الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في بيان أنواع من الإقرار وفي بيان الاستثناء]
قَالَ: (لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ)، أَوْ (ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ) .. لَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ، أَوْ (غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ)، أَوْ (صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ) .. لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ، أَوْ (عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ) .. لَمْ تلزَمْهُ الْعِمَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ (دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا)، أَوْ (ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ) .. لَزِمَهُ الْجَمِيعُ. وَلَوْ قَالَ:(فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ) .. فَهُوَ إِقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ، وَلَوْ قَالَ:(فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي) .. فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ
===
(فصل: قال: "له عندي سيف في غِمد"، أو "ثوب في صندوق" .. لا يلزمه الظرف) لأنه لم يقر به، والإقرار يعتمد اليقين، والظرف غير المظروف، والقاعدة: أن الإقرار بالمظروف ليس إقرارًا بالظرف، وكذا عكسه، ودليله: ما قلناه.
(أو "غمد فيه سيف"، أو "صندوق فيه ثوب" .. لزمه الظرف وحده) دون المظروف؛ لما قلناه، و (الغِمد) بكسر الغين المعجمة: غلاف السيف.
(أو "عبد على رأسه عمامة" .. لم تلزمه العمامة على الصحيح) لأنه لم يقر بها، والثاني: تلزمه؛ لأن العبد له يد على ملبوسه، وما في يد العبد .. فهو في يد سيده.
(أو "دابة بسَرجها"، أو "ثوب مطرز" .. لزمه الجميع) لأن معنى بسرجها: مع سرجها، والطراز جزء من الثوب.
ولو قال: (دابة مسروجة) .. لا يكون مقرًا بالسرج، ولو قال:(ثوب عليه طراز) .. قال في "المطلب": يظهر: أنه كالمطرز؛ كذا نقله الإسنوي، وقال في "العجالة": لو قال: (عليه طراز) .. فيظهر عدم اللزوم (1).
(ولو قال: "في ميراث أبي ألف" .. فهو إقرار على أبيه بدين، ولو قال: "في ميراثي من أبي" .. فهو وعدُ هبة) أي: وعده بأن يهبه ألفًا، وهذا الحكمُ في المسألتين قد نصّ عليه في "الأم" و"المختصر"(2).
والفرق: أنه في الثانية أضاف الميراث إلى نفسه، وما يكون له لا يكون لغيره
(1) عجالة المحتاج (2/ 859).
(2)
مختصر المزني (ص 113).
وَلَوْ قَالَ: (لَهُ عَلَيَ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ) .. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، فَإِنْ قَالَ:(وَدِرْهَمٌ) .. لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ،
===
بالإقرار، فكان كما لو قال:(داري لفلان)، ثم بعد إضافة الميراث إلى نفسه جعل له منه جزءًا، ولا يكون إلا هبة، واستشكله القاضي الحسين: بأن الدين لا يمنع الإرث، قال في "العجالة": ولعله بناء على العرف (1).
وفي الأولى: لم يضف وأثبت حقَّ المقَر له في التركة.
واستشكل في "المطلب": حمل الصورة الأولى على الإقرار بالدين على الأب، وقال: لِمَ لا يصحّ تفسيره أيضًا بالوصية وبالرهن عن دين الغير ونحو ذلك؛ كما لو قال: (له في هذا العبد ألف).
قال السبكي: وأجاب عنه ابن الرفعة بما ليس فيه مقنع، وأجاب هو عنه: بأن الوصية تختص بالثلث، وقوله:(في ميراث أبي) يعم جميع المال، وأجاب عن احتمال أن يكون رهنًا من الأب على دين غيرٍ أن الشافعي لعله إنما قال ذلك لأن لفظ المقِر يقتضي كلَّ الميراث، وكل الميراث يشمل ما يمكن أن يدخل في ملك الميت، وذلك لا يمكن أن يكون رهنًا بدين الغير.
وذكر ابن الرفعة أيضًا: أن صورة المسألة فيما إذا كان الميراث دراهم، فإن لم يكن .. فإنه يلتحق بما إذا قال:(له في هذا العبد ألف)، فيسأل ويبين هذا المجمل، قال: وهذا وإن لم أره منقولًا .. فلا شك فيه عندي.
قال الإسنوي: وفي كلام الرافعي ما يشير إليه، قال: وهذا كله: إذا كان المقِر حائزًا، فإن لم يكن حائزًا وكذّبه الباقون .. فلا يغرم إلا بالحصة على الأظهر؛ كما في نظائره، ومحله أيضًا: ما إذا لم يذكر كلمة الالتزام، فإن ذكرها؛ بأن قال:(عليّ ألف في ميراثي من أبي) .. فهو إقرار بكلِّ حال.
(ولو قال: "له عليّ درهم درهم" .. لزمه درهم) لاحتمال إرادة التأكيد وإن كرره ألف مرة، وسواء كرره في مجلس أو مجالس عند الحاكم أو غيره.
(فإن قال: ) له عليّ درهم ("ودرهم" .. لزمه درهمان) لأن العطف يقتضي
(1) عجالة المحتاج (2/ 859).
وَلَوْ قَالَ: (دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ) .. لَزِمَهُ بِالأَوَّلَيْنِ دِرْهَمَانِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ؛ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَأْكِيدَ الثَّانِي .. لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الاسْتِئْنَافَ .. لَزِمَهُ ثَالِثٌ، وَكَذَا إِنْ نَوَى تَأْكِيدَ الأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ فِي الأَصَحِّ
===
المغايرة، و (ثم) كـ (الواو)، وأما (الفاء): فإن أراد العطف .. فكذلك، وإلا .. فالنصُّ هنا درهم، وفي نظيره من الطلاق يقع طلقتان، فقيل: قولان فيهما، والمذهب: تقرير النصين، والفرق: أن الإقرارَ إخبار، والطلاقَ إنشاء، والإنشاء أقوى، ولهذا لو تلفظ بالطلاق في يومين .. وقع طلقتان، ولو أقرّ بالدرهم في يومين .. لزمه درهم واحد.
(ولو قال: "درهم ودرهم ودرهم" .. لزمه بالأولَين درهمان) لاقتضاء العطف المغايرة كما مر.
(وأما الثالث: فإن أراد به تأكيد الثاني .. لم يجب به شيء) كالطلاق، (وإن نوى الاستئناف .. لزمه ثالث) عملًا بإرادته ونيته.
(وكذا إن نوى تأكيد الأول) بالثالث .. فإنه يلزمه ثلاثة على الأصحِّ؛ لأن التأكيد هنا ممتنع؛ للفصل والعطف أيضًا، ولهذا اتفقوا على لزوم درهمين في قوله:(درهم ودرهم).
ومقابله: أنه يلزمه درهمان؛ لأن الثاني في قوله: (درهم ودرهم): معطوف على الأول، فامتنع تأكيده به، وهنا الثالث معطوف على الثاني على رأي، فأمكن أن يؤكد الأول به.
(أو أطلق في الأصحِّ) لأن تأكيد الثاني بالثالث وإن كان جائزًا .. لكنه إذا دار اللفظ بين التأسيس والتأكيد .. كان الأصل حملَه على التأسيس، والثاني: يلزمه درهمان؛ لأن كون الأصل هو التأسيسَ وإعمالَ اللفظ .. عارضه كونُ الأصل براءةَ الذمة، فتعارضا، وحينئذ فلم يبق للثالث مقتضى، فاقتصرنا على الدرهمين، وكان ينبغي التعبير في حالة الإطلاق: بـ (المذهب) كما في "الروضة"(1) فإن الأكثرين قطعوا به، وقيل: قولان؛ كنظيره من الطلاق.
(1) روضة الطالبين (4/ 387).
وَمَتَى أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ؛ كَـ (شَيْءٍ) وَ (ثَوْبٍ) وَطُولبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ .. فالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُحْبَس، وَلَوْ بَيَّنَ وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ .. فَلْيُبيِّنْ وَلْيَدَّعِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي نَفْيِهِ. وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ .. لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ، وَلَوِ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ .. دَخَلَ الأَقَلُّ فِي الأَكْثَرِ، فَلَوْ وَصَفَهُمَا بِصفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، أَوْ أَسْنَدَهُمَا إِلَى جِهَتَيْنِ،
===
وفرق الأولون: بأن التأكيد في الطلاق أكثر منه في الإقرار؛ لأنه يقصد به التخويف والتهديد، بخلاف الإقرار، وعلى هذا: لو كرره مئة مرة أو أكثر .. لزمه بعدده.
(ومتى أقر بمبهم؛ كـ "شيء" و"ثوب" وطولب بالبيان فامتنع .. فالصحيح: أنه يُحبَس) لأن البيان واجب عليه، فإذا امتنع منه .. حبس؛ كالممتنع من أداء الدين، والثاني: لا يحبس؛ لأنه قد لا يعلمه، هذا إذا لم يمكن معرفة المقَر به دون مراجعته، فإن أمكن .. لم يحبس قطعًا، وذلك بأن يحيله على مُعرِّف؛ كقوله:(بزنة هذه الصنجة)، أو (بالعدد المكتوب في كتاب كذا)، أو (بقدر ما باع به فلان فرسه)، ونحوه، فيرجع إلى ما أحال عليه أو يمكن استخراجه بالحساب، وقد ذكر الرافعي في "شرحه" من ذلك جملة (1).
(ولو بيّن) إقرارَه المبهمَ (وكذَّبه المقَر له .. فليبيّن) المقَر له مقدارًا (وليدَّع) به، (والقول قول المقِر في نفيه) أي: في نفي ما ادعاه المقَر له.
(ولو أقر له بألف، ثم أقر له بألف في يوم آخر .. لزمه ألف فقط) لأن الإقرار إخبار، وتعدد الخبر لا يقتضي تعدد المخبر عنه، وسواء وقع الإقرار في مجلس أو في مجلسين، وسواء كتب بكلٍّ منهما وثيقة وأشهد عليه فيهما أم لا.
(ولو اختلف القدر) بأن أقر في يوم بألف وفي آخر بخمس مئة ( .. دخل الأقلُّ في الأكثر) إذ يحتمل: أنه ذكر بعض ما أقر به أولًا.
(فلو وصفهما بصفتين مختلفتين) بأن قال مرة: (مئة صحاح)، وأخرى:(مكسرة)، (أو أسندهما إلى جهتين) بأن قال:(له علي ألف من ثمن مبيع)، وقال مرة:(ألف بدل قرض).
(1) الشرح الكبير (5/ 329 - 330).
أَوْ قَالَ: (قَبَضْتُ يَوْمَ السَّبْتِ عَشَرَةً) ثُمَّ قَالَ: (قَبَضْتُ يَوْمَ الأَحَدِ عَشَرَةً) .. لَزِمَا. وَلَوْ قَالَ: (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ) .. لَزِمَهُ الأَلْفُ فِي الأَظْهَرِ، وَلَوْ قَالَ:(مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبضْهُ إِذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْتُ) .. قُبِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَجُعِلَ ثَمَنًا
===
(أو قال: "قبضتُ يوم السبت عشرة" ثم قال: "قبضت يوم الأحد عشرة" .. لزما) لأن اتحادهما غير ممكن.
(ولو قال: "له علي ألف من ثمن خمر أو كلب"، أو "ألفٌ قضيته" .. لزمه الألف في الأظهر) لأنه وصل الإقرار بما يرفعه، فأشبه قوله:(علي ألف لا تلزمني)، والثاني: لا يلزمه؛ لأن الكلَّ كلام واحد، فيعتبر جملةً ولا يتبعض، فعلى هذا: للمقَر له تحليفُه: أنه كان من ثمن خمر.
قال الإمام: وكنت أود لو فصل فاصل بين أن يكون المقِر جاهلًا بأن ثمن الخمر لا يلزم، وبين أن يكون عالمًا فيعذرَ الجاهل دون العالم، لكن لم يصر إليه أحد من الأصحاب (1).
ومحلُّ الخلاف: إذا وصل ذلك بالإقرار؛ كما فرضه المصنف، فإن فصله عنه .. لزمه قطعًا، وإن قدمه؛ كقوله:(له علي من ثمن خمر ألف) .. لم يلزمه قطعًا؛ كما في "الروضة" و"أصلها"(2)، لكن في (التيمم) من "شرح المهذب" عن المعتمد للشاشي: أنه لا فرق في جريان القولين بين التقديم والتأخير، وأقره (3)، قال الأَذْرَعي: ولم أره لغيره، والظاهر: أنه من تفقهه.
(ولو قال: "من ثمن عبد لم أقبضه إذا سلمه سلمتُ" (وأنكر المقَر له البيع وطلب الألف ( .. قُبل على المذهب وجُعل ثمنًا) لأن المذكور آخرًا لا يرفع الأول، بخلاف ثمن الخمر، والطريق الثاني: طرد القولين في المسألة قبلها؛ لأنه يرفعه على تقدير عدمِ إعطاء العبد.
(1) نهاية المطلب (7/ 93).
(2)
روضة الطالبين (4/ 396)، الشرح الكبير (5/ 332 - 333).
(3)
شرح المهذب (2/ 287).
وَلَوْ قَالَ: (أَلْفٌ إِنْ شَاءَ اللهُ) .. لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ: (أَلْفٌ لَا تَلْزَمُ) لَزِمَهُ. وَلَوْ قَالَ: (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ)، ثُمَّ جَاءَ بأَلْفٍ وَقَالَ:(أَرَدْتُ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ)، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ:(لِي عَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ) .. صُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي الأَظْهَرِ بِيَمِينِهِ، ..
===
(ولو قال: "ألف إن شاء الله" .. لم يلزمه شيء على المذهب) لأنه لم يجزم بالإقرار بل علّقه بالمشيئة، وهي مغيبة عنا، والطريق الثاني: أنه على القولين السابقين؛ لأن آخره يرفع أوله.
وقيد المصنف نظير المسألة من (الطلاق): بما إذا قصد التعليق (1)، قال الإسنوي: وينبغي اشتراطه هنا.
(ولو قال: "ألف لا تلزم" .. لزمه) لأنه غير منتظم، فلا يبطل به الإقرار.
(ولو قال: "له عليّ ألف"، ثم جاء بألف وقال: "أردت هذا وهو وديعة"، فقال المقَر له: "لي عليه ألف آخر") غير الألف الوديعة ( .. صدق المقِر في الأظهر بيمينه) لأن الوديعة يجب عليه حفظها والتخليةُ بينها وبين مالكها، فلعله أراد بكلمة (عليّ) الإخبارَ عن هذا الواجب.
ويحتمل أيضًا: أنه تعدى فيها حتى صارت مضمونة عليه، فلذلك قال:(علي)، وأيضًا: فقد يستعمل (علي) بمعنى (عندي)، وفسر بذلك قوله تعالى (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ}.
والثاني: يصدق المقَر له؛ لأن كلمة (علي) ظاهرة في الثبوت في الذمة، والوديعة لا تثبت في الذمة.
وقوله: (ثم جاء بألف) أي: متراخيًا يُفهم ذلك من ثم، أما إذا وصل ذلك بالإقرار فقال:(علي ألف وديعة) .. فإنه يقبل، وقيل: قولان؛ (كألف قضيته).
وكيفية اليمين: أن يحلف بالله تعالى أنه لا يلزمه تسليم ألف أخرى وأنه ما أراد بإقراره إلا هذه.
(1) منهاج الطالبين (ص 420).
فَإِنْ كَانَ قَالَ: (فِي ذِمَّتِي) أَوْ (دَيْنًا) .. صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. قُلْتُ: فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ بِالْوَدِيعَةِ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهَا أَمَانَةٌ، فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ التَّلَفَ بَعْدَ الإِقْرَارِ، وَدَعْوَى الرَّدِّ، وَإِنْ قَالَ:(لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ) .. صُدِّقَ فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالرَّدِّ وَالتَّلَفِ قَطْعًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيع أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ ثُمَّ قَالَ:(كَانَ فَاسِدًا وَأَقْرَرْتُ لِظَنِّ الصِّحَّةِ) .. لَمْ يُقْبَلْ،
===
(فإن كان قال: "في ذمتي" أو "دينًا") ثم جاء بألف وفَسّر بما مرّ ( .. صدق المقَر له على المذهب) لأن العين لا تكون في الذمة ولا دينًا، والوديعة لا تكون في ذمته بالتعدي، بل بالتلف ولا تلف، والطريق الثاني: حكاية وجهين: ثانيهما: القول قول المقِر؛ لجواز أن يريد: (ألف في ذمتي إن تلفت الوديعة؛ لأني تعديت فيها).
ولو جمع بينهما فقال: (له علي ألف درهم دينًا في ذمتي) .. فخلاف مرتب، وأولى بألا يقبل.
(قلت: فإذا قبلنا التفسير بالوديعة .. فالأصحُّ: أنها أمانة، فتقبل دعواه التلفَ بعد الإقرار، ودعوى الردِّ)؛ لأن هذا شأنُ الوديعة، والثاني: أنها تكون مضمونة، حتى لا تقبلُ دعوى التلف والردِّ؛ لأن هذه الكلمة ظاهرةٌ في صيرورة العين مضمونةً بسبب التعدي.
واحترز بقوله: (بعد الإقرار) عما إذا ادعى التلف أو الردَّ قبل الإقرار وقال: (إنما أقررت بها ظانًّا بقاءها) .. فإنه لا يقبل؛ لأن التالف والمردود لا يكون عليه بمعنى من المعاني، وهذا ما صرّح به المَحاملي وابن الصباغ وغيرهما، واقتضاه كلام غيرهم.
(وإن قال: "له عندي أو معي ألف" .. صدق في دعوى الوديعة والردِّ والتلف قطعًا، والله أعلم) لأنه لا إشعار لهذا اللفظ بالدَّينية ولا بالضمان.
(ولو أقر ببيع أو هبة وإقباض ثم قال: "كان فاسدًا وأقررت لظن الصحة" .. لم يقبل)(1) لأن الاسم يُحمل عند الإطلاق على الصحيح.
(1) في (ب): (وأقررت لظني الصحة).
وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ .. حَلَفَ الْمُقِرُّ وَبَرِئَ. وَلَوْ قَالَ:(هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو)، أَوْ (غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ بَلْ مِنْ عَمْرٍو) .. سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ، وَالأَظْهَرُ: أَنَّ الْمُقِرَّ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍ و. وَيَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ إِنِ اتَّصَلَ
===
وجزم المصنف هنا بعدم القبول، ويحتمل أن يأتي فيه الخلاف فيما إذا ادعى أحدهما صحةَ البيع والآخر فسادَه، ويحتمل ألا يجري، ويفرق: بأن قبوله هنا يؤدي إلى خلاف الظاهر مرتين، وهو الإقرار والبيع السابق عليه.
(وله تحليف المقَر له) لإمكان ما يدعيه، وجهات الفساد قد تخفى عليه.
(فإن نكل .. حلف المقِر وبرئ) لأن اليمين المردودة كالإقرار أو كالبينة، وكلاهما يحصل هذا الغرض.
وقوله: (وبرئ) غير مستقيم؛ فإن النزاع في عين لا في دين، ولهذا عبر في "المحرر" بقوله:(وحكم ببطلانه)(1).
واحترز بقوله: (أو هبة وإقباض) عما إذا أقر بالهبة فقط .. فإنه لا يكون مقرًا بالإقباض على المذهب.
(ولو قال: "هذه الدار لزيد بل لعمرو"، أو "غصبتُها من زيد بل من عمرو" .. سُلِّمت لزيد) لأن الإقرار بحقوق الآدميين لا يصحُّ الرجوع عنه.
(والأظهر: أن المقِر يغرم قيمتها لعمرو) لأنه أحال بينه وبين ملكه بإقراره الأول، والحيلولة سبب الضمان؛ بدليل ما إذا غصب عبدًا فأَبَقَ من يده .. فإنه يضمنه، والثاني: لا يغرم، لأن الإقرار له قد صادف ملك الغير، فلا يلزمه شيء؛ كما لو أقر بالدار التي في يد زيد لعمرو.
والخلاف جارٍ سواء سلّمها بنفسه أو بالحاكم، والى بين الإقرار لهما أم فصل، و (ثُمَّ) كـ (بَلْ) فيما ذكرناه.
(ويصحُّ الاستثناء) لكثرة وروده في القرآن والسنة، وهو: إخراج ما لولاه .. لدخل في الأول (إن اتصل) بإجماع أهل اللغة، فإن انفصل .. فهو لغو، ولا يضر
(1) المحرر (ص 205).
وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ، فَلَوْ قَالَ:(لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا تِسْعَةً إِلَّا ثَمَانِيَةً) .. وَجَبَ تِسْعَةٌ، وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْجنْسِ؛ كَـ (أَلْفٍ إِلَّا ثَوْبًا)، وَيُبيِّنُ بثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ، وَمِنَ الْمُعَيَّنِ؛ كَـ (هَذِهِ الَدَّارُ لَهُ إِلَّا هَذَا الْبَيْتَ)، أَوْ (هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَهُ إِلَّا ذَا الدِّرْهَمَ)،
===
السكوت اليسير؛ كسكتة التنفس، والعِي؛ كما ذكره المصنف في (الطلاق)، ونصّ عليه في "الأم"(1).
وشرط "الحاوي الصغير": أن يقصد الاستثناء من أول الإقرار، [وتبع في ذلك الرافعي؛ فإنه صححه في (الطلاق)](2).
وصحح المصنف في (الطلاق): أنه يشرَط أن يقصده قبل فراغ اليمين، فيحتمل صحة اعتباره هنا، ويحتمل عدم اعتباره، لأن الإقرار إخبار، فيبعد فيه اعتبار النية، بخلاف الإنشاء.
(ولم يستغرق)، فإن استغرق؛ كَـ (عليّ عشرة إلا عشرة) .. فباطل، وهو إجماع أيضًا إلا من شذّ.
(فلو قال: "له عليّ عشرة إلا تسعةً إلا ثمانية" .. وجب تسعة) لأن الاستثناء من الإثبات نفي وعكسه، كما سيأتي في (الطلاق).
(ويصحُّ من غير الجنس؛ كَـ "ألف إلا ثوبًا") لوروده لغة وشرعًا، ومنه قوله تعالى:{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} ، وقوله:{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} .
(ويبيّن بثوب قيمته دون ألف) لئلا يؤدي إلى الاستثناء المستغرق، فإن فسره بما يستغرق .. فالتفسير لغو، وكذا الاستثناء على الأصح، فتلزمه الألف؛ لأنه بيّن ما أراد بالاستثناء، فكأنه تلفّظ به وهو مستغرق.
(و) يصحُّ الاستثناء (من المعيّن؛ كَـ "هذه الدار له إلا هذا البيتَ"، أو "هذه الدراهم إلا ذا الدرهمَ")، أو (هذا الثوب له إلا كمَّه) لأنه كلام صحيح ليس بمحال.
(1) منهاج الطالبين (ص 419)، الأم (8/ 153).
(2)
الحاوي الصغير (ص 341)، الشرح الكبير (9/ 26)، وما بين المعقوفين زيادة من (ب) و (د).