الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَسْتَرِدُّ، وَيُشْهِدُ إِنِ اتَّهَمَهُ، وَلَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا مَنَعْنَاهُ. وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ جَاهِلًا بِرُجُوعِهِ .. فَكَتَصَرُّفِ وَكِيلٍ جَهِلَ عَزْلَهُ. وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ لِيُعَجِّلَ الْمُؤَجَّلَ مِنْ ثَمَنِهِ .. لَمْ يَصحَّ الْبَيع، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ رَهْنَ الثَّمَنِ فِي الأَظْهَرِ.
فصلٌ [فيما يترتب على لزوم الرهن]
إِذَا لَزِمَ الرَّهْنُ .. فَالْيَدُ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَلَا تزالُ إِلَّا لِلانْتِفَاعِ كَمَا سَبَقَ
===
إلا الخدمة ( .. فيسترد) للحاجة إلى ذلك.
نعم؛ لا يأخذ الجارية إلا إذا أمن غشيانه لها؛ بأن كان مَحْرمًا، أو ثقةً وله أهل.
(ويُشهد) عليه الراهن شاهدين أنه أخذه للانتفاع (إن اتهمه) المرتهن؛ فإن وثق به .. لم يكلف الإشهاد.
(وله بإذن المرتهن ما منعناه) من التصرفات والانتفاعات من غير بدل؛ لأن المنع لحقه، وقد زال بإذنه.
(وله الرجوع قبل تصرف الراهن) لأن حقَّه باق؛ كما للمالك أن يرجع قبل تصرف الوكيل.
(فإن تصرَّف جاهلًا برجوعه .. فكتصرُّف وكيلٍ جهل عزله) أي: عزل موكله له، والأصح: عدم النفوذ؛ كما سيأتي في بابه.
(ولو أذن في بيعه ليُعجّل المؤجل من ثمنه) أي: وشرط ذلك ( .. لم يصحَّ البيع) لأنه قد شرط في الإذن شرطًا فاسدًا، وهو التعجيل فأبطله.
(وكذا لو شرط رهن الثمن) مكانه (في الأظهر) لأن الثمن مجهولٌ عند الإذن؛ فأشبه ما إذا أذن بشرط أن يرهن به مالًا آخر مجهولًا، وإذا بطل الشرط .. بطل الإذن؛ فإنه وقف الإذن على حصول الوثيقة في البدل، وإذا بطل الإذن .. بطل البيع، والقول الثاني: أنه يصحُّ، وعلى الراهن الوفاء بالشرط؛ لأن الرهن قد ينتقل من العين إلى البدل شرعًا؛ كما لو أُتلف المرهونُ .. فجاز أن ينتقل إليه شرطًا.
* * *
(فصل: إذا لزم الرهن .. فاليد فيه للمرتهن، ولا تزال إلا للانتفاع كما سبق) لأن
وَلَوْ شَرَطَا وَضعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ .. جَازَ، أَوْ عِنْدَ اثنيْنِ وَنَصَّا عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى حِفْظِهِ أَوِ الانْفِرَادِ بِهِ .. فَذَاكَ، وَإِنْ أَطْلَقَا .. فَلَيْسَ لِأحَدِهِمَا الانْفِرَادُ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ مَاتَ الْعَدْلُ أَوْ فُسِّقَ .. جَعَلَاهُ حَيْثُ يَتَّفِقَانِ، وَإِنْ تَشَاحَّا .. وَضعَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ
===
قَوامَ التوثق إنما يحصل بجعله في يده.
ويستثنى منه: ما لو رهن عبدًا مسلمًا، أو مصحفًا من كافر، أو سلاحًا من حربي .. فإنه يوضع عند عدل، وكذا لو كان الرهن جارية مشتهاة عند رجل غير مَحْرَم، ولم يكن ثقة، ولا عنده زوجة ولا أمة، ولا نسوة ثقات .. فإنها توضع عند محرم لها، أو امرأة ثقة، أو عدل بالصفة المذكورة.
(ولو شرطا وضعه عند عدل .. جاز) لأن كلًّا منهما قد لا يثق بصاحبه، ويثقان بثالث.
وعبارة "المحرر"، و"الشرحين"، و"الروضة" في يد ثالث (1)، وهي أولى؛ فإن الفاسق في ذلك كالعدل.
وكلام المصنف قد يُفهم: أنه لا يجوز شرط وضعه بعد اللزوم عند الراهن، وكلام الغزالي كالصريح فيه؛ فإنه قال: لأن يده لا تصلح للنيابة عن غيره؛ إذ هو مستقل بالملك (2).
ومقتضى كلام "المطلب": أنه يصحُّ؛ فإنه حمل كلامَ الغزالي على ابتداء القبض، وقال السبكي: الذي يظهر: أنه يصحُّ؛ لأن عندنا يجوز أن يعيد الرهن إلى الراهن لينتفع به.
(أو عند اثنين، ونصَّا على اجتماعهما على حفظه، أو الانفراد به .. فذاك) أي: فيتبع الشرط.
(وإن أطلقا .. فليس لأحدهما الانفراد في الأصحِّ) لعدم الرضا بيد واحد؛ كما لو أوصى إلى اثنين، والثاني: له الانفراد؛ لما في اجتماعهما على الحفظ من المشقة.
(ولو مات العدل أو فُسِّق .. جعلاه حيث يتفقان، وإن تشاحَّا .. وضعه الحاكم عند
(1) المحرر (168)، الشرح الكبير (4/ 498)، روضة الطالبين (4/ 86).
(2)
الوسيط (3/ 505).
عَدْلٍ. وَيَسْتَحِقُّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، ويُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَنِهِ، وَيَبِيعُهُ الرَّاهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ .. قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ:(تَأْذَنُ أَوْ تبرِئُ). وَلَوْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ فَأَبَى الرَّاهِنُ .. أَلْزَمَهُ الْقَاضِي قَضاءَ الدَّيْنِ أَوْ بَيْعَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ .. بَاعَهُ الْحَاكِمُ. وَلَوْ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ بَاعَ بِحَضْرَتِهِ .. صَحَّ، وَإِلَا .. فَلَا ..
===
عدل) لأنه العدل، وكذا لو حدث بينه وبين أحدهما عداوة، وكذا لو اتفقا على فاسق فزاد فسقه، ولو كان في يد المرتهن فتغير حاله .. فكتغير حال العدل، وهذا إذا تشاحَّا بعد أن طرأ على نائبهما شيء مما سبق.
وكان الأحسن أن يقول: (فإن تشاحَّا) ليشير إلى التفريع، أما لو تشاحَّا ابتداءً؛ فإن كان قبل الإقباض .. فلا يجبر الراهن بحال، وإن كان بعده وقد وضع في يد عدل، أو في يد المرتهن .. فلا ينزع بغير رضاه بلا سبب يُجوِّز ذلك.
(ويستحقُّ بيعَ المرهون عند الحاجة) لوفاء الدين إن لم يوف من غير الرهن، وكذا يستحق بيعه في جنايته، وعند الإشراف على التلف قبل الحلول.
(ويُقدَّم المرتهِن بثمنه) لأنه فائدة الرهن، بل قال الإمام: بأنه لا يجب عليه الوفاء من غير الرهن (1)، واستشكله ابن عبد السلام في "مختصر النهاية"؛ لما فيه من تأخير الحقِّ الواجب.
(ويبيعه الراهن أو وكيله) لأنه المالك (بإذن المرتهن) أو وكيله؛ لأنه صاحب حقٍّ، (فإن لم يأذن) وأراد الراهن بيعه ( .. قال له) أي: للمرتهن (الحاكم: "تأذن، أو تبرئ") دفعًا لضرر الراهن.
(ولو طلب المرتهن بيعه فأبى الراهن .. ألزمه القاضي قضاءَ الدين أو بيعه، فإن أصرَّ .. باعه الحاكم) دفعًا لضرر المرتهن.
(ولو باعه المرتهن بإذن الراهن .. فالأصحُّ: أنه إن باع بحضرته .. صحَّ، وإلا .. فلا) لأن بيعه لغرض نفسه فيتهم في الغيبة بالاستعجال، وترك النظر دون الحضور، والثاني: يصحُّ مطلقًا؛ كما لو أذن له في بيع غيره، والثالث: لا يصحُّ مطلقًا؛ لأنه
(1) نهاية المطلب (6/ 180).
وَلَوْ شَرَطَا أَنْ يَبِيعَهُ الْعَدْلُ .. جَازَ، وَلَا تُشتَرَطُ مُرَاجَعَةُ الرَّاهِنِ فِي الأَصحِّ. فَإِذَا بَاعَ .. فَالثَّمَنُ عِنْدَهُ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ. وَلَوْ تَلِفَ ثَمَنُهُ فِي يَدِ الْعَدْلِ ثُمَّ اسْتُحِقَّ الْمَرْهُونُ، فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي .. رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ، وإِنْ شَاءَ .. عَلَى الرَّاهِنِ، وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ
===
توكيل فيما يتعلق بحقه؛ إذ المرتهن مستحق للبيع.
ومحلُّ الصحة: ما إذا قال: (بعه لي)، وكذا إن أطلق في الأصحِّ، فلو قال:(بعه لنفسك) .. لم يصحَّ في الأظهر؛ إذ لا يتصور أن يبيع الإنسان مال غيره لنفسه.
(ولو شرطا أن يبيعه العدل .. جاز)(1) وصحَّ الشرط فلو عزله الراهن .. انعزل، ولو عزله المرتهن .. لم ينعزل في الأصح؛ لأنه وكيل الراهن.
(ولا تشترط مراجعة الراهن في الأصحِّ) لأن الأصل بقاءُ الإذن الأول، والثاني: يشترط؛ لأنه قد يكون له غرض في بقاء العين، وقضاء الحقِّ من غيرها. واحترز بـ (الراهن): عن المرتهن، وقد نقل الرافعي عن العراقيين القطعَ باشتراط إذنه، ونقل عن الإمام القطعَ بعدم اشتراطه، ثم قال: فتأمل في بعد أحد الطريقين عن الأخرى، وجمع في "المهمات" بينهما بما فيه طول (2).
(فإذا باع .. فالثمن عنده من ضمان الراهن؛ حتى يقبضه المرتهن) لأنه ملكه، فهو كالرهن، هذا إذا باعه في موضعه، فإن باعه ببلد آخر وقبض ثمنه .. ضمنه؛ لتعديه بإخراجه.
(ولو تلف ثمنه في يد العدل، ثم استحق المرهون، فإن شاء المشتري .. رجع على العدل) لوضع يده عليه، (وإن شاء .. على الراهن) لإلجائه المشتري شرعًا إلى التسليم للعدل بحكم توكيله، (والقرار عليه) أي: على الراهن.
ومحل الرجوع على العدل: إذا لم يكن مأذونًا له من جهة الحاكم؛ فإن كان لموت الراهن أو غيبته .. فلا يكون طريقًا في الضمان على الأصح المنصوص؛ لأنه نائب الحاكم.
(1) في (ب) و (د): (ولو شُرط أن يبيعه العدل .. جاز).
(2)
الشرح الكبير (4/ 501)، المهمات (5/ 357).
وَلَا يَبِيعُ الْعَدْلُ إِلَّا بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ، فَإِنْ زَادَ رَاغِبٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ .. فَلْيَفْسَخْ وَلْيَبِعْهُ. وَمُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا يُمْنَعُ الرَّاهِنُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَرْهُونِ؛ كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ
===
(ولا يبيع العدل إلا بثمن مثله حالًّا من نقد بلده) كالوكيل، قال الإسنوي: والمتجه: إلحاق الراهن والمرتهن في ذلك بالعدل.
فلو عبر المصنف بقوله: (ولا يباع) .. لكان أعم.
(فإن زاد راغب قبلَ انقضاء الخيار .. فليفسخ وليبعْه) ولا ينفسخ بمجرد الزيادة، فإن لم يفعل .. انفسخ في الأصل؛ لأن المجلس كحال العقد، ولو لم يفسخ بل باع من الراغب .. صحَّ على الأصحِّ.
وشمل قوله: (قبل انقضاء الخيار) خيار المجلس، والشرط.
واحترز به: عما لو زاد بعد الخيار .. فإن البيع لازم، ولا أثر للزيادة.
(ومؤنة المرهون على الراهن) المالك بالإجماع إلا ما روي عن الحسن البصري أنها على المرتهن، كذا قال ابن الملقن؛ أنه الحسن البصري (1)، وجرى عليه الأَذْرَعي، لكن نقله السبكي عن الحسن بن صالح، فليحرر.
(ويجبر عليها لحق المرتهن على الصحيح) حفظًا للوثيقة، والثاني: لا يجبر عند الامتناع بل يبيع القاضي جزءًا من المرهون بحسب الحاجة إلا أن تستغرق المؤنة الرهن قبل الأجل فيباع، ويجعل ثمنه رهنًا، حكاه الرافعي في "الشرح الكبير" عن الإمام، وأقره (2)، وجزم به في "الصغير"، قال في "أصل الروضة"؛ وهذا ضعيف، وكذا أصلُه المفرع عليه (3).
(ولا يُمنع الراهن من مصلحة المرهون؛ كفصد وحجامة) عند الحاجة إليهما؛ حفظًا لماله، لكن لا يجبر عليها، بخلاف النفقة، كذا قالوه.
واستدرك صاحب "المطلب" فقال في (كتاب النفقات): هذا محمول على أنها
(1) عجالة المحتاج (2/ 766).
(2)
الشرح الكبير (4/ 506).
(3)
روضة الطالبين (4/ 93).
وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ. وَحُكْمُ فَاسِدِ الْعُقُودِ حُكْمُ صَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ. وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَرْهُونِ مَبيعًا لَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ .. فَسَدَا. وَهُوَ قَبْلَ الْمَحِلِّ أَمَانَةٌ، وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى التَّلَفَ بِيَمِينِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ
===
لا تجب من خالص ماله، بل في غير المرهون ببيع جزء منه لأجلها.
(وهو أمانة في يد المرتهن) لحديث: "الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ - أي: من ضمان راهنه - لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" رواه الشافعي، والمحفوظ إرساله (1).
(ولا يسقط بتلفه شيء من دينه) لأنه وثيقة بدين ليس بعوض فيه، فلا يسقط الدين بتلفه؛ كالضامن يموت.
وقولنا: (ليس بعوض فيه) احتراز من تلف المبيع في يد البائع.
(وحكم فاسد العقود حكمُ صحيحها في الضمان) فما اقتضى صحيحه الضمان بعد التسليم؛ كالبيع وسائر العقود .. اقتضاه فاسده أيضًا؛ لأنه أولى بذلك، وما لا؛ كالرهن ونحوه .. فلا؛ لأن إثبات اليد عليه بإذن المالك، ولم يلتزم بالعقد ضمانًا.
واستثني من طرد هذه القاعدة وعكسها مسائلُ ذكرتها في "إرشاد المحتاج"، وهو شرح أبسط من هذا.
(ولو شرط كونَ المرهون مبيعًا له عند الحلول .. فسدا) أي: الرهن والبيع: الرهن لتأقيته؛ لأنهما شرطا ارتفاعه بالحلول، والبيع لتعليقه.
(وهو) أي: المرهون في هذه الصورة (قبل المحِلِّ أمانة) لأنه رهن فاسد، وبعده مضمون؛ لأنه أخذ ببيع فاسد، وهو عقد ضمان.
(ويصدَّق المرتهن في دعوى التلف بيمينه) لأنه أمين؛ كما مرَّ، والمراد: تصديقه بالتفصيل الآتي في (الوديعة).
والمقصود من هذه المسألة: هو عدم الضمان، ولم يصرح به المصنف، وإلا .. فالغاصب ونحوه مصدق أيضًا في التلف.
(ولا يصدَّق في الردِّ عند الأكثرين) لأنه قبضه لغرض نفسه؛ فأشبه المستعير،
(1) الأم (4/ 383) عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى.
وَلَوْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَةَ بِلَا شُبْهَةٍ .. فَزَانٍ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: جَهِلْتُ تَحْرِيمَهُ إِلَّا أَنْ يَقْرُبَ إِسْلَامُهُ، أَوْ يَنْشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْعُلَمَاءِ. وَإِنْ وَطِئَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ .. قُبِلَ دَعْوَاهُ جَهْلَ التَّحْرِيمِ فِي الأَصَحِّ وَلَا حَدَّ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ إِنْ أَكْرَهَهَا، وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلرَّاهِنِ. وَلَوْ أُتْلِفَ الْمَرْهُونُ وَقَبَضَ بَدَلَهُ .. صَارَ رَهْنًا،
===
وقيل: يصدق؛ لأنه أمين؛ كالمودع.
(ولو وطئ المرتهن المرهونةَ بلا شبهة .. فزانٍ) تترتب عليه أحكام الزنا كلُّها، ولا يكون الرهن شبهة، كما لو استأجرها وعليه مهر المكرهة لا المطاوعة في الأصح.
واحترز بقوله: (بلا شبهة) عما لو ظنها زوجتَه أو أمته.
(ولا يقبل قولُه: "جهلت تحريمه" إلا أن يقرب إسلامه، أو ينشأ ببادية بعيدة عن العلماء) لأنه قد يخفى عليه، بخلاف غيرهما.
(وإن وطئ بإذن الراهن .. قُبل دعواه جهلَ التحريم في الأصحِّ) لأن التحريم بعد الإذن؛ لمَّا خفي على عطاء مع أنه من علماء التابعين لا يبعد خفاؤه على العوام، والثاني: لا يقبل؛ لبعد ما يدعيه إلا أن يقرب إسلامه، كما مرَّ.
(ولا حدَّ) للشبهة (ويجب المهر إن أكرهها) لأن وجوب المهر حيث لا يجب الحدُّ حقُّ الشرع؛ فلا يؤثر فيه الإذن؛ كالمفوضة، وقيل: لا يجب؛ لإذن المستحق، وحكاه في "المحرر"(1)، وحذفه المصنف.
واحترز بالمكرهة: عن المطاوعة؛ فإنه لا مهر لها؛ لانضمام إذن المستحق إلى طواعيتها، إلا أن تكون صغيرة؛ فإنه لا عبرة بمطاوعتها؛ كما قاله الجرجاني وغيره.
(والولد حرٌّ نسيب) لأن الشبهة كما تدرأ الحدَّ تثُبتُ النسب والحرية (وعليه قيمته للراهن) لأن الإذن في الوطء رضا بإتلاف المنفعة لا بالإحبال.
(ولو أتلف المرهونُ وقبض بدلَه .. صار رهنًا) لقيامه مقامه، ويجعل في يد من كان الأصلُ في يده، ولا يحتاج إلى إنشاء رهن، كما اقتضاه كلام الشيخين هنا،
(1) المحرر (ص 169).
وَالْخَصْمُ فِي الْبَدَلِ الرَّاهِنُ، فَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ .. لَمْ يُخَاصِمِ الْمُرْتَهِنُ فِي الأَصَحِّ. فَلَوْ وَجَبَ قِصَاصٌ .. اقْتَصَّ الرَّاهِنُ وَفَاتَ الرَّهْنُ، فَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ بعَفْوِهِ أَوْ بِجِنَايَةِ خَطَإٍ .. لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ وَلَا إِبْرَاءُ الْمُرْتَهِنِ الْجَانِيَ. وَلَا يَسْرِي الَرَّهْنُ إِلَى زِيَادَتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ؛ كَثَمَرٍ وَوَلَدٍ،
===
وقضية كلامه: أنه لا يكون رهنًا قبل قبضه، والأصح في "زوائد الروضة": خلافُه (1).
(والخصم في البدل الراهنُ) لأنه المالك (فإن لم يخاصِم .. لم يخاصِم المرتهنُ في الأصحِّ) لأنه غير مالك، والثاني: يخاصم؛ لتعلق حقِّه بما في ذمته، ونسبه الإمام إلى المحققين (2).
ومحل الخلاف: إذا تمكن الراهن من المخاصمة، أما لو باع المالك العينَ المرهونة .. فللمرتهن المخاصمة جزمًا، كذا أفتى به البُلْقِيني، وهو ظاهر.
(فلو وجب قصاص) في النفس ( .. اقتصَّ الراهن) المالك؛ لعموم الأدلة؛ كقوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (وفات الرهن) لفوات العين وبدلها، أما إذا كانت الجناية على طرف واقتصّ .. بقي الرهن بحاله.
(فإن وجب المال بعفوه، أو بجناية خطأ .. لم يصحَّ عفوه) أي: عفو الراهن (عنه) لتعلق حقِّ المرتهن به.
وكان الأحسن حذف قوله: (بعفوه، أو بجناية خطأ) ليشمل ما لو وجب المالُ ابتداءً بجناية عمد لا قصاص فيها؛ كالهاشمة، أو لكون الجاني حرًّا، أو أصلًا، أو غير ذلك مما يمنع القصاص .. فإن الحكم كذلك أيضًا.
(ولا إبراء المرتهن الجانيَ) لأنه غيرُ مالك، فإن فعل .. لم يبطل حقُّه من الوثيقة في الأصح.
(ولا يسري الرهن إلى زيادته المنفصلة؛ كثمر وولد) وصوف ولبن؛ لأنه لا يزيل
(1) روضة الطالبين (4/ 100)، وهذا مما يلغز به، فيقال: لنا صورة يكون الدين فيها مرهونًا. اهـ هامش (أ).
(2)
نهاية المطلب (5/ 215).