الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الأصول والثّمار
قَالَ: (بِعْتُكَ هَذِهِ الأَرْضَ أَوِ السَّاحَةَ أَوِ الْبُقْعَةَ)، وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ. وَأُصُولُ الْبَقْلِ الَّتِي تَبْقَى سَنَتَيْنِ -كَالْقَتِّ وَالْهِنْدَبَاءِ- كَالشَّجَرِ،
===
(باب) بيع (الأصول والثمار)
المراد بالأصول: الشجر والأرض، والثمار: جمع ثمر، ومفرده الأصلي: ثمرة.
(قال: "بعتك هذه الأرض أو الساحة أو البقعة") أو العَرْصة (وفيها بناء وشجر .. فالمذهب: أنه يدخل في البيع دون الرهن) لأن البيع قوي يزيل الملك فاستتبع، بخلاف الرهن، والطريق الثاني: القطع بعدم الدخول فيهما؛ لخروجهما عن مُسمَّى الأرض، قال الرافعي:(ولاشك أنه أوضح في المعنى)(1)، والثالث: قولان فيهما: أحدهما: عدم الدخول؛ لما ذكرناه، والثاني: الدخول فيهما؛ لأنهما للدوام فأشبها أجزاء الأرض.
وكان ينبغي أن يقول: (بعتك أو رهنتك) حتى يستقيم قوله بعد ذلك: (فالمذهب: أنه يدخل في البيع دون الرهن).
ومحل الخلاف: إذا أطلق، فإن قال:(بما فيها) .. دخل قطعًا، ولو قال:(دون ما فيها) .. فلا قطعًا، ولو قال:(بحقوقها) .. دخل على الأصح.
وأطلق الشيخان الشجر، وهو يشمل الرطب واليابس، وقال ابن الرفعة: إن اليابسة لا تدخل؛ لأنها لا تراد للبقاء، واستثنى الأَذْرَعي: ما لو عُرِّش على اليابسة، أو جُعلت دِعامةً لجدار أو غيره .. فإنها تصير كالبناء؛ لقرينة إرادة البقاء (2).
والهبة والوقف والوصية كالبيع، وا لإقرار كالرهن.
(وأصول البَقْل التي تبقى سنتين؛ كالقت) وهو القُرْط، ويُسمَّى الرَّطبة والقَضْبة (والهِنْدَباء كالشجر) لبقائها، فيجري فيها الطرق.
(1) الشرح الكبير (4/ 329).
(2)
الشرح الكبير (4/ 328)، روضة الطالبين (3/ 538).
وَلَا يَدْخُلُ مَا يُؤْخَذُ دَفْعَةً كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَسَائِرِ الزُّرُوعِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ الأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إِنْ جَهِلَهُ، وَلَا يَمْنَعُ الزَّرْعُ دُخُولَ الأَرْضِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانِهِ إِذَا حَصَلَتِ التَّخْلِيَةُ فِي الأَصَحِّ. وَالْبَذْرُ كَالزَّرْعِ. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِلْمُشْتَرِي مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ
===
(ولا يدخل) في بيع الأرض (ما يؤخذ دَفعةً؛ كالحنطة والشعير وسائر الزروع) كالجزر والفُجْل، سواء أطلق الأرض أو قال:(بحقوقها) لأنه نماء ظاهر لا يراد للبقاء، فلم يدخل في بيع ما يثبت فيه؛ كالطَّلْع المؤبر.
(ويصحُّ بيع الأرض المزروعة على المذهب) كما لو باع دارًا مشحونة بأمتعته، والطريق الثاني: تخريجها على القولين في بيع الدار المستأجرة؛ لعدم استحقاقه منفعةَ هذه المدة، وفرق الجمهور: بأن يد المستأجر حائلة، وبأنه لو كان في معنى تلك الصورة .. لوجب أن يقطع بالفساد؛ لجهالة مدة الزرع؛ كدار المعتدة بالأقراء أو بالحمل.
وما أطلقه من الخلاف تبعًا للرافعي قيّده المتولي بما إذا كان الزرع يوجد دفعة واحدة، أما لو كان يحصد مرة بعد أخرى .. صحَّ قطعًا، كذا نقله السبكي وأقره (1)، وقال الإسنوي: إنه واضح؛ فإن الزرع قد انتقل إلى المشتري.
(وللمشتري الخيار إن جهله) بأن يكون الزرع قد حدث بعد الرؤية وقبل البيع؛ لتأخر الانتفاع، فإن تركه البائع له، أو فرغ الأرض في زمن يسير .. سقط خياره.
(ولا يمنع الزرعُ دخول الأرض في يد المشتري وضمانِه إذا حصلت التخلية في الأصحِّ) لوجود التسليم في الرقبة، وهي المبيعة، والثاني: لا؛ لأنه لم يقدر على الانتفاع في الحال.
(والبذر كالزرع) فيما مرّ؛ فإن كان زرعُ هذا البَذْر يؤخذ دفعة كالحنطة .. لم يدخل في البيع، وإلا .. دخل.
(والأصحُّ: أنه لا أجرة للمشتري مدة لقاء الزوع) إن جهل الزرع وأجاز العقد؛
(1) الشرح الكبير (4/ 329).
وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ .. بَطَلَ فِي الجَمِيعِ، وَقِيلَ: فِي الأَرْضِ قَوْلَانِ. وَيَدْخُلُ فِي بَيع الأَرْضِ الْحِجَارَةُ اَلْمَخْلُوقَةُ فِيهَا، دُون الْمَدْفُونَةِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إِنْ عَلِمَ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ النَّقْلُ، وَكَذَا إِنْ جَهِلَ وَلَمْ يَضُرَّ قَلْعُهَا،
===
كالثمرة المؤبرة، وكما لو باع دارًا مشحونة بالأمتعة .. لا أجرة لمدة التفريغ، والثاني: له؛ لفوات المنفعة، فلو علم الزرع .. فلا أجرة قطعًا.
وكلام المصنف يقتضي: استحقاق البائع؛ لإبقاء الزرع، ومحله: إذا شرط الإبقاء، أو أطلق، فإن شرط القطع .. ففي وجوب الوفاء به ترددٌ للأصحاب، حكاه الإمام في آخر (كتاب الصلح)(1).
(ولو باع أرضًا مع بَذْر أو زرعٍ لا يُفرد) كلٌّ منهما (بالبيع) بأن كانا مستورين ( .. بطل في الجميع، وقيل: في الأرض قولان) مَدرك الخلاف: ما مرّ في تفريق الصفقة؛ لأن الإجارة فيما يصحُّ هل هي بجميع الثمن أم بالقسط؟
فإن قلنا: بالقسط وهو الأصح .. فتبطل هنا في الجميع؛ لتعذر التقسيط؛ لأن الفرض أن الزرع والبَذْر لا يمكن معرفة قيمتهما؛ لتعذر إفرادهما بالبيع.
وإن قلنا: بالجميع .. ففي الأرض القولان، ثم هذا في بَذْر لا يدخل في بيع الأرض، فإن كان يدخل وهو بَذْر دائم النبات كالنخل والقَتِّ والهِنْدَباء .. فيصحُّ البيع فيه وفي الأرض، ويكون ذكر البَذْر توكيدًا، قاله المتولي.
(ويدخل في بيع الأرض الحجارةُ المخلوقة فيها) لأنها من أجزائها، وكذا المبنية فيها على المذهب في دخول البناء (دون المدفونة) كالكنوز.
(ولا خيار للمشتري إن علم) وإن ضرَّ قلعها؛ كسائر العيوب.
(ويلزم البائعَ النقلُ) وللمشتري إجبارُه عليه تفريغًا لملكه، بخلاف الزرع؛ لأن له أمدًا ينتظر.
(وكذا إن جهل ولم يضرَّ قلعُها) أي: لا خيار للمشتري، وعلى البائع النقل وتسوية الأرض؛ كما سيأتي.
وقول ابن الملقن بعد قول المصنف: (ولم يضرّ قلعها): أي: ولا تركها ..
(1) نهاية المطلب (6/ 510).
وَإِنْ ضَرَّ .. فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ أَجَازَ .. لَزِمَ الْبَائِعَ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الأَرْضِ، وَفِي وُجُوبِ أُجْرَةِ مِثْلِ مُدَّةِ النَّقْلِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: تَجِبُ إِنْ نَقَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ. وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ: الأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَالْحِيطَانُ، وَكَذَا الْبِنَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ: الأَبْنِيَةُ وَسَاحَاتٌ يُحِيطُ بِهَا السُّورُ، لَا الْمَزَارِعُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي بَيْعِ الدَّارِ: الأَرْضُ، وَكُلُّ بِنَاءٍ حَتَّى
===
يفهم أنه إذا ضرَّ تركها دون قلعها .. يثبت الخيار، والمنقول في "الشرح و"الروضة": خلافه (1).
(وإن ضرَّ) قلعها بأن نقص الأرض أو أحوج لمدة لمثلها أجرةٌ ( .. فله الخيار) دفعًا للضرر.
(فإن أجاز) أي: أمضى العقد ( .. لزم البائعَ النقلُ) لتفريع ملكه، (وتسوية الأرض) بأن يعيد التراب المزال بالقلع من فوق الحجارة إلى مكانه، قاله في "المطلب".
(وفي وجوب أجرة مثل مدة النقل أوجه، أصحها: تجب إن نقل بعد القبض لا قبله) بناء على الأصح: أن جناية البائع كالآفة، وإن قلنا: إنها كجناية الأجنبي .. فهو كما لو نقل بعد القبض، وقيل: لا تجب مطلقًا؛ لأن إجازة المشتري رضًا منه بتلف المنفعة، وقيل: يجب مطلقًا.
(ويدخل في بيع البستان: الأرض والشجر والحيطان) لدخولها في مُسمّاه، بل لا تُسمّى بستانًا بدون حائط، (وكذا البناء على المذهب) هو إشارة إلى الطرق السالفة في تبعية البناء للأرض.
(وفي بيع القرية: الأبنية وساحاتٌ يُحيط بها السور) لدخولها في الاسم (لا المزارع على الصحيح) لعدم دخولها في مُسمّاه؛ بدليل: أنه لو حلف: (لا يدخل قرية) .. لم يحنث بدخول مزارعها، والثاني: يدخل؛ لاقتضاء العرف ذلك، والثالث: إن قال: (بحقوقها) .. دخلت، وإلا .. فلا.
(وفي بيع الدار: الأرض، وكلُّ بناء) لأن الدار اسم للأرض والبناء (حتى
(1) عجالة المحتاج (2/ 726)، الشرح الكبير (4/ 331)، روضة الطالبين (3/ 542).
حَمَّامُهَا، لَا الْمَنْقُولُ كَالدَّلْوِ وَالْبَكَرَةِ وَالسَّرِيرِ، وَتَدْخُلُ الأَبْوَابُ الْمَنْصُوبَةُ وَحِلَقُهَا وَالإِجَّانَاتُ، وَالرَّفُّ وَالسُّلَّمُ الْمُسَمَّرَانِ، وَكَذَا الأَسْفَلُ مِنْ حَجَرَيِ الرَّحَى عَلَى الصَّحِيحِ، وَالأَعْلَى، وَمِفْتَاحُ غَلَقٍ مُثْبَتٍ فِي الأَصَحِّ، وَفِي بَيْعِ الدَّابَّةِ: نَعْلُهَا، وَكَذَا ثِيَابُ الْعَبْدِ فِي بَيْعِهِ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: لَا تَدْخُلُ ثِيَابُ الْعَبْدِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
حمامها) لأنه معدود من مرافقها، (لا المنقول كالدَّلو والبَكَرَة والسرير) غير المُسمَّى؛ لخروجها عن الاسم.
(وتدخل الأبواب المنصوبة وحِلَقُها والإجَّانات) المثبتات، وهي ما ينتفع بها في غسل الثياب ونحوها.
(والرَّفُّ والسلم المُسمَّران، وكذا الأسفل من حجري الرحى) المثبت (على الصحيح) لأن الجميع معدودة من أجزاء الدار؛ لاتصالها بها.
ووجه عدم دخول الحجر: أنه منقول، وإنما أثبت لسهولة الارتفاق به؛ كيلا يتزعزع ويتحرك عند الاستعمال، وهذا الوجه جار أيضًا في الإجانة والرف والسلم؛ كما ذكره في "المحرر"(1)، وأهمله المصنف في "اختصاره".
واحترز بـ (المنصوبة): عن المقلوعة؛ فإنها لا تدخل؛ لانتفاء المعنى المتقدم.
(والأعلى، ومفتاح غلقٍ مُثبَت في الأصح) لأنهما تابعان لشيء مثبت، والثاني: لا؛ كسائر المنقولات.
(وفي بيع الدابة: نعلها) لاتصاله بها، (وكذا ثياب العبد) التي عليه حال العقد (في بيعه في الأصحِّ) للعرف.
(قلت: الأصحُّ: لا تدخل ثياب العبد، والله أعلم) لأن اللفظ لا دلالة له عليها؛ كما لا يدخل السرج في الدابة، وقيل: يدخل ساتر العورة فقط؛ للضرورة، والأمة كالعبد، فلو عبر بالرقيق .. لكان أولى.
* * *
(1) المحرر (ص 152).