُمُنٌ وَلَهُمَا سُدُسَانِ عَائِلَاتٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُقَدَّرٌ كَأَوْلَادٍ .. لَمْ يُعْطَوْا. وَقِيلَ: أَكْثَرُ الْحَمْلِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْطَوْنَ الْيَقِينَ

===

(ولو خلف حملًا يرث) مطلقًا لو كان منفصلًا (أو قد يرث) بتقدير الذكورة؛ كحمل امرأة الأخ، والجد، أو بتقدير الأنوثة؛ كمن ماتت عن زوج، وأخت لأبوين، وحمل من الأب، فإن كان الحمل ذكرًا .. لا يرث شيئًا؛ لاستغراق أهل الفرض المال، وإن كان أنثى .. فلها السدس ( .. عُمل بالأحوط في حقه وحق غيره) كما سيأتي (فإن انفصل) كلُّه (حيًّا لوقت يعلم وجوده عند الموت) أي: موت مورثه ( .. ورث) لثبوت نسبه.

(وإلا) أي: وإن انفصل ميتًا أو انفصل بعضه حيًّا، ثم مات قبل انفصاله، أو انفصل حيًّا لوقت لا يعلم وجوده عند الموت ( .. فلا) يرث؛ لأنه في الصورة الأولى والثانية كالعدم، وفي الثالثة منتف نسبه عن الميت.

(بيانه: إن لم يكن وارث سوى الحمل، أو كان من قد يحجبه .. وُقف المال) إلى انفصاله.

(وإن كان من لا يحجبه وله مقدر .. أُعطيه عائلًا إن أمكن عولٌ؛ كزوجة حامل وأبوين؛ لها ثمنٌ، ولهما سدسان عائلات) لاحتمال أن الحمل بنتان فيدفع إلى الزوجة ثلاثة من سبعة وعشرين، وللأبوين ثمانية منها، ويوقف الثلثان عالين.

وقوله: (عائلات) هو بالمثناة فوق؛ يعني: الثمنَ والسدسين.

(وإن لم يكن له مقدر؛ كأولاد .. لم يعطوا) في الحال شيئًا؛ بناءً على أن الحمل لا يتقدر بعدد، وهو الصحيح؛ لعدم انضباطه؛ لأنه قد وجد خمسة في بطن، وسبعة في بطن، واثنا عشر في بطن، وأربعون في بطن.

(وقيل: أكثر الحمل أربعة) جزم به جماعة، وقال الشيخ أبو محمد: إنه المذهب (فيعطون اليقين) أي: فيوقف ميراث أربعة ويقسم الباقي؛ مثاله: خلَّف

ص: 570

وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إِرْثُهُ كَوَلَدِ أُمٍّ وَمُعْتِقٍ .. فَذَاكَ، وَإِلَّا .. فَيُعْمَلُ بِالْيَقِينِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ، وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَبِينَ

===

ابنًا، وزوجة حاملًا؛ فلها الثمن، ولا يدفع للابن شيء على الأول، وعلى الثاني: يدفع إليه خمس الباقي.

(والخنثى المشكل إن لم يختلف إرثه) بالذكورة والأنوثة (كولد أُمٍّ ومعتق .. فذاك) أي: فيدفع إليه نصيبه، ولا إشكال.

واعلم: أن الخنثى ضربان، أحدهما: ألا يكون له فرج رجل ولا فرج امرأة، بل يكون له ثقبة يبول منها لا تشبه فرج واحد منهما، الثاني: أن يكون له فرج رجل وفرج امرأة، مأخوذ من قولهم: يخنَّث الطعامُ: إذا اشتبه أمره فلم يخلص طعمه المقصود وشارك طعم غيره، سمي الخنثى بذلك؛ لاشتراك الشبهين فيه.

(وإلا) أي: وإن اختلف إرثه ( .. فيعمل باليقين في حقه وحق غيره، ويوقف المشكوك فيه حتى يَبين) حاله؛ لوجوب العمل باليقين وترك المشكوك فيه؛ مثاله كما ذكره في "المحرر": ولد خنثى وأخ؛ يصرف إلى الولد النصف، ويوقف الباقي.

ولد خنثى وبنت وعم؛ للبنت وللخنثى الثلثان بالسوية، ويوقف الباقي بين الخنثى، والعم.

زوج، وأب، وولد خنثى؛ للزوج الربع، وللأب السدس، وللولد النصف، ويوقف الباقي بينه وبين الأب (1).

ولو مات الخنثى في مدة التوقف .. فالأظهر: أنه لا بد من الاصطلاح، وفي قول: يُردُّ إلى ورثة الميت الأول، ولو اصطلح الذين وقف المال بينهم على تساوٍ أو تفاوت .. جاز إذا لم يكن فيهم محجور عليه، قال الإمام: ولا بدَّ أن يجري بينهم تواهب، وإلا .. لبقي المال على صورة التوقف، وهذا التواهب لا يكون إلا عن جهالة، لكنها تحتمل للضرورة (2).

(1) المحرر (ص 264).

(2)

نهاية المطلب (9/ 324).

ص: 571

وَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوِ ابْنُ عَمٍّ .. وَرِثَ بِهِمَا. قُلْتُ: فَلَوْ وُجِدَ فِي نِكَاحِ الْمَجُوس أَوِ الشُّبْهَةِ بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ .. وَرِثت بِالْبُنُوَّةِ، وَقِيلَ: بِهِمَا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي جِهَةِ عُصُوبَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا بِقَرَابَةٍ أُخْرَى كابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأمٍّ .. فَلَهُ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا،

===

(ومن اجتمع فيه جهتا فرض وتعصيب؛ كزوج هو معتق أو ابن عم .. ورث بهما) فيأخذ النصف بالزوجية، والآخر بالولاء أو ببنوة العم؛ لأنه وارث بسببين مختلفين؛ فأشبه ما لو كانت القرابتان في شخصين.

(قلت: فلو وجد في نكاح المجوس أو الشبهة بنتٌ هي أخت) لأب؛ بأن وطئ بنته فأولدها بنتًا ثم ماتت العليا، فقد خلَّفت أختًا من أب وبنتًا ( .. ورثت بالبنوة) فقط؛ لأنهما قرابتان يورث بكلٍّ منهما عند الانفراد، فيورث بأقواهما، ولم يورث بهما؛ كالأخت للأبوين لا ترث بالقرابتين معًا، فلا ترث النصف بأختية الأب، والسدس بأختية الأم إجماعًا.

(وقيل: بهما، والله أعلم) فترث النصف بالبنوة، والباقي بالأخوة؛ لأنهما سببان يورث بكلٍّ منهما عند الانفراد، فإذا اجتمعا .. لم يسقط أحدهما الآخر؛ كابن عم هو أخ لأم، قال ابن الملقن: وهذه الزيادة تدخل في قوله بعد: (ومن اجتمع فيه جهتا فرض

) إلى آخره؛ لأن المذكور هناك قاعدة عامة، وهذه من بعض أمثلتها.

نعم؛ أفاد وجهًا ليس في "المحرر" بقوله: (وقيل: بهما). انتهى (1).

وهو مردود؛ فإن الزيادة من قاعدة اجتماع الفرض والتعصيب، والمذكور آخرًا من قاعدة اجتماع الفرضين، ولا يلزم من انتفاء التوريث بجهتي الفرض انتفاؤه بجهتي فرض وتعصيب، ولهذا مثَّل هنا ببنت هي أخت.

(ولو اشترك اثنان في جهة عصوبة وزاد أحدهما بقرابة أخرى؛ كابني عمٍّ أحدهما أخ لأم .. فله السدس) فرضًا (والباقي بينهما) بالعصوبة؛ لما مرَّ.

(1) عجالة المحتاج (3/ 1071).

ص: 572

فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتٌ .. فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهِ الأَخُ. وَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ .. وَرِثَ بأَقْوَاهُمَا فَقَطْ. وَالْقُوَّةُ بِأَنْ تَحْجُبَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، أَوْ لَا تَحْجُبَ، أَوْ تكُونَ أَقَلَّ حَجْبًا: فَالأُولَى: كَبنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأمٍّ؛ بِأَنْ يَطَأَ مَجُوسِيٌّ، أَوْ مُسْلِمٌ بِشُبْهَةٍ أُمَّهُ فَتَلِدَ بِنْتًا. وَالثَّانِي: كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأبٍ؛ بِأَنْ يَطَأَ بِنْتَهُ فَتَلِدَ بِنْتًا. وَالثَّالِثُ: كَأُمِّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ؛ بأَنْ يَطَأَ هَذِهِ الْبنْتَ الثَّانِيَةَ فَتَلِدَ وَلَدًا .. فَالأَولَى أُمُّ أُمِّهِ وَأُخْتُهُ

===

(فلو كان معهما بنتٌ .. فلها النصف والباقي بينهما) بالسوية (1)؛ لأن أخوة الأم تسقط بالبنت، (وقيل: يختص به الاخ) لأن البنت منعت من الأخذ بقرابة الأم، وإذا لم يأخذ بها .. ترجحت عصوبته؛ كأخ لأبوين مع أخ لأب.

وصورة ابني عم أحدهما أخ لأم: أن يتعاقب أخوان على امرأة، وتلد لكلِّ واحد منهما ابنا ولأحدهما ابن من غيرها؛ فابناه ابنا عم الآخر، وأحدهما أخوه لأمه.

(ومن اجتمع فيه جهتا فرض .. ورث بأقواهما فقط) لما سبق (والقوة بأن تحجب إحداهما الأخرى) حجب حرمان أو نقصان، (أو لا تحجب) أصلًا، والأخرى قد تحجب، (أو تكون أقل حجبًا) أي: تحجب كلّ واحدة لكن حجب أحدهما أقل؛ فهذه ثلاث صور.

(فالأولى (2): كبنت هي أخت لأم؛ بأن يطأ مجوسي، أو مسلم بشبهة أمه فتلد بنتًا) فالأخوة للأم ساقطة بالبنتية، ولا تكون هذه الصورة إلا والميت رجل.

(والثاني: كأم هي أخت لأب؛ بأن يطأ بنته فتلد بنتًا) فترث بالأمومة؛ لأنها لا تحجب حجب حرمان أصلًا، والأخت تحجب.

(والثالث: كأم أم هي أخت؛ بأن يطأ هذه البنت الثانية فتلد ولدًا؛ فالأولى أمُّ أمِّه وأخته) أي: أم أم الولد وأخته لأبيه فترث بالجدودة؛ لأنها أقلُّ حجبًا؛ إذ لا يحجبها إلا الأم، وأما الأخت .. فيحجبها جماعة كما مرَّ، ولا يرثون بالزوجية قطعًا؛

(1) كلمة (بالسوية) في غير (أ) من المتن.

(2)

في "المنهاج" المطبوع (ص 346): (فالأول).

ص: 573