الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلٌ [في كفالة البدن]
الْمَذْهَبُ: صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ، فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ .. لَمْ يُشْتَرَطِ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ. وَالْمَذْهَبُ: صِحَّتُهَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لآدَمِيٍّ؛ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، وَمَنْعُهَا فِي حُدُودِ الله تَعَالَى.
===
الالتزام، وقيل: يكون ضامنًا لثمانية؛ إخراجًا للطرفين؛ لأنها اليقين.
ولم يصحح الرافعي في "الشرحين" هنا ولا في نظيره من (الإقرار) شيئًا، بل نقل تصحيح العشرة هنا وهناك عن البغوي، ورجحه هنا في "المحرر"(1)، ونقل هناك تصحيحَ التسعة عن العراقيين والغزالي، وصححه في "المحرر" هناك (2).
* * *
(فصل: المذهب: صحة كفالة البدن) لإطباق الناس عليها ومسيس الحاجة إليها، وفي قول: لا تصحُّ؛ لأن الحرَّ لا يدخل تحت اليد، ولا يقدر على تسليمه، والطريق الثاني: القطع بالأول.
(فإن كفل بدن من عليه مال .. لم يُشترط العلم بقدره) لأن الكفالة بالبدن لا بالمال.
(ويُشترط كونه) أي: المال المطالب به (ممّا يصحُّ ضمانه) فلا يصحُّ ببدن المكاتب للنجوم التي عليه؛ كضمانها.
(والمذهب: صحتها ببدن من عليه عقوبة لآدمي؛ كقصاص وحدِّ قذف) لأنه حقٌّ لازم، فأشبه المال، وفي قول: لا؛ لأن العقوبات مبنية على الدرء، وقيل: تصحُّ قطعًا، وقيل: لا قطعًا.
والخلاف مبني على أنه إذا مات .. هل يغرم الكفيل ما عليه من الدين؟ إن قلنا: نعم .. لم يصحَّ، وإلا .. صحت.
(ومنعها في حدود الله تعالى) كحدِّ الخمر والزنا والسرقة؛ لأن مبناها على
(1) وفي "المحرر" المطبوع ترجيحُ التسعة.
(2)
الشرح الكبير (5/ 158، 314)، المحرر (ص 190، 204).
وَتَصِحُّ بِبَدَنِ صَبيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ وَمَيِّتٍ لِيُحْضِرَهُ فَيُشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِ. ثُمَّ إِنْ عَيَّنَ مَكَانَ التَّسْلِيمِ .. تَعَيَّنَ، وَإِلَّا .. فَمَكَانُهَا. وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ بِلَا حَائِلٍ؛ كَمُتَغَلِّبٍ، وَبِأَنْ يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ وَيَقُولَ:(سَلَّمْتُ نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ)، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضورِهِ. فَإِنْ غَابَ .. لَمْ يَلْزَمِ الْكَفِيلَ إِحْضَارُهُ إِنْ جَهِلَ مَكَانَهُ،
===
الإسقاط، وقيل: قولان: ثانيهما: الصحة؛ كحدود الآدميين.
(وتصحُّ ببدن صبي ومجنون) لأنه قد يستحق إحضارهما إلى مجلس الحكم لإقامة الشهادة على صورتهما في الإتلافات وغيرها، ثم إن تكفل بإذن وليهما .. فله مطالبة الولي بإحضارهما عند الحاجة، وإلا .. فكالكفالة ببدن البالغ العاقل بغير إذنه.
(ومحبوس وغائب) بإذنه كما سيأتي وإن تعذر تحصيل الغرض في الحال؛ كما يصحُّ أن يضمن المعسر المال.
(وميت ليُحضِره فيُشهدَ على صورته) لأنه قد يحتاج إلى إحضاره للشهادة على عينه إذا تحملوها كذلك، ولم يعرفوا نسبه، قال الإسنوي: ومحلُّ هذا قبل الدفن، وإلا .. لم تصحَّ الكفالة وإن لم يتغير؛ كما دلَّ عليه كلامهم فيها إذا مات بعد الكفالة (1).
(ثم إن عَيَّن مكان التسليم .. تعين، وإلا) أي: وإن أطلق ( .. فمكانها) أي: مكان الكفالة؛ لأن العرف قاض بذلك.
(ويبرأ الكفيل بتسليمه في مكان التسليم بلا حائل؛ كمتغلب) لقيامه بما وجب عليه، فلو كان هناك متغلب يمنعه عنه .. لم يلزمه قبوله؛ لعدم حصول المقصود.
(وبأن يحضر المكفول ويقول: "سلّمت نفسي عن جهة الكفيل") كما يبرأ الضامن بأداء الأصيل الدين.
(ولا يكفي مجرد حضوره) بلا قوله: (سلمت نفسي عن الكفالة)؛ لأنه لم يسلمه إليه ولا إلى أحد من جهته.
(فإن غاب .. لم يلزم الكفيلَ إحضاره إن جهل مكانه) لعدم إمكانه، فأشبه المعسر
(1) في (ب) و (د): (فيما إذا مات بعد الكفالة).
وَإِلَّا .. فَيَلْزَمُهُ، وَيُمْهَلُ مُدَّةَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ .. حُبسَ، وَقِيلَ: إِنْ غَابَ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ. . لَمْ يَلْزَمْهُ إِحْضَارُهُ. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِذَاَ مَاتَ وَدُفِنَ .. لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ،
===
بالدين، (وإلا .. فيلزمه) إذا كان الإحضار ممكنًا بأمن الطريق، ولا ثم من يمنعه منه؛ كما لو كان مال المديون غائبًا .. فإنه يلزمه إحضاره، ولو احتاج الكفيل إلى غرامة .. كانت في ماله.
(ويمهل مدة ذهاب وإياب) لأنه الممكن، قال الإسنوي: وينبغي أن يعتبر مع ذلك مدة إقامة المسافرين، وهي: ثلاثة أيام غير يوم الدخول والخروج (1)؛ للاستراحة وتجهيز المكفول، ولم أره مسطورًا.
(فإن مضت) المدة المذكورة (ولم يحضره .. حُبس) إن لم يؤد الدين؛ لتقصيره، قال في "المطلب": ويدام حبسه إلى أن يتعذر إحضاره بموت، أو جهل مكان، أو إقامته عند من يمنعه، (وقيل: إن غاب إلى مسافة القصر .. لم يلزمه إحضاره) كالولي وشاهد الأصل؛ فإن غيبتهما إلى هذه المسافة كالغيبة المنقطعة، والراجح: اللزوم؛ كغيبة مال المديون في هذه المسافة .. فإنه يؤمر بإحضاره، ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين أن تطرأ الغيبة أو يكون غائبًا وقت الكفالة.
(والأصحُّ: أنه إذا مات ودفن .. لا يطالب الكفيلُ بالمال) لأنه لم يلتزمه، والثانى: نعم؛ لأنه وثيقة؛ كالرهن.
وعلى هذا: هل يطالب بالدين أم بالأقلِّ من الدين ودية المكفول؟ فيه وجهان بناء على أن السيد يفدي العبد الجاني بالأرش أم بالأقلِّ، قال في "زيادة الروضة": المختار: أنه يطالب بالدين؛ فإن الدية غيرُ مستحقة، بخلاف قيمة العبد (2).
وظاهر إطلاق المصنف: أنه لا فرق في جريان الخلاف بين أن يُخلِّف المكفول وفاءً أم لا، قال السبكي: وظاهر كلامهم: اختصاصه بما إذا لم يُخلِّف ذلك.
واحترز بـ (المال): عن العقوبة؛ فإنه لا يطالب بها جزمًا.
(1) في (د): (غير يومي الدخول والخروج).
(2)
روضة الطالبين (4/ 258).