المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في بيان غاية المدة التي تقدر بها المنفعة تقريبا] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ البيع

- ‌بابُ الرِّبا

- ‌بابٌ [البيوع المنهي عنها]

- ‌فصلٌ [في المنهيات التي لا يقتضي النهي فسادها]

- ‌فصلٌ [في تفريق الصفقة]

- ‌بابُ الخيار

- ‌فصلٌ [في خيار الشرط وما يتبعه]

- ‌فصلٌ [في خيار النقيصة]

- ‌فرعٌ [في عدم تفريق الصفقة بالعيب]

- ‌فصلٌ [في التصرية]

- ‌بابٌ [في حكم المبيع قبل قبضه وبعده والتصرف فيه]

- ‌فَرعٌ [في تتمة أحكام الباب]

- ‌فَرعٌ [في تتمة الباب أيضًا]

- ‌بابُ التّولية والإشراك والمراجعة

- ‌بابُ الأصول والثّمار

- ‌فَرعٌ [في دخول ما يتبع المبيع في البيع]

- ‌فصَلٌ [في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما]

- ‌بابُ اختلاف المتبايعين

- ‌بابٌ [معاملة الرّقيق)

- ‌كتابُ السَّلَم

- ‌فصَلٌ [في بقية الشروط السبعة]

- ‌فَرعٌ [في محل السلم وشروطه]

- ‌فصلٌ [في بيان أخذ غير المسلم فيه عنه ووقت أدائه ومكانه]

- ‌فصلٌ [في القرض]

- ‌كتابُ الرَّهْن

- ‌فصَلٌ [في شروط المرهون به ولزوم الرهن]

- ‌فصلٌ [فيما يترتب على لزوم الرهن]

- ‌فصلٌ [في جناية المرهون]

- ‌فصلٌ [في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به]

- ‌فصلٌ [في تعلق الدين بالتركة]

- ‌كتاب التفليس

- ‌فصلٌ [فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما]

- ‌فَصْلٌ [في رجوع المعامل للمفلس عليه بما عامله به ولم يقبض عوضه]

- ‌بابُ الحَجْر

- ‌فَصْلٌ [فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله]

- ‌بابُ الصُّلْح

- ‌فَصْلٌ [في التزاحم على الحقوق المشتركة]

- ‌بابُ الحَوالة

- ‌بابُ الضَّمان

- ‌فصلٌ [في كفالة البدن]

- ‌فصلٌ [في صيغتي الضمان والكفالة]

- ‌كتابُ الشّركة

- ‌كتابُ الوكالة

- ‌فصَلٌ [في أحكام الوكالة بعد صحتها]

- ‌فصَلٌ [فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة]

- ‌فصَلٌ [في بيان جواز الوكالة وما تنفسخ به]

- ‌كتابُ الإقرار

- ‌فَصْلٌ [في الصيغة]

- ‌فَصْلٌ [في شروط المُقَرِّ به]

- ‌فَصْلٌ [في بيان أنواع من الإقرار وفي بيان الاستثناء]

- ‌فَصْلٌ [في الإقرار بالنسب]

- ‌كتابُ العاريَّة

- ‌فَصْلٌ [في رد العارية]

- ‌كتابُ الغَصْب

- ‌فَصلٌ [في بيان حكم الغصب]

- ‌فَصلٌ [في اختلاف المالك والغاصب]

- ‌فَصلٌ [فيما يطرأ على المغصوب من زيادة ووطء وانتقال]

- ‌كتابُ الشُّفْعة

- ‌فَصلٌ [في بيان بدل الشقص الذي يؤخذ به والاختلاف في قدر الثمن]

- ‌كتابُ القِراض

- ‌فَصْلٌ [في بيان الصيغة وما يشترط في العاقدين]

- ‌فَصْلٌ [في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين]

- ‌كتابُ المساقاة

- ‌فَصْلٌ [فيما يشترط في عقد المساقاة]

- ‌كتابُ الإِجَارة

- ‌فَصْلٌ [في بقية شروط المنفعة وما تقدر به]

- ‌فَصْلٌ [في منافع يمتنع الاستئجار لها ومنافع يخفى الجواز فيها وما يعتبر فيها]

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم المكري أو المكتري لعقار أو دابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان غاية المدة التي تقدر بها المنفعة تقريبًا]

- ‌فَصْلٌ [فيما يقتضي انفساخ الإجارة والتخيير في فسخها وما لا يقتضيهما]

- ‌كتابُ إحياء المَوات

- ‌فَصْلٌ [في حكم المنافع المشتركة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض]

- ‌كتابُ الوَقْف

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الوقف اللفظية]

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الوقف المعنوية]

- ‌فصلٌ [في بيان النظر على الوقف وشرطه ووظيفة الناظر]

- ‌كتابُ الهِبَة

- ‌كتابُ اللُّقَطة

- ‌فصلٌ [في بيان لقط الحيوان وغيره وتعريفها]

- ‌فصلٌ [في تملك اللقطة وغرمها وما يتبعها]

- ‌كتابُ اللَّقيط

- ‌فصلٌ [في الحكم بإسلام اللقيط]

- ‌فصلٌ [في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه وتوابع ذلك]

- ‌كتابُ الجعالة

- ‌كتابُ الفرائض

- ‌فصلٌ [في بيان الفروض التي في القرآن الكريم وذويها]

- ‌فصلٌ [في الحجب]

- ‌فصلٌ [في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادًا واجتماعًا]

- ‌فصلٌ [في كيفية إرث الأصول]

- ‌فصلٌ [في إرث الحواشي]

- ‌فصلٌ [في الإرث بالولاء]

- ‌فصلٌ [في حكم الجد مع الإخوة]

- ‌فصلٌ [في موانع الإرث]

- ‌فصلٌ [في أصول المسائل وما يعول منها]

- ‌فَرْعٌ [في تصحيح المسائل]

- ‌فَرْعٌ [في المناسخات]

- ‌كتابُ الوصايا

- ‌فصَلٌ [في الوصية لغير الوارث وحكم التبرعات في المرض]

- ‌فصلٌ [في بيان المرض المخوف ونحوه]

- ‌فصلٌ [في أحكام الوصية الصحيحة ولفظها]

- ‌فصلٌ [في أحكام معنوية للموصى به]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الوصية]

- ‌فَصْلٌ [في الإيصاء وما يتبعه]

- ‌كتابُ الوَدِيعة

- ‌كتابُ قَسْم الفيء والغنيمة

- ‌فَصْلٌ [في الغنيمة وما يتبعها]

- ‌كتابُ قَسْم الصّدقات

- ‌فَصْلٌ [في بيان مستند الإعطاء وقدر المعطى]

- ‌فَصْلٌ [في القسمة بين الأصناف وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في صدقة التطوع]

الفصل: ‌فصل [في بيان غاية المدة التي تقدر بها المنفعة تقريبا]

وَتنفَسِخُ إِجَارَةُ الْعَيْنِ بتَلَفِ الدَّابَّةِ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِعَيْبِهَا. وَلَا خِيَارَ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ الإِبْدَالُ، وَالَطَّعَامُ الْمَحْمُولُ لِيُؤْكَلَ يُبْدَلُ إِذَا أُكِلَ فِي الأَظْهَرِ.

‌فَصْلٌ [في بيان غاية المدة التي تقدر بها المنفعة تقريبًا]

يَصِحُّ عَقْدُ الإِجَارَةِ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا،

===

ونحوها؛ لأنه لم يلتزم سوى تسليم الدابة.

(وتنفسخ إجارةُ العين بتلف الدابة) لفوات المعقود عليه.

واحترز بـ (العين) عن إجارة الذمة، فلا تنفسخ بل تبدل.

(ويثبت الخيارُ بعيبها) كما لو وجد المبيع معيبًا، والمراد بالعيب: ما يؤثر في المنفعة، لا كلُّ عيب؛ ككونها لا تبصر ليلًا، أو تَعثُر، أو عَرْجاء بحيث تتخلف عن القافلة.

(ولا خيار في إجارة الذمة) بتعيبها (بل يلزمه الإبدال)، كما لو وجد بالمسلم فيه عيبًا؛ لأن المعقود عليه في الذمة بصفة السلامة، وهذا غير سليم.

(والطعام المحمول ليؤكل يُبدَل إذا أُكل في الأظهر) كسائر المحمولات إذا باعها أو تلفت، والثاني: لا، لأن العادة في الزاد ألا يبدل.

والقولان إذا أكل بعضه، فإن أكل كلّه .. فالمشهور: الإبدال، وفيه وجه ضعيف.

ومحلُّ الخلاف: إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة بسعر موضعه، وإلا .. أبدل قطعًا، وهذا كلُّه عند الإطلاق فإن شرط شيء .. اتبع.

واحترز بقوله: (أكل) عما إذا تلف بسرقة وغيرها، فيبدل، كذا جزما به، وقال في "العجالة":(فيه قول حكاه الماوردي)(1).

* * *

(فصل: يصحُّ عقد الإجارة مدةً تبقى فيها العين غالبًا) لأنها تجوز إلى سنة وِفاقًا، وما جاز إليها .. جاز إلى أكثر منها؛ كالأجل في البيع.

(1) روضة الطالبين (5/ 220)، الشرح الكبير (6/ 139)، عجالة المحتاج (2/ 937). بلغ مقابلة على أصله، غفر الله لمؤلفه، ومتعنا بعلمه، وختم له بخير، وله الحمد. اهـ هامش (أ).

ص: 412

وَفِيِ قَوْلٍ: لَا يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ، وَفِي قَوْلٍ: ثَلَاثِينَ. وَلِلْمُكْتَرِي اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِغيْرِهِ؛ فَيُرْكِبُ وَيُسْكِنُ مِثْلَهُ،

===

وخرج بالغالب: ما لا يبقى غالبًا، والمرجع في المدة التي تبقى فيها العين غالبًا إلى أهل الخبرة، قال في "أصل الروضة": فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة، والدابة عشر سنين، والثوب سنتين أو سنة على ما يليق به، والأرض مئة سنة فأكثر (1).

وظاهر إطلاقه: أنه لا فرق في ذلك بين الوقف والطِّلْق، وهو المشهور، وقال القاضي والمتولي: أجمع الحكام على أن الوقف لا يؤجر أكثر من ثلاث سنين؛ لئلا يندرس، قال الرافعي: وهذا الاصطلاح غير مطرد، وفي "أمالي السَّرَخْسي" أن المذهب: منع إجارة الوقف أكثر من سنة إذا لم تمس إليه حاجة، كعمارة (2)، وحكاه الإمام وجهًا، وقال: لا اتجاه له في الوقف على جهات الخير.

(وفي قول: لا يزاد على سنة) لاندفاع الحاجة بها، (وفي قول: ثلاثين) لأنها شطرُ العمر الغالب، والغالب تغيُّر الأشياء بعدها، وقيل: يجوز إلى مدة لا تبقى فيها العينُ غالبًا؛ لأن الأصل فيها الدوامُ، وصححه في "البسيط".

(وللمكتري استيفاءُ المنفعة بنفسه وبغيره) كما يجوز أن يؤجر ما استأجره من غيره، فلو شُرط استيفاءها بنفسه .. لم يصحَّ؛ كما جزم به في "الكافي"؛ كما لو باع عينًا بشرط ألا يبيعها، وقيل: يصحُّ ويلغو الشرط، وقيل: يصحان، حكاهما في "المهذب" و"البحر" و"البيان"(3).

ويستوفي المنفعة بالمعروف، فإذا استأجر ثوبًا للبس .. لبسه نهارًا، وليلًا إلى وقت النوم، ولا ينام فيه ليلًا، ويجوز نهارًا على الأصحِّ.

(فيُركِب ويسكن مثلَه) لأنه استيفاء عين المنفعة المستحقة بغير زيادة، وفهم منه: جواز استيفاء من هو دونه من باب أولى.

(1) روضة الطالبين (5/ 196).

(2)

الشرح الكبير (6/ 111 - 112).

(3)

المهذب (1/ 527)، بحر المذهب (8/ 338)، البيان (7/ 353).

ص: 413

وَلَا يُسْكِنُ حَدَّادًا وَقَصارًا. وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ، كَدَارٍ وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ .. لَا يُبْدَلُ، وَمَا يُسْتَوْفَى بِهِ، كَثَوْبٍ وَصَبِيٍّ عُيِّنَ لِلْخِيَاطَةِ وَالارْتِضَاعِ .. يَجُوزُ إِبْدَالُهُ فِي الأَصَحِّ. وَيَدُ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ يَدُ أَمَانَةٍ مُدَّةَ الإِجَارَةِ،

===

(ولا يسكنِ حدَّادًا وقصَّارًا) والصورة أنه ليس كذلك؛ لزيادة الضرر.

(وما يُستوفى منه، كدار ودابة معينة .. لا يُبْدل) كما لا يبدل المبيع.

وقوله: (معينة) قيد في الدابة خاصة، فإن الدار لا تكون إلا معينة.

ويستثنى من مفهومه: ما إذا تسلم المستأجر الدابة في إجارة الذمة .. فإنه ليس للمؤجر إبدالها بغير رضاه على الأصحِّ، لاختصاصه بها.

(وما يُستوفى به، كثوب وصبي عُيِّنَ للخياطة والارتضاع) وكأغنام معينة للرعي (

يجوز إبداله) بمثله (في الأصحِّ) لأنه ليس بمعقود عليه، وإنما هو طريق الاستيفاء، فأشبه الراكب والمتاع المعين للحمل، والثاني: المنع، كالمستوفى منه (1)، وما رجحه تبع فيه "المحرر"(2)، وكذا في "الشرح الصغير"، ولا ترجيح في "الروضة" و"أصلها".

وقضية كلامهما: أن الأكثرين على المنع (3)، وعزاه في "الشامل" للأصحاب.

وكان ينبغي أن يقول: (عيّنا) فإنه صفة لصبي وثوب، وإيقاع ضمير المفرد موضع التثنية شاذٌّ (4).

(ويد المكتري على الدابة والثوب يدُ أمانة مدةَ الإجارة) فيصدق في التلف، ولا يضمن ما تلف منها بلا تعد ولا تقصير بالإجماع، لأنه مستحق المنفعة، ولا يمكن استيفاؤها إلا بإثبات اليد على العين، فكانت أمانة، كالشجرة يشترى

(1) قال في "العجالة"[2/ 938]: وفرق الأول بينه وبين المستوفي بأن الثوب والصبي يتأثران بالمنفعة حتى يقدر العمل فيها عينًا تارة، وأثرًا أخرى، بخلاف الراكب فإنه لا يتأثر). انتهى، ولم يتضح لي، وليتأمل. اهـ هامش (أ).

(2)

المحرر (ص 233).

(3)

روضة الطالبين (5/ 224)، الشرح الكبير (6/ 144).

(4)

قال في "التحفة"[6/ 175]: (وأفرد الضمير؛ لأن القصد التنويم كما قررته، فاندفع ما قيل: إيقاع ضمير المفرد موضع التثنية شاذٌّ). انتهى. اهـ هامش (د).

ص: 414

وَكَذَا بَعْدَهَا فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ رَبَطَ دَابَّةً اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا .. لَمْ يَضمَنْ إِلَّا إِذَا انْهَدَمَ عَلَيْهَا إِصْطَبْلٌ فِي وَقْتٍ لَوِ انْتَفَعَ بِهَا لَمْ يُصِبْهَا الْهَدْمُ. وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ أَجِيرٍ بِلَا تَعَدٍّ، كَثَوْبٍ اسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ .. لَمْ يَضْمَنْ إِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ؛ بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضرَهُ مَنْزِلَهُ،

===

ثمرتها، بخلاف ظرف المبيع فإنه مضمون على الأصحِّ، لأنه يمكن قبض المبيع بدون الظرف، فتمحض قبضه لغرض نفسه.

(وكذا بعدها في الأصحِّ) استصحابًا لما كان؛ كالمودَع، والثاني: يضمن؛ كالمستعير.

(ولو ربط دابة اكتراها لحمل أو ركوب ولم ينتفع بها) وتلفت ( .. لم يضمن) لأنها بيده أمانة، وسواء تلفت في المدة أو بعدها.

وإنما قيد المسألة بالربط .. ليستثني منها، وإلا لو تلفت في مدة الانتفاع .. كان الحكم كذلك.

(إلا إذا انهدم عليها إصطبلٌ في وقت لو انتفع بها لم يُصبها الهَدْم) لأنه لو استعملها خارج الإصطبل في وقت الانهدام .. لسلمت، ولا بدَّ من تقييده بأن تكون العادة في ذلك الوقت جاريةً بالانتفاع بها، كالنهار، للاحتراز عما إذا كان المعهود في تلك الحالة أن تكون تحت سقف؛ كجُنْح الليل في الشتاء، فإنه لا يضمن.

(ولو تلف المال في يد أجير بلا تعدٍّ؛ كثوب استؤجر لخياطته أو صَبغِه .. لم يضمن إن لم ينفرد باليد؛ بأن قعد المستأجر معه، أو أَحضره منزلَه) لأن يد المالك ثابتةٌ على العين حكمًا، والمال غير مسلم إليه حقيقة، وإنما استعان به المالك في شغله؛ كالمستعين بالوكيل.

واحترز بقوله: (بلا تعدٍّ) عما إذا تعدَّى؛ كما لو أسرف الخَبَّاز في الوقود، أو تركه في النار حتى احترق؛ فإنه يضمن لا محالة.

وقوله: (بأن قعد

) إلى آخره هو تفسير لقوله: (إن لم ينفرد).

وقوله: (أو صبغه) هو بفتح الصاد؛ كما ضبطه المصنف بخطه؛ لأن المراد به: المصدر لا ما يُصبغ به.

ص: 415

وَكَذَا إِنِ انْفَرَدَ فِي أَظْهَرِ الأَقْوَالِ، وَالثَّالِثُ: يَضْمَنُ الْمُشْتَرِكُ - وَهُوَ مَنِ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ - لَا الْمُنْفَرِدُ؛ وَهُوَ: مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ. وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إِلَى قَصَّارٍ لِيَقْصُرَهُ، أَوْ خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً .. فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَقِيلَ: لَهُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ .. فَلَهُ، وَإِلَّا .. فَلَا، وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ

===

(وكذا إن انفرد) باليد (في أظهر الأقوال) سواء المشترك والمنفرد؛ لأنه لم تثبت يده لمحض غرضه، وإنما أثبتها لغرضه وغرض المالك؛ فأشبه عامل القراض والمستأجر، فإنهما لا يضمنان؛ إجماعًا، والثاني: يضمن؛ لحديث: "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ"(1)، ولأنه أخذه لمصلحة نفسه؛ كالمستعير والمستام.

(والثالث: يضمن المشترك، وهو: من التزم عملًا في ذمته) كعادة الخيَّاطين والقصَّارين، (لا المنفردُ؛ وهو: من أجر نفسه مدة معينة لعمل) لأن المنفرد منافعه مختصة بالمستأجر في المدة، فيده كيد الوكيل مع المُوكِّل، ولأن استحقاقه الأجرةَ لا يتوقف على العمل، بل على التمكن منه، فلم يكن العمل واقعًا له، بخلاف المشترك؛ فإنه لا يستحق إلا بالعمل.

(ولو دفع ثوبًا إلى قَصَّار ليَقصُره، أو) إلى (خَيَّاط ليخيطه ففعل ولم يذكر أجرةً .. فلا أجرة له) لأنه لم يلتزم له عوضًا؛ فصار كقوله: (أطعمني)، فأطعمه، (وقيل: له) أجرة المثل؛ لاستهلاكه منفعته، (وقيل: إن كان معروفًا بذلك العمل) بالأجرة ( .. فله، وإلا .. فلا) لدلالة العرف على ذلك. (وقد يُستحسن) لموافقة العادة، وحكاه الروياني في "الحلية" عن الأكثرين، وقال: إنه الاختيار، وقال في "البحر": وبه أُفتي (2)، وقال الغزالي: إنه الأظهر، وقال الشيخ عز الدين: إنه الأصحُّ، وأفتى به خلق من المتأخرين، وعلى هذا: فيجب للعامل أجرةُ المثل؛ كما هو ظاهر كلام الرافعي وغيره (3)، وقال الشيخ عز الدين: تجب له الأجرةُ

(1) أخرجه الحاكم (2/ 47)، وأبو داوود (3561)، والترمذي (1266) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.

(2)

بحر المذهب (8/ 313).

(3)

الشرح الكبير (6/ 151).

ص: 416

وَلَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ؛ بِأَنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ، أَوْ كَبَحَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ، أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ، أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا .. ضَمِنَ الْعَيْنَ، وَكَذَا لَوِ اكْتَرَى لِحَمْلِ مِئَةِ رَطْلٍ حِنْطَةً فَحَمَلَ مِئَة شَعِيرًا أَوْ عَكَسَ

===

التي جرت بها العادةُ لذلك العامل وإن زادت على أجرة المثل.

واحترز بقوله: (ولم يذكر أجرة) عما إذا قال: (مجّانًا)، فلا يستحق شيئًا قطعًا، أو ذكر الأجرة، فيستحقها قطعًا.

وعلى الأول الأصحِّ: استثُني: عاملُ المساقاة، إذا عمل ما ليس من أعمالها بإذن المالك .. استَحق الأجرة؛ كما جزما به هناك (1)، ولا يستثنى داخل الحَمَّام حيث تجب عليه الأجرة وإن لم يَشرِط شيئًا، فإن الداخل مستوفٍ منفعةَ الحمام بسكونه ونحوه، فإن صاحب المنفعة هو الذي صرفها إلى الغير.

ويستثنى: عامل الزكاة، حيث قال الرافعي: إن شاء الإمام .. بعثه ثم أعطاه الأجرة، وإن شاء .. سَمَّى له؛ لأن الأجرة ثابتة له بنصِّ القرآن، فهي مسماة شرعًا، سماها الإمام حين البعث أم لا.

(ولو تعدى المستأجر؛ بأن ضرب الدابةَ، أو كبحها) أي: جذبها باللجام لتقف (فوق العادة، أو أركبها أثقلَ منه، أو أسكن حدَّادًا أو قصَّارًا) وهما أشد ضررًا مما استأجر له ( .. ضمن العين) أي: دخلت في ضمانه؛ لتعديه.

واحترز بـ (فوق العادة): عما لو ضربها الضرب المعتاد فتلفت .. فإنه لا يضمن، بخلاف ضرب الزوجة؛ لإمكان تأديبها باللفظ.

واستثني: ما لو تعدى في الأرض المستأجرة لزرع الحنطة فزرع الذرة، فإنه لا يصير ضامنًا للأرض غاصبًا لها على الأصحِّ في "زيادة الروضة"(2)، بل تلزمه أجرة المثل للذرة، وأجيب: بأنه إنما تعدى في المنفعة لا الرقبة.

(وكذا لو اكترى لحمل مئة رطلٍ حنطةً فحمل مئة شعيرًا، أو عكس) لأن الحنطة

(1) روضة الطالبين (5/ 160)، الشرح الكبير (6/ 70).

(2)

روضة الطالبين (5/ 218).

ص: 417

أَوْ لِعَشْرَةِ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ حِنْطَةً دُونَ عَكْسِهِ. وَلَوِ اكْتَرَى لِمِئَةٍ فَحَمَلَ مِئَةً وَعَشَرَةً .. لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِذَلِكَ .. ضَمِنَهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا، فَإِنْ كَانَ .. ضمِنَ قِسْطَ الزِّيَادَةِ، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفَ الْقِيمَةِ. وَلَوْ سَلَّمَ الْمِئَةَ وَالْعَشَرَةَ إِلَى الْمُؤَجِّرِ، فَحَمَّلَهَا جَاهِلًا

===

أثقل، فيجتمع ثقلها في موضع واحد، والشعير أخف، فيأخذ من ظهر الدابة أكثر، فالضرر مختلف.

(أو لعشرةِ أقفزةِ شعيرٍ فحمل حنطة) لأنها أثقل (دون عكسه) وهو ما إذا اكترى لحمل عشرة أقفزة حنطة، فحمل شعيرًا؛ لأن قدرهما في الحجم سواء، والشعير أخف.

(ولو اكترى لمئة فحمل مئةً وعشرة .. لزمه أجرة المثل للزيادة) مع المُسمَّى؛ لتعديه بها، وإنما مثل بالعشرة للإشارة إلى أن محلَّ ذلك: إذا كانت الزيادة قدرًا لا يقع التفاوت به بين الكَيْلين، أما لو كانت كذلك؛ كما لو حمل زيادة يتسامح فيها، قال ابن الرفعة: كالمَكُّوك والمَكُّوكين .. فإنه لا أجرة ولا ضمان بسببها (1).

(وإن تلفت بذلك .. ضمنها) ضمان يد (إن لم يكن صاحبُها معها) لأنه صار غاصبًا بحمل الزيادة.

وقوله: (بذلك) غير قيد؛ فلو تلفت بسبب غيره .. ضمنها.

(فإن كان) صاحبها معها ( .. ضمن قسطَ الزيادة) مواخذة له بقدر الجناية، (وفي قول: نصفَ القيمة) لأن تلفها بمضمون وغيره، فقسطت القيمة عليهما؛ كما لو جرحه واحد جراحة وآخر جراحات.

وفرق الأول بتيسر التوزيع هنا، بخلاف الجراحات فإن نكاياتها لا تنضبط.

وأصل القولين: القولان فيما يلزم الجلاد إذا ضرب إحدى وثمانين، وهنا يجيء القيد السابق للضمان وهو كون التلف بسبب الحمل، فإن تلفت بغيره .. لم يضمن.

(ولو سَلَّم المئة والعشرة إلى المؤجر، فحملها جاهلًا) بالزيادة؛ بأن قال له:

(1) كفاية النبيه (11/ 259).

ص: 418

ضَمِنَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ وَزَنَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَلَ .. فَلَا أُجْرَةَ لِلزِّيَادَةِ، وَلَا ضَمَانَ إِنْ تَلِفَتْ. وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ فَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ:(أَمَرْتَنَي بِقَطْعِهِ قَبَاءً)، فَقَال:(بَلْ قَمِيصًا) .. فَالأَظْهَرُ: تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ النَّقْصِ.

===

(هو مئة كما ذكرنا)، فظن صدقه ( .. ضمن المكتري على المذهب) كما لو حمل بنفسه، فيأتي فيه الخلاف السالف، لأن إعداد المحمول، وشدَّ الأعدال، وتسليمها إليه بعد عقد الإجارة .. كالإلجاء إلى الحمل شرعًا، فكان كشهادة شهود القصاص، والطريق الثاني: أنه على القولين في تعارض الغرور والمباشرة.

واحترز بالجاهل: عن العالم، فإنه إذا حمله ولم يقل له المستأجر شيئًا .. فحكمه ما سيأتي في كلامه، لأنه حمل بغير إذن صاحبه.

(ولو وزن المؤجر وحمل .. فلا أجرة للزيادة) لأنه لم يأذن في حملها، (ولا ضمان) على المستأجر (إن تلفت) إذ لا يدَ، ولا تعديَ.

(ولو أعطاه ثوبًا ليخيطه فخاطه قَباءً، وقال: "أمرتني بقَطْعِهِ قَباءً"، فقال: "بل قميصًا"، فالأظهر: تصديق المالك بيمينه)؛ لأن القول قولُه في أصل الإذن، فكذا في صفته، والثاني: يصدق الأجير، لأنهما اتفقا على إذنه في القطع، والظاهر: أنه لا يتجاوز إذنه، والأصل: براءة ذمته.

(ولا أجرة عليه) بعد حلفه، لأنها إنما تجب بالإذن، وقد صدقناه في عدمه.

(وعلى الخياط أرشُ النقص) لأنه إذا انتفى الإذن .. فالأصلُ الضمان، وفي الأرش الواجب وجهان: أحدهما: ما بين قيمته صحيحًا ومقطوعًا، وصححه في "المهمات" تبعًا لجماعة (1)، والثاني: ما بين قيمته مقطوعًا قميصًا ومقطوعًا قَباء، واختاره السبكي، وقال: لا يتجه غيره، لأن أصل القطع مأذونٌ فيه، وعلى هذا: إن لم ينقص أو زادت قيمته عن المأذون .. فلا شيء.

* * *

(1) المهمات (6/ 169).

ص: 419